الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن لم تستطع التغلب عليهم فكن معهم !!! (1)

المختار بن جديان

2012 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أعربت وزارة الخارجية التونسية على لسان وزيرها –رفيق عبد السلام- عن أسفها العميق إزاء ما يحدث من اقتتال بين كل من شمال السودان وجنوبه المُستقل حديثا، مُناديا الطرفان المتنازعان عن الأحقية النفطية في منطقة –أجليج في كردفان – لضبط النفس والعمل بقاعدة الهدوء لعدم الزج بالمنطقة في حرب شاملة.
هذا النبأ يُعد عند المواطن العادي – أمر عابر- ويرتقي إلى مرتبة الوجوب من حيث أعمال الدولة تُجاه قضايا في هذا الصدد، فسياسة التنديد أسلوب كل دولة عربية، إلا أنه و في المُقابل يتساءل المقارن بين ما كان عليه رجال الحكومة في ثمانينات وتسعينيات حركتهم الحاكمة، التي تتربع على العرش الرئاسي التونسي، وبين الذي جعل من –رفيق عبد السلام- يدعو إلى التهدئة وهو رجل سياسي مُحنك ويعي تماما أن الجنوب السوداني ظالم لأخيه في الشمال، ومُتورط جدا مع المشروع -الصهيو-أمريكي-.
رغم علم الحركة الحاكمة في تونس بأن –جوبا- تغوص في غيابات الصهيونية، وظلاميات المشروع الأمريكي الخبيث، إلا أنها صرحت على لسان وزير خارجيتها بدعوة إلى الهدوء، ولم تتبنّى الرؤية النضالية للبشير صاحب الأرض والبيت في السودان، والمحكوم عليه بالسجن داخل بيته بعد أن فُرضت عليه عقوبات قاسية من لدن أهل البهتان.
الأمر أصبح واضحا للعيان في السودان، خاصة بعد أن قرر الكيان الصهيوني –إرسال قوات بوليسية- لدعم القوات الجنوبية، وهي في حالة انتظار لتفعيل هذا القرار أمميا بعد أن تنتهي منظمة الأمم المتحدة من إنهاء آخر أدوار مسرحيتها، في أن تُوهم الرأي العام العالمي بمرحلة النقاش حول إمكانية إرسال هذه القوات من عدمها.
فالقوات ستُرسل شاء -البشير- أم أبى، وسنشهد قريبا صراعا شرسا في صلب السودان، وسنعيش مرحلة سوداء جديدة تحاكي الخميس الأسود سنة 1929 بين كل من فلسطين والأردن، وسنرى بأم أعيننا قصة قابيل وهابيل في سنواتها المعاصرة فقط لأن –غراب الألفين واثني عشر- لا يهاب التحليق في السماوات العالية.

تساؤلات ؟؟؟

لماذا تتناسى الحركة الحاكمة أنها في يوم ما كانت هذه الأرض في مُقلتيها شمس لا بد من إشراقها، يجب قطع أوصال كل من يسعى إلى تقسيمها ؟، لماذا ينقلب حالها اليوم من وضع مناصر للقضايا المصيرية للمنطقة العربية ونضال حقيقي ومصيري من أجل مفهوم الهوية والسيادة العربية، إلى حركة صماء بكماء تضع يديها على فاهها وأذنيها مدعية الحياد ؟.
من هذا المنطلق تثبت زعامة هذه الحركة الجديدة، وينفضح –لوكها- الجديد بعد أن لبست جبة جديدة أحاكتها لها أياد خفيه أرغمتها الانحناء إليها؛ لقد استطاعت القوى الدولية أن تلف البساط من تحت قدمي الحركة الحاكمة في لحظة برزخية بعد أن أعطاها الشعب أصواتا حقيقية توسمت في مشاريعها بكل خير، وكسبت حب الشعب وفق مستويين اثنين؛ أما داخليا فمن خلال تعبئة الشعب –وجدانيا- في اتجاه حكم جديد في تونس سيقلب حال التونسيين من تعيس إلى متفائل، ومن عميل إلى سيادي، وجاء كل هذا بعد أن بسطت شعارت رنانة نادت بالدفاع عن الدين والهوية ومحاسبة الظلمة بخاصة –صاخب نظرية – أنا فهمتكم -.
ثم شعبيا من خلال تركيز بُؤر ضغطٍ على الأُميين وإقناعهم باختيار الحمامة كرمز يطمح إلى التحليق بتونس عاليا ليردي الغراب الأسود قتيلا ولتتلاشى بمقتضى موته مصادر بث الفتنة في قلوب العرب، وبقي أولئك العاديين من الشعب الذي توسموا خيرا في النهضة وظنوا فيها ظنا حسنا بأنها ستقوم ببسط نماذج حقيقية في التشغيل والعيش الكريم ورفع تلك المظلمة التي خلفاها النظامين السابقين في زهرة العرب.
إلا أنه ومنذ أن إحضوضبت المنظمات الأمريكية حول العقلية التونسية في المرحلة الأولى من الصُداع الثوري، أصبح الأمر واضحا لكل التونسيين بان –القطب الأمريكي- قد نجح في عملية تخريف الربيع العربي وقلب طقوسه لمصالحه الذاتية، وجعله ورقة من تلك الورقات التي ستساعده على بسط أخطبوته السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة العالمية بخاصة العربية.
خارجيا الآن استطاعت الحركة أن تُقنع الإدارة الأمريكية في وقت سبق الانتخابات بأنها الأجدر لمنحها فرصة الحُكم الجديد في تونس، بعد أن رأت تلك الجماهير العريضة تستقبل كل من -العريض والغنوشي- وغيرهم من أسود النهضة بالأحضان والهتافات.
وانطلق بذلك مشروع الدعم اللوجستيكي والسياسي الأمريكي للحركة الحاكمة زمن الانتخابات، ونُظفت كراسي الوزراء الجدد من غبار التجمع، الذين تأنقوا بأنقى البدلات وتدربوا على ألطف الابتسامات، وبدؤوا في العمل –بكل حزم- لبناء تونس الجديدة بنوع من القِدم الوجوبي الذي أملته عليهم القوى التي ساعدتهم بالمادة والمعنى، لتضمن سرمدية مصالحها في المستقبل.

اللون السياسي الجديد في تونس !!!

الحكم في تونس حتى وإن كان ثلاثي الأبعاد إلا انه لا يخلو من تلك اللمسات السحرية لمراكز الضغط الأمريكية التي تُرجمت إلى أحضان دافئة بين كل من -الجبالي وجون ماكين-، ولقاءات جريئة لقائد الحركة في مؤتمرات يتقاسم فيها المكان مع العدو الصهيوني الذي نكس العرب سنة 1967 والذي ما زال يُنكِّس قُدسنا الشريف ويُمزق أراضينا العزيزة إلى أشلاء.
لقد نجح ملف النهضة في إقناع الدوائر العالمية بجدارتها للبقاء على سدة الحكم في تونس، بعد أن ضمنت ضعف المعارضة السياسية التي لم تقنع الرأي العام بأحقيتها وجدارتها، فقط لأنه اتضح بأنها لا يمكنها أن تفقه السياسة سوى في بيئة قمعية وتعسفية، وانكشفت بأنها لا تستحق الحرية والديمقراطية التي ناضلت من أجلها.
فهي تلعب لعبة مكشوفة وغبية جدا، تستهدف من خلالها أمن البلاد وأمن مواطنيها، وتحولهم إلى –كوتشينة- تُقامر بها فإن فلحت استحقت عن جدارة -التاج الأمريكي- وإن فشلت بُعثت إلى سجِّيل الأرض الدفين، لتُعذَب بنار قاسية، فقط لأنها لم تعرف كيف تقُنع أمراؤها.
اليوم أصبح التونسي مقتنعا جدا بأن النهضة تغيرت في نظامها، وتبدلت في ملامحها السياسية، بعد أن كانت حريصة في الدفاع عن القضايا العربية المصيرية وخاصة منها القضية الفلسطينية التي لم تُحرك من أجلها ساكنا زمن الغارات الحديثة على قطاع غزة، ورأت في نفسها ضرورة التقيد بالأمر الفوقي الذي أمرها بتصريح حول القضية السودانية خدمة لمصالحها.
لقد غادرت النهضة عرين المبادئ وابتاعت لنفسها بيتا زجاجيا غير قابل للتكسير سوى بضغطة زر من لدن القوى التي نصَّبتها، وأصبح قادتها يجلسون على كراسي وزراء أمروا بتعذيبهم فيما مضى، لتمتزج في دواخلهم النقمة برد الاعتبار في لحظة انفعال يُنسى فيها الشعب وتُحشر مشاكله بين دفاتر بدأ يتكون فوقها –غبار نسيان جديد-.
عندما يقرأ المُناصر لحركة النهضة هذا الكلام لن يتردد في تكسير شاشة حاسوبه أو تمزيق ورقة الصحيفة التي بين يديه، لأنه مُخدَّر ببراعة بحقنة اسمها –المستقبل الواعد صحبة الحركة الحاكمة- ... ستتلاشى كل مبادئه التي اعتنقها يوما ما وستتراءى لنفسه مصالحه الذاتية، لأنه مل الانتظار لشغل قريبا قد يغنيه فقرا شديد.
والأمر مُبرر جدا فلكل منا محرابه الخاص يبتهل فيه بابتهالاته الخاصة؛ فمنا من يرضى لنفسه الوخز بإبر ناعمة ومنا من يرضى لنفسه وخز المسامير الموجعة.
مقابل كل ذلك أريد أن أطمئن رواد حركة النهضة ومناصريها بفوزهم -إن شاء الله- بالحكم الجديد في تونس فقط لأنهم أقنعوا –رأس الاخطبوط-، ولحسن حظهم ينفردون بالساحة السياسية التونسية بعد ان فشلت المعارضة في مجابهتهم.
ولكن رجاء فلتنتبهوا انتم وحركتكم للأجيال القادمة التي ستثور عليكم بعد ستة وخمسين عاما بالتمام والكمال -فقط فلتنطلقوا في العد من الآن-
-----------------------------------------------------------------------------------------
• كاتب وناشط صحفي تونسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات