الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع المجالس فى مصر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


صحيح أن المجلس العسكرى فى زيه السياسى ارتكب أخطاء كثيرة وهذا طبيعى لمن يقود البلاد فى ظروف استثنائية حيث يصعب أن يكون الأداء خاليا من الزلات. لعل البعض يعزى ذلك إلى عدم الخبرة السياسية وعدم المعرفة بالحياة المدنية التى تختلف كليا عن الحياة العسكرية. وفى ظنى فإن هذا اعتقاد يجانبه الصواب، فالزلات والسقطات التى ارتكبها العسكريون ترجع إلى الظروف الصعبة التى وجدوا أنفسهم فيها والضغوط النفسية التى مروا بها. فالحدث كان جللا ولعلهم كانوا متشتتين ذهنيا بين ولائهم لرئيسهم وقائدهم وبين هذا الشعب الذى لم يتخل عنهم أثناء نكسة 67م وساندهم فى ثورة 52، فقرروا الانحياز إلى الشعب ووضعوا سلامة الوطن أمام أعينهم. لقد اثبت المجلس العسكرى أنه يمتلك خبرة وحنكة سياسية أكثر من كل القوى السياسية مجتمعة بما فيهم الإخوان المسلمون الذين يرجع تاريخهم إلى أكثر من ثمانين عاما.

لا شك أن القوى والجهات السياسية فى مصر باتت تترنح وتتخبط بعد أن فقدت بوصلتها فى صحراء السياسة. فالقوى السياسية تعرب الآن عن أحقيتها فى الطعن فى قرارات اللجنة الانتخابية. أما مجلس الشعب فيعتقد أعضاؤه أن من حقهم إسقاط الحكومة وتغييرها وأن من حقهم اختيار اللجنة التأسيسية للدستور برئاسة رئيس مجلس الشعب وأغلبية من أعضاء المجلس. لقد تبين صحة المثل القائل إن السفينة تأتى بما لا تشتهى السفن، فالمادة 28 من الإعلان الدستورى الذى صوتوا عليه بنعم تمنع الطعن على قرارات اللجنة الرئاسية للانتخابات وأن المادة 56 تمنع مجلس الشعب من إقالة الحكومة. كما تبين أن البرلمانيين قد اخطأوا فى تفسير المادة 60 من الإعلان الدستورى والتى تشير إلى أن مجلس الشعب والشورى منوط بهما اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية. وعندما فوجئ أعضاء مجلس الشعب باللواء عمر سليمان يعلن ترشحه فى الانتخابات الرئاسية سارع الأعضاء فى إصدار تعديل فى بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والذى عرف إعلاميا بـ قانون العزل السياسي وهذا القانون يسعى إلى وقف "كل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على 11 فبراير 2011رئيسا للجمهورية أو نائبا لرئيس الجمهورية أو رئيسا للوزراء أو رئيسا للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل أو أمينا عاما له أو كان عضوا بمكتبه السياسى أو أمانته العامة، وذلك لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المسار إليه."

لعل التعامل مع هذا القانون يقدم لنا ملمحا من الحنكة السياسية التى يتمتع بها أعضاء المجلس (أقصد المجلس العسكرى). ففور استلام مشروع القانون القادم من مجلس الشعب قام المجلس العسكرى بالتعبير عن تشككه فى دستورية القانون من خلال خطوة بسيطة يعلم نتائجها جيدا. فالمجلس العسكرى يعلم اختصاصات المحكمة الدستورية جيدا ويدرك أن المحكمة لا تفصل فى القوانين إلا بعد تصديقها. وكما هو متوقع فالمحكمة الدستورية رفضت النظر فى القانون لعدم الاختصاص. وجاء قرارها متسقا مع المادة 28 من الإعلان الدستورى الذى يشير أن المحكمة الدستورية تنظر فى مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية قبل إصداره لتقرير مدى مطابقته للدستـور. أما القوانين الأخرى فلا تنظر فيها إلا بعد تصديقها من قبل الرئيس وفقا للبند 5 من المادة 56 من الإعلان الدستورى حيث يعتبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو العنصر المنوط به حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها. لذلك كان أمام المشير خياران لا ثالث لهما. الخيار الأول رفض القانون أو الاعتراض عليه. وفى هذه الحالة فإن مجلس الشعب لا يملك إصداره بموافقة ثلثى الأعضاء لأن الإعلان الدستورى لم يشر إلى هذا الحق الذى كان متاحا وفقا لدستور 71. من الواضح أن المجلس العسكرى قد أدرك أن هذا الأمر سوف يثير حفيظة أعضاء مجلس الشعب الذين قد ينتهزون الفرصة لتحريض الجماهير ضد المجلس العسكرى على اعتبار إنه يساند فلول النظام السابق. وبما أن هذا القانون لن يطبق إلا على الفريق أحمد شفيق الذى تولى وظيفة نائب رئيس الجمهورية فى الفترة من 29 يناير 2011 إلى 3 مارس 2011م فإن المجلس سوف يتهم بأن لديه رغبة فى تولى أحد العسكريين حكم البلاد.

أما الخيار الثانى وهو التصديق على القانون فقد أتاح الفرصة للمجلس العسكرى أن يحرز هدفين بركلة واحدة. فالهدف الأول يتمثل فى أن المجلس لبى مطلبا من مطالب الملايين الذين نزلوا ميدان التحرير يوم الجمعة 20 ابريل وذلك بالتصديق على تعديل بعض أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956م والذى نشر فى الجريدة الرسمية الصادرة فى يوم 24 ابريل 2012م تحت رقم 17 لسنة 2012م. وقد قامت لجنة الانتخابات الرئاسية فى نفس اليوم باستبعاد الفريق أحمد شفيق الذى يحق له التقدم بتظلم للجنة وإذا رفضت اللجنة التظلم فإن من حقه الطعن فى القانون. أما الهدف الثانى فيتحقق فى حالة قبول طعن الفريق شفيق وإقرار أحقيته فى الترشح أو الحكم بعدم الدستورية. وهذا الحكم من شأنه أن يطيح بالانتخابات الرئاسية. وحتى فى حالة إجراء الانتخابات وإعلان النتائج فالحكم قد يصدر ببطلان الانتخابات لتعود الأمور لنقطة الصفر حيث سيضطر المجلس العسكرى إلى الاستمرار فى إدارة شئون البلاد.

من المؤكد أن أداء المجلس العسكرى فى مجمله يتسم بالفطنة والذكاء والرؤية السياسية، وخاصة فيما يتعلق بتمرير الإعلان الدستورى الذى أيدته كل القوى السياسية ثم أدركت مؤخرا أن هذا الإعلان لا يقف حجر عثرة أمام طموحاتها. لذلك تنادى الآن بإلغاء بعض مواد هذا الإعلان. كما أن ذكاء المجلس العسكرى ظهر جليا فى التصديق على تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية تاركا الأمر للقانونيين ولأصحاب المصلحة للطعن فى دستوريته. لعل كل هذه الأحداث تؤكد لنا أن المجلس العسكرى يتمتع بحنكة ورؤية سياسية لم نشهدها فى تصرفات القوى السياسية التى حصلت على ثقة الجماهير فى الانتخابات البرلمانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة