الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقات والصراع الطبقي

سهر العامري

2012 / 4 / 26
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012



يظل الصراع الطبقي العلامة الاكثر وضوحا على تناحر الطبقات الاجتماعية في هذه الدولة أو تلك وعلى هذا يمكن لي القول أن التراجع الحاصل في دور طبقة العاملة بعملية الانتاج كما ونوعا لا يلغي أبدا ذلك الصراع الذي بدأ قبل ظهور الطبقة العاملة ، تلك الطبقة التي قادته تاريخيا بشكل أفضل بكثير عن قيادة الفلاحين له في ثوراتهم ضد الاقطاع ، وفي سنوات ما قبل التصنيع التي لم تفض ِالى نتائج حاسمة ، مثلما أفضت إليه ثورات الطبقة العاملة وممثلوها في اعتلاء دفة الحكم واستلام زمام السلطة في أكثر من بلد .
إن امتلاك وسيلة الانتاج ، والدخل الذي يحصل عليه الفرد هما من أهم السمات التي تأخذ بهذا الفرد نحو هذه الطبقة أو تلك من الطبقات المتصارعة في مجتمع ما ، وفي وقتنا الحالي يتركز هذا الصراع بين الطبقة العاملة من جهة ، وبين أرباب العمل من جهة أخرى ، ورغم النقص الحاصل في اعداد الطبقة العاملة في البلدان الغربية عموما لأسباب عدة ليس من بينها التطور التكنلوجي فحسب حيث حلت الآلة محل قوة العامل في الكثير من مواقع الانتاج ، وإنما لجملة من أسباب أخرى تتمثل بالأعداد الكبيرة للدارسين والمتقاعدين مقارنة مع أعدادهم قبل خمسين سنة منذ الآن ، يضاف الى ذلك الزيادة الكبيرة في أعداد العاملين في القطاع العام ( الدولة ) من مثل المعلمين والمدرسين والكوادر الصحية على مختلف عناوينهم . مثلما أدى انتقال الكثير من المصانع في الدول الغربية الى البلدان الأقل تطورا منها الى تقليص عدد العمال في تلك البلدان وزيادتها في البلدان الصاعد في النمو مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية .
هذا التبدل بوضع الطبقة العاملة في البلدان الغربية لم يقف عند هذا الحد ، وإنما صاحبه تبدل آخر في حياة العمل تمثل بتركيز الثروة عند أسر معروفة من خلال امتلاكها للبنوك ، أو لصناديق الائتمان ، كما زاد عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة منذ مطلع السبعينيات في السويد مثلا ، وقد تراوحت حصتها من قوة العمل ما بين 8- 10 ، يضاف الى هذا التبدل تبدل آخر هو أن النساء تشكل الأكثرية الغالبة من العاملين في القطاع العام في السويد الآن مقارنة بعدد العمال الذين كانوا يعملون في المصانع في بداية الستينيات من القرن المنصرم . ويمكنني القول : إن السويد دولة تديرها النساء!!
مما لا شك فيه أن الظروف الاجتماعية بالنسبة للطبقة العاملة قد تحسنت في البلدان الصناعية في الوقت الحاضر عن تلك الظروف التي عاشتها قبل نصف قرن من الزمان ، فقد بلغ الراتب الشهري لعامل سويدي ، خريج مرحلة التعليم الأساسي ( المتوسطة ) ، يعمل في مطبعة ، أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة دولار شهريا ، في حين بلغ راتب موظفة عراقية ، خريجة الجامعة التكنلوجية ، وامضت ثلاث عشرة سنة في الخدمة ستمئة دولار . هذا التحسن لم يقتصر على الدخل الشهري فقط ، وإنما شمل ظروف العمل ، العطل ، الرعاية الصحية ، السكن ، النقل ..الخ ، ولكن مع هذا تظل الطبقة المتنفذة في البلدان الغربية تتمتع بدخول شهرية أعلى بكثير من تلك الدخول التي كانت تتوفر عليها قبل خمسين سنة من الآن .
لقد عادل راتب أحد مدراء المصانع في الوقت الحالي رواتب أكثر من خمسين عاملا في ذلك المصنع ذاته ، بينما كان راتب مثل هذا المدير في مطلع الخمسينيات يساوي رواتب ثلاثين عاملا تقريبا ، وهذا الفرق الشاسع في الدخول الشهرية بين العمال والمتنفذين من أرباب المصانع هو الزيت الذي سيظل يوقد نيران الصراع الطبقي ما بين العمال من جهة ، وبين أرباب العمل من جهة أخرى خاصة في هذا الوقت الذي يتزايد فيه ضيق حلقات ماركس الحلزونية في الأزمة الاقتصادية التي تطوق عنق الرأسمالية في البلدان الصناعية المتطورة ، تلك الأزمة التي أدت الى افلاس الكثير من البنوك ، والشركات ، مثلما زاد في عدد العاطلين عن العمل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا بدوره أدى الى ظهور أعداد غفيرة من الفقراء الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء .
لقد شاهدت مرة ، وأنا في زيارة للعاصمة الفرنسية ، باريس ، أعدادا كبيرة من الفقراء ، رجالا ونساء ، في حديقة تقع في قلب العاصمة تلك ، وكان هؤلاء يقفون في طابور طويل من أجل الظفر بقطعة من خبر وعلبة من حساء ساخن تقدمه جمعية " خيرية " ! لهم على المذهب الاشتراكي للفيلسوف الانجليزي جورج بركلي القائل : الأغنياء يساعدون الفقراء !!
حينما رغبت بتصوير طابور الفقراء ذاك بكامرتي التي أحملها معي هرع نحوي اثنان من الرجال يريدون منعي من التصور ، ولكنني رغم محاولة المنع هذه قمت بتصوير ذلك الكم الكبير من ضحايا الرأسمالية ، والتفاوت الطبقي ، هذا المنظر الذي راح ينتشر الآن بصورة أكثر وضوحا في شوارع وساحات المدن الأمريكية سيدة الرأسمالية العالمية بعد أن ازداد عدد العاطلين فيها على أكثر من ثلاثين مليون انسان من الذين لهم مقدرة على العمل.
تلك هي صورة البطالة في البلدان الرأسمالية ، ولكننا نراها بوجه بشع آخر في بعض البلدان العربية خاصة في مصر والعراق حيث تتزايد أعداد الخريجين في الجامعات سنوية دون أن تتوفر لهم فرص عمل في مجال اختصاصهم أو حتى في مجالات ليس من اختصاصاتهم الجامعية ، وعلى العكس من ذلك فقد تقلد بدلا عنهم اشباه الأميين مناصب مهمة في الدولة ، وصار نصيب الكثير منهم في أحسن الأحوال هو أن يتحول الكثير منهم الى باعة رصيف ، بينما راح البعض الآخر منهم ينضم الى صفوف البروليتارية الرثة كعمال في المطاعم مثلا ، هذا عن الذكور أما عن الإناث فحدث ولا حرج ، فالغالبية العظمى منهن تقطن البيوت .
إذا كانت الزيادة الكبيرة في نسبة الفقر والفقراء مفهومة في مصر لأسباب تتعلق بشح الموارد فيها مقارنة بالعراق ، فإن ازدياد تلك النسبة بشكل مخيف في العراق غير مبرر ، وذلك لعظيم الموارد النفطية العراقية التي تعد بمئات المليارات من الدولارات سنويا ، ومع هذا فقد صار الكثير من العراقيين يسكنون المقابر في أكثر من مدينة عراقية ، حتى أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر قد بلغت ما يعادل ثلث مجموع السكان . وهذا الوضع انعكس بنتائجه المزرية على قطاعات واسعة من الناس خاصة على الطبقة العاملة العراقية بعد أن تعطلت الصناعة في العراق إلا فيما ندر ، مثلما تعطلت الزراعة الحديثة التي تعتمد على المكننة والعمال الزراعيين .
إن فقر الصناعة والزراعة في العراق ، وسوء التخطيط والإدارة ، وانعدام الرؤية الصحيحة في ترسيخ أركان الدولة ، وانتهاج سياسة استيراد مدمرة ، والاعتماد الشبه كلي على واردات النفط أدى كل هذا وغيره الى ضمور كبير في أعداد العمال بالعراق ، وهذا بدوره قد أدى الى ضعف تأثيرهم في الحياة السياسية ، وصار من الصعب عليهم قيادة عمل جماهيري منظم يؤدي الى تغيير مهم في البناء السياسي للدولة التي تبيع النفط وتعيش على وارداته في ظل قولة ما انفكت ابواق الحكومة في العراق ترددها بمناسبة أو دون مناسبة وهي أن انتاج النفط سيزداد في العراق ليبلغ اثني عشر مليون برميل في اليوم ، وقد نست تلك الأبواق أن الزيادات الحاصلة في انتاجه لم توفر فرص عمل للآلاف الكثيرة من العاطلين عن العمل ، مثلما لم تقلل من عدد القاطنين مع الموتى في مقابر النجف أو ديالى .
في النهاية لا بد من التسليم بحقيقة تقول : إن الصراع الطبقي لن يختفي أبدا ما دام التفاوت في الدخول ظل قائما ، وما دامت هناك قلة تأكل ، وأخرى تتضور جوعا ، وليس شرطا أن يحتدم هذا الصراع في ساحات وشوارع المدن ، وإنما قد يحتدم على صعيد سن التشريعات والقوانين التي تحفظ للعمال والكادحين حقوقهم في ثروة بلد ما ، ولا بد لهؤلاء من أن ينظموا صفوفهم في حركة سياسية تقودهم في صراعهم المستمر ذاك ، تلك الحركة التي يقع على عاتقها النصيب الأكبر من الكيفية التي يمكن لها أن تدير بها الصراع المذكور بنجاح جلي ، يؤشر على صواب سياسة هذا الحزب أو ذاك في قيادته للطبقة العاملة ، وفي أي بلد من البلدان التي تمر بمرحلة من التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة ، وعلى هذا الأساس يجب على هذا الحزب عدم السماح بقيادة ذلك الصراع من قبل قوى خارجية ، مثلما هي الحال في البلدان العربية ، والكثير من بلدان العالم الثالث حيث استطاعت تلك القوى الخارجية على مدى سنوات طويلة أن ترسم هي شكل وطبيعة الحكم في بلدان كثيرة من ذلك العالم ، ففي الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية استطاعت تلك القوى أن تنصب حكومات في العراق وفي بلدان العالم الثالث تنحدر من الطبقة البرجوازية الصغيرة ومن ممثلي الطبقة الوسطى وبنزعة قومية ، وهي القوى ذاتها التي تعمل اليوم على تنصيب ذات الحكومات ، ومن المنحدرات المذكور ، ولكن بنزعة الاسلام المعتدل ، وهذا ما يتجلى يشكل واضح في العراق وتونس وليبيا ومصر التي لا تزال عملية التنصيب جارية فيها للآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن