الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديالكتيك الماركسي غطاء للمسيحية -3-3

أنور نجم الدين

2012 / 4 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ديالكتيك تروتسكي ولينين وستالين:

في أجزائنا السابقة، حاولنا إجابة الأسئلة الآتية: هل الديالكتيك درب لمعرفة واقعية؟ هل يمدنا هيغل بمنهج جديد لتحليل الأمور الواقعة أمامنا لاكتساب معارف واقعية عنها؟ هل ممكن أن يستفيد العلماء من الطريقة الديالكتيكية للبحث عن العالم المادي؟
أو: ما الاختلاف عمومًا بين طريقة الفلاسفة وطريقة العلماء للبحث عن الأشياء؟

بكل بساطة يمكننا التعبير عن الاختلاف بين المنهج الفلسفي ومنهج البحث العلمي على الشكل الآتي:

إذا سأل طالب جامعي أستاذه في الدين أو في الفلسفة: ما سبب ارتفاع الأسعار في شهر الرمضان بالذات وهو شهر مقدس؟
لأجاب الأستاذ رأسًا: إن قلة الاخلاق هي السبب. والبحث إذن يبدأ من التناقض بين قوى الخير والشر -المعرفة والجهل، الفضيلة والرذيلة- لا من العلاقات الواقعية بين البشر، الناتجة من حالة تعود جذورها إلى الحياة الاقتصادية.

أما إذا سأل الطالب أستاذه في الاقتصاد: ما سبب ارتفاع الاسعار في شهر الرمضان؟
لأجاب أستاذه رأسًا: إن القوانين الاقتصادية تحكم تموجات السوق، فقانون العرض والطلب مثلا عامل اقتصادي وراء ارتفاع أو انخفاض أسعار البضائع أو قوة العمل. وبالاخرى فان ارتفاع الاسعار في شهر الرمضان بالذات، يعود إلى الازدياد في الطلب.

وهنا، هنا بالتحديد، نرى الفرق بين الطريقة الفلسفية –الديالكتيك- والطريقة التجريبية -التجربة والتحليل-، فالديالكتيك – الجدل - يتألف من سفسطة، بينما الأعمال التجريبية من التحليل والتجارب الدقيقة على الأشياء، فالمنطق الجدلي، يدور في حلقة مفرغة يؤدي في الاخير الى جدل فارغ من المعنى مثل جدل السفسطائيين في البيزنطة القديمة، وهو إلى اليوم معروف بجدل بيزنطي: أيهما الأول، الدجاجة أم البيضة؟ فالفلاسفة لا يقدمون سوى أفكار عقيمة عن العالم. والمنطق الجدلي أصبح إيمانًا عند الماديين الديالكتيكين لا يحتاج إلى الإثبات. لذلك فهُمْ -دون التمييز بين الطريقة الجدلية والطريقة التجريبية- يُقرِّون بأن المنطق الجدلي هو علم العلوم، ولا يمكن منازعته.
فلنتحقق مرة أخرى من هذه الطريقة في البحث عن الأشياء الحسية، وثم طريقة (الديالكتيك الماركسي) المطابق للطريقة الأرسططاليسية، في شخص ممثليها الكبار لينين وتروتسكي وستالين، فحسب المنطق الجدلي مثلا:

الشيء لا يمكن أن يكون "أ" و”لا أ"

وإذا طبقنا هذه المعادلة المنطقية على العالم الحسي فيعني هذا مثلا:

الإنسان هو الإنسان
الإنسان لا يمكن ان يكون أبيض وأسود في نفس الوقت
الإنسان إما أبيض أو أسود أو أحمر ...

وهذه هي طريقة المنطق الجدلي في التحقق عن الإنسان والعالم المحيط به، أي علاقته بواقعه المادي. إذن ما المعرفة التي نحصلها عن "الإنسان" وعلاقته بعالمه في هذا العصر التاريخي أو ذاك من خلال أرسطو أو هيغل ومنطقهم الديالكتيكي وإبدالاته؟ إنها لا شيء.
ولنتوقف الآن قليلا عند خدعة (الديالكتيك الماركسي) لدى تروتسكي بالذات، وهو نفس الخدعة الديالكتيكية لدى لينين وستالين.

خدعة تروتسكي الديالكتيكية:

لو أردنا فحص (مبادئ الديالكتيك المادي) عند ليون تروتسكي، فلرأينا انه مثل لينين وستالين، استكمل خدعته عن الأشياء عمومًا لكي يسهل خدعته عن الاشتراكية بالذات، ففي الديالكتيك الداخلي لمجتمع إنتقالي، يبحث تروتسكي، كما لينين وستالين، نفس الخدعة الفلسفية القديمة، فيقول تروتسكي:

"الدياليكتيك ليس خيالاً ولا تصوفًا، ولكنه علم أشكال تفكيرنا في حدود أبعد لأنه ليس مقتصرًا على المشاكل اليومية للحياة، ولكنه يحاول الوصول إلى فهم عمليات أكثر بعدًا وتعقيدًا. الدياليكتيك والمنطق الصوري يشكلان علاقة كتلك التي بين الرياضيات العالية والبسيطة. المنطق الأرسطي الخاص بالقياس المنطقي البسيط يبدأ من الافتراض بأن "أ" تساوي"أ". هذه المسلمة تقبل كبديهية للعديد من الفعاليات الإنسانية العملية والتعميمات البسيطة. لكن في الواقع "أ" لا تساوي "أ". هذا سهل الإثبات لو أننا لاحظنا هذين الحرفين من خلال عدسة إنهما مختلفان عن بعضهما. لكن هناك من يقر بأن حجم وشكل الحرفين ليس هو المسألة ما داما مجرد رمزَيْن لكميات متساوية. على سبيل المثال رطل من السكر. الاعتراض هنا خارج القصد، في الواقع رطل من السكر لا يساوي رطلاً من السكر. مقياس أكثر دقة يكشف عن فرق. مرة أخرى ربما يعترض أحدكم "ولكن رطل السكر يساوي نفسه". ولا هذه حقيقة أيضا. فكل الأجسام تتغير بلا انقطاع في الحجم والوزن واللون... إلخ. ليست مساوية لنفسها أبدًا. سيرد السفسطائي قائلا: "إن رطل السكر مساوٍ لنفسه في لحظة محددة من الزمن" (تروتسكي).

وما هذا المقياس الدقيق؟

إنه بالطبع: الشيء لا يمكن أن يكون "أ" و”لا أ".

نجدة يا هيغل؟

إن هذه الحيلة التي لا يمكنها بالطبع أن تتبع خطًّا صارمًا، لا تقودنا إلا إلى ما نجده من الأغراض السياسية وراء هذا المنطق الجدلي، فأين نصل ترى مع هذه الترهات: رطل من السكر مساوٍ لنفسه أم لا!!
نصل بالتأكيد إلى الحيلة الآتية: أن الرأسمالية -كما الاشتراكية- هي نفسها وليست نفسها في آن واحد، فهو جسد منطقي مشوَّه لا جسد تاريخي، نصف رأسمالي ونصف اشتراكي، ولا نستغرب أبدًا حين يقول ديالكتيكي مثل تروتسكي:

"ان التفكير الدياليكتيكي يحلل كل الأشياء والظواهر في تغيرها المستمر، بينما يحدد في الظروف المادية لتلك التغيرات ذلك الحد الحرج حيث "أ" تتوقف عن كونها "أ". ولا تكون دولة العمال هي دولة العمال"، "وقد أقول أيضا نضارة والتي إلى حد ما تجعلها (المفاهيم ) أقرب لظواهر الحياة. ليست الرأسمالية بالتعميم، ولكن رأسمالية معطاة (محددة) في مرحلة معطاة (محددة ) من التطور. ليست دولة العمال بالتعميم ولكن دولة عمال معينة في بلد متخلف في محيط إمبريالي، إلخ" (تروتسكي).

أليس الديالكتيك مضحكًا؟ أليست هذه حيلة سياسية لخدع العمال؟ إن هذه الحيلة نجدها عند كل الديالكتيكيين السوفيتيين، وهي حيلة فلسفية بين أيدي السياسيين ليجعلوا من العالم عدة إنشاءات منطقية. فكم سيكون سهلا أن نحول التاريخ العالمي كله إلى بعض إنشاءات منطقية مثل إنشاءات تروتسكي! فالماديون الجدليون يحاولون إقناعنا بأن كل معادلة منطقية: أ = أ، أو: "أ" هو "لا أ" .. إلخ، تخلق في النهاية واقعًا تاريخيًا يقابل التُّرَّهات التي تدور في أفكارهم السياسية. وبالطبع فمادامت المسألة هي العودة إلى التجريدات المنطقية الهيغلية، واستخدام جملة كاملة من السفسطة -أي كلمات طنانة فارغة من المعنى- فليس هناك حافز لدراسة التاريخ، فـ أ = أ أو أ = لا أ. وكل هذه الخدعة يمكن قلبها إلى خدعة جديدة أينما وجدنا ضرورة تحويل اللائحة المنطقية إلى أخرى تناسب سياستنا في الدولة.
إن التاريخ لدى لينين وتروتسكي وستالين، مسير بهذا الجدل. فكل العلاقات البشرية تصبح معادلات منطقية مجردة. لقد أخذ تروتسكي - مثله مثل لينين وستالين - جميع أوهام القديمة للفلسفة الأرسططاليسية، على أنها حقيقة حرفية مطلقة، فالاقتصاد والدولة والصناعة والعمال .. إلخ لا وجود له عنده إلا من خلال وساطة منطقية هيغلية.

مثال:

يقول تروتسكي: "عندما تكون التغيرات الكمية في "أ" من الممكن إهمالها بالنسبة للمهمة المؤداة عندئذ يكون من الممكن التسليم إفتراضيا بأن "أ" تساوي"أ"، هذه على سبيل المثال هي الطريقة التي يأخذ بها كل من البائع والمشتري رطل من السكر بعين الإعتبار. نحن ندرس حرارة الشمس بشكل مماثل، وحتى نتوصل إلى دراسة القوة الشرائية للدولار بنفس الطريقة. لكن التغيرات الكمية لما بعد حدود معينة تتحول إلى تغيرات كيفية (نوعية). فرطل من السكر معرض لفعل الكيروسين ينتهي وجوده كرطل من السكر (يتوقف عن كونه رطل من السكر). ودولار في قبضة رئيس يتوقف عن كونه دولارا. إن تحديد النقطة الحرجة التي يتغير عندها الكم إلى كيف في اللحظة الصحية هي واحدة من اهم وأصعب المهام في كل حقول المعرفة بما فيها علم الإجتماع" (تروتسكي).

وهكذا، ففي حيلة (الديالكتيك الماركسي)، نجد:

حرارة الشمس لا تساوي حرارة الشمس

ودولار في قبضة رئيس يتوقف عن كونه دولارا

وما هذا سوى سفسطة الماركسيين الروس؟ وما هذا سوى ثقافة برجوازية حقيرة فارغة من المضمون؟

وما التراكمات الكمية والتحولات النوعية؟
لحسن الحظ لدى الجدليين جواب جاهز: الشيء لا يمكن أن يكون "أ" و"لا أ"، فـ "نعم" يمكن أن يصبح "لا"، و"لا" يمكن أن يصبح "نعم"، و"لا" يمكن أن يصبح "نعم ولا" ..إلخ.

ولنرَ أين نصل مع ترهات الديالكتيك الماركسي؟

يقول تروتسكي:

"كل عامل يعرف أنه من المستحيل صناعة شيئين متماثلين ومتساويين تماما. في عملية تفصيل النحاس كمحاميل مخروطية، يسمح بإنحراف معين للمخاريط و الذي مع ذلك لا يجب أن يتعدى حدودا معينة (هذا يسمى السماحية). وعن طريق ملاحظة نماذج السماحية، تعد القوالب متساوية ("أ" تساوي "أ")، وعندما تزاد السماحية يتحول الكم إلى كيف، بكلمات أخرى تصبح المحاميل المخروطية رديئة وعديمة القيمة".
المصدر: http://www.marxy.com/trotsky/ABC_of_materialist_dialiectics.htm
تروتسكي، 15 ديسمبر, 1939

ولننتقل الآن إلى خدعة لينين الديالكتيكية؟

يقول لينين: "... اوراق الشجرة خضراء، زيد رجل، غبروش كلب، الخ...، ففيها (كما لاحظ هيغل بصورة عبقرية) يوجد الديالكتيك: فما هو خاص هو عام. وهكذا تكون الاضداد (الخاص هو ضد العام) متماثلة: فالخاص غير موجود الا في العلاقة التي تؤدي الى العام. والعام غير موجود الا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام (بهذه الصورة او تلك)" (لينين، حول الديالكتيك، 1915).

أن سفسطة (الديالكتيك الماركسي) هنا تصل حدها النهائيّ، فـماذا يعني أن "كل عامل يعرف أنه من المستحيل صناعة شيئين متماثلين ومتساويين تماما"، كما يقول تروتسكي؟ وثم ماذا يعني "اوراق الشجرة خضراء، زيد رجل، غبروش كلب" كما يقول لينين؟ وماذا تثبت لنا هذه الأوهام العظيمة سوى سفسطة فلسفة هيغل؟ وأين وصلنا مع هذه الخُدَع الجدلية لو أضعنا (صناعة بضاعة ما، أو زيد رجل) في لائحة جدلية؟

إننا نصل بكل تأكيد إلى لا شيء، فالمنطق الجدلي يعطينا الفكرة العامة التي يوهمنا بها لينين حول العام والخاص الذي يعبر عنه "الرجل"، على الشكل الآتي:

الرجل = الإنسان
زيد = الرجل

إذن:

زيد = الإنسان

وهذا كل شيء. فما هذه السفسطة، الفكرة الفارغة من المعنى سوى حيلة سياسية لجعلنا جاهلين بأصل الأشياء والتناقضات الواردة فيها؟
وهل تعبير (الفروق في صناعة شيئين متماثلين أو غير متماثلين)، (وعندما تزاد السماحية يتحول الكم إلى الكيف)، يقودنا إلى واقع يتعلق بإنتاج بضائع متماثلة أو غير متماثلة؟
كلا بكل تأكيد، فلا يمكن أن يستفيد آدم سميث، أو ريكاردو، أو ماركس من هذه الطريقة غير الصارمة في استخراج القوانين المادية المتعلقة بالحياة الاقتصادية للمجتمع، لأن القانون يستخرج من علاقة واقعية لا يبقى الشك عليها. أما المنطق الجدلي فلا يمكنه أن يكون دقيقًا إلى درجة بحيث يعطينا فرصة استخراج القوانين المادية. فطريقة المنطق الجدلي لا يمكن أن يصل القانون كما لا يمكن أن يعطينا نتيجة صحيحة عن دراسة إنتاج بضاعة ما، أو الإنسان في مراحل تاريخية مختلفة، فالإنسان حسب التجريدات المنطقية هو الإنسان في كل عصر من العصور التاريخية ودون الاقتراب من علاقته بعالمه المادي. والحديث عن إنتاج البضائع –هو في الأساس- دراسة مستوى من الإنتاج، يدور حولها مجموعة من الظواهر المادية مثل رأس المال الإجمالي الموظف، وحصة رأس المال المتحول نسبة إلى رأس المال الإجمالي، ووقت العمل الضروري ووقت العمل الإضافي، ودوران رأس المال، والمنافسة .. إلخ. فهل ممكن أن يقودنا طريقة المنطق الجدلي (رطل من السكر لا يساوي رطلاً من السكر، أو زيد رجل، وغبروش كلب) إلى أصل العلاقات المادية وقانون إنتاج البضائع وهو قانون القيمة؟ وكيف ذلك؟ والمنطق الجدلي نفسه طريقة تواجه الكثير من الأخطاء أثناء خطواته للبحث عن علاقة ما محددة؟ كما أنه ليس الغرض منه الوصول إلى القوانين المادية للأشياء، بل الغرض منه قياس قوانين خطأ وصواب الأفكار الناتجة من معادلات فكرية لا تربطها أي ارتباط بشروط وجودها المادية. وكيف يمكن أن يبحث المنطق الجدلي مع قوانينه الفكرية السخيفة -التضاد، وتحول الكم إلى كيف، ونفي النفي- الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك في العصور المختلفة؟ وكيف يمكن أن يكشف لنا المنطق الجدلي التغيرات الاقتصادية والسياسية التي تحدث فيما بين هذه العصور المختلفة؟ وكيف يمكن أن يرى المنطق الجدلي الفرق بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة -بين الرأسمالية والاشتراكية- مثلا، وهي لا تملك سوى قياس للأفكار؟
ان الجواب هو: لا يمكن للديالكتيك الماركسي إعطاء معرفة صحيحة بخصوص العالم المادي. وإذا أردنا التحقق من الديالكتيك من وجهة نظر تروتسكي ولينين وستالين، فسنجد أن التناقض بينهما، يعطينا جواب الأسئلة بخصوص خطأ الديالكتيك نفسه:

رطل من السكر لا يساوي رطلاً من السكر

وهكذا:

فكيلو من اللحم لا يساوي كيلو من اللحم، كما ورجل لا يساوي رجلاً، وهو يمكنه أن يكون شيئًا آخر في نفس اللحظة الهيغلية التي ليست موجودة في الواقع المادي.

ثم ما التراكم الكمي والتحول النوعي في هذا "الرجل = زيد = الإنسان" الذي يتحقق منه لينين وكأنه يتحقق عن شيء واقعي؟ هل هو الشيخوخة؟ وما نفي النفي لـ "زيد"؟ هل هو الموت؟ وما عبقرية هيغل التي يوهمنا به لينين؟
إن إعجاب لينين بعبقرية هيغل يتلخص دون شك إما في غباوته هو نفسه، وإما عن حيلة من حيله السياسية الأخرى لإثبات ما لا يمكن إثبات صحته. ثم أين يقودنا لينين مع هذه التُّرَّهات؟ بالطبع إلى العالم الاشتراكي الديالكتيكي الذي يقودنا إليه تروتسكي وهو يمكن أن يكون نفسه وغيره في نفس الوقت.

خدعة ستالين الديالكتيكية:

يقول ستالين: "إن مفتاح دراسة قوانين تاريخ المجتمع يجب ألا نبحث عنه في أدمغة الناس، في نظرات وآراء المجتمع، بل في أسلوب الإنتاج الذي مارسه المجتمع في أية فترة تاريخية، علينا أن نبحث عنه في الحياة الاقتصادية للمجتمع" (ستالين، المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، 1938).

وهذه الفكرة صحيحة كل الصحة، وانها مخالفة جذريًا بـ (الديالكتيك الماركسي)، فيريدون الماركسيون أم لا، ليس الديالكتيك سوى قوانين فكرية تبحث عن الأشياء في أدمغة الناس بدل الأساليب الإنتاجية والعلاقات الواقعية للبشر. وعلى عكس الديالكتيك، فالمادية التاريخية، تبحث بالفعل قوانين التاريخ، في الحياة الاقتصادية للمجتمع، يعني ليست في الفكر (في الجدل)، لأن الفكر -الوعي الاجتماعي، المعارف البشرية- غير مستقل عن الحياة الاقتصادية للمجتمع.

ان المادية الديالكتيكية لدى ستالين، نظرة حزبية إلى العالم، وهذا كل ما يقوم ستالين بإضافته إلى الديالكتيك الماركسي. وفي الواقع لا يعالج ستالين الديالكتيك في كتابه إلا على صعيد الكلمات والتعابير والمصطلحات المستعارة من إنجلس، وهو يناقض الديالكتيك دون معرفة منه، فهو إما جاهل بأصل الديالكتيك وإما الغرض من أطروحاته هو نفس غرض الماركسيين الروس: نسف أساس المادية التاريخية!

أما ما يحاول ستالين في كتابه، فهو إثبات صحة اشتراكيته من خلال دمج المادية المرئية -المادية الميكانيكية- مع ديالكتيك انجلس من جهة، ودمجها مع بعض أطروحات مستعارة من ماركس من جهة أخرى. فكل من لينين وتروتسكي وستالين، يحاولون بدورهم استخدام حيلهم الفلسفية لتبرير سياساتهم لا استخدام فلسفتهم كطريقة لتفسير العالم. فالمادية الديالكتيكية -الماركسية- ليست منهجًا لتفسير الأشياء، بل هي مرشد العمل لتحقيق الاشتراكية من قبل الحزب، حسب الجدليين السوفيتيين. وهنا يظهر بالتحديد مثالية الفلسفة الماركسية، أي المادية الديالكتيكية التي لا يمكن إثبات صحتها بأي شكل كان، فالماركسية -المادية الديالكتيكية- فكرة مذهبية تنشأ منها مجموعة من الإيديولوجيات المتناقضة مثل الكاوتسكية والبليخانوفية واللينينية والتروتسكية والستالينية والماوية حول الاشتراكيات المختلفة، فكل أيديولوجية ماركسية، تحاول بدورها إثبات صحتها من خلال ديالكتيكها، ولكن لسوء الحظ، ليس ديالكتيكهم سوى أصل خرافاتهم عن الاشتراكية التي تدعونها.

إذن ما الفرق بين "الديالكتيك الماركسي" و"ديالكتيك هيغل"؟

قد حاول البعض التمييز بين المنطق الصوري الأرسطي ومنطق هيغل الجدلي. ولكن في الواقع، رغم كل اختلاف صوري بينهما، فالمنطق هو المنطق لدى كل من أرسطو وهيغل، ويطبق الفكر على عالم الأفكار بطريقة تتوافق والقوانين الفكرية (الجدلية) والقياسات المنطقية للتحقق من الخطأ والصواب. وكل من أرسطو وهيغل يفسر أشكال الوجود بأنه صور وأنواع للحركة، فيتقدم الفكرُ وتُولَد أفكار جديدة منه من خلال حركته. وعلى عكس لينين، فالكلي لدى هيغل، هو العقل المجرد أو الروح، له وجود منطقي لا واقعي. وهو ما يسميه هيغل منطق الحركة، أو منطق الكينونة، والتناقض هو جذر الحركة. أما السلبية أو النفي هو المصدر الداخلي لكل فاعلية، كل حركة، الفاعلية التي يقول ماركس عنها:

"تدعى هذه العملية، في اسلوب الكلام التأملي، بعملية إدراك الجوهر باعتباره الذات، باعتباره عملية داخلية، باعتباره شخصا مطلقا، وذاك الادراك يقوم على السمة الاساسية لمنهج هيغل" (العائلة المقدسة، ص 73).

إذن إن الفرق بين "الديالكتيك الماركسي" و"ديالكتيك هيغل" هو أن ديالكتيك هيغل لا يزودنا إلا بطريقة نرى بها عالم الأرواح والأشباح. بينما الديالكتيك الماركسي لا يفعل سوى تزويدنا بطريقة لأجل رؤية "المادة". فالأول يبحث الحركة في عالم الأرواح، بينما الثاني في المادة. وفي الحالتين يثبت المنطق الجدلي عجزه التام عن التوصل إلى معرفة الأشياء في واقعها الدنيوي، التاريخي. وإن منطق الجدلي الماركسي يستخدم نفس طريقة منطق هيغل الجدلي في البحث عن "الجوهر"، ففي بضع كلمات متقطعة، يبحث المنطق الديالكتيكي البناء التأملي لكل الاشياء.

مثال:

ما الجوهر المنطقي للتفاح والكمثري والفريز واللوز؟

إنه "فاكهة".

وهكذا إن سرَّ البناء التأملي في الديالكتيك الهيغلي والديالكتيك الماركسي، هو نفس سر الإنشاءات المنطقية الهيغلية. وكما يقول ماركس:

"فهمي المحدود، تؤيده حواسي، يميز بالطبع التفاحة عن الكمثري، والكمثري عن اللوزة، ولكن عقلي التأملي يعلن أن تلك الاختلافات الحسية غير جوهرية ولا أهمية لها، انه يرى في التفاحة الشيء ذاته الذي يراه في الكمثري، ويرى في الكمثري ما يراه في اللوزة، أي "فاكهة". والفواكه الحقيقية الخاصة ليست أكثر من أشكال جوهرها الحقيقي هو "المادة" – "الفاكهة" (ماركس، العائلة المقدسة، ص 69 -70).

هكذا يبحث المنطق الديالكتيكي "الجوهر"، وهذا هو منطق الخاص والعام، أي الجزء والكل لدى هيغل، فالكلي في المنطق الجدلي، محمول مشترك بين جميع المفردات من فئة واحدة، فلون "الأبيض" مثلاً يعبر عن الكل، وهو محمول مشترك يمكن أن تشترك فيه جميع الأشياء البيضاء. وهو نفس الشيء مثلا بالنسبة للمعادن، والأكل .. إلخ، فالذهب معدن، والنحاس معدن، ولكن دون النظر إلى التصنيف الكيميائي للمعادن المختلفة، والخبز أكل، والسكر أكل، ولكن دون النظر إلى القيم الاستعمالية المختلفة للخبز والسكر في اسواق البضائع.

وهكذا، فالديالكتيكي، حسب تعبير ماركس: يفهم الواقع على شكل مقولات فقط، لذلك فهو يحاول حل كل الفعاليات البشرية في ديالكتيك تأملي، وسيعيد إنتاج كل الأشياء في العالم من الديالكتيك التأملي، أو حسب تعبير ماركس:

"إن فنه ليس في كشف ما هو مخبوء، وانما في تخبئة ما هو مكشوف" (العائلة المقدسة، ص 67).

وهكذا، فالديالكتيك ليس دربًا لمعرفة واقعية عن العالم، وهو يقودنا إلى عالم سري مثل العالم المسيحية، اللاهوتية، ولا يمدنا المنهج الديالكتيكي -الماركسي أو غيره- بأداة علمي لتحليل الامور الواقعة أمامنا لاكتساب معارف واقعية عنها، فليس المنطق الديالكتيكي سوى التلاعب بالألفاظ. فلذلك لا يمكن للعلماء أن يعتمدوا على هذه الطريقة السخيفة في البحث عن الأشياء بأي شكل كان. وما اكتشفه العلم خلال 100 سنة، لم تكتشفه الفلسفة خلال أكثر من ألفي سنة، لان موضوع ومدار الفلسفة، وثم أداة الفلاسفة للبحث –المنطق الجدلي- هو نفسه منذ عهد أرسطو وطيلة ألفي سنة.

الخلاصة:

إن الجدل -الديالكتيك Dialectic- قديم قدم الأديان الهندوسية والبوذية والزرادشتية، وفي تطوره، أصبح الديالكتيك فن الحوار عند سقراط، ومنهج عقلي للانتقال من المحسوس إلى المعقول عند أفلاطون، ففلاسفة الاغريق القدمى، قد جعلوا من الجدل -الديالكتيك- أكثر شعبية منذ سقراط وتلميذه أفلاطون بالذات، فيقول هيغل -الأب المعاصر للديالكتيك- ووارث سفسطة سقراط:

"ديوجين لايرس يقول عن أفلاطون أنه، كما كان طاليس أبًا لفلسفة الطبيعة وسقراط أبًا للفلسفة الأخلاقية فقد كان أفلاطون أبًا للعلم الفلسفي الثالث، الديالكتيك، الجدل، -العصر القديم اعتبر ذلك أعلى مآثره" (هيغل، مختارات 1، ص 164).

أما الديالكتيك لم ينتقل منذ زمن زينون (336 - 264 ق.م)، مؤسس الديالكتيك، الذي يطابق بداية زمن السفسطائيين الذين يسبق زمن سقراط، إلا بمعنى الانتقال إلى البلاغة اللغوية وتعلم الفلاسفة التلاعب بالألفاظ.
ومن أهم السفسطائيين في التاريخ "سقراط" الذي يشارك السفسطائيين في مفهوم الإنسان والأخلاق والحياة، أما تعارضه معهم فهو جدله -ديالكيكتكه- الذي يرد السؤال بسؤال بطريقة جدلية، أو بفكرة فارغة من المعنى مثل جدل السفسطائيين في البيزنطة.
لذلك ليس من المستغرب أن نسمي سقراط أب السفسطائيين، فأهم ما نُقِل من السفسطائيين من قبل سقراط، هو دور المعرفة في الأخلاق، وأن المعرفة لدى سقراط هي التي تؤدي إلى الفضيلة، والصراع الاجتماعي يعود الى قوى وهمية يمثلها (إله الخير) و(إله الشر) كما في الأديان القديمة والجدل القديم، فكل لائحة تاريخية في الديالكتيك لها جانبان، جانب الخير وجانب الشر، وهم متناقضان فيما بينهم. ومن المعروف أن الكثير من الفلاسفة المعاصرين أمثال هيغل ونيتشه، قد تبنوا هذه السفسطة من خلال الفلسفة الإغريقية القديمة وبعدها المسيحية. فها هو هيغل ينطلق مما ينطلق منه سقراط، يعني من (الخير) و(الشر) والصراع الديالكتيكي بينهما ويقول:

"الفضيلة ليست بدون الجهاد؛ انها بالاحرى الجهاد الاعلى، الناجز؛ هكذا هي ليست فقط الايجابي – الوضعي، بل سلبية – نفيية مطلقة؛ هي فضيلة ليست فقط بالمقارنة مع الرذيلة، بل هي داخل نفسها تعارض وصراع. بتعبير آخر، الرذيلة ليست فقط غياب الفضيلة، - البراءة ايضا هي هذا الغياب، - انها مميزة عن الفضيلة ليس فقط بتفكير خارجي، بل هي معارضة لها داخليا، انها الشر. الشر قوامه الراحة في الذات، ضد الخير؛ انه السلبية الايجابية. ولكن البراءة، بوصفها غياب الخير والشر، هي لا مبالية إزاء هذين الحدين، ليست ايجابية ولا سلبية. ولكن في الوقت نفسه هذا الغياب هو نفسه يجب أن يؤخذ بوصفه كيفًا معرفًا .. ان حقيقتها ليست إلا في علاقتها المتبادلة وبالتالي فان كلا من التعيينين يحوي الآخر في مفهومه؛ بدون هذه المعرفة لا يمكن بحقيقة القول ان نخطو خطوة واحدة في الفلسفة"، "تعيين التعارض أفصح عنه ايضا تحت شكل مبدأ، يدعى (مبدأ الثالث المطرود)" (هيغل، مختارات 1، ص128 -129).

هذا هو سيدنا هيغل بين الموجب والسالب -بين الايجابي والسلبي-، هذا هو هيغل في كمال تصوره السقراطي عن التاريخ، وهذه هي طريقته في البحث، ففي اللاهوت الذي يفصل التاريخ عن الإنتاج المادي والعلاقات البشرية، يبحث هيغل التناقض، والكيف، والعلاقات المتبادلة .. إلخ، وبدون هذه المعرفة الوهمية، لا يمكن أن يخطي هيغل خطوة واحدة في الفلسفة، فالقاعدة التاريخية لقانون وحدة الاضداد الهيغلية، والكم والكيف، ونفي النفي، هي في الأساس جانبا الخير والشر -الفضيلة والرذيلة- الذي يعود تاريخه إلى الأديان الآسيوية القديمة. فأساس كل الصراعات البشرية، هي تلك الفكرة الشبحية التي ينقلها لنا هيغل من عالم الأرواح اليونانية القديمة. فهل ممكن أن يبدأ العلماء -الطبيعيين أو الاقتصاديين- من التناقضات الوهمية لهذا العالم الشبحي وجدله، أي سفسطته؟
إن هذا العالم الشبحي ومنظوماته الفلسفية المختلفة، قد انهار عند ظهور فلك كوبرنيكوس، وفيزياء غاليلو، والأبحاث الفيزيائية لسير نيوتن. وبعد هذه الأبحاث الجديدة عن العالم، لم يتبقَّ من التقاليد اليونانية القديمة للفكر سوى الميتافيزيقا، وأصبحت الفلسفة ومنطقها الجدلي منظومةً فلسفيةً ملحقة بالتفسير الدنيوي للدين، وخاصة تفسير المسيحية في عصرها، فهذه المنظومة لا تتماشى مع العلوم التجريبية ولا تستجيب لمتطلباتها مادامت دعامتها الفكرية قد انهارت مرة واحدة، لذلك فعليها إفساح المجال لتصورات جديدة، تجريبية دقيقة، لا شك فيها عن العالم الفيزيائي، عن قوانين فيزيائية التكوين التي قضى نهائيًا على العالم الديالكتيكي وقوانينه الفكرية.
ولكن التطورات التي حصلت في الصناعة، والتبادل التجاري الذي نشأ بفضلها وراء المحيطات، أدت إلى قلب هذا النوع من التفكير الإنساني - هذه المعرفة المزيفة - حول العالم أيضا، وقد فجرت أطروحات بيكون وأبحاث غاليلو ونيوتن بالذات، اتجاهًا جديدًا في التفكير الإنساني الخاضع للتجارب الدقيقة عليه.
وهذه التطورات أثرت على الطريقة التي يستخدمها الباحثون في الوصول إلى نتائج إيجابية، النتائج التي يعتمد كليًا على الدراسات لا الإيمان. وحسب بيكون، فان المعرفة القديمة تعتمد على ثرثرة كاذبة، فالتجربة الحسية هي التي تعطينا معرفة صحيحة عن العالم.

يقول ماركس: "إن المؤسس الحقيقي للمادية الانجليزية وكل العلوم التجريبية الحديثة هو فرنسيس بيكون، وعلوم الطبيعة هي العلم الحقيقي عنده .. والحواس، بحسب تعاليمه، لا تخطيء وهي مصدر المعرفة. والعلم التجريبي يقوم في تطبيق الطريقة العقلية على المعطيات التي تمدنا بها الحواس. ان الاستقراء، والتحليل، والمقارنة، والمشاهدة والتجربة هي المتطلبات الأساسية للطريقة العقلية" (العائلة المقدسة، ص 166).

ومثلما قام بيكون بشدة بدحض الفلسفة الكلاسيكية اليونانية القديمة وأداتها في البحث في عصره، أي المنطق الديالكتيكي، وفي شخص ممثليها الكبار أفلاطون وأرسطو، فقد قام ماركس أيضًا بدحض الإيديولوجية الفلسفية الألمانية وأداتها في البحث -المادة والديالكتيك- في شخص ممثليها الكبار هيغل وفيورباخ. أما طريقة ماركس فليست نفس طريقة فرنسيس بيكون في الأبحاث، حيث إن المشاهدة والتجربة من خلال الإحساسات البشرية الخمسة، لا تكفي لاستخراج القوانين المادية. وهذه الطريقة في البحث تنتهي في الأخير في (المادية الميكانيكية) التي تمثلها فلسفة هوبز، ولوك، وفيورباخ، وانجلس رغم أنه لم يكن فيلسوفًا ولا عالمًا. وإن أفكار بليخانوف، الأب الروحي للماركسية الروسية، كما أن كتاب لينين (المادية والمذهب النقدي التجريبي) يعزز تصورات إنجلس المشوهة عن العالم. أما ما يسمى بـ (ديالكتيك لينين وتروتسكي) فليس سوى محاولة لإعادة الحياة إلى الجدل المسيحي القديم، فالمسيحية تجدد نفسها في (الديالكتيك الماركسي)، وهذه هي في الواقع طبيعة الثورة المضادة، فالثورة المضادة، ونعني بها البلشفية بالتحديد وإمبراطوريتها السوفيتية، أصبحت آخر معقل للهيغلية الرجعية، وآخر لعبة للبرجوازية في قرن الثورات البروليتارية، الثورات الكومونية التي هزت الرأسمالية مثلما هزت أساسها الفكرية.
ولكن على عكس كل هذه المذاهب الماركسية المختلفة التي تعود جذورها إلى الديالكتيك المسيحي الهيغلي، فما يبدأ منه ماركس هو حالة من التاريخ، عصر من الإنتاج، زمن معين من العلاقات البشرية، فتناقض ماركس مع هيغل – كما ومع الماركسية أيضا - لا يبدأ من كيفية فهم هيغل للديالكتيك - لهذه الفكرة الشبحية الأغريقية القديمة -، فنزاع ماركس مع هيغل ليس هو أن الديالكتيك يجب أن يقف على قدميه بدل رأسه، أو يمكن استخدامه بطريقة أخرى، ايجابية، مادية بدل المثالية، بل هو كيفية فهم هيغل للتاريخ وعلاقات البشر، وانعكاساتها على الوعي البشري، فهيغل يعالج الحركة الديالكتيكية – الجدلية - للأفكار من خلال الأفكار نفسها، فمصدر المعرفة لدى هيغل هو الفكر نفسه. أما ماركس فيعالج حركة الأفكار من خلال حركة التاريخ التجريبي، أي من خلال حركة الصناعة والمبادلة، لا الحركة الجدلية للمادة، فهيغل لا يمكنه إجابة أي شيء بخصوص العالم دون تحويل هذا الشيء إلى شكل من الفكر التأملي، ولكي يكون قادرًا على إجابة أية مسألة، فيغير هيغل هذه المسألة بصورة مسبقة إلى مسألة تأملية (انظر: كارل ماركس، العائلة المقدسة، ص 114). لذلك فلا يمكن لماركس أن يجد شيئًا لدى هيغل يربطه بالمادية من قريب أو بعيد.

وهكذا، فإننا وصلنا في نهاية الأمر إلى أن الطريقة الفلسفية –المنطق الديالكتيكي- لا تمدنا بشيء سوى ما تمدنا به المثالية من الأفكار عن الغيبيات والميتافيزيقا، فالديالكتيك لا يعطينا أية فكرة جديدة عن العالم، أو أية نتائج ايجابية، فهو فكرة جامدة في الأساس، فكل ما لدى الديالكتيك هو أفكار خالصة يمكن استخدامها في أي زمن تاريخي كان. وظهر الديالكتيك في الحضارة اليونانية القديمة بوصفه فكرة عقلانية إزاء الفكر الأسطوري -الميثيولوجيا- حول خالق العالم، الميتافيزيقا، ما وراء الطبيعة، فالديالكتيك فكرة عن الأفكار، والغيبيات، والأسرار لا عن التاريخ الواقعي، وفي تطوره، اندمج الديالكتيك وقوانينه بالمادية العينية -المادية الميكانيكية- التي يمكن أن تطابق الأشياء في حالات مفردة فقط. وهذه المادية الميكانيكية هي أساس (الفلسفة الماركسية) التي تسمى المادية الديالكتيكية، الفلسفة التي ليست لها العلاقة بكارل ماركس من قريب أو بعيد، وصاحبها هو فريدريك إنجلس وليس ماركس، فعلماء الاقتصاد أمثال آدم سميث، وريكاردو، وماركس لا يبدأون من المادة أو من الديالكتيك، بل من الاقتصاد التاريخي فقط. أما هيغل فيغادر مملكة التاريخ أولا ويبدأ بعده ببحث العالم في مملكة التأمل، وحسب ماركس:

"يطور هيغل في داخل التاريخ التجريبي الخارجي، تاريخًا سريًا، تأمليًا" (ماركس، العائلة المقدسة، ص 107).
و"يملك هيغل القدرة الكاذبة أن يعرض على أنها عملية الكائن العقلي المتخيل نفسه، الذات المطلقة، العملية التي بواسطتها ينتقل الفيلسوف عن طريق الإدراك الحسي من موضوع إلى آخر" (ص 73).

وهكذا، ففي طريقة ماركس يظهر لنا أن مصدر الوعي -مصدر المعرفة- هو العلاقات البشرية، فالمعرفة ليست لها أية استقلالية عن هذه العلاقات، وأن كل محاولة لفصلها عن مصدرها المادية باسم الديالكتيك الماركسي، أو اللجوء إلى الديالكتيك لفهم التاريخ، هو محاولة لفتح باب جديد للمثالية في شكلها المسيحيّ بالذات، ثم تفسير الأشياء من وجهة النظر نفسها. وأن ضعف ماركس الهيغلي واستخدام طريقة هيغل في العرض من قبله، سيفسح المجال دون شك للديالكتيكيين للصق ماركس بهيغل. وكل ما يفهم هؤلاء الديالكتيكيون من الاختلاف بين هيغل وماركس هو أن الأول مثالي والثاني مادي، لذلك فديالكتيك الأول مثالي، أما الديالكتيك الثاني فهو مادي، وهذا كل ما يفهمونه عن الطريقة المثالية والطريقة المادية التاريخية للبحث عن العالم، وهم لا يعرفون بأن المثالية هي الديالكتيك نفسه، وليس الديالكتيك الماركسي -أي فلسفة المادية الديالكتيكية- سوى محاولة لنسف الأساس العلمي للمادية التاريخية، وإعادة الحياة إلى الطريقة المسيحية في النظر إلى العالم. وهذا بالطبع أسهل طريقة لتفسير التاريخ بأي شكل يطرحه الفلاسفة وبأي طريقة يفسرها السياسيون أمثال لينين وتروتسكي وستالين. فالديالكتيك الماركسي مثل الديالكتيك اليوناني والألماني، مثالي في الأساس، ومثاليته يتلخص في أن عمله هو القبض على الفكرة، وأن كل فكرة تولد بدورها فكرة مناقضة. والماديون الجدليون لا يقدمون إلينا سوى ظواهرية الفكر المسيحي، لكنهم على طريقتهم، أي طريقة المادية الميكانيكية، فالديالكتيك هو شكل حركة المادة، ولا يوجد السكون في العالم حسب الديالكتيك. وهذا كل ما يعطينا الديالكتيك من الفكرة عن العالم.
أما علماء الاقتصاد، ومن ضمنهم كارل ماركس، فيبحثون القوانين المادية للمجتمع لا المادة أو قياسات المنطقية لقياس خطأ وصواب الأفكار، فماركس يحاول إثبات أطروحاته الاقتصادية بالاستناد إلى التاريخ وحركة التاريخ لا حركة المادة التي لا تعطينا شيئًا عن العالم الواقعي سوى فكرة ميكانيكية مجردة عن الأشياء، ورغم ضعفه الهيغلي، فلا يمكن لماركس أن يستخدم المنطق الهيغلي المسيحي لاستخراج القوانين الاقتصادية واكتساب معرفة مادية عن التاريخ. لذلك، ففي النهاية نسأل القراء كما يسألهم إنجلس:

"أين هي الاختلاجات والمعميات والزخارف التصورية للالتباس الجدلي؛ أين هي الافكار المختلطة والمغلوطة التي تنص على ان كل شيء هو نفس الشيء الواحد في آخر الأمر؛ أين هي المعجزات الجدلية من أجل أتباعه المخلصين؛ أين هي اللمامة الجدلية العجيبة والتشنجات الموافقة لعقيدة الكلمة الهيغلية التي لا يستطيع ماركس بدونها، حسب رأي الهر دوهرنغ أن يصوغ عرضه؟ إن ماركس ليثبت بكل بساطة بالاستناد إلى التاريخ ... ". "بعدما اثبت ماركس استنادا الى التاريخ ان العملية في واقع الامر تمت بصورة جزئية، ويجب أن تتم في المستقبل بصورة جزئية، فانه يعمد عندئذ فقط الى وصفها فضلا عن ذلك على انها عملية تتحقق بصورة متفقة مع قانون جدلي معين. وهذا كل شيء" (انجلس، أنتي دوهرنع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ أنور المحترم1
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 26 - 11:51 )
الأستاذ أنور المحترم
تحية طيبة
مع كل التقدير للمسيحية الأصولية فأنت تحملها الكثير حين تنسب الهيغلية والماركسية لها.فلسفة هيغل وديالكتيكه خرجا من معطف الغنوصية الشرقية التي وجدت رواجا كبيرا لها في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. بل أستطيع أن أزعم لك أن كل تفاصيل خطة هيغل الفلسفية مبنية على قراءته لترجمة نوربري عام ١٨١٥لكتاب الكنزا ربا من المندائية إلى السويدية وقد ظهرت مؤلفات هيغل في نفس الفترة منذ عام ١٨٢٢.إذا قرأت الشاعر السويدي اريك يوهان ستاغنيليوس - توفي عام ١٨٢٣ وأثر الكنزا ربا على شعره ورواج الغنوصية في تلك الحقبة في أوساط المفكرين والمثقفين لتجديد المسيحية وعصرنتها ستجد أن ما أزعمه له أساس علمي يستحق البحث والتحقيق.أن ما يسمى بالدائرة أو الدورة الهيغلية هو إستلهام مباشر لتفاصيل كتاب الكنزا ربا وكذلك مفاهيم النقيض والتكاثر - التراكم - والتوالد الذاتي للعناصر.وقد إستمر هذا التقليد والتأثر بالغنوصية والثنيوية الجدلية المانوية والزرادشتية والمندائية في الوسط الفلسفي الأوربي مرورا بنيتشة وحتى كارل يونغ الذي إعتمد تماما على الغنوصية في صياغة نظرياته عن اللاوعي وال


2 - الأستاذ أنور المحترم2
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 26 - 11:54 )
عن اللاوعي والتي مازالت الإكتشافات العلمية تؤكد صحتها.وأنت تعرف أن كل فلسفة أوربا المسيحية الإقطاعية قامت على التلفيقية التي سادت الحقبة الهلينستية وعلى إفلوطين الغنوصي - الوثني - وإفلوطين لم يكن غير تلميذ غير ديالكتيكي ومروّج لفكر الأسياد العبودي وناسخ لمدرستي بابل العريقة والإسكندرية.
أقول هذا طبعا في محاولة لوضع الأمور في نصابها التاريخي وربطها بشكل منصف بجذورها الحقيقية علماً بأنك نظراً لإهتمامك البحثي تتوفر لديك فرصة أكثر مني للتحقق من هذه الآراء الإنطباعية التي أطرحها كقاريء في هامش مقالاتك.مع التقدير.مثنى حميد مجيد


3 - شجرة نسب مادية ماركس التاريخية -1
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 26 - 14:44 )
نعم، استاذ مثنى، اتفق معك كل الاتفاق. وكما نعلم، ان كلمة الغنوصية مشتق من اللفظة اليونانية القديمة gnosis وهي تعني المعرفة. والغنوصية بوصفها مذهب عقلاني يعود تاريخه إلى القرن الأول للميلاد. وهي محاولة للتوفيق بين تعاليم المسيح والفلسفات الروحانية الاغريقية والشرقية. وبالفعل (خرجا فلسفة هيغل وديالكتيكه من معطف الغنوصية الشرقية).
ولقد قلت في الموضوع ان الديالكتيك وجذر فلسفة هيغل، يعود في الأساس إلى الاديان الآسياوية القديمة. وكما اشرت اليها اعلاه فيبدأ هيغل من الخير والشر.

والحال، إذا أردنا البحث عن الموضوع بدقة، فيجب أن نقول بأن (الروح) اليونانية، هي نفس (الروح) الموسوية. وكل ما كان موجودا في الدين الموسوي، نجده أيضا في الفلسفة اليونانية عدا كلمة (الله).


4 - لنبحث شجرة نسب مادية ماركس التاريخية -2
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 26 - 14:45 )

ان المصدر التاريخي للروح، والوعي، والحقيقة، والميتافيزيقا اليونانية، هو الحضارات الشرقية. فالحضارة اليونانية حضارة جديدة جدا بالمقارنة مع حضارة ميسوپوتاميا مثلا. ويعود تاريخ نظرية فيثاغورس مثلا - وعاش فيثاغورس في القرن السادس قبل الميلاد- إلى حضارة البابليين، ففي شبابه يزور فيثاغورس بلاد ما بين النهرين، ويتعلم الرياضيات، وينتقل عبر مصر إلى ايطاليا، ويبدأ بتدريس الرياضيات. ويقال ان نظرية فيثاغورس بابلية في الأساس وليست اغريقية.

أما ما يتعلق بعلاقة هيغل بالتراث الفلسفي للاغريقيين القدمى، فهو علاقة هذا الفيلسوف بالطريقة اليونانية للبحث بالذات، أي المنطق الارسططاليسي.

والآن يتعلق الأمر بشجرة نسب لمادية ماركس التاريخية. فحسب ما وصلت اليه خلال سنوات طويلة من دراسة التاريخ وأطروحات ماركس وانجلس وبليخانوف ولينين وتروتسكي وستالين، فعامود نسب المادية التاريخية هو الانجليز والفرنسيين. أما عامود ديالكتيك انجلس فهو الفلسفة الالمانية التي تعود جذورها إلى عالم لا نجد فيه سوى الاشباح والارواح.

فما رأيك؟

خالص تحياتي


5 - العلماء ينبشون حتى المزابل1
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 26 - 17:58 )
تقول:أما عامود ديالكتيك انجلس فهو الفلسفة الالمانية التي تعود جذورها إلى عالم لا نجد فيه سوى الاشباح والارواح.
إذن نحن نتفق ولو بفهم مختلف على الجذور الغنوصية للفلسفة الألمانية ولكن لماذا لا تجد في الغنوصية والفلسفة عامة سوى الاشباح والارواح التي ينبغي إنكارها ورفضها.العلماء ينبشون حتى المزابل ففي أكوام منها قد يجدون الجواهر واللقى الثمينة غير المتوقعة.هل تشك أن كارل يونغ الغنوصي في كل تفاصيل نظرياته والمدارس المتفرعة عنه ليسوا بعلماء.آخر الإكتشافات العلمية في العشرين سنة الأخيرة في حقول تشريح الدماغ والأعصاب والطب النفسي تؤكد صحة نظرياته عن اللاوعي والوعي الجماعي بل قد أصبح يتقدم على فرويد في الوسط الطبي والعلمي والمختبري الأكاديمي.كارل يونغ إعتمد على الأساطير والتراث الغنوصي وحلل أكوام من الخرافات والأساطير ليضع نظرياته وهي في شكلها الأساس والمختزل تقوم على الثنوية القديمة للخير والشر ، النور والظلام ، الروح والنفس ، المادة والفكر ، الوعي واللاوعي.خارطة الدماغ وبنيته وطريقة عمله كلها ، علمياً ومختبرياً تؤكد هذه الثنيوية التي عكستها الأساطير والأشباح والطقوس والممارسات الدينية.الوج


6 - العلماء ينبشون حتى المزابل2
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 26 - 18:00 )
والممارسات الدينية.الوجود كله يقوم على هذه الثنيوية الديالكتيكية ولذلك فدراستك للديالكتيك حين تحصرها بالأدبيات الماركسية ، إنجلز ، لينين - العجيب أنك تحشر ستالين أيضاً - والتي أصبحت الآن كلاسيكية فأنك بعملك هذا تقيد نفسك في أُطر الماضي الذي ترفضه بدلاً من تبني طرح جديد ومعاصر للديالكتيك في ضوء التطور العلمي الهائل لعصرنا الحالي.


7 - الاستاذ مثنى: لم أجد جواب سؤالي
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 26 - 21:58 )
سؤالي هو: ما شجرة نسب المادية التاريخية؟

اننا نتحدث عن منهج بحث التاريخ المادي. أما طريقة كارل يونغ هي طريقة تجريد الفرد عن حياته الاجتماعية، ففي هذه الطريقة يجب عزل الفرد عن مجتمعه أولا، وبعد ذلك البدأ بالبحث عن حياته الفردية. وأين نصل من خلال طريقة علم النفس؟
سنصل بالتأكيد إلى عالم مغلق لا نجد فيه سوى الأمراض العقلية والنفسية، يعود جذورها - حسب علماء النفس - إلى الخلل في الفرد لا في المجتمع، فحتى السرقة مثلا يرتكبها الفرد بدافع نفسي لا بدوافع اجتماعية، حسب علم النفس.

ان العالم الذي نبحثه هو أوسع من عالم علم النفس، أو الطب، أو الفيزياء، أو السلوك الفردي، أو الاخلاق، فالأمر هنا يتعلق بالبشر الذين يدخلون في علاقة ببعضهم بعضا، وبوصفهم بلغوا مرحلة معينة من تطور قواهم الانتاجية (ماركس)، وهذه العلاقة هي التي تحدد بدورها سلوك الافراد الشخصي.
فما وسيلتنا للوصول إلى معرفة واقعية عن هذا السلوك؟ هل الديالكتيك يقودنا إلى نتيجة صحيحة؟ وكيف؟

تحياتي


8 - سؤال بسيط
الباشت ( 2012 / 4 / 27 - 05:23 )
لماذا لا تترجم الديالكتيك مباشرة الى الجدل لتتضح الصورة للبعض ام هناك اختلاف بينهما؟


9 - مداخلة 8: سؤال بسيط
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 07:29 )
شكرا لمرورك.
لا يختلف -الجدل- عن -الديالكتيك-، فالمسألة تتعلق على الدوام بجدل لا يؤدي في النهاية إلى أية نتيجة، وكلما وصلنا إلى النقطة الأخيرة فاكتشفنا انها نقطة البداية.
ولكن يحاول البعض أن يجعل من الديالكتيك كلمة سحرية، بمثابة قانون للحركة يحدِّد مسيرة الطبيعة والمجتمع والأفكار عبر تفاعلات النفي المتتالي لكل الاشياء، ويصبح الجدل أخيرا فلسفة تسمى (المادية الديالكتيكية) وهي حسب ستالين نظرة عالمية للحزب الماركسي - اللينيني. فكلمة الديالكتيك هي التي أصبحت شائعة بين الناس من خلال هذه الفلسفة. وحين نقرأ من لينين مثلا: (الديالكتيك، بوصفه معرفة حية، متعددة الجوانب، (إذ ان الجوانب تتكاثر بلا انقطاع) ...) وكأننا نقرأ شيئا لا يفهمه سوى عقول العباقرة. ولكن في الواقع لا نقرأ شيئا سوى كلمات خالية من المعاني. وإذا قلنا (الجدل، بوصفه معرفة حية ...) فنر ان الأمر لا يتعلق إلا باستخدام كلمات طنانة. وفي الواقع ان الجدل ليست معرفة، وهذا خطأ في الأساس، فالجدل هو، حسب الفلاسفة -حسب السفسطائيين- وسيلة للوصول إلى المعرفة.
مع الشكر والاحترام


10 - العلم والفلسفة
نعيم إيليا ( 2012 / 4 / 27 - 11:25 )
أستاذ أنور تحياتي
ظننتك في البداية مهتماً بنقض الفلسفة الماركسية، فإذا بك مهتماً أكثر من ذلك بنقض الفلسفة وازدرائها، على طريقة الأستاذ ماجد جمال الدين الذي لا يرى لغير الرياضيات فضلاً على المجتمعات البشرية والعالم والحقيقة عامة.
يا أستاذ أنور، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
العلم نشأ في أحضان الفلسفة وعندما ترعرع وبلغ سن الرشد انفصل عنها وتخصص في مجال محدد من مجالات المعرفة والاختراع. والعلم وحده لن يستطيع أبداً أن يقدم لنا معرفة صحيحة تامة عن الأشياء والظواهر؛ لهذا فإن قولك:

فالتجربة الحسية هي التي تعطينا معرفة صحيحة عن العالم

لا يمكن القبول به من دون نقاش، ولو كان ذلك ممكناً، لكان من الواجب أن نقبل بجميع
النظريات الرياضية والفيزيائية على أنها صحيحة، وهي في الحقيقة ليست كذلك
هل بوسعك الآن أن تحكم على النظرية النسبية بأنها حقيقة مطلقة لا يمكن دحض جوانب منها؟

والفلسفة مثل العلم لها مجالها؛ فهي تفسر الأشياء والظواهر الفكرية وقد تخطئ وتصيب تماماً مثل العلم
سؤال:
هل بوسع العلم والتجربة الحسية وضع لائحة تشمل حقوق الإنسان؟










11 - السيد - ة - الرقيب
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 27 - 11:47 )
السيد - ة - الرقيب
تحية طيبة
أنا أعرف عقدتك من الصبّة واليهود ولذلك أعطيك العذر في حذفك تعقيبي فالحوار بيني وبين الأستاذ الصديق أنور أصعب من أن تستوعبه ذهنيتك الطائفية البائسة


12 - التجربة الحسية -1
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 12:49 )
الاستاذ العزيز نعيم إيليا:

(التجربة الحسية هي التي تعطينا معرفة صحيحة عن العالم) ليست مني بل من فرنسيس بيكون. واني حاولت اثبات الآتي:

(طريقة ماركس ليست نفس طريقة فرنسيس بيكون في الأبحاث، حيث إن المشاهدة والتجربة من خلال الإحساسات البشرية الخمسة، لا تكفي لاستخراج القوانين المادية. وهذه الطريقة في البحث تنتهي في الأخير في (المادية الميكانيكية) التي تمثلها فلسفة هوبز، ولوك، وفيورباخ).

يقول لينين: (لا يمكن أن تشيخ مسألة معرفة فيما إذا كان البصر، واللمس، والسمع، والشم، هي ينبوع المعرفة البشرية) (المادية والمذهب التجريبي النقدي، ص 122).

اني لا أؤيد هذه النظرة على الاطلاق، فمن غير الممكن تحري الأشياء بالفكر المجرد -بالفلسفة- أو الاحساسات البشرية. مثال:

تعمل الطبيعة فيزيائيا لا ديالكتيكيا. لذلك فلا يمكننا التجربة مثلا على الذرة، أو وحدة الكون .. إلخ، من خلال قوانين الفكرية للديالكتيك أو الاحساسات البشرية. ما سبب تنوع تكوين المواد المختلفة في الطبيعة مثلا؟

لو حاولنا إجابة هذا السؤال من خلال الديالكتيك أو احساساتنا، لوقعنا في فخ المنطق الجدلي ...

يتبع


13 - التجربة الحسية -2
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 12:50 )
... فالاحساسات، أي المادية المرئية، لا يمكنها تحديد العناصر الفيزيائية للاشياء.

من المعلوم ان ما يجعل تركيب الاشياء يختلف عن بعضها البعض، فهو في الأساس عدد البروتونات داخل الذرة، فهناك ما يفرق الهيدروجين عن الذَّهب، والذَّهب عن الحديد، والحديد عن الأكسجين، وهو اختلاف أعداد البروتونات في ذراتها. أما الديالكتيك أو المادية المرئية، لا يمكنه ان يرى سوى غلاف العالم.

وهكذا، فإذا أردنا التحقق من طرق أو مناهج البحث عن مصدر المعرفة في خطوطها التاريخية العريضة، فيمكننا تلخيص كل هذه الحركة التاريخية في الآتي:

- في الطريقة الأولى يتم الانطلاق إما من الفكر المجرد (جدل أفلاطون، منطق أرسطو، المنطق الجدلي الهيغلي)، وإما من الأشياء الحسية (هوبز، لوك، فيورباخ).

- في الطريقة الثانية، يتم الانطلاق مما وراء الأشياء المادية، أي من قوانين المادية لشروط وجود الأشياء، الطبيعية أو الاجتماعية (نيوتن، داروين، ماركس).

وما رأيك؟ فهل هناك طريقة أخرى للبحث في خطوطها العريضة؟

خالص تحياتي


14 - عمل صبياني لثلاث سنوات
مثنى حميد مجيد ( 2012 / 4 / 27 - 14:07 )
الأستاذ الباحث والصديق أنور
يسعدنى جدا الحوار معك ولكن مع - حشر- الرقيب لنفسه بحذفه تعقيبي لأسباب -أنا وهو فقط- نفهما سأتوقف بكل أسف عن المواصلة.
كان نفس هذا الرقيب - ة - ينشر مقالاتي بإستقطاع العنوان فلا يظهر منه سوى كلمة محسوبة بستتة حروف لا تزيد إلى سبعة وقد واصل هذا العمل الصبياني لثلاث سنوات وحين إعترضت منعت تماما من نشر أي مقالة وحتى الان.أتعجب موقع -ماركسي -يتعامل محرروه مع الناس بروح طائفية مريضة ؟!


15 - من الاستاذ مثنى: أنت تحصر ماركس في غرفة مقفلة
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 14:28 )
الأستاذ أنور المحترم

من جهة تقول أن ماركس - لم يكن نبيا بل عالم إقتصاد مثل ريكاردو - هكذا صنفت ماركس ضمن علماء الإقتصاد البرجوازي وهو ليس علما بالمعنى الخالص للكلمة ومن جهة أخرى تلغي ضمنا في تعقيبك السابق الصلة الوثيقة بين الماركسية والتيارات الحديثة في علم النفس والطب النفسي في القرن العشرين .أنت تحصر الفلسفة والديالكتيك بهيغل وانجلس ولينين...وتفصل الإقتصاد الماركسي عن الفلسفة وبذلك تُلغي من قاموسك الصلة بين الإستغلال والإستلاب وهما العصب الذي بدونه لا يمكن فهم العلاقة بين ماركس وهيغل وهما وجهان لمفهوم واحد فإغتراب الإنسان عن الآلة عند ماركس - الإستغلال -هو نفسه إغتراب الروح - الشعور بالذات - الإنسان في التاريخ - الإستلاب - عند هيغل.الإستغلال مفهوم -إقتصادي- والإستلاب مفهوم -نفسي -لكنك تعترف فقط بعلم الإقصاد في حين أن علم النفس أقوى صلة منه بعلوم الطبيعة وأكثر تجريبية.حاولت أن أدخل لك من باب آخر فأغلقته لأنك تحصر ماركس في غرفة مقفلة بإسم علم الإقتصاد والمادية التاريخية


16 - هل نحصر ماركس في غرفة مظلمة؟
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 14:31 )
استاذ مثنى, يمكننا نقاش ملاحظاتك الانتقادية القيمة ويسعدني كثيرا تطوير النقاش معكم ومع الآخرين. ومادامت المسألة تتعلق بماركس، فلنبدأ من نظرة ماركس حول (الطبيعة الخصوصية للانسان) وهي الموضوع الأساسي لعلم النفس.

ينتقد ماركس الفكرة التي (تقرر بأن النشاط والمتعة يتطابقان طبيعة الانسان الخصوصية) ويقول:

(.. بدلا من أن يدرس طبيعة البشر الخصوصية في نشاطهم وفي اسلوبهم في المتعة المحدد بذلك النشاط، فانه يفسر كليهما بالمناداة (بطبيعة الانسان الخصوصية)، الأمر الذي يقطع الطريق على أية مناقشة لاحقة. انه يتخلى عن نشاط الفرد الواقعي ويلتجيء إلى طبيعته الخصوصوية،) (ص 509).

وهكذا، فاذا أردنا قطع الطريق أمام أية مناقشة لاحقة، فعلينا حصر ماركس في غرفة مظلمة مثل غرفة علماء النفس.

خالص تحياتي


17 - الفلسفة والعلم
نعيم إيليا ( 2012 / 4 / 27 - 16:31 )
فليس المنطق الديالكتيكي سوى التلاعب بالألفاظ. فلذلك لا يمكن للعلماء أن يعتمدوا على هذه الطريقة السخيفة في البحث عن الأشياء بأي شكل كان. وما اكتشفه العلم خلال 100 سنة، لم تكتشفه الفلسفة خلال أكثر من ألفي سنة، لان موضوع ومدار الفلسفة، وثم أداة الفلاسفة للبحث –المنطق الجدلي- هو نفسه منذ عهد أرسطو وطيلة ألفي سنة
______________________________________
أخي الأستاذ أنور المحترم
الفقرة أعلاه هي جوهر رسالتك، فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الجوهر صحيحاً، فلنبدأ بالتساؤل أو بالحوار الذي يكشف الحقائق:
1- هل المنطق الديالكتيكي سخيف حقاً؟
2- ألا يمكن للعلماء أن يعتمدوا في بحوثهم و اكتشافاتهم النظرية على الديالكتيك؟
3- هل المكتشفات العلمية تتعارض مع المنطق الديالكتيكي؟ بلفظ أخر: هل هناك تناقض بين العلم والفلسفة؟
4- ألم تكن الفلسفة قبل ألفي وبعد ألفي عام تكتشف كالعلم؟ ألم يكن الفلاسفة مخترعين أيضا؟ ما هو موضوع ومدار الفلسفة؟ 5-
5- هل تتغير أدوات الفلسفة من ملاحظة واستقراء واستنتاج وربط بين الأشياء..الخ؟
فإن كانت لا تتغير، فهل تتغير أدوات العلماء من ملاحظة وتجريب ورياضيات وآلة
ومعادلات ... الخ


18 - الفلسفة والعلم
نعيم إيليا ( 2012 / 4 / 27 - 16:50 )
تقول:

تعمل الطبيعة فيزيائيا لا ديالكتيكيا. لذلك فلا يمكننا التجربة مثلا على الذرة، أو وحدة الكون .. إلخ
________

طيب، هل هناك عالم ماركسي يجرب الديالكتيك على الذرة؟ فإن وجد فأين أخطأ وأين أصاب؟
ولكن الطبيعة مع ذلك تعمل ديالكتيكاً. وإلا فكيف تفسر علاقة الكائنات الحية ببيئتها الطبيعية؟

وتقول:
الشيء لا يمكن أن يكون -أ- و”لا أ-
وإذا طبقنا هذه المعادلة المنطقية على العالم الحسي فيعني هذا مثلا:
الإنسان هو الإنسان
الإنسان لا يمكن ان يكون أبيض وأسود في نفس الوقت
الإنسان إما أبيض أو أسود أو أحمر
________________

لا! هذا التطبيق ليس صحيحاً، والصحيح أن الذرة لا يمكن أن تكون دجاجة ..
والإنسان لا يمكن أن يكون حجراً


19 - الفلسفة والعلم
نعيم إيليا ( 2012 / 4 / 27 - 17:21 )
(لا يمكن أن تشيخ مسألة معرفة فيما إذا كان البصر، واللمس، والسمع، والشم، هي ينبوع المعرفة البشرية)
__________
هذا ما قاله لينين، ومع أنني لا أعد لينين بين الفلاسفة ، فإن قوله هذا يوافق رأي جميع الفلاسفة والعلماء، ولا أعلم لماذا لا توافقه في هذه النظرة! حسناً هل يمكن تحصيل المعارف من دون حواس؟
وتسألني:
فهل هناك طريقة أخرى للبحث في خطوطها العريضة؟
وجوابي: البحث له ميدانه ولكل ميدان طرائقه
الديالكتيك يفسر لنا علاقة الإنسان بالبيئة مثلاً، وقد يمكنه أن يثبت وحدة العالم، ولكنه ليس أداة فيزيائية أو رياضية يمكنها أن تثبت سرعة الضوء، أو خواص البوزيترون، كما تحب أن تتصوره
ولك تحياتي الطيبة




20 - المنطق الجدلي أم المايكروسكوب والتلسكوب؟
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 27 - 21:24 )
استاذ نعيم!
موضوع المنطق هو: كيف يتم برهان قضية بسيطة ما أو قضية مركبة ما. وتصنيف القضايا يتم على أساس الكم (كلية وجزئية) والكيف (موجبة وسالبة). وهنا يلتف المنطق الصوري حول نفسه فيعيد النتيجة نفسها بأشكال مختلفة.
وكما قلنا أعلاه، فالكلي في المنطق الجدلي محمول مشترك بين المفردات من فئة واحدة، فلون (الأخضر) مثلا يعبر عن الكل، وهو محمول مشترك يمكن أن يشترك فيه جميع الأشياء الخضراء.
أما في الواقع فهذه النظرة تخالف الوقائع المادية، فخصائص الأشياء وعناصرها الفيزيائية والكيميائية هي التي تقودنا إلى التكوين المادي حتى للألوان المختلفة ذاتها. وإذا كان بمستطاعنا استخدام وسائل عملية للاختبار على الأشياء مثل المايكروسكوب والتلسكوب .. إلخ، فما الفائدة إذن من هذا المحمول المشترك الذي يبحثه المنطق؟

وسنحاول تطوير النقاش معكم حول الموضوع في التعليقات اللاحقة، وهل يمكن ان يكون الانسان حجرا في المنطق الجدلي؟ وهل البصر واللمس ينبوع المعرفة الصحيحة عن العالم المادي؟


21 - مسألة الفلسفة وطريقتها في البحث -1
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 28 - 06:53 )
بنهاية القرن الثامن عشر، أطلق كلمة العلم على الأعمال التجريبية لتمييزه عن الفلسفة بالتحديد، فالعلم والفلسفة افترقا كليًّا كمجالات معرفية مختلفة.

إنَّ المسألة الأساسية للفلسفة، هي مسألة علاقة الوعي بالمادة، وهذه المسألة في الدين هي البحث عن أولوية الروح بالنسبة للمادة.
إذن إن الأرض المشتركة للدين والفلسفة، هي الأفكار المحضة.

والسؤال هنا هو: هل العلم ينطلق من نفس نقطة الدين والفلسفة؟ وهل يستخدم نفس أداة الفلسفة للبحث عن الأشياء؟

كلا، لا يبدأ العلم من التحقق عن أولوية الروح أم المادة، وعلى عكس الفلسفة التي تستخدم الأفكار والاحساسات، يستخدم العلم وسائط التقنية -مايكروسكوب وتلسكوب مثلا-. كما ويبدأ العلم من جمع البيانات لا من أفكار العلماء المحضة.

وما موقع لينين وهو لا فيلسوفا ولا عالما؟

يبدأ لينين من: (الصراع بين المثالية والمادية، الصراع بين اتجاهي أو خطَّي أفلاطون وديمقريطس في الفلسفة)، (وان مصدر المعرفة هي الاحساسات البشرية) (نفس المرجع السابق، ص 122).

وعلى عكس لينين، فلا يبدأ علماء الطبيعة أو الاقتصاد من الروح والمادة. وإذا كان البصر مثلا مصدر المعرفة،


22 - مسألة الفلسفة وطريقتها في البحث -2
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 28 - 06:54 )
فلا يمكن أن يختلف معارفنا عن معارف أجدادنا. فهل الفرق بين الأحمر والأخضر (البصر)، والروائح الجميلة والكريهة (الشم)، والنار والثلج (اللمس)، يأتينا بأي فكرة جديدة عن العالم المادي بالمقارنة مع الأفكار القديمة عن العالم؟ كانت إحساسات البشر قبل آلاف السنين، تميز هذه الأشياء عن بعضها البعض، بنفس الطريقة التي تميزها إحساسات الإنسان المعاصر، ولكن لا يعيش بشر اليوم، ولا يفكر مثل البشر الأقدمين؟
وهل هذا صحيح؟

سأنتظر الجواب.

كما هو معلوم لدينا اليوم، فلا يمكننا فهم الاختلاف المادي، بين هذا اللون أو ذاك مثلًا، دون إجراء التجارب، أو الاختبارالعلمي على التركيب المادي لهذه الألوان، كما ولا يختلف مادي عن مثالي إذ يقول: إن البصر هو مصدر معارفنا عن العالم بدل الروح، ومن المعروف لدينا إن الإحساسات الخمسة الإنسانية، قابلة للأخطاء كل يوم خسمة مرات على الأقل، وإذا كانت الإحساسات مصدر المعارف البشرية عن القوانين المادية، فكيف إذًا نعبر عن التطور المعرفي البشري فيما بين 600 ق.م وعام2012؟

وهكذا، فلا يمكننا الاتفاق مع لينين حول أن منشأ معرفة القوانين المادية، هو الإحساسات البشرية.

يتبع


23 - مسألة الفلسفة وطريقتها في البحث -3
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 28 - 09:00 )
ان طريقة الفلسفة للبحث هي: ان الإنسان عندما يفكّر في مسألة ما، فإنّه سيصل بالتأكيد إلى نتيجة ما، إلا أنّ تلك النتيجة قد تكون خاطئة، ولذا فحسب الفلاسفة، من الضروري اللجوء إلى قواعد المنطق للحصول على نتائج صحيحة في تفكيره، فالمنطق الجدلي إذن هو قانون أو فن تصحيح الفكر.

فن المنطق الجدلي:

قبل كل شيء، يجب الاشارة إلى ان اللجوء إلى المنطق، يحتاج المهارة في اللغة، وهي تساعد الفلاسفة في التلاعب بالالفاظ والكلمات والمصطلحات والتعابير. لذا لا نستغرب حين يقول ماركس:

(ان احدى مهمات الأصعب بالنسبة إلى الفلاسفة هي النزول من عالم الفكر إلى العالم الواقعي. ان اللغة هي الواقع المباشر للفكر. وكما ان الفلاسفة منحوا الفكر وجودا مستقلا، كذلك لا بد لهم أن ينسبوا إلى اللغة وجودا مستقلا ليجعلوا منها ميدانهم الخاص. وهذا هو سر اللغة الفلسفية حيث الأفكار في شكل الكلمات تملك مضمونها الخاص. ان قضية النزول من عالم الافكار إلى العالم الواقعي تتحول إلى قضية الانتقال من اللغة إلى الحياة) (ماركس، الايديولوجية، ص 486).

وما هذا المضمون الخاص؟

يتبع


24 - مسألة الفلسفة وطريقتها في البحث -4
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 28 - 13:08 )
ان تصنيف الكثير من القضايا المتعلقة بالمنطق الجدلي، هو محض تصنيفات لغوية. ولندع الآن هذا الجانب ولنكرس وقتنا لعملية تشييد هياكل منطقية. ومن حقنا أن نقوم بتشيد البديهيات، والمصادرات (المسلمات)، شرطا أن لا تكون متناقضة، ومن الممكن أن نشكل هيكلا معرفيا خاصا بنا من هذه البديهيات والمصادرات.

المنطق الجدلي يبحث وحدة الاضداد، والكم والكيف ونفي النفي. وكيف يعالج المنطق هذه المقولات أو القوانين كما يسميها انجلس.

عندما نقول مثلا: زيد، ولا زيد، فهو اصلاً تناقض بين قضيتين من وجهة نظر المنطق الجدلي. وعادة يستخدم الفيلسوف الأداة ( ليس) في القضايا السالبة.

إذن يمكن التعبير عن السلب والايجاب في المنطق على الشكل الآتي: احداهما صادقة والأخرى كاذبة.

التناقض:
هو اختلاف بين قضيتين احداهما صدق والآخر كذب، يعني انهما لا تكونان صادقتين ولا تكونان كاذبتين. والمنطق يبحث هذا التناقض من خلال الكم (يعني الكلية والجزئية)، والكيف (يعني الايجاب والسلب).

اذا قلنا (زيد إنسان) فنتحدث عن (جزئي) في (زيد) و(كلي) في (إنسان).

يتبع


25 - مسألة الفلسفة وطريقتها في البحث -5
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 28 - 15:47 )

قد قلنا سابقا ان هدف المنطق هو استخدام قواعد فكرية لتجنب الوقوع في الخطأ في التفكير. ولنر الآن هل ممكن أن نثبت بأن المنطق الجدلي هو الضامن لصحة التفكير.

الكويت أكبر من العراق
والعراق أكبر من الصين

إذن:

الكويت أكبر من الصين

هذا الاستدلال صحيح في شكله، ولكنه خاطيء في مادته، لأن الكويت ليست أكبر من العراق، والعراق ليست أكبر من الصين. ان هذا الاستدلال الاخير يكون صحيحا في (صورته) و(مادته) أيضا.

أخيرا وليس آخرا:

إن السؤال العلمي يبدأ من (العالم الملموس)، أما السؤال الفلسفي فيتعلق بـ (عالم الغيبيات).
إن الدراسات العلمية تستوجب التخصصات الجزئية، أما السؤال الفلسفي فيتعلق بالعالم ككل.
إن العلم يستعمل البيانات، بينما الفلسفة تستخدم لغة الألفاظ.
ان العلم يزودنا بالمعارف الواقيعة عن الطبيعة المحيطة بنا، أو حياتنا الاجتماعية. أما كل ما نتعلم من الفلسفة هو: كيف نتفلسف؟

وسأنتظر ملاحظاتكم وانتقاداتكم حول التعليقات الاخيرة.

خالص تحياتي


26 - الاستاذ نعيم ايليا: تعليق 19 -1
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 29 - 09:28 )
للتوضيح يمكننا ان نقول: ان كل اهتمام المنطق الصوري هو صورة الفكر (صورة الكلام) دون مادته.

مثال:

إذا انطلقنا من: الإنسان حيوان ناطق، فيمكننا القول:

كل إنسان حيوان
وكل إنسان ناطق
الحيوان ناطق

أو:

كل إنسان حيوان
وكل ناطق إنسان
فبعض الحيوان ناطق

ولنعود الآن إلى قوانين المنطق الجدلي:

قانون الهوية (الذاتية): (هو هو)، لذلك فاطلق فلاسفة العرب على هذا القانون العقلي اسم الهو هو، وصياغته الرمزية هي:

أ هو أ، أو: أ = أ

مثال:

الكتاب هو الكتاب، الانسان هو الانسان

فالذاتية تفترض ثبات حقيقة الشيء. (الشئ هو نفسه) وهو يعبر عن أبسط الأحكام في المنطق الجدلي، لأن أبسط الأحكام هو الحكم بأن الشئ هو نفسه.

أما قانون التناقض، أو عدم التناقض، وهو مكملا لقانون الهوية او هو تعبير عن قانون الهوية ولكن بصورة سلبية فهو القانون الذي يدل على ان الشيء لايمكن ان يكون هو ولا هو معا في الوقت نفسه، فاللفظين المتناقضين لايجتمعان ولا يرتفعان معا. فالمعادلة في النقيضين هي صدق احدهما وكذب الاخر. وصياغته المنطقية هي:


27 - الاستاذ نعيم ايليا: تعليق 19 -2
انور نجم الدين ( 2012 / 4 / 29 - 09:28 )
مثال:

ابيض لا ابيض
موجود غير موجود

إذن: لايمكن ان يكون أ او لا أ معا

يقول هيغل: ان شيء ما يكون اما أ أو لا أ، لا يوجد ثالث. هذا المبدأ يتضمن أولا بأول كل شيء هو معارض، معين، سواء كموجب أو كسالب .. ان الهوية تمضي في الفرق، والفرق في التعارض (مختارات 1، ص 129).

وماذا نستنج من ذلك؟

نستنتج بأن نقيض الشئ هو نفيه، وهذا هو مبدأ نفي هيغل النفي، فنقيض الحكم بأن هذا الشئ (قلم) هوالشئ نفسه (ليس قلماً)، والكلام المتناقض هو الذي ينفى بعضه بعضاً,

إذن، ان اهتمام المنطق هو صورة الكلام. فاذا قلنا مثلا:

الذهب ـ هو ـ معدن

فلا يكون تقديرنا تقديرا منطقيا صائبا، فهذا التقدير يتناقض مع قانون الهوية الذاتية، فهوية الشيء هو ذاته: أ = أ (الهو هو)، الامر الذي يصطدم مع القول: الذهب هو معدن. القول الصائب حسب المناطقة هو: الذهب معدن من المعادن.

تحياتي


28 - الأخ العزيز Mofed Abd Al Majeed
انور نجم الدين ( 2012 / 5 / 2 - 07:45 )
وماذا تنتظر منا يا أخي؟ ان مصدر المنطق الجدلي هو أحاديث المسيح عن الروح وأبي هريرة عن النبي. وان من يبحث قوانين الجدل خارج هذه الدائرة، فهو جاهل بأصل الجدل وتاريخيه. وان من يحاول الخلط بين المادية والجدلية، وبين ماركس وهيغل، فهو يحاول إعادتنا بهدؤ إلى عالم المسيحية باسم المادية. وهيغل نفسه يعترف بأن التجريبية ليست الجدلية، بينما الماديين الجدليين لا يصلون إلى هذه النتيجة حتى بعد قرن ونصف قرن من هراء الباطل للمادية والجدلية.

ويقول: (في العلوم التجريبية، يحلل عادة ما يعثر عليه في التمثيل، وحين يكون الخاص قد أعيد نفسه إلى المشترك، يدعى ذلك المفهوم. نحن لا نعمل هكذا، لاننا نريد فقط أن ننظر كيف المفهوم يعين نفسه بنفسه ونجهد كي لا نضيف شيئا من رأينا الخاص وفكرنا) (هيغل، مختارات 1، ص 71).

هذا هو أساس ضبابية المنطق الجدلي، وهذا هو منطق الغموض، منطق العقل المنفصل عن حركة التاريخ. فلا يمكن لهيغل أن يبدأ بأعماله الفلسفية قبل عزل مادة عمله من الواقع بصورة تامة، ففي المنطق الجدلي، يعين المفهوم نفسه بنفسه.
وهذا ما لا يفهمه عقل مشبع بالمفاهيم الوهمية لـ (المادية الجدلية).
تحياتي


29 - تصحيح خطأ
انور نجم الدين ( 2012 / 5 / 2 - 07:52 )
... الماديين الجدليين لا يصلون إلى هذه النتيجة حتى بعد قرن ونصف قرن من الهراء الباطل للمادية الجدلية


30 - مرة أخرى: الأخ Mofed Abd Al Majeed
انور نجم الدين ( 2012 / 5 / 2 - 08:17 )

يا أخي ان الماديين الجدليين لا يميزون بين الطريقة الجدلية والطريقة العلمية للبحث، لذلك فمن الصعب بالنسبة اليهم فهم تناقض هيغل مع الأعمال التجريبية، وتناقض ماركس مع الأعمال الجدلية. والسبب هو انهم ينطلقون من أقوال مسيحهم (يعني لينين) لا من هيغل وماركس أنفسهم.
ان الصراع بين (طريقة العلوم التجريبية) و(الطريقة الجدلية) هو في الأساس صراع تاريخي، ويقف هيغل بجانب الجدل وماركس بجانب علم التاريخ. وهذا كل شيء.
أما الماديون الجدليون فيحاولون انشاء فلسفة من خليط الجدل والعلم، فهم يحاولون انشاء الأوهام من الأوهام. وبالفعل انكم تحاولون سلب الجدل من أبي هريرة. كما تحاولون اثبات أقوال أبي هريرة بمنتجات العلم.
تحياتي


31 - يرجى الانتباه!
انور نجم الدين ( 2012 / 5 / 2 - 18:44 )

يبحث الاستاذ (جواد البشيتي،-الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-) في الحوار المتمدن في الرابط الآتي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=305684

ويوضح الموضوع بصورة ناجحة بأن العقل الجدلي، لا يساعد البشر في فهم العالم وقوانينه المادية، بل يعطيه فقط صورة حسية، شكلية، صورية عن الأشياء، وهذا ما يمكنه الجدل التجربة عليها.
ومن خلال المقارنة بين الموضوع الذي يقع بين أيديكم هنا، و(المادية الجدلية) التي يبحثها الاستاذ جواد، يتوضح أكثر فأكثر بأن المادية الجدلية هي نفس المادية المرئية -العينية- التي يبحثها فلسفة هوبز، وسبينوزا، وديكارت، وفيورباخ. وإذا كان فيورباخ قد وضع حجر الأساس لنقد الجدل الهيغلي، فماركس قد وضع حجر الأساس لنقد كلا المثالية الهيغلية والطبيعانية الفيورباخية معًا من وجهات نظر اقتصادية - تاريخية، فالحس والحس وحده، هو الذي يعتبر أساس المعرفة الفلسفية لدى هيغل وفيورباخ والفلاسفة على العموم.

تحياتي

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية