الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عارية القلبين (مرثيّة جيسّي)

إيلي الزين

2012 / 4 / 23
الادب والفن


أمّي! كلَّ يوم أزرع صوتك في حنجرتي، وأغسل عينيّ الصغيرتين بدمعة من لون عينيك. أجلس كالمسكوب في زاوية ملأى بالوجوه. أقول ذا وجه أمي، بل هذا الراحل العينين... وأنا كلمى دروبي.

أمّي! اسمك يخضرّ على شفتيّ. أنتظر الصيف ولا أقطف الثمر. قذفني حبّك إلى حضن الألم، ما كان أجمل أن أصمت فيك، من كلامي المخيّط بالصمت! تعبت يداي من البحث عنك في رِعشة جفنيَّ الناعسين. وأعود لأسألك يا أمّ الطفلين: أين أنت؟ كيف تواريت أيتها الهاربة من قبلات الدم النازف قطرات من فداء؟ لكنّك الضائعة تبحثين عن منفى. هوذا أبي يسكن موجاتٍ من الرحيل. كيف تبقين بلا نخيل، يا أمّي؟! تعالي رطّبي أحشاءك.

وأنا فتاة شرقية سمراء. لعنة أنا. يسبيني قومي، يطلي عينيّ بلون الغبار، شرفي منقصتي، ويحي بدونك يا أمّي!

لو تنظرين إلينا! آه، لو ترين أبا السمراء تسكنه النهدات! افترش اليأس صدره المرميّ في أكياس من صلاة. كلَّ يوم يجلس إلى طاولة ثكلى، فمه كسيح، وعيناه خريفيتان. أستمعتِ إليه يداعب الأوجاع بصغار القبلات؟ آرجفةً جامدةً في صدر محموم! كيف يظلّلك النسيان، وأنا العارية القلبين؟!

لو تكرمين عليّ بصورة من وجهك المنسيّ خلف المزامير البائدة. اشتقت إلى عينيك، إلى خدّيك الغجريين، وإلى شَعرك المنسلّ من العتمة. اشتقت إلى آهي تجرعها أذنك ولا تثمل...

لكنّك المنسيّةُ ابنتُها، يا صخرتي الساقطة من جبل الصعود! حتّامَ ترشحين كسوف الزمن؟ إلامَ وظهري معتِّق الأوجاع؟! آه أمّي! صقيع الأمكنة يسكن بيتنا الكوخيّ، وأهلي نصفٌ يموت. وأنت أنت الورد يرتوي من دموعي المنسابة على حجارة الزمن الأسود.

ستعلم النائحات أني مطوَّلات من البكاء على ضريح القتيل أخوها، وأني طيف بلون الأزمنة المصلوبة خلف الوجوه. قوليني أمّي كلمة تعبر البحر، أو اعبري، فوجهك صوت مكسور على شفتي أبي المقعد فوق الزفرات.

مسكين حبيبك يا أمّي، كان يفتّش عنك فأضلّ الطريق ومات!

ترفل الآه في حلقي، وحدها رأت قمر العيد، وخبّأتْه في فمها.

قومي انفضي الشتاء عن أهدابك يا إيلان، وكوني أمّي أشدُ البقاء. كوني عشتار، كوني مريم... أو كوني أبي؛ كونيه يجمع الصمت لقبر جديد.

آأمّي! رحمي مسكون بتعييرات الأجيال، يلد الفراغ العاقر كلَّ يوم، وثدياي لا يطعمان. حتّامَ لا يمتدّ ذراعك وسادة لرأسي المرسوم في عيون اليتامى، ولا تطعمني يداك إلاّ سمكاً برّياً؟! حتّامَ يا أمّي تبقين أمّ الغُصَص الرُّضَّع من رجوف قلبي؟!

كلّ يوم أزرع صوتك، ولا أراه يزهر، وعيناي أكلها الشتاء، فتعالي رمّمي القبر بلحمي الأسمر، واقرأيني رسالة حزن تمطر صقيع اللحظات على جسد أبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً للحرف الأنيق
مروان المغوش ( 2012 / 5 / 1 - 21:59 )
من بعد التحية
لغةٌ حنون وعاطفة ذكية
من إبداع إلى إبداع
تحياتي

اخر الافلام

.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس