الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة في عصر العولمة

علي عباس خفيف

2012 / 4 / 27
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012



نموذج طوباوي فاتن :
في العقود الأخيرة أشيعت ، ومن ثم هيمنت ، على الوعي والفكر السياسي والفلسفي والنفسي فكرة مفادها اننا ندخل بانتصار عصر الحرية الكاملة ، أي إننا دخلنا في عصر الفرد والفردانية ، حيث اوقات الفراغ التي يمكن ان نملأها بالمتعة والراحة . وأطلق مفكرو الراسمالية على هذا النموذج النظري (المجتمع ما بعد الصناعي ) . وكان أن سقط في فتنته تيار ثقافي اُطلق عليه (مابعد الحداثة ) لم يغادر ، مفاهيمياً ، ايديولوجية سياسة السوق الحرة . ولم تلبث المجتمعات التي تهفو للديمقراطية ان استسلمت لهذا التبرير أو الايديولوجيا ، حسب الوصفة الفلسفية هذه ، والتي تحدثت باختصار ؛ عن إننا تجاوزنا بفخر (عصر البروليتاريا) و( العصر الصناعي) ، وإننا ندخل إلى ( عصر الطبقة الوسطى ) . معلنة أن البروليتاريا كطبقة قد ولّى زمنها ، وهي في طريقها إلى الاندثار والتلاشي ، باعتبارها طبقة مستهلكة . واعلنت بطريقة ايديولوجية موت الايديولوجيا .
هذا التزييف النظري كان مجرد محاولة لتنظيم مستوى الوعي الجمعي الجديد الذي لابد أن يؤهَّل لكي يقبل طروحات الرأسمالية وايديولوجيتها ويتطابق مع منظومتها ، تلك المنظومة التي تعتبر ؛ أن نهاية التاريخ تقف ، في المجال الاقتصادي ؛ عند تخوم مبادئها في التجارة الحرة على الصعيد العالمي . وفي المجال السياسي ؛ تتأسس على إقامة نظام تمثيلي من ديمقراطية شكلية زائفة ، فيما يقودها من خلف الستار اقطاب النهب الرأسمالي المتوحش والعولمة البربرية التي تنظم الحروب وفقاً لمصالحها الاقتصادية تحت ذرائع ايديولوجية مختلفة ، وتقوم بدور الشرطي الدولي .
وتائر الصراع :
في الحقيقة ؛ إن الحياة تكشف يوماً بعد آخر عن تصاعد حدة الصراع الطبقي . فالعالم اليوم يشهد ارتفاعاً مذهلاً لمعدلات فقر العاملين ، والذي يزداد بوتائر متسارعة . وبالمقابل أخذت عملية التراكم وصنع الثروة تلج أكثر من حيّز أومجال استثماري لتعزيز وتنمية هذه الثروة ، وتبتكر مجالات جديدة أيضاً ، وتصنع قوة عمل جديدة تتناسب وغايتها في تحقيق الارباح . كذلك بدأت الخدمات تدخل بقوة ، بعد ثورة الاتصالات ، لتحتل على نحو واسع موقعاً مهماً في عملية التراكم واعادة الاستثمار . لذلك يشير ( ارنست ماندل) عن حق ، إلى ظاهرة (بلترة العمل الذهني ) وفقاً لمتطلبات تحقيق الربح للراسمال . وهو يرى انسداد الآفاق بوجه شغيلة العمل الذهني الجدد في صراعهم من أجل توفير فرصة عمل تحفظ وجودهم . وفي المقابل يحقق هذا الصراع للرأسمال أرباحاً مرعبة . فيما تضيق حلقة كبار مالكي الثروة على نحو متواصل ، ويتعاظم استغلال قوة العمل . فقد سمح تقسيم جديد للعمل ، بسبب التطور الهائل في تقنيات الأتمتة ومن ثم تطور المعلوماتية ، للعامل ان يقوم بعمل 10 عمال وأكثر .
وكما نعلم إن الانتاج في مجتمع الراسمالية يقوم على شرطين اساسيين ، ومن دونهما لايمكن الحديث عن الانتاج الرأسمالي ، وهما ؛ اولاً التراكم واعادة الاستثمار الموسع ، أو تجديد الانتاج الموسع . وثانيا العمل المأجور ( أو العمل بأجر) . وفي عصر العولمة الرأسمالية والشركات العابرة للقوميات ، لابد لنا من الكشف عن الطبقة التي تعيش من بيع قوة عملها ، وفقاً لوصف انجلز للطبقة العاملة ، ومتابعة حلقات نموها وتطورها باعتبارها طبقة عاملة في هذا العصر .
لا ريب ، بل من المفروغ منه ، أن الانتاج الرأسمالي لا يهدف إلى اكفاء سد الحاجات الاجتماعية ، وانما يهدف ألى تحقيق الربح وتنمية ثروات الرأسماليين ، ومن هذا تاتي ازماته الدورية . كما أن الراسمالية لا تطوِّر الانتاج إلاّ بدافع الربح . كذلك لا تنمو الثروة من دون الربح الذي يتحقق بفعل الاستيلاء على فائض القيمة . ومنه فمحرك التاريخ سيكون حتماً الصراع حول إلى من تؤول بالنتيجة فوائض ناتج عمل العمال ، نحن نسوق هذا التبسيط النظري كحاجة مرجعية لطبيعة الفعاليات الاقتصادية السياسية في المجتمع الرأسمالي وهو من المسلمات التي لم ينكرها حتى الذين اختلفوا مع ماركس في مدرسة فرانكفورت .
على هذا يتأسس ؛ أنّ لا التجارة العالمية الحرة ولا الديمقراطية البرجوازية – حسب راي مفكري نهاية التاريخ - بمقدورهما الوجود من دون أن يكون هناك طبقة عاملة ، وابتكار انظمة عمل ، وتقسيم عمل . ومن هنا عيلنا أن نسأل عن ماهية هذه الطبقة العاملة في عصر العولمة .
كيف تتغير الطبقة العاملة ؟
تغيرت تركيبة المجتمعات بشكل هائل خلال القرنين الماضيين ، وتغيرت تركيبة الطبقة العاملة وفقاً لهذا التغيّر . فقد دخلت الأتمتة عملية الانتاج في وقت مبكر . وفي عصرنا الراهن حصل تغيير كبير منذ دخول انظمة المعلوماتية في بنية الاقتصاديات الراسمالية ، فسببت تغييراً كبيراً في الوعي الاجتماعي ودفعت هذا الوعي في السنوات الأخيرة إلى حدود الوهم أيضاً، فقد أخذت أنظمة المعلوماتية بالتحول إلى سلعة بشكل متزايد ، كما هو في السينما والستلايت وأقراص الألعاب وبرامجها وخدمات الأنترنيت وغيره ، وحتماً أن هذه الصناعة يقف خلفها راسماليون وجماعة كبيرة من العاملين أو المنتجين، وإلاّ فأنها لا تكون سلعة . كذلك وعلى مستوى الفعاليات الاقتصادية المالية ، تغيّر النظام الائتماني العالمي الذي بدا بتقديم تسهيلاته وقروضه الكبيرة إلى شركات الخدمات والبرامجيات على حساب الانتاج المادي السلعي المعروف بصورته التقليدية إلى حد ما . وتقهقر الانتاج المادي إلى الوراء بشكل كبير .
في عصرنا الراهن ، يمكننا تصنيف هذه الراسمالية المعولمة كمرحلة صناعية ، أو بالتحديد تصنيفها كطور في نمط الانتاج الرأسمالي ، يتميز عن غيره من المراحل الأخرى ، في سيره الحثيث نحو ارباح تتحقق له عن طريق الريع التكنولوجي ، ويؤكد مفكرون ماركسيون على هذا التميّز بالقول إن ( الارباح الفائضة الاحتكارية المرتكزة على الريوع التكنولوجية هي التي تتصدر الارباح الفائضة ) . وهو امر ادى بالنتيجة إلى تسارع بنى التطور الحاصل في التكنولوجيا ، خصوصاً تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . واتساع منظومات عمل مؤسسات البحوث وتحوّلها إلى بنى راسمالية مستقلة عن مؤسسات الانتاج المادي المباشر ، لكنها تشارك بشكل فاعل في هذه العملية من دون ان تدخلها على أسس الاستثمار المادي المباشر في الاقتصاديات الدولية الراهنة .
ومن الملاحظ ايضاً أن تقنيات الاتصالات وانظمة المعلوماتية دفعت بالعمل الذهني إلى الدخول في حلبة الصراع والتنافس على العمل بشكل محموم ، بعد تزايد عديد المتعلمين المؤهلين ذهنياً للعمل في هذه المجال . فقد أدخلت هذه الانظمة والتقنيات للانتاج ، كحقيقة علمية متطورة ، مفردة جديدة من مفردات تقسيم العمل الاجتماعي تقوم على درجات التعليم أو الشهادات الدراسية العليا . لقد ادى تسارع استخدام نتائج البحوث التقنية وتطورها المستمر ونمو الابتكارات التكنولوجية وتنوعها إلى دمج واسع للعمل الذهني في عمليات الانتاج ، بعد أن كان قديماً يتربع في البناء الفوقي . أي انه بدأ يدخل الحيز الحرج من القاعدة التحتية للانتاج المادي في الاقتصاديات الحديثة ، ويعمل بجدارة على زيادة الربح . ولم يعد المتعلمون ، حملة الشهادات (كيمياوين وفيزياويون ومهندسون ، ومساعدوهم ، وخبراء المعلوماتية .. الخ ) وفقاً لقاعدة التنافس لبيع قوة العمل ، بسبب تقسيم جديد للعمل ، مجرد برجوازيين صغار .
كذلك ؛ إن هؤلاء المتعلمين ، وهم يعرضون مهاراتهم ، وعلمهم ، وجهودهم الذهنية للبيع ، لم يعودوا طبقة وسطى ، كما يحلوا لمفكرين امريكيين أن يصفوهم ، طبقة وسطى يمكنها أن تملك اشياء لا تتوفر للطبقة العاملة ، بل أخذوا يتحولون يوماً بعد آخر إلى بائعي قوة عمل من نوع جديد . وهم إن لم يجدوا من يشتري قوة عملهم العلمية هذه ، سيجدون انفسهم في العراء بلا مأوى* وبلا طعام ، وسيجدون أطفالهم خارج مؤسسات التعليم ، التي يزداد الاقبال عليها باعتبار العلم والتعلم هما السلاح الذي يدفع عن افراد المجتمع المعاصرغوائل الجوع والفقر والحاجة ، ويمنحهم مجال أرحب للمناورة .

ويبرز هنا السؤال التالي ؛ هل تتجدد الطبقة العاملة وفقاً للتطور الحاصل في واقع الحياة الاقتصادية للمجتمع ؟ وهل هذا التغيّر والتجدد قائم على شرطَي الانتاج الراسمالي، كما اسلفنا ؟
عودة قصيرة المدى للتذكير:
لنعد قليلاً إلى اصول التفكير الماركسي . في نقده لبرودون يؤكد ماركس في ( بؤس الفلسفة)، وهو يصوب سهام النقد ضد الجمود وقصر النظر ، أن البرجوازية بدأت بطبقة عمال هي من بقايا العمال في عصر الاقطاع . لكن البرجوازية تطورت بسبب طابعها التناحري ، المستتر في الغالب ، وبسبب هذا التطور تطورت طبقة العمال ، فيخلص إلى القول ( وبقدر ما تتطور البرجوازية تتطور في احضانها بروليتاريا جديدة ، بروليتاريا حديثة ، يتطور الصراع بين الطبقة البروليتارية والطبقة البرجوازية .) ص384 دار التنوير – ط 3 -2007 . ولقد أشار ماركس في رسالته إلى انينكوف ، إلى أن الناس يصنعون افكاراً ومقولات وهم ينتجون علاقاتهم الاجتماعية ، مؤكداً ان المقولات قلما تكون ابدية ، وانها منتوجات تأريخية عابرة . لأنها تجريدات عن علاقات الانتاج الاجتماعية . فالمقولات ( المفاهيم ) تتغير بفعل متغيرات مُنتِج هذه المفاهيم - ومثالنا هنا وصف الطبقة العاملة - التي تحصل فيها الازاحات الدلالية الضرورية وفقاً لمنطق التغيير .
إن هذه العودة إلى ماركس تفتح ابواباً للرد المبكرعلى غلاة الاصولية ، خصوصاً وأن الماركسية تنصحنا برؤية الوقائع وفحصها والكشف عن اسرارها ، لكي نحقق علمية النظرية وحيويتها في نقد الواقع وتغييره ، وفقاً لمنطق المقولة العلمية للماركسية القائلة بـ ( التحليل الملموس للواقع الملموس ) .
طبقة عاملة جديدة ..
يجد المراقب وهو على الحياد ، أن الشغيلة يزدادون فقراً ، وان نسب زيادة الفقر على مستوى المعمورة وفي البلدان والأقاليم ملفتة للنظر ، كما أنها لا تتناقص أبداً ، بل ان معدلات الفقر ترتفع على نحو دائم . فقد كتب هورست افهيلد في كتابه الرائع ( اقتصاد يغدق فقراً ) أن النمو الرأسمالي – تحديداً في ألمانيا – نمو خطي وهوالنمو الذي يتصف دونما شك بمعدلات نمو تتراجع من عام إلى آخر . واكد على ارتفاع معدلات البطالة في السوق العالمية أيضاً ، حتى في الدول المنضوية تحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED) .
ولكن معدلات البطالة المتزايدة هذه أخذت لسنوات طويلة تحصد استقرار العمال الهامشيين الذين يعملون دونما انتظام ، وهم في حالة فقر دائمة ، وانعدام للأمان مقلق ، مع ضعف واضح في الحماية الاجتماعية . لكنها امتدت فيما بعد لتشمل عمالاً آخرين يتمتعون بامتيازات ، وحظوة يُحسدون عليها .
فقد عملت الرأسمالية المنظمة على تجزئة الطبقة العاملة ، في عملية استقطاب كبيرة لفئة من هذه الطبقة ، وصنعت انقساماً حاداً بين صفوفها ، أدى في النهاية إلى ظهور طبقة عمالية تتمتع بامتيازات محددة ،اطلقت عليها أسم ( التيار العام ) ، وهي في الغالب طبقة تتمتع بمستوى تعليمي جيد .
إن جملة من الأسباب ساعدت على بروز هذه الظاهرة تُعزى في الغالب إلى ؛ تردي الوعي الطبقي بصورة عابرة ، بفعل هيمنة مجتمع الاستهلاك ، وتوفر اوقات فراغ كبيرة للمتعة والاستجمام ، صاحب ذلك ارتفاع نسبي ومؤقت لمستوى معيشة العمال ودخولهم ، وتغيرت بشكل واضح نسبة المتعلمين وتصاعدت بوتائر سريعة ، وهي امور عجّلت في تقليص الهوّة بين العمل اليدوي المستقر والعمل الفكري ( الذهني ) .
ولقد تلخصت امتيازات (التيار العام) في انه دخل منظومة عمل تؤمّن له تشغيلاً مستقراً إلى حد ما ، مع رفاه غير مستقر ، عن طريق فتح نوافذ صغيرة للاستثمار في أسهم الشركات لكنها قلقة بسبب ازمات السوق ، مع مكاسب اجتماعية أخرى مثل الاشتراك في النوادي التي يؤمها الرأسماليون ، ودخول ابنائهم الجامعات التي يدخلها ابناء الرأسماليين ، ودخول المسارح ومراكز الترفيه المختلفة وغيره . وفي المقابل أوجدت الرأسمالية جيشاً هائلاً من العمال الهامشيين (خصوصاً العمالة غير الماهرة أوالتي بدون تعليم أو بتعليم بسيط ومتوسط ) الذين ظلوا يعيشون في حدود الكفاف . وصاحب هذا الانقسام بين صفوف الطبقة العاملة احياناً انقسامات على أسس عرقية وجنسية ، وهي نواتج عرضية ومخفية للصراع الطبقي . ولقد استخدمت الرأسمالية التيار العام ، مستغلة فرص التمايزالتي يتمتع بها ، في الصراع والتصادم مع العمال الهامشيين . ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا ، كما يقول بريتشر وكاستيللو ( كان يتم تحريض أقسام الطبقة العاملة المنتمية للتيار العام ضد من يوصفون بالفقراء أو الطبقة الدُنيا.)
لكن الاقتصاد الرأسمالي المعولم قوّض هذا الانقسام بين ( التيار العام ) والعمال الهامشيين بفعل طابع الرأسمالية التناحري وتفاقم ازماتها . لقد بدأت امتيازات التيار العام بالتآكل . فعند ظهور أزمة ما اقتصادية يبدأ الرأسمال بغلق هذه النوافذ . وحين اختارت الرأسمالية المنظمة سياسة ( تقليص الحجم ) التي لجأت إليها الشركات ، فقد التيار العام استقراره ، وشعوره بالأمان الاقتصادي ، فتضرر العمال المهرة والمدراء ، وهو الضرر الذي كان يصيب ذوي الياقات الزرقاء في الماضي ، حسب تعبير بريتشر وكاستيللو .
أن هذا الضرر برّز تماثلاً جديداً بين العمال المنتمين للتيار العام والعمال الهامشيين ، ولقد أخذ هذا التماثل بالتزايد في العقدين الأخيرين بشكل واضح ، وأوجد فرصاً للتلاحم بين اطراف الطبقة العاملة التي كانت منقسمة ، وربط مصالحهما بعضها بالبعض الآخر ، وهو ما ظهر خلال السنوات الأخيرة في مسيرات التلاحم والتضامن ، وحملات الاحتجاج التي منها حملة سياتل ضد منظمة التجارة العالمية ، التي حضرها الملايين من ابناء الطبقة العاملة .
نتائج :
نستخلص من هذا ، إن الطبقة العاملة في عصرنا ، تتنوع مشاربها ، وتفعل فيها متغيرات الاوضاع الاقتصادية الدولية ، ومتغيرات االاقتصاديات العامة فعلها ، لكنها في النتيجة تبقى الطبقة التي تدخل حلبة الصراع الطبقي مسلحة بوعي طبقي أكثر نضجاً ، وينتمي إليها جنود جدد من المتعلمين ، واصحاب الشهادات ، ومن ذوي الامتيازات السابقة القريبة العهد ، من العمال المتعلمين ، خصوصاً العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . الذين اصبحوا عرضة للبطالة كغيرهم من الشغيلة في بلدانهم .
ويمكننا أيضاً أن نستخلص ما يؤكد على دخول المتعلمين واصحاب الشهادات وخبراء المعلوماتية ، حيز العمل المأجور كطبقة عاملة في ظل رأسمالية معولمة ومتوحشة ، تنظر إلى سوق العمل على نحو كوني . فقد وجه نوربرت بلووم وزير العمل السابق في ألمانيا نقده الرصين للعولمة الرأسمالية ووحشيتها ، حينما أشارا إلى طبيعتها الوحشية وخستها الامبريالية ، وهو يؤكد قائلاً ( في العصور الغابرة استغل المستعمرون الموارد الطبيعية الكامنة في باطن أراضي البلدان التي استعمروها ، أما اليوم ، فأنهم يجرّدون البلدان الفقيرة من كفاءاتها .. إن العيون اليوم تتركز على شهادة الدبلوم ) . فالراسمالية إذن تؤكد على استغلال العمل الذهني في عصر العولمة باعتباره قوة عمل جديدة منتجة للربح ، وتأتي به حتى لو كان في أقاصي الأرض لمنافعها فقط .

من هذا ، نجد أن الطبقة العاملة قد تغيرّت بشكل كبير وبمديات كبيرة ، واكتسبت المعارف الضرورية . وصارت هي القوة الفاعلة على مستوى العمل اليدوي والذهني في تسيير دفة الاقتصاد ، لقد اصبحت عملياً تقود عملية الانتاج الاجتماعي وتتدخل في توجيه بناه . وامسى بإمكانها أن تقوم بكل الاعمال التي يقوم بها الراسماليون ، أي ان العمال اصبحوا من الآن قادرين على تحقيقً فكرة نقل الملكية إلى المجتمع بصورة من الصور . لقد ولجوا عملياً وبصورة مؤكدة هذه المرحلة الخطيرة ، والتي قد تطول فعلاً ، متأثرة بتدني الوعي الطبقي .

نخلص من هذا ؛ إلى ان شغيلة اليد في عصرنا الراهن لم تعد القوة البشرية الداخلة في العملية الانتاجية المادية مباشرة بمفردها . بل أصبح بالامكان رؤية جيش من شغيلة الذهن الذين دخلوا الانتاج المادي من باب آخر لا يبدو مرئياً احياناً ، وأن هذا القسم من الطبقة العاملة ، تعرض منذ أكثر من عقد إلى خسارة امتيازات سابقة سمحت بها الرأسمالية المنظمة بغية استخدام هذا القسم من العمال على مستويين ، في الانتاج وفي الصدام مع قسم آخر من العمال ، هم العمال الهامشيون .
كما أن الطبقة العاملة في عصر العولمة الراسمالية ، والامبريالية الجديدة ، اكتسبت المعارف النظرية والعلمية ، وتحولت قطاعات مهمة منها ، بمرور الزمن إلى نوع من شغيلة الذهن ، او طبقة عاملة من ذوي الياقات البيض ، والنظارات السميكة . لكنها أيضاً تتعرض للبطالة والفقر ، وعدم الاستقرار في مجال العمل مثلها مثل شغيلة اليد . ونزلت من فوق باعتبارها كانت قوة بشرية مكانها البناء الفوقي للنظام الاجتماعي ، أي نزلت إلى طبقة عاملة مهددة ومعرضة للتسريح من العمل دائماً ، حسب تاثير ازمات السوق الراسمالية ، وليس لهذا القسم أيضاً من الطبقة العاملة ، إلاّ بيع قوة عمله .
تساؤل :
هل يمكننا النظر هكذا للطبقة العاملة في عصر العولمة الراسمالية ؟ في عصر المعلوماتية والبرمجة الحاسوبية والانترنيت وتكولوجيا الاتصالات التي تتطور بسرعة مذهلة ، في عصر يتدنى عديد العاملين في الانتاج المادي السلعي إلى الربع تقريباً من حجم العمالة .
ربما كان من الامور اللافتة للنظر عن حيوة الفكر الماركسي ، وعن ضرورة العودة للكشف عن اسرار الواقع بهدى هذا الفكر ، ذكر ما قاله المفكر يورغن هابرماس وهو يلقي محاضرته في ( اعادة بناء المادية التاريخية ) - من اجل التمكن من بلوغ الهدف الذي رسمته - على حد تعبيره – وهو يكتب في النهاية ؛ إنها (نظرية يجب أن تكون محل مراجعات حول عدة نقاط كما أن طاقتها التحفيزية لم تُستنفد ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كان هذا في زمن جون ستيوارت ميل وآدم سميث
صباح البدران ( 2012 / 4 / 27 - 21:37 )
حينما لايستطيع العاملون وشغيلة الفكر في اوربا اليوم بيع قوة عملهم لايموتون من الجوع ولايرمون للعراء ويبقى اطفالهم في المدارس وحتى في الجامعات! قد تسري تلك الشروط التي ذكرتها على بلدان اخرى كالولايات المتحدة وغيرها!؟
.


2 - نعم قد يكون كذلك .. ولكن !!!
علي عباس خفيف ( 2012 / 4 / 28 - 13:00 )
اتفق معك رفيقي
يفضح فيلم ( مايكل مور) الأخير بعنوان ( الرأسمالية قصة حب ) ما يجري في امريكا اثناء الأزمة الرأسمالية الأخيرة وفي أمريكا تحديداً . فقد عرض الفيلم رعب الحياة هناك فالفيلم يعرض مشاهد مؤلمة وهو يزخر بمشاهد أطفال يبكون في الشارع أو يضطرون للنوم في شاحنة مع أهلهم، فضلاً عن عائلات أو متقاعدين فقدوا كل شيء بسبب الأزمة المالية . فالأزمة الحالية تضرب خصوصاً الأمريكيين البسطاء الذين نصب مور نفسه ناطقاً عنهم .ولقد صرّح للصحافة اثناء عرض الفيلم قائلً (( الرأسمالية هي الشر ولا يمكن إصلاح الشر . يجب اجتثاثه ليحل مكانه الخير للجميع : الديمقراطية الحقيقية ).كذلك فأن الفيلم يفضح أمراً احصاياً خطيراً هناك ؛ ففي اللقاء المتلفز معه قال مايكل مور (إن عائلة واحدة تطرد من منزلها كل7 ثوانٍ ونصف الثانية ، مشيراً إلى أن هذا رقم مخيف ). فقد بقيت امريكا منذ أكثر من عقد مثالاً للراسمالية المعولمة وهي تقود هذا النظام باسوأ صوره ، وربما لم تلحق أوربا بعد بهذا النموذج ، وقد تكون الاشتراكية الديمقراطية في أوربا تعمل كمخفف صدمات من خلال منظومة الرعاية الاجتماعية الضخمة التي يشير إلى تآكلها


3 - عاش قلمک الثوري
و.صابر ( 2013 / 11 / 12 - 09:21 )
مسألة هل أن هذا الوضع الذي تکلمت عنه بالنسبة للطبقة العاملة هو قديم ويعود إلي زمن أدم سميث و جون ستيوارت حسبما ذکره الأخ الفاضل صباح بدران ؟
حسبما هو معروف وليس هو المرئي تماما لکل الناس ولکن أن الرفاه الأجتماعي الموجود في أوربا والبلدان المتطورة الأخري هي عائدة أو تعود إلي تلک الرساميل المجنية من أستغلال قوة عمل شغيلة العالم في أسيا وأفريقيا وأمريکا اللاتيتنية ، حيث تتواجد العبودية في العمل في الکثير من هذه البلدان مجرد لقاء أدامة الحياة أو بأجور زهيدة جدا والتي لا تتجاوز الدولار واحد يوميا ، وأن الشرکات المتعددة الجنسيات المبنية علي الطمع والجشع والأنانية حسب قول مارکس ، تتغاضي النظر في هذه الأمور البائسة التي تلحق بهٶ-;-لاء الطبقات المسحوقة ، وتستغل قوة عملهم الرخيصة من خلال شرکاتهم الکبري والمتنوعة والتي لا داعي إلي ذکر أسمائها الأن، والتي نقلوها أماکن عملها الأن کليا إلي تلک المناطق و البلدان والقارات الفقيرة ، ولم يعد لديهم کوادر عاملة مثلما کان في زمن أدم سميث في أوربا ، ما عدا القليل من الأجهزة الأدارية لهم.


4 - عاش قلمک الثوري
و.صابر ( 2013 / 11 / 12 - 09:26 )
وأن هذا الرفاه الأجتماعي القئم علي علي أساس عرق ودم الطبقة الشغيلة والعاملة في تلک البلدان ، تتأکل وتتناقص شيئا فشيئا وبشکل مطرد حسب ميزان تصاعد الأحتجاجات والثوراة العمالية في هذه االبلدان ، وأن کل ما تتدعي بها الأجهزة الأعلامية عن وجود الديمقراطية وحقوق الأطفال والنساء ، و... إلخ ، مجرد زيف تخدع بها الطبقة العاملة والشعب الشغيل في أوربا ، لأنهم هم اللذين يستعبدون الأطفال والنساء والشيوخ وبقية الشعب الکادح وينهبون قوة عملهم ويبنون بها جناتهم النعيم في تلک الدول ، کواجهة أعلامية للأرستقراطية التي خلقوها لهم علي أساس عرق ودماء الشغيلة في العالم الثاني المضطهد.

اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت