الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماسح السيارات في زمن القحط الديمقراطي ..

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ماسح السيارات في زمن القحط الديمقراطي ..
يجوب مفترق الطرقات .. حيث تتقطّع به السبل ..و يسكن حيثما يشتعل الضوء الأحمر ..رزقه يكسبه كلما توقفت السيارات استجابة لاشارة مرورية....انه ماسح لبلور السيارات: مؤقت وقوفه و مؤقت عمله و مؤقت وجوده و مؤقت قوته اليومي ..لا أحد يضمن له أكلة يومه غير بعض الأيادي الكريمة المتبقية في مدينة أصابها القحط الأنطولوجي ..فتراهم يغلقون شبابيك السيارات في وجهه ..بعضهم ينهره و الآخر يتجاهله و قليل منهم يمدّ له مائتين يتيمتين من المليمات التي لم تعد تساوي شيئا من ثمن الكسكروتات..
و فجأة و بمجرّد وقوفه بجانب بلّور سيارتك الأمامي ترى للتوّ و على الفور أرشيفا كاملا من الفوارق الطبقية و ترى الفقير فقيرا في فقره و الغني غنيا في قحطه و ترى عهود الاستبداد السابق ..و البؤس المؤبّد مكتوبا على وجهه..و ترى انهزام الحكومات في اطعام الأفواه الفاغرة ..و ترى انتحار الثورة على أجسام الجياع ..و ترى دماء الشهداء تسيل اعتباطا و هدرا ..هو لا يملك غير خرقة مبللة بدموع أمه وأنت تركب سيارة تصدح بمذياعها ..هو عاطل عن العمل اخترع لنفسه عملا و أنت تعمل و تأكل و تجحد عنه مليمات لا تغنيك ان خبئتها و لا تفقرك ان أعطيتها ..ها أنت متخم بالثورة و بالأحزاب و بالديمقراطيات و بالخطابات و الثقافات ..وهو لا همّ له غير ضمان كسكروت كفتاجي أو قهوة سوداء و سيغارة ينفثها آخر الليل على وطن بلا قلب .ها أنت مُصاب بالغثيان من فرط الايمان و بالدوار من شدة الكفر و ها أنت تفاخر بمعرفة الفرق الدقيق بين المسلم و الاسلامي و بين المسلم الحقيقي والمسلم المنافق و بين الاسلام الكئيب و الاسلام البهيج ..و أنت فرح لأنّك تعرف جيدا ماذا يريد العلماني و ماذا يريد السلفي و ماذا يريد الشيوعي ..وهو يبيت وحيدا هو و البؤس وجها لوجه و رأسا بذيل ..و بطنا خاوية بقلب ساخط ..أنت ممدّد في صالونك أمام البلازما وهو لا يملك غير بلازما دمائه ..
و أعجب لمن يبيت على الطوى و لا يشهر في وجهك سيفه كل صباح ..ان ماسح السيارات الذي تراه يوميا أيها السائق و المالك لسيارة و لوطن و لثورة و لنهار كامل من القحط الديمقراطي ..ظاهرة سياسية تعبّر عن سوء توزيع للثروات في بلدي و على سنين من الظلم الاجتماعي و المؤامرات الاقتصادية و السرقات المالية . يا من تغلق نافذة سيارتك و باب بيتك في وجه الجياع لا حق لك في أن تتكلم عن الثورة و لا عن الانسان ولا عن الاسلام و لا حتى على الكفر ..لست مسلما و لست ملحدا و لست ديمقراطيا بل أنت لا تستحق أن تنتمي الى حظيرة البشر لأنك لا تستطيع أن تتقاسم و لا أن تشترك مع غيرك في بهجة الحياة .انّ ماسح السيارات ينتمي الى عائلة واسعة من الأنماط الاجتماعية التي تمثل مظاهر البؤس و التعاسة الانسانية ..في وطن يموت الانسان فيه موتات عديدة دون أن ُتشيّع جنازته بما يليق بالجثامين ..بائعة العلكة طفلة في الثامنة تنام على الرصيف في قلب العاصمة قبل بيع علكاتها غير آبهة بمليماتها الملقاة حذوها ..و الأطفال الذين يبيعون المناديل الورقية في طرقات العاصمة أو أولئك الذين يبيعون خبز الطابونة كلما قصدت وجهة ما نحو الشمال الغربي . كل هؤلاء الأطفال الذين صاروا كهولا قبل الطفولة أين سيبيتون في الليلة القادمة ؟و ماذا سيأكلون ؟حتى الكفتاجي صار أكلا مستحيلا ..بعد غلاء الفلفل و البطاطا ..لم يتبق غير القرع..في بلاد لا يكبر فيها غير القرع ..و الخرافات الصفراء و الحنظل الليبيرالي و البنفسج الأسود ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة