الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات امرأة منفية

كافي علي

2012 / 4 / 24
الادب والفن


أنكش رمادي باحثة عن جمرة المنتهى، لكن هذا الرماد يحمل أثقاله وقسوة الأيام وخز إبرة في ضمير الذكريات. كيف لنا أن نتعلم من الخطأ ونحن الخطأ الأكبر في هذا الوجود. مدينة الجهل سيدها القادر المقتدر على هلاك أهلها بيسر دون عسر، خوفها نغل يتناسل، والعتمة تجثو على صدرها تشد عليه وتكتم أنفاسه. بلا صواب أهرول من ركن إلى ركن ومن زقاق لآخر، أبحث عنك متلفعة بسواد الليل وعباءتي، متحاشية رصاص القتلة المبعثرين على امتداد الطريق. ألمح من بعيد ظل رجل أعرفه جيداً، يغويه اللهو مع الموت ويعشق التسكع في طرقاته. أستوقفه وأسأله عنك فيشير بسبابته إلى حشد من الملثمين يطوفون حول جثة أجهضها الرصيف كوثنيين يطوفون حول قربان للرب. ألملم خوفي وأطلق صرخة الرحمة بأن لا تكون أنت ذلك القربان.
يبللني العرق فأفتح عينيُّ لأبصر ضوء النهار وقد اخترق نافذة الشرفة تاركاّ خلفه المصباح المعلق بسقفها يهتز بانتظام وكأنه بندول تدلى من السماء ليختصر بتأرجحه زمن البقاء. تقودني سياط الكابوس والذاكرة لساعات حب سرقناها من لب الخراب...عمق الألم ...ومن ضجيج الصرخات. لم يكن يفصل بيني وبينك غير طبق تلتقط ما فيه من طعام، تعمده بقبلة وتدسه في فمي لأنك تريد لطفلك العائم في احشائي ان يكون قوياً. كانت الكلمات تنزلق من شفتيك ناعمة كحبات المطر، صادقة كضحكات الأطفال قبل أن تغتالها أستغاثات جارنا الذي هجم عليه الملثمون. لم تكن تنتمي لغير فطرتك عندما رميت ما بيدك وانطلقت مسرعاً تلبي نداء استغاثته.
يفر صوت الرصاص من الذاكرة ويتداخل مع صوت الموسيقى القادمة من الطابق السفلي. العجوز السويدية الشقراء أعتادت شرب قهوتها الصباحية وهي تصغي لسمفونية بحيرة البجع لتشايكافسكي. هذا ما قالته لي وهي تمسح بيديها على رأس كلبتها الراقدة في حضنها وتجرني بغنج خلفها لتريني اجزاء الشقة التي أنوي استئجارها . طلبت منها أن لا تغير شيئاّ في المكان حتى يصدر القرار بأمر لجوئي وحصولي على الاقامة.
كنت أرتعد خوفاً عندما خرجت خلفك أتوسل اليك أن تعود وتتركهم وشأنهم، ما لنا والمروءة في مدينة رحمها مشوه لا ينجب سوى العنف. قبضت علي بكل ما لديك من قوة وقذفتني إلى الداخل، أمرتني بأن اظل مكاني ولا اغادر المنزل. توترت ساقاي واعتلتني رعشة بددت حر آب، وكأن يد الشيطان هزتني، لطخت ثوبي بالدم وأسقطتني في هاوية الانتظار. في المستشفى أخبرتني إحداهن مازحة بأن بيتنا تضمخ برائحة كريهة سببها اختلاط الطعام بالدم وعندما سألتها عنك، تموجت سحنتها وقالت أن عملية البحث عنك وعن جارنا الذي اختفى هو الآخر مازالت مستمرة. و كما أختلطت رائحة الطعام الفاسد بالدم، اختلطت رغبتي في الحياة مع الموت ولم يبق سوى الخواء فكان لا مفر من الرحيل.
هنا في زمهرير غربتي أستدعيك...أكرر توجيه الدعوات اليك... أعد لك مائدة العشق التي ألفناها، ودونما خجل أقف بزهو أمام المرآة. البس أجمل ما عندي من ثياب وأقرر أن أكون ملكة جمال اللحظات. ولا يفوتني أن اكحل عينيّ بنفس الجنون الذي عشقته فيهما وأنتظر...أنتظر...أنتظر. سألني المهرب وهو يقبض من جسدي ما تبقى من ثمن صفقة التهريب عن الحب. غرقت في صمتي وعبارة تقفز في رأسي كطفل مشاكس يرفض الإنصياع لوالديه. مالي وللحب! لي رجل يتعبد جسدي كل يوم مرة او مرتين. الحب نشوة تفوح برائحة الوطن والدم المُراق. اعود وادور في مساحة وحدة قياسها الزمن المستلقي على تقاطيع وجهي بين المرآة والمائدة..المائدة والمرآة حتى أسمع خطاك خلف الباب . ها انت تدنو من باب روحي شيئا فشيئا، أهم بلقائك وبلهفة الجياع لرغيف الخبز أفتح الباب فيدفعني هواء بارد يجتاح المكان. يسخر يومي مني من جديد، أغلق الباب خلفي وأعود أسحل خيبتي إلى المائدة، ألتهم ما عليها من طعام ثم أحمل حقيبتي وأغادر الى العمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا