الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجغرافيا السياسية للمشرق العربي بعد إحتلال العراق، ما يمكن أن يكون رؤية بوش

سلامة كيلة

2005 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


منذ الحادي عشر من أيلول سنة 2001، أعلن الرئيس بوش عن خطة الدولة الأميركية لتأسيس عالم جديد، من خلال السعي لإخضاع القوى المتمرّدة، عبر حرب على الإرهاب تطال دولاً كثيرة. و حينها تحدّث ريتشارد بيرل عن قائمة طويلة، و بات يشار إلى " الهدف التالي ". و لقد كانت أفغانستان أوّلاً، ثم كان العراق، و هناك هدف تالٍ. و وفق قائمة بيرل فإن سوريا أو إيران هي هذا الهدف في سلسلة تمتدّ إلى السعودية و مصر عربياً، و كوبا و كوريا الشمالية عالمياً.
و ربما تكون المقاومة العراقية التي بدت غير متوقّعة في الرؤية الأميركية، قد أربكت الخطة الأميركية العامة، لأنها أدخلت الجيش الأميركي في " حرب حقيقية "، و في إستنزاف مرهق. و بالتالي أربكت سلاسة خطته الهادفة إلى التغيير المتتالي ل " النظم المارقة " التي تشكّل " محور الشر ". و قد يطرح هذا الوضع إحتمال الإنكفاء نتيجة ذاك الوضع الصعب الذي شلّ كتلة أساسية من الجيش الأميركي، و فرض عليها المحاولات المتكرِّرة لفرض سيطرتها على بلد شاسع، و يحوي مخزوناً ضخماً من السلاح و من الكفاءة العسكرية. لكن سيكون الهجوم هو الإحتمال الآخر، خصوصاً و أن الإنكفاء يعني الإنهيار. و ما يلاحظ من خلال متابعة سياسات إدارة بوش، و من إعادة هيكلة الإدارة بعد إعادة إنتخابه مرّة أخرى وفق خطابه المتشدِّد، و ميله لتعزيز " الجناح المتشدِّد "، أن خيار الهجوم هو الخيار المطروح.
و هنا يجب أن نلاحظ التالي:
1) إن الأزمة الإقتصادية العميقة التي يعيشها الإقتصاد الأميركي هي أساس السياسة الحربية لإدارة بوش، لأنها أساس الميل لتكريس التفوّق الإقتصادي الأميركي في عالم تشتدّ المنافسة فيه.
2) إن الإرتباك و التراجع في العراق سوف يقودان إلى إهتزاز وضع أميركا العالمي، و إلى ضعف قدرتها على المساومة إذا ما أرادت ذلك مع الرأسماليات الأخرى.
3) إن " التفوّق العسكري المطلق " الذي تحظى به أميركا الآن، لن يوصل إلى إستنتاجٍ متسرِّع بأن الحرب في العراق قد جرى خسرانها. خصوصاً أن هذا التفوّق هو ملجأ الإقتصاد الأميركي، و هو الميزة التي تستند إليها في الحفاظ على سيطرتها العالمية.
لهذا فإن الأزمة من جهة و التفوّق المطلق من جهة أخرى، يفرضان سياسة هجومية، و يقودان إلى إستخدام العنف الأشدّ ضد المقاومة العراقية، لكن أيضاً يؤسسان للتأكيد على ضرورة إمعان النظر في " المبادئ " التي بدأت بها " الحرب ضد الإرهاب "، حيث لا بدّ من أن يكتمل تحقُّق الأهداف التي رُسمت على أساسها لكي تتكرّس سيطرة أميركا في القرن الحادي و العشرين.
و بالتالي من الضروري النظر إلى " الخطوة الأخرى " للسياسة الأميركية الهادفة إلى تغيير الأنظمة في " الشرق الأوسط "، و كذلك إلى تغيير الجغرافيا السياسية، بجدّية شديدة. فربما كان الإنتقال في " الحرب ضد الإرهاب " إلى موقع آخر هو المدخل لتجاوز " عقدة " العراق، و إلى لفت النظر عمّا يجري فيه، و بالتالي تعميم اليأس في كل المنطقة عبر إظهار " قوّة أميركا " و مقدرتها على تجاوز مأزقها العراقي عن طريق إحداث التغيير العميق في مناطق أخرى. الأمر الذي يطرح مسألة أن الدولة الأميركية ماضية في سياستها الحربية، و أن " الهدف التالي " بات على الطاولة. هل هو سوريا أم إيران؟ أعتقد أنه سوريا، لأن ترتيب المنطقة العربية هو الذي يحظى بالأولوية في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يفترض حكماً ملاحظة موقع الدولة الصهيونية في قيادته.
لكن هل سيجري التعامل مع سوريا كما جرى في العراق؟ هنا يجب أن ننظر بجدّية للدور الصهيوني في المرحلة القادمة. و إدخال العنصر " الإسرائيلي " هنا أمر ضروريّ، خصوصاً مع " التورّط " الأميركي في العراق، و خصوصاً لتبرير الدعم المالي و السياسي و العسكري الأميركي للدولة الصهيونية. فإذا كان الجيش الأميركي يحتلّ العراق، فإن للدولة الصهيونية مكان و مكانة و دور، حيث يمكن أن يكون جيشها رديفاً للجيش الأميركي ضمن الإستراتيجية الأميركية العامة، و ربما هذا هو الذي يبرّر كل الدعم الأميركي لها.
و إذا كان هناك من يعتقد بأن " الوجود الأميركي المباشر " قد همّش من دور الدولة الصهيونية، فإن المدقِّق في الرؤية الأميركية سيلمس العكس تماماً، حيث يبدو أن دور الدولة الصهيونية الإقليمي قد أصبح ممكناً، كما أصبح ضرورياً أن يندمج الدور الصهيوني في الإستراتيجية الأميركية العامة في المنطقة و في العالم، و أن يكون ذلك " في العلن ".
و إذا كان الذي جرى في العراق منذ الحرب عليه و إحتلاله قد " أزاغ النظر " عن فلسطين، فإن السياسة العسكرية التي تنفّذها حكومة شارون قد رسمت شكل الحلّ، و حفرته بالعنف الدموي، و كذلك أصبح هذا الحلّ مدعوماً من قِبل الإدارة الأميركية. حيث إمكانية الإنسحاب من غزّة بعد " قصقصة " المقاومة، و تصفية كادرات الإنتفاضة، و تدعيم القوى المتحالفة مع الدولة الصهيونية أو القابلة التكيُّف مع حلّها، لتكون غزّة ( ربما ) هي " الدولة الفلسطينية ". و في الضفة الغربية، فقد تعزّزت المستوطنات و جرى تقطيع أوصالها عبر شبكة من الحواجز الأمنية، و أحيطت بالجدار العازل الذي أفضى إلى أن تتحوّل إلى ما يشبه الكانتونات، حيث أصبحت أشبه بثلاثة جزر. من أجل أن يُعطى السكان " سلطة إدارية "، ربما ذات طابع سياسي ما، لكن فقط ضمن حدود " الحكم الذاتي "، دون سلطة على الأرض و الحدود و الأجواء و المياه، و بإعتبار أن الفلسطينيين هم " جالية " تقيم على " أرض إسرائيل ".
و بالتالي فقد أصبحت الصيغة النهائية للحلّ الدائم قائمة بالفعل، و هي لا تلحظ سوى شكل من السلطة للفلسطينيين هو أقلّ من دولة في كل الأحوال، و أيضاً مسيطر عليه من قِبل الدولة الصهيونية. و المشكلة التي تنظر إليها النخبة الصهيونية بقلق هي مشكلة " الكم البشري الفلسطيني " الذي يجري البحث عن حلٍّ له لا ينطلق من دمجه بالدولة، و بالتالي ربما بعيداً عن فلسطين. و هو الموضوع الذي سيكون ساخناً في السنوات القادمة.
لهذا و على ضوء " الإنجازات " الصهيونية، و الدور الأميركي في سياق إعادة بناء " الشرق الأوسط الكبير "، فإن التوقّع أن تعود الدولة الصهيونية لكي تلعب دوراً إقليمياً مكمّلاً و متناسقاً مع الدور الأميركي. و هنا يُطرح وضع سوريا، لتصبح مفصل تغيّرات عميقة تالية:
1) فهي مطروحة ضمن السياق العام للرؤية الأميركية القائمة على مبدأ تغيير كل " الأنظمة المارقة ". و إذا كانت لم توضع ضمن " محور الشرّ "، فقد بدا أنها ليست بعيدة عنه، حيث يمكن تلمّس ثلاثة عناصر تقع ضمن سياسة " تصفية الحساب "، أوّلها: التمرّد على السيطرة الرأسمالية و الميل لتحقيق التصنيع و التحديث، و ثانيها: إدّعاء القومية، و ثالثها: الإفادة من الحرب الباردة و اللعب على التناقضات العالمية. و هذه العناصر هي أساس رسم كل سياسات بوش بعد الحادي عشر من أيلول 2001. و بالتالي ليس من داعٍ لتجاهل وضع سوريا.
2) و هي مطروحة ضمن الأجندة الصهيونية الأميركية في سياق السعي لإنهاء الصراع العربي الصهيوني. و لن يتحقّق ذلك إلا بالتوصّل إلى " معاهدة سلام " مع سوريا، تنهي الصراع و تكون فاتحةً لإعتراف مجمل النظم العربية المتبقّية بالدولة الصهيونية، و قبول دورها السياسي/ العسكري الإقليمي، و " دمجها " في إقتصادات المنطقة من موقع المهيمن.
3) و هي مجال تحقيق " المصالح الإقتصادية " الأميركية، سواء عبر " إعادة الإعمار "، أو " إبدال " أسلحة الجيش، أو كونها الطريق الأقصر لخطوط النفط العراقي المصدّر إلى أوروبا.
4) إنهاء الهيمنة السورية على لبنان و تكريس المصالح الأميركية ( و ليس الأوروبية ) فيها.
و لا يمكن، بالتالي، أن يتحقّق ترتيب مجمل المنطقة دون ترتيب الوضع السوري. لكن كيف يمكن أن يتحقّق هذا الترتيب؟ هل تفكّر الإدارة الأميركية بإخضاع السلطة الحالية؟ أم تفكّر في الحرب و الإحتلال كما فعلت في العراق؟
من متابعة السياسة الأميركية منذ سقوط بغداد، سنلاحظ بأن الإدارة الأميركية قرّرت التغيير و ليس التكييف. و لهذا دخلت في سلسلة من السياسات التي تهدف إلى وضع السلطة في حيّز المنبوذ، و راكمت " الأدلّة " على أنه يشكّل خطراً يجب إزالته. منها التدخّل في العراق و دعم " الإرهاب " الفلسطيني، و إمتلاك أسلحة دمار شامل، و الهيمنة على لبنان. و جاء إصدار القرار 1559 من قِبل الأمم المتّحدة في هذا السياق، و تأكيداً على الرفض العالمي له.
إن الإشارة إلى دور " إسرائيلي " يهدف القول أن معالجة " المعضلة " السورية هي من إختصاص الدولة الصهيونية، خصوصاً أن ذلك يُدخلها في عمق المنطقة عبر التوصّل إلى " سلام " مع سوريا من جهة، و عبر تأكيد قوّتها و تفوّقها من جهة ثانية، الأمر الذي يفرض على كل الدول العربية القبول بالهيمنة الصهيونية و بالدور الصهيوني، من منطلق أن " إسرائيل " هي مركز السيطرة الإمبريالية. لكن أيضاً سنلمس أن هذا الدور يُدخل الجيش الصهيوني كقوّة دعم مباشرة للجيش الأميركي، و ربما هذا هو الذي سيفتح معركة تغيير الوضع في إيران.
في هذا الوضع ربما تكون " عملية عسكرية إسرائيلية " أمراً محتّماً، من أجل تكريس الدور الإقليمي الصهيوني، و فرض " معاهدة سلام " من جهة، و كذلك من أجل " تدخّل " أميركي يُحدث تغييراً أساسياً في طبيعة السلطة السورية عبر إنقلاب " داخلّي "، يضعف من دور الدولة دون الحاجة إلى حلّها كما حدث في العراق، و يحوّل دورها في مصلحة الترتيبات الأميركية الصهيونية في لبنان خصوصاً، و للتحكّم في الوضع الداخلي، و ربما للمساعدة في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء