الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوب الديمقراطية الفضفاض

خالد صبيح

2005 / 1 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يحاول الكثير ممن يريد أن يبرر ويسوغ أسباب ضعف وتلكأ البناء السليم والمناسب للمضامين الديمقراطية في الحياة السياسية العراقية الآن اللجوء إلى مرجعيات خارجية كتاريخ العراق المليء، عبر أزمنته المختلفة، بالعنف والاستبداد والى اثر هذا الإرث في جبل الشخصية العراقية على إنتاج وإعادة إنتاج الاستبداد وبمحاولة الإيحاء بان في شخصية كل فرد عراقي يكمن هناك مشروع لمستبد.
وفي واقع الأمر إن هذه الصفات والمداخل التحليلية تصلح من الناحية الموضوعية لتوصيف الشخصية العراقية ولكنها، بجوهرتها للشخصية العراقية، تحيل الأمر من زاويته التاريخية الموضوعية المقبولة علميا إلى شكله الغيبي الذي يحصر الشخصية وبالتالي المجتمع داخل هذا الحكم ويغلق عليه بالنتيجة دائرة التحول المفترض أنها صفة مطلقة تؤثر في تكون ومسار الحياة والإنسان. ولا يغيب عن النظر الفاحص خلفية أو أهداف هذه النظرة التبريرية التي تريد إحالة النواقص والقصورات الذاتية، التي تعود بشكل أساس إلى إرادة الإنسان وصدق نواياه وعلى جديته في البحث عن مخارج مناسبة لإحلال عملية التحول وفتح الطريق أمام مساربها لتحقق فعلها ووجودها في الواقع. أقول تريد هذه الممارسات التبريرية ـ وهي لنخب سياسية وثقافية ـ أن تصرف نظر المواطن عن قصوراتها في الممارسة باعتبارها نخب عليها أن تلعب دورا بنائيا وتنويريا في صياغة وعي المجتمع والفرد بما يتناسب وطموح بناء العملية الديمقراطية المطروحة بإلحاح كشعار وكتوجه. وممارسة كهذه تؤدي فيما تؤدي إليه، برأيي، إلى إغلاق وعي المواطن وتؤسس لعجزه الدائم ومحاولة شل قدرته النقدية التي يمكنها أن تعينه على تقديم الرؤية والموقف السليم حول القوى السياسية والاجتماعية المتحركة في الساحة السياسية العراقية.

صحيح إن الواقع يحوي الكثير مما يعشي الأبصار من الإشكالات والمعضلات بعضها، بنبوي تكويني تكرس عبر سنوات وعقود، وبعضها الاخر ثمرة لمرحلة حكم الانحطاط ألبعثي، إلا أن بعض من هذا التكوين السيئ جاء، بتصوري، نتاجا وامتدادا لطبيعة تكوين القوى البديلة، وهي هنا المعارضة السياسية العراقية، التي كان يفترض بها دورها وموقعها إنها تشكل النقيض الجذري لكل ممارسات النظام ألبعثي وللمكونات الثقافية والاجتماعية التي ساعدت على فرزه واستفحاله. لكن افتراض الموقع والسلوك النقيض هذا لم يجد له في واقع القوى السياسية إلا انعكاسا ضئيلا ومحدودا. فغالبية القوى السياسية العراقية، عجزت وتعجز، مهما رفعت من شعارات تمجد الديمقراطية وقبول الآخر، لأسباب بنيوية نتجت عن خلفياتها الأيدلوجية والتنظيمية ذات الطابع الشمولي، عن استيعاب هذه المفاهيم في الممارسة اليومية. فلا ينفع المواطن في شيء أن الأحزاب السياسية ترفع شعارات تؤكد على تبنيها للديمقراطية بينما هي في حياتها الداخلية ونظمها الحزبية لا تنتج غير الفرد ـ الناشط السياسي المالك للحقيقة ـ المستبد. وكاستدلال بسيط على هذا التصور، ليجرب، أي منا أن يدير حوارا مع أي شخص ممن تربوا داخل المؤسسة السياسية المعارضة، يدعي نزعة قبول الرأي الآخر وحق الاختلاف فسيجد نفسه يصطدم بجدار أصم من القناعات المقدسة للثوابت التي عليه أن لا يمسها أو يقترب منها، كمكانة القادة السامية وقدسية الرموز واصالة الحزب وعراقة نضاله.. الخ أو في أحسن الأحوال يتفق معك المناقش للحدود التي تقبل النقد مع طرح المبررات، التي هي قسرية دائما، التي حالت وتحول دون قدرة حزبه على تخطي الصعاب.
لم اسمع شخصيا عن أي حزب سياسي، رغم كل الكوارث، انه مارس نقدا واضحا وشاملا لمسيرته السياسية أو برامجه. فهو ـ الحزب ـ في كل التناقضات يرى انه كان محقا ولديه دزينة من الأعذار التي تبرر وضعه ذاك.

بما انه، أحيانا، يمكننا معرفة الكبار من خلال سلوك الصغار فليتابع، للاستدلال مرة أخرى، أي شخص لديه امكانات فنية على أن يزور غرف الحوار( البال تولك) على شبكة الانترنيت ويرى بنفسه عشرات الأمثلة المتكررة عن سوء فهم وإدارة الممارسة الديمقراطية رغم ضيق دائرة النقاش ومحدودية تأثيراته. وسيعثر هناك كذلك على عشرات المستبدين بآرائهم والمغلقين على قناعاتهم من الذين لديهم استعداد لممارسة كل أشكال الإقصاء والقمع التي تتيحها امكانات التكنلوجيا في الشبكة بحق من يقف ضد قناعاتهم.

أما في دائرة القرار السياسي الأعلى في مراكز الحكومة والطبقة السياسية العليا فسنشهد عشرات الأمثلة المشابهة، وان بصورة خفية، على من لا يفهم من الممارسة الديمقراطية غير اسمها. فهل سبق لكم وان رأيتم همة وحماسة مارسها (حازم الشعلان) لردع من يقوم بترويع وقتل الشعب العراقي مثل تلك التي أصابته حينما مسه ( احمد ألجلبي) وشكك بذمته ونزاهته؟ الم تروا كيف أزبد وأرعد وسافر وهدد بشكل لم يقم به من قبل حينما روع المواطن المسكين وهدد أمنه المناطة مسالة حمايته بوزارة الشعلان المنشغلة بالمهاترات.

لا يمكننا في ظل هذه الظروف نكران أن ثوب الديمقراطية واسع علينا جميعا وان على جميع النخب السياسية والثقافية أن تبذل جهدها لكي تعيد تشكيل ذاتها وتركيبتها لتستطيع التناسب مع هذا الثوب ــ التجربة الواسع. لكن مهما يقال عن الوضع السياسي العراقي الآن فهو يبقى مفتوحا على أفاق متنوعة وغنية لكنها قابلة للانتكاس إذا ما جرى تجاهل وتدمير للعناصر الايجابية المبذورة في ارض الواقع الآن. فمهما قلنا في سوءات الوضع العراقي فلا يمكننا تجاهل إن مساحة الحرية في العراق الآن واسعة، ليس بالقياس إلى ماهو موجود في بلدان المحيط وإنما حتى أوسع مما تستوعبه النفسية العراقية، فدائرة النقاشات وصراع الآراء والمفاهيم جارية بطريقة حيوية تبعث على الأمل، رغم بعض ما يشوب هذا الإطار في الكثير من الأحيان من تنغيصات هنا وهناك. أقول إن بذور الايجابية هذه قابلة للإخصاب والنمو لو استطاعت بعض الأحزاب السياسية، ــ التي يعتد بإرثها وتكوينها وما تضمه في كيانها من عناصر مثقفة وواعية وذات تجارب متنوعة وغنية زادت تجربة المنفى من سعة وعمق ونوعية وعيها تؤهلها لان تلعب دورا رياديا في ترسيم خط ناضج للتجربة الديمقراطية. ــ أقول تستطيع هذه الأحزاب أن تأخذ دورها الريادي المفروض لو أنها تخلت عن تحجرها وانغلاقها في اطر الدوائر المصلحية المحدودة القائمة على طلب التحالفات المزيفة ــ بلغ حدود التسول بعض الأحيان ــ وان تنفتح على جمهورها وعلى المجتمع بتقديمها رؤى وطروحات وأمثلة من الجرأة في نقد ذاتها وتجربتها. فهذه الأحزاب تدرك بوضوح أن هناك الكثير والكثير من الأسئلة التي تدور في ذهن وخلد الجمهور وان هذا الجمهور بحاجة إلى إجابات صريحة والى طرح حوار جاد علني ومسؤول يعم المجتمع باجمعه وينفتح على كل الأطر والمكونات الاجتماعية والسياسية التي تدين في جوهرها بمذهب الديمقراطية.

في الختام ينبغي الإشارة إلى انه من بين كل المبررات التي كانت تريد تسويغ الممارسة والفهم الخاطئين للديمقراطية السياسية في العراق يبقى هناك مسوغ واحد يرقى لمكانة السبب الموضوعي المقبول وهو تمرين الديمقراطية..
فنحن جميعا مقبلون على تمارين متعددة في الديمقراطية وسيفوز بخدمة هذا الهدف وبمكانة تمنحه ثقة المواطن وقبوله من لديه القدرة واللياقة الأكبر في استيعاب دروس التمرين تلك وهضمها.

السويد

23-1-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال