الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة -إشارات بأصابع مطفأة- للشاعر -طلال الغوار-: خطوات شاعر و أمة

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 4 / 26
الادب والفن


في الشاعر تنضج الإنسانية و ترتقي إلى مستوياتها الطبيعية/الفطرية، و وحده لا غير، من يستطيع تلطيف هفوات البشرية في مسيرها الآثم نحو الكمال. هذا الشاعر المسكنون بذاته و محيطه و وطنه و الأخر، محكوم بمتابعة أنفاسه و توثيقها في كل خطوة يخطوها، موازاةً مع أنفاسٍ و خطواتٍ أخرى. و لعل قصيدة "إشارات بأصابع مطفأة" من ديوان "حرريني من قبضتك" للكاتب و الشاعر العراقي "طلال الغوار"، من القصائد الذي تعبر عن هذا التوجه النبيل، و فيها تتجلى قدرة الشاعر و مسؤوليته في تصحيح وجهة البوصلة و إعادتها إلى مسارها الإنساني الصحيح.

يعكس عنوان القصيدة (إشارات بأصابع مطفأة) شعور الشاعر "طلال الغوار" بالمعاناة لواقع لا يملك قوة سحرية لتغييره أو سلطة فعلية لتصحيحه، مع ذلك يلوح و يشير من نقطته على وتر الأبجدية، عسى أن تُلتقط إشاراته من وسط الدخان. و هذه القصيدة/المرثية تنبش في الضرر الذي لحق بعباد و بلاد ما بين النهرين بعد الغزو الأمريكي للعراق، كتجسيد حسي في منتهى السمو عن الدور الذي يشغله الشعر في توثيق حياة الأفراد و تاريخ الأوطان.
هي قصيدة تستعرض كذلك، بعضا من الفصول الجميلة و المشرقة من تاريخ العراق، و تستحضر بحزن دفين الأيام الخوالي التي كان الشجر يحلق فيها بأجنحة الأطفال، في جو من الفرح و الطمأنينة:
بلادي الجميلة
تخرج مع الفجر عارية
وتعزف على أريكة النهر
و هذا الاستحضار ليس مجانيا، بل هو مقارنة بين عراق ما قبل الغزو و عراق الدمار و الموت و الشتات. و كأن الشاعر من خلال طرح تفاصيلِ أمسٍ مفقودٍ، ينتقدُ صُناع واقعِ العراقِ و مهندسي مأساتهِ:
لا تسمع غير النعيق
النعيق المنتشر هنا وهناك
لان الغزاة
أعدائنا
حينما احكموا قبضتهم حولنا
ادخلوا عليها
الكثير من الغربان

و قد يستلهم القارئ من المقطع السابق سخط الشاعر على العملية السياسية و من يشكلونها، و اعتبارهم من مخلفات الغزو الأمريكي و جزءا منه. و هذه المنظومة المقننة المفروضة بالسلاح حينا و بالكيد و الخبث أحيانا أخرى، تساهم بطريقة مباشرة في تقويض الإنسان العراقي و رغبته الجامحة في تغيير حياته و أعادتها إلى مجراها الطبيعي:
الشموس التي
أعددنا النوافذ لها
وشرعنا لها الأبواب
خبتْ
و رغم أن القصيدة تستعرض صورا من مأساة حلت بشعبٍ و أرضٍ و وجعا أكبر من طاقة الشاعر، غير أنها تؤكد قوة الإنسان العراقي و قدرته الفريدة على تحمل لعنته الأبدية مع الحرب و الشتات. و لعل استمرار الشاعر في إرسال إشاراته الوجدانية بأصابع مطفأة، لأفضل تجلٍ للصمود و الإرادة اللذان طبعتا تاريخ العراق. و مهما انغرس الرمح في الخاصرة و خرجت الأشجار من أسمائها، يظل الشاعر حاضرا لينير للبشرية مسيرها نحو الإنسانية، موثقا في ذات الآن فصلا من فصول الحكاية، حكاية اختار فيها الشاعر "طلال الغوار" ــ في قصيدته "إشارات بأصابع مطفأة"ــ المكان الطبيعي لكل شاعر حقيقي، حيث تتجسد فيه قدرة الإنسان.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم