الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة المتمردة في - وحي ذاكرة الليل - للأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ

مصطفى لغتيري

2012 / 4 / 25
الادب والفن



تجدر الإشارة بداية أن اختيار المرأة للكتابة كطريقة مثلى للتعبير عن عواطفها و انشغالاتها و همومها ، لهو في حد ذاته مؤشر قوي على انفلاتها ، و لو رمزيا ، من سطوة مجتمع ذكوري متخلف محتف بفحولته ، و يسعى بكل ما يملك من قوة لجعل المرأة أسيرة نظرته الدونية ، التي تصر على إحاطة المرأة بسياج من الأحكام المسبقة و الممارسات المشينة ،الظاهرة حينا و المتخفية أحيانا أخرى.
في كتاب الأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ "وحي ذاكرة الليل" الصادر حديثا عن جامعة المبدعين المغاربة في المغرب ، نجد هموم المرأة حاضرة بقوة ، و إن اتخذت في كثير من الأحيان طابعا تلميحيا بعيدا عن التصريح و المباشرة ، و ذلك بسبب طبيعة الكتابة التي اختارتها الكاتبة لنفسها ، و التي تستعير من الشعر نسغه ، رغم أنها جاءت على شاكلة النثر في طريقة انكتابها ، لهذا كانت الصورة الشعرية و الرمز حاضرين بقوة على امتداد صفحات الكتاب ..تقول الكاتبة في الصفحة 11
" لا تدع قراصنة الحدود تسرق منك كنوز الحب ، و شيئا من مشاعرك المتقدة .. كن مثلي .. ملك نفسك.. و عش أسرارك العميقة".
إنها دعوة للإنسان ليكون هو نفسه بغض النظر عن جنسه ، بعيدا عن الإستلاب أو الخضوع للقراصنة ، الذين يمكنهم أن يتخذوا صورا و أشكالا متعددة ، إنهم سدنة الأخلاق و الدين و السياسة و الأعراف و التقاليد، هؤلاء الذين يستبد بهم هوس تقديم الوصايا ، و تجدهم يملؤون الدنيا صراخا كلما جاول إنسان التمرد على قيمهم الزائفة ، أو أراد أن يكون هو نفسه دون نفاق أو مين ، و قد يغدو الأمر أكثر حدة حينما يتعلق الأمر بالمرأة ، التي تعاني من قهر مضاعف ، في مجتمع متخلف ، مشدود إلى الخلف ، مكبل بقيود ظاهرة و خفية ، تعلن عن نفسها بصلف و سماجة بين حين و آخر.
و تمضي الكاتبة رحاب حسين الصائغ على هذا المنوال تبث هواجسها النفسية و الوجودية للقارئ ، و تكشف عن كينونتها بلا تردد و لا مواربة ، ثم ما تفتأ أن تعلن عن تمردها قائلة في الصفحة 18
" أتمرد بغنج أنثى لا أخدش رحيق الدقائق المتكالبة على الهروب . أفهم جيدا أنها لا تخدعني بعملها الممل منذ الأزل ، و الليل ما زال أول شغفي".
و كأني بالكاتبة لا ترى خلاصا من كل ما يكبلها و يكبل المرأة عموما في مجتمعاتنا العربية غير التمرد ، الذي لا يتحقق دون تحققيق ثورة ثقافية عميقة ، تساهم فيها المرأة نفسها بالنصيب الأكبر ، دون أن تفرط في أنوثتها ، التي تعتز بها الكاتبة أيما اعتزاز ،و لا تني تذكرها بكثير من البذخ في أكثر من مكان داخل الكتاب ، فهي - أعني الأنوثة - ليست نقصية كما يرغب المجتمع إقناع المرأة بذلك ، بل هي سلاح قوي ، يمكن أن يبوئ المرأة المكانة التي تستحقها ، لأنها تعرف أن المجتمع الذكوري الذي يحتقر أنوثتها جهرا ، فهو في نفس الوقت يقدسها سرا ، و مستعد من أجل الظفر بها تقديم الغالي و النفيس ، إنه مجتمع شيزوفريني يعامني من الازدواجية و انفصام الشخصية.
و لا تقف الكاتبة رحاب حسين الصائغ عند هذا الحد ، بل تتجاوزه بجرأة قل نظيرها ، حينما تهاجم العائلة كذلك باعتبارها حارسا للتقاليد البالية ، خاصة و نحن نعرف أهمية العائلة في المجتمعات المحافظة ، فترميها الكاتبة بسهامها في الصفحة 46 حين تقول
" تفاهات عائلتي لم تحمني من رفاهية الليل ، و شرك خرزاته . هممت أهشم عقودهم ، و لولب لشوائب المتشعب بالعزلة.."
إن المرأة في كتابة رحاب حسين الصائغ لا تخشى المواجهة ، بل تسعى إليها ، مدججة بأنوثتها و ثقافتها و تمردها ، لتقف متحدية أمام الرجل والعائلة و القبيلة و المجتمع ، أي كل من يصر على طمس هويتها ، و يعاملها بنوع من الدونية و ازدواجية في الخطاب و الممارسة ، لتأبيد وضع لم تعد المرأة قادرة على الخضوع له، بنفس الروح المستسلمة التي عانت منها المرأة لزمن طويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا