الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكنولوجيا ومنظومة العمال الفكرية

اسماعيل شاكر الرفاعي

2012 / 4 / 26
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012



يقول السؤال : هل أثر التطور التكنلوجي على تركيبة الطبقة العاملة كماً ونوعاً ؟
جواباً نقول :
نعم أثّر التطور التكنولوجي على تركيبة الطبقة العاملة كماً ونوعاً .
من ناحية الكم : ازداد عددها ، ومن ناحية النوع : تعمقت مهاراتها .
من طبيعة التكنولوجيا : الثورة المستمرة على ذاتها . ومن طبيعة المناخ الذي احتضنها : الحث المستمر على ابتكارها ، او تحسين وتطوير القديم منها . اذ كلما صغر حجمها وسهل استعمالها ، ازداد الطلب عليها فتحقق التكنولوجيا الغاية منها : تكثير الأرباح .
في هذه السيرورة من الصراع يأخذ مفهوم الأزاحة معناه . يزيح الجديد من التكنولوجيا القديم منها ويسقطه من الأستعمال . أزاح المحركُ الكهربائي والمحركُ داخلي الأحتراق : المحركً البخاري . وأزاحت السيارات والشاحنات ، ما كانت تقوم به القطارات من نقل البضائع والبشر . وأزاحت تكنولوجيا اللاسلكي من امامها الأتصالات السلكية . ومثلها فعلت الطائراتُ بالسفن الشراعية . وتحمل تكنولوجيا الطاقة النووية امكانية ازاحة كل تكنولوجيا الطاقة السابقة عليها { الطاقة المتولدة عن الهواء والماء كما في حالة الطواحين ، والفحم الحجري والنفط والكهرباء }
تخلخل التكنولوجيا اذاً ، ــ مع كل ابتكارللجديد منها أو تحسين للمستعمل ــ نسقها ، وتطالب بمهارة نوعية جديدة لتشغيل الجديد منها . وهي اذ تخلخل نسقها ، فانما تخلخل معه الأصطفاف الطبقي الذي استدعته ضرورة تشغيلها يوماً ، وتعيد ترتيب العلاقة داخل الهرم الأجتماعي ، ومن ضمنها علاقة الطبقة العاملة بها من حيث العدد والنوع .
تغيّر التكنولوجيا اذاً ، مجتمعها بتغيرها ، وتغيرالطبقة الأجتماعية المشرفة عليها أو المسيّرة لها . ولكنها تتغير ببطئ . وهي في هذا لاتشبه العلم الذي يتغير بقفزات . صحيح انها الوجه الأجتماعي للعلم ، اذ هي التطبيق لبعض نظرياته ، ولكنها غير معنية بلهفة العلم للمعرفة . انها معنية بحاجة المجتمع اليها . لقد ولدت الآلة داخل المجتمع لا خارجه ، وغالباً من قبل مخترعين ومهندسين ــ لا علماء ــ هبطوا بالعلم من عليائه . انهم بروموثيوس العصور الحديثة . فكما سرق بروموثيوس سرالنار من مجمع الآلهة ونقل ذلك السر الى البشر ــ كما ورد في احدى الأساطير اليونانية ــ كذلك فعل مبتكرو التكنولوجيا بالعلم : استلهموا معطياته النظرية في ابتكاراتهم ، وعمموا استعمالها اجتماعياً ، ومن غير ان يتقصدوا ذلك ، اذ هم مدفوعين بحافز تحقيق المزيد من الأرباح ، حولوا ابتكاراتهم التكنولوجية الى اداة تحرر وتحرير اجتماعي . لقد عززت التكنولوجيا من مسيرة الديمقراطية حين تجاور المالك وغير المالك ، وتجاور الذكر والأنثى في الجلوس على مقاعد الطائرة او السيارة . و حين أشرق نور الكهرباء وأضاء شوارع المدينة والريف المظلمة ، تحقق للبشرية حلمها القديم في الخروج من الظلمات الى النور . وزادت التكنولوجيا على ذلك بأن حولت مفهوم العدالة الى حقيقة ملموسة : وزعت النور بالتساوي على بيوت : التاجر والعامل ، والأقطاعي والفلاح ، والسجن والقصر الرئاسي ، وكذلك الأمر في توزيع مياه الشرب ، وفي قوانين السير بالمركبات داخل المدن وعلى الطرقات العامة ، مسقطة التفرقة على اساس من اللون او القومية او الجنس ، ولم تسمح لأية مجموعة بادعاء الأفضلية في التوزيع أو في السير ، باسم حق لها من السماء ، أو بأسم حق اكتسبته من الأنتخابات ، كما هو الحال في العراق الآن ، اذ تتوقف كل السيارات بل يتوقف نبض الحياة ، حين يمر مسؤول في الدولة العراقية مع حمايته.
ومن سماتها الديمقراطية الأخرى : الأنتشار والهجرة من مواطنها الأصلية الى أيّ مجتمع ، يهئ لها مناخ الحرية ذاته الذي ساعد على ولادتها . بعضها كالمجتمعات اليابانية والهندية والصينية احسن استقبالها ونجح في تبيئتها ، واشد البلدان فشلاً في تهيئة التربة والمناخ المطلوب لها : البلدان العربية ومعظم بلدان افريقيا .
ومن سماتها الديمقراطية الأخرى : الأنتاجية العالية ، اذ استطاعت التكنولوجيا ان توفر الغذاء والملبس والسكن للملايين ــ رغم الزيادة المذهلة في السكان بسبب من الأبتكارات التكنولوجية في ميداني الطب والصيدلة ــ واذا ما وجد الجوع والفقر فبسبب من سوء التوزيع .
ومن سماتها الديمقراطية الأخرى اشاعة الشفافية والقضاء على الفساد المالي والأداري { الثورة الأدارية التي باشرتها البلدان المتقدمة منذ ثمانينات القرن السابق بادخال الحاسوب }، واذا ما استمر الفساد في العراق مثلاً ، فليس ذلك بسبب منها ، بل بسبب من رفض الحاكم أو جهله بأهمية تكنولوجيا المعلومات في القضاء على الفساد .
. حين اكتشف الأنسان الزراعة ، اي اكتشف الطريقة التي بواسطتها يمكن له ان ينتج غذائه لا ان يجمعه من الطبيعة ، ابتكر ألآلة المناسبة لها : المحراث والمنجل ، ثم توالت الأبتكارات التي بواسطتها يسقي الزرع ويحصده ، وبوساطتها يدرس السنابل ويذريها ثم يجمع الحبوب ويخزنها . ومع كل ابتكار ، كان مبتكر الآلة الزراعية يحل مشكلة لمجتمعه ويتلافى مأزقاً اجتماعياً . وحين بدأَ الأنسان مرحلة انفصاله عن الطبيعة مع بداية انتاج غذائه ، وتجاوز مرحلة التنقل وجمع الغذاء ، ولدت الطبقة الفلاحية : اول طبقة انتاجية في التاريخ . لا يمكن الفصل بين وجود الطبقة الفلاحية وبين الآلة التي تعامل بها الفلاحون مع الطبيعة ، وسهلت لهم في الجانب المتعلق بالزراعة عملية ترويض جموح الطبيعة والسيطرة عليها . وعلى اكتاف فلاحي الثورة الزراعية الذين بدأَ انتاجهم يفيض عن حاجتهم ، ولدت الحضارة الأولى في التاريخ : الحضارة الزراعية التي استمرت آلاف السنين . فالحضارة تباشر وجودها ، مع فائض الغذاء الذي يسد حاجة المتفرغين للمهن الأخرى ومن ضمنها مهنة الكهانة ومهنة ادارة الحكم . أي مجتمع خاضع في مبتكراته لمستوى تطوره ولتنظيمه الخاص ، ولا يستطيع ان يبتكر الاّ الأداة التي تساعده على حل مأزق اجتماعي او عسكري . لقد خطط يراع الرسام : ليوراند دافنشي ، الكثير من الآلات الرافعة والطائرة والغواصات ، ولكنها ظلت حبيسة الأدراج ، لأنّ المجتمع لم يكن بحاجة اليها . وفقط حين شعرت بعض المجتمعات بالحاجة الأجتماعية والعسكرية اليها ، اعيد ابتكارها . ومثل ذلك حصل لنصير الدين الطوسي على عهد المغول الذين اسقطوا الخلافة العباسية عام 1258 ، ففي مرصد مراغة في ايران ، استطاع هذا الفلكي ان يتوصل الى ما توصل اليه كوبرنيكيس من نتائج : حول لا مركزية الأرض . ولكن الناس في مجتمعه كانوا بحاجة الى مَن يحدد اليهم اوقات الصلاة ، أي انهم بحاجة الى وظيفة ميقاتي في الجامع لا الى فلكي . يحس المبتكر بحسه الرهيف بالحاجة الأجتماعية للآلة ، ويقدمها كحل للمأزق الذي يواجه مجتمعه ، ولكنه بحاجة الى دعم مالي . ولقد وجد المبتكر مَن يدعمه : البرجوازي في بدايات الثورة الصناعية في انكلترا ، ثم البرجوازي وكذلك الدولة في فرنسا وخاصة في المانيا وفي ما عداها من الدول الأوربية التي احست بضرورة محاكاة بريطانيا وامتلاك التكنولوجيا : بوابة التحديث والقوة والثراء . فالأبتكار مشروط بالدعم ، بان يقتنع اصحاب الرأسمال بربحيته . لقد افتتحت الحضارة الصناعية وجودها بدعم من البرجوازي ، لا بدعم من الدولة . وكانت اول تكنولوجيا هي المحرك البخاري ، الذي انتشر استعماله بعد ان اصابت آلية تشغيله النجاح . وفي ضوء منه ولدت مشاهد محددة للمدينة الصناعية التي تنتشر فيها مداخن المعامل ، ويتكوم بالقرب منها عمال المعامل الذين لا يستطيعون الأبتعاد عن المعمل ، لغياب وسائل النقل . لكن بعد ابتكار القاطرة البخارية والسكة الحديد توسعت المدن ، وصار بأمكان العامل السكن بعيداً عن المعمل . ويمكن رصد حركة التوسع الهائلة للمدينة بالترابط مع الأبتكارات التكنولوجية ، فمع نهاية القرن / 19 وحتى يومنا ، توسعت المدينة توسعاً مذهلاً بفضل تكنولوجيا المحرك الكهربائي والمحرك داخلي الأحتراق .
ماذا يترتب على هذه الحقيقة : حقيقة التغير المطرد للتكنولوجيا الذي يقود الى حتمية التغير الأجتماعي ، وحقيقة اننا امام طبقة عاملة متغيرة بتغير التكنولوجيا ، من حيث المظهر والتجمع والأتصال ؟
هل تملي علينا هذه الحقيقة الألتفات الى المجتمع ــ ونحن نتحدث عن طبقة محددة منه ، هي الطبقة العاملة ، في علاقتها بالتكنولوجيا ؟ ذلك لأنّ المجتمع لم يعد قادراً على مزاولة نشاطاته الأقتصادية والأجتماعية والتجارية والثقافية من غير حضور التكنولوجيا . وبعد ان دخلت الدولة طرفاً في هذه العلاقة ، وطورت لحسابهاالخاص { الأحصاء والتجسس } تكنولوجياالأتصالات والمعلومات والطاقة ، ثم اباحت للمجتمع ادخالها في استعمالاته المدنية اليومية بعد نهاية الحرب الباردة .
لقد تحولت التكنولوجيا الى منتج اساس للقوة والثروة . كم هو عدد السكان في المجتمعات التكنولوجية الذي ما زال يعتمد في معيشته على الزراعة والأرض ؟ وهل تشكل واردات الأرض في الدخل القومي للبلدان المتقدمة شيئاً يذكر ، الى جانب النسبة المتحصلة من بيع التكنولوجيا ؟ ثم لماذا توقفت الحروب بين الدول المتقدمة وتخلت عن الأستعمار ؟ الا يعود ذلك الى التغير العميق في اتجاهات وميول وآليات تحصيل الثروة ، وفي كون الأنسان وجد في التكنولوجيا مصدراً للثروة والقوة يفوق مئات المرات المصدر القديم لها المتمثل بما تدره الأرض من واردات ؟ ثم حين نتحدث عن امريكا واليابان نصف مجتمعاتها بالمتقدمة . لماذا نضيف صفة التقدم اليهما ؟ اليس السبب كامن في امتلاكها لناصية التكنولوجيا ؟ ان التطور المتلاحق في تكنولوجيا المعلومات والأتصالات : مثل الحاسوب الشخصي { لاب تاب} والهاتف النقال { سيليفون } ، اضاف مصدراً جديداً من مصادر الدخل . وذلك ما يشير الى ان المصدر الجديد للثروة والقوة الذي هو التكنولوجيا ، مصدراً متطوراً وصاعداً باستمرار عكس المصدر القديم الذي هو الأرض .
. ومع الكيبلات تحت المحيطات ، والطيران والأقمار الصناعية ، والفضاءات الأفتراضية للكوميوتر ، صرنا امام مشهد تاريخي جديد ، لم تعد فيه الدولة / الأمة سيدة كاملة السيادة على اراضيها ، بل اطل علينا مفهوم آخر للسيادة عالمي النزعة مع مؤسسات دولية جديدة كعصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى ، وهيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، اضافة الى الكثير من المنظمات التي تراقب ماذا يجري في بلداننا وكأننا نعيش في دولة واحدة . لم يكن ذلك ممكناً لولا التكنولوجيا . لقد عمم مالك التكنولوجيا والعلم بواسطة الأبحاث التي رصد لها الأموال الطائلة ، مفاهيمه السياسية عالمياً { والمقولات السياسية هي القلب من كل ثقافة لأنها تتضمن الحقوق } ، واوصلها بواسطة التكنولوجيا الى كل زاوية وركن من المعمورة . وصارت مفاهيم مثل حقوق الأنسان ومفهوم المواطنة ، وحق الأمم في تقرير مصيرها ، على كل لسان في مختلف ارجاء كوكبنا الأرضي .
ليست الطبقة العاملة لوحدها مَن يصيبها التغير . وليست المسألة مسألة علاقة طبقة بالتكنولوجيا ، انما عموم المجتمع . لقد دخل المجتمع برمته طرفاً في العلاقة مع التكنولوجيا .
هل تملي علينا هذه الحقيقة : حقيقة التغير الأجتماعي المتلازم مع التغير التكنولوجي ، الحديث عن زاوية نظر محددة من التكنولوجيا ، ومن شكل ومضمون التطور ، ومن آفاق التطور الأجتماعي ؟
لقد غيرت التكنولوجيا العالم باسره : تم قبل قرون اكتشاف كل ركن وزاوية فيه . صار تاريخ الكوكب الأرضي بفضل العلم والتكنولوجيا معروفاً ، ليس في حاضره وانما في ماضيه ايضاً { بالكشف عن الحضارات القديمة } ، بل واصبح لكل شئ في داخل الكرة الأرضية وعليها تاريخاً . وصار بالأمكان تكثير موجودات الطبيعة بابداع ما لم يكن موجوداً كالأجهزة والآلات المعروفة . ووصل الأمر الى حد الدخول في حدود المعجزات بخلق الحيوان الناطق ذي الروح . هذه الحضارة ذات الثورات التكنولوجيا المتلاحقة : تقودها طبقة برجوازية لم تستنفذ طاقتها الخلاقة بعد . فهي مستمرة في صناعة وتوجيه العالم بما يتساوق مع القانون الأساسي الذي يقوم عليه نشاطها : مبدأ تكثير الأرباح ، وهو ما يؤدي الى استقطاب طبقي مخيف نتج عنه : قلة مالكة واكثرية تبيع قوة عملها .
هل يمكن رهن التطور التكنولوجي بيد هذه القلة ، التي وجدت في تطوير التكنولوجيا : الثروة والقوة { القوة السياسية عن طريق صناعة الرأي العام نتيجة امتلاكها لوسائل الأعلام ، وتحريكها لجماعات الضغط للتأثيرعلى صناع القرار السياسي } ؟ وهل يمكن لهذه القلة ــ وهي تخطط في عصر العولمة على مستوى العالم ــ ان تظل متحكمة باسعار المواد الأولية ، بجعل اسعارها طافية وخاضعة لقوانين الطلب والعرض العالمي ؟ صحيح ان اصحاب المواد الأولية لم يتمكنوا من اكتشافها ، ولا يستطيعون تحويلها الى حاجة تلبي احتياجات الصناعة قبل ان يدخلوا هم انفسهم عصر التكنولوجيا والثورة الصناعية ، وان امتلاك التكنولوجيا هو الذي فتمكنت البرجوازية الأوربية التي دخلت العصر الصناعي وحازت على التكنولوجيا من اكتشاف اهمية النفط كطاقة بديلة لطاقة الفحم ، ولكن الخطورة تكمن في فشل القوى التي تحكمت بالعالم المتخلف ، من استغلال عائدات المواد الأولية ، للقيام بتجربة تحديثية شاملة ، تقوم على تنمية القدرة الوطنية لتبيئة التكنولوجيا . ففي العالم العربي مثلاً انفقت الحكومات هذه الثروات الطائلة على تنمية قوة الدولة باستيراد ما تحتاجه من اسلحة ، واهملت تنمية المجتمع بحجة المهام القومية . فأضافت هذه الستراتيجية التموية قوة الى ما تتمتع بها البرجوازية العالمية من قوة . هل يملي علينا ذلك موقفاً ، واي موقف تتخذه القوى الواعية للمأزق / المسار في العالم العربي ؟ ا
. لم يعد العامل ذلك الشخص الذي يمكن له ان يتعامل مع الآلة كما كان يتعامل معها سلفه في بداية الثورة الصناعية ، بأن يعرض امام الصناعي سلامة يديه وعضلاته ثم يخضع لتدريب بسيط منه او من رئيس العمال . صار العامل حائزاً على مؤهل لا يتعلمه في مكان العمل بل في المدرسة . لقد تحولت المدرسة في كل مراحلها الى { مادة اولية } تلبي حاجة التكنولوجيا الى الأيادي الخبيرة الماهرة . لقد اثر ذلك تأثيراً نوعياً على الطبقة العاملة { بما حاز عليه العامل من مؤهل دراسي } كما اثر ذلك على الطبقة العاملة من حيث الكم {أجيال من الدارسين تحولوا الى طبقة عاملة } . صار العامل يتعامل مع تكنولوجيا متطورة تتطلب منه مؤهلاً في الرياضيات والفيزياء والطب والبيولوجيا والكيمياء . وعلى علو مؤهلاته فأنه يظل عاملاً طالما هو يبيع قوة عمله ، وطالما هو خاضع ــ وعى ذلك ام لم يعيه ــ لقانون فائض القيمة . قانون فائض القيمة المتخفي في العلاقة المعقدة بين رب العمل وبين العامل ، يظل الى جانب بيع قوة العمل من سمات الحضارة الصناعية التي يقودها البرجوازي او مَن يتخفى في متون الكتب او على ضفاف التفكير دفاعاً عن حقوقه .
اصبحت التكنولوجيا مسألة ثقافية عامة لكل المجتمعات ، وحاضرة في كل حديث يتناول العلاقات الداخلية بين طبقات كل دولة : أكانت هذه الدولة متقدمة ، فأن السؤال الأساسي لبرامج أحزابها المتنافسة هو سؤال الأزمات الدورية التي تفتك بالأقتصاد ، وسؤال كيفية الخروج منها ، واياً كان الجواب فأنّ حضور التكنولوجيا فيه كثيف . أو كانت متخلفة ، فأن السؤال الأساسي لطبقاتها يتمثل بكيفية الخروج من التبعية ، وما امام هذه الطبقات غير سؤال التنمية ، التي لا يمكن انجازها من غير تكنولوجيا . علاقة الطبقة العاملة بالتكنولوجيا هي علاقة طبقة اجتماعية بالحضارة القائمة التي لا يمكن النظر اليها كحضارة من غير تكنولوجيا ، ترتد في واقعها الى حضارة زراعية سابقة عليها من غير تكنولوجيا . لا يوجد فرد في المجتمع الآن وليس طبقة من غير تكنولوجيا : في البيت الثلاجة والطباخ والغسالة والتلفزيون ، وعلى المستوى الشخصي : الكومبيوتر الشخصي والهاتف { بكل اجياله } . فالعلاقة لم تعد علاقة طبقة بتكنولوجيا وانما علاقة سكان الأرض قاطبة بها . انها علاقة حضارة وقد عممت نفسها عالمياً بواسطة التكنولوجيا . وحين تكون المسألة مسألة حضارة فأنّ السؤال الذي يتبادر الى الذهن سؤال يتعلق بموقف الطبقة العاملة { بمعناها الواسع : كل مَن يبيع قوة عمله ويخضع لقانون العرض والطلب وقانون فائض القيمة } من آليات عمل هذه الحضارة الكونية . لا تتحدث الطبقات عن نفسها . يوجد دائماً في التاريخ مَن يتحدث بالنيابة عنها ، ويقوّلها ما تحب وترجوه من حقوق { الكهنة والفقهاء في الحضارة الزراعية اضفوا على ثنائية السادة والعبيد طابع المقدس . المفكرون البرجوازيون في الحضارة الصناعية القائمة اضفوا على تفرد الأقلية بالثروة والقوة طابع الحقوق الطبيعية ، وآخر مَن تحدث عن هذه الحقوق الطبيعية ، ربطها بالأبدية وبأن لا حركة ولا تناقض من بعدها ، متحدثاً عن موت التاريخ . فيما أوحت الدولة لآخر مفتون بفترة الأستعمار بالحديث عن صدام الحضارات ، موهماً ايانا بامتلاك حضارة { لا ثقافة } وقد صدقه الكثيرون من القوميين والأسلاميين فطلعوا علينا بحديث الأصالة والمعاصرة . ماركس وانجلس البسوا المشاعية ثوب الحتمية التاريخية ، وتحدثوا عن الحق الجديد في التاريخ وربطوه بالطبقة العاملة ــ حفارة قبر البرجوازية ــ }. ما هو موقف الطبقة العاملة ، أي عموم الغير مالكين وهم الأكثرية ، أو من ينوب عنها من الأحزاب اليسارية العربية ، من التكنولجيا ومن آليات عمل الحضارة القائمة ؟ وحين يكون السؤال سؤال علاقة بين حضارة وبين طبقة اجتماعية ، فأنّ سؤال الحقوق يقع في الصدارة من سؤال العلاقة . هل الطبقة العاملة مؤهلة لأن تجترح معجزة حضارتها ، وتقلب ظهر المجن للبرجوازية وتأتي بحقوق جديدة ، تنتهي فيها كل مدونة حقوق الملكية البرجوازية ، بعد ان تلقي بها في مزبلة التاريخ ، كما فعلت البرجوازية بمدونة الحقوق المقدسة للحضارة الزراعية السابقة عليها ؟
جاء ملاّك الأراضي والكهنة ــ الملوك ، بالحضارة الزراعية ، وجاءت طبقة البرجوازيين بالحضارة الصناعية ، فما هي ملامح الحضارة القادمة للطبقة العاملة ؟ لو تمعنا بالحدثين التاريخيين اللذين انطلقت منهما الحضارة الصناعية { لنؤجل حكاية الأنسانية والنهضة والتنوير ، كفترات تاريخية سابقة وضرورية ، للحظة التاريخية التي نتحدث عنها : تأثيرالتطور التكنولوجي على الطبقة العاملة كماً ونوعاً } : حدث الثورة الصناعية في بريطانيا 1750 ، وحدث الثورة الفرنسية في 1789 ، لاكتشفنا بأنّ الحدثين : حدث واحد . فهما معاً ارسيا اسس الحياة الحديثة . الأول على مستوى التكنولوجيا ، والثاني على مستوى الحقوق . لم تتكامل الحياة الحديثة بجانب واحد منهما . لم تولد الحضارة الحديثة بعكازة الحقوق لوحدها ، بل ان الثورة الفرنسية لم تقم اصلاً ، لو لم تكن الحاجة الأجتماعية اليها ملحة : حاجة فرنسا لأن تكون ، لأن تدافع عن نفسها ضد هذا الخطر الجديد الذي انطلق كالمارد على حدودها { الثورة الصناعية البريطانية } . كان المجتمع الفرنسي ممثلاً بطلائعه ، يتحسس ثقل قيود الثلاثي : الملك بحقوقه الآلهية التي منحتها له الكنيسة ، والأقطاع بحقوقه الآلهية التي منحتها له الكنيسة ، والكنيسة نفسها كممثلة لحق اللّه على الأرض . مثلت الثورة الفرنسية مواجهة تاريخية بين الأقلية الحاكمة والمالكة ، وبين الأكثرية المحكومة والجائعة . فكانت مواجهة تاريخية بين حقين : حق الأقلية المغلَف بالمقدس ، وحق الأغلبية في العيش وفي الكرامة الأنسانية . لكن الأنحياز الى حق الأغلبية يعني مواجهة مع السماء التي منحتهم هذه الحقوق كما ادعوا ويدعون . لقد تبدى للثوار ، بأنّ مهام الداخل الملحة في انقاذ الأغلبية من المسبغة ، لا يمكن انجازها الاّ بالترافق مع التحدي الخارجي الذي يلوّح بقوة جديدة { التكنلوجيا البريطانية } ستجعل من فرنسا تابعاً . انها الثورة التكنولوجية التي تقف على الأبواب والتي يمنعها من الدخول : الحق القديم لثلاثي الكنيسة والملك والأقطاع ، لأنها ترتبط بالحرية لا بالأستبداد . ترافقت في الحضارة الصناعية مسألة امتلاك القوة ، أي امتلاك التكنولوجيا ، بامتلاك الحرية . التي عنت التحرر من الأرث القديم وانتهاكه . والتحرر من حقوقه بانتهاكها ، وكتابة حقوق جديدة { ستتحول الى ارث وطني ثم الى ثقافة عالمية } . الأنطلاق من هذين الحدين : التكنولوجيا ونقض حقوق العالم القديم ، هما المَعلمان البارزان من معالم الحضارة الصناعية البرجوازية في ثورتيها : الفكرية ــ والثقافية الفرنسية ، والصناعية ــ التكنولوجية البريطانية . وهما انجازان تاريخيان لا تستطيع منظومة العمال الفكرية بلوغهما من غير العقلانية . فالحرية وحضور العقل : القيا بكل المفاهيم السياسية للحضارة الزراعية في مزبلة التاريخ . { اين نحن من الحديث عن الأصالة في المرحلة القومية ، وحديث الهوية في المرحلة الأسلامية التي ابتدأت بالآذان في البرلمان المصري } ..... .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطبقة العاملة و التكنولوجيا
سعيد زارا ( 2012 / 5 / 5 - 18:58 )

كل المصادر الاقتصادية و الاحصائية تؤكد ان الطبقة العاملة تراجع عددها و انكمش حجمها, الا مقال السيد الرفاعي اعلاه الذي يقول بان الطبقة العاملة ازداد عددها كنتيجة لتطور التكنولوجيا.

التكنولوجيا في العملية الانتاجية الحقيقية-انتاج السلع- هي تحديث و عصرنة وفق الاكتشافات العلمية لاحد عناصر راس المال الثابت و اعني بذلك وسائل الانتاج , و راس المال الثابت لا ينتج ثروة , فكيف للتكنولوجيا ان تكون منجة للثروة؟؟؟

العمل هو العامل الدي في الانتاج و ليس المعرفة.


و تحية

اخر الافلام

.. أميركا تحذر إسرائيل من استهداف إيران بهذه الطريقة.. ماذا يجر


.. حزب الله يعلن أن مقاوميه استهدفوا قوة إسرائيلية لدى محاولتها




.. مشاهد لاعتراض صواريخ أطلقت من قطاع غزة في سماء سديروت


.. رقعة| بعد عام من الحرب.. الغزو البري للاحتلال يغير ملامح غزة




.. أكسيوس: الولايات المتحدة كانت في حالة من الظلام بشأن خطط إسر