الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناظرة عراقيةـ الحرب الأهلية

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 1 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


على الشاشة الصغيرة أقامت محطة (الحره) مناظرة بين ممثلي لأحزاب تمُثّل الشريحة السياسية الحاكمة نسبيا والتي اتخذت قرارها بدخول الانتخابات رغم كل الظروف الذي يمر به العراق والشريحة الأخرى مثّلت الاتجاه المعاكس فكانت من صحافيين وليس سياسيين لكنهم معارضين للانتخابات ،مضافا لهم جمهرة من المواطنين جاءت تستمع الى الندوة .
ثلاث محاور مُهمّةٍ طُرحت في المناظرة هي:1-تشكيل الدولة الحديثة ودستورها،2-الأمن،3-دين الدولة،وسؤال حسّاس جدا هو:إمكانية حدوث حرب أهلية بعد الانتخابات بحكم الظروف القائمة.
الدولة الحديثة:وهي الدولة التي تُبنى على علاقات انسانية راقية تتضمّن احترام الانسان بمكونه العام وليس تقنيات متطورة في دول تعاني من تخلف وتزرُّر في بنيتها وعلاقاتها الانسانية والاجتماعية وعلى ذلك فقد اعتبر البعض الحاكم أنه منذ عام 1921 وحتى عام 2003 لم تتشكل الدولة الحديثة في العراق ،وهو ساع لتشكيلها بحيث لا تتكرر مأساة المجتمع بابتلائه بنظام حكم شمولي يعيث فسادا لأسباب تورم الشخصنة التي تبدأ من القائد الملهم وتنتهي بأصغر موظف أو مواطن من كتبة التقارير التي كان يروح ضحيتها أبرياء،فهذا حسب قولهم لن يتكرر بعد اليوم،وهذه الـ(لن) بحد ذاتها مشكلة وتعني الاستبداد، لأن الحياة مفتوحة على كل الاحتمالات والمجتمعات كذلك ،وليس هناك من ضامن لمستقبل حالة من الحالات إلاّ القانون كنص وممارسه،وبالتالي فهذا النوع من الخطابات عاد ليتكرر من جديد كسلفه حين كان بطريقه لاستلام السلطة ،ولازال العقل التقليدي هو الناظم لمشاريع النسخة الجديدة من الحكام في الساحة العراقية.
الديمقراطية عندما لاتكون خطابا سياسيا بل ممارسة على الأرض تشكل القاعدة التي ترتكز عليها الدولة الحديثة لتفصل بين الحرية والاستبداد،فالديمقراطي هو من يملك حريته ويحترم حرية الآخر، بينما المستبد هو من يملك حريته ويحرم الآخر منها،والديمقراطية تشكل أس الدولة الحديثة، والسؤال هل توجد هذه الثقافة في أوساط الحكام الجدد، أم أنه نفس الخطاب الثوري الذي أوصل الحزب الشمولي إلى السلطة لكن بنكهة أخرى.
باعتقادي الذي يستند إلى ماطُرح في المناظرة أن هناك خللالم يلتقطه المتناظرون يتعلق بقانونية تشكيل الدولة الحديثة المنشودة، خاصة بما يتعلق بمسألة الأمن،إذ كل ماقيل حول التشكيل كان مقبولا لكنه سيكون ناقصا وغير قانوني إن لم تكن المشاركة عامة وحقيقية وليست تداولية قسرية، بافتراض البعض أن السنة هم كانوا حكام العراق بينما الوقائع والتاريخ يؤكد عكس ذلك، ومن ناحية أخرى عندما يجتمع مجلس وطني لصياغة دستور للبلاد فلن يكون مجلسا وطنيا إن لم يستوفي الحضور الوطني كاملا، لأن غياب طرف لا يمنحه الشرعية من الناحية القانونية ،وعلى المُتمجلسين وطنيا أن يسعوا لحل سياسي مع الرافضين المشاركة في الانتخابات ومعرفة ظروفهم ورؤيتهم وهذا فيه مصلحة الجميع، لأن الانتخابات لن تأخذ شرعيتها إن لم تحظى بالإجماع النوعي وليس العددي،وهذا ما يؤكد أن هناك إشكالا بحاجة الى حل سياسي عبر الحوار الديمقراطي الذي يتشدقون به .
مسألة الأمن من المسائل الحساسة جدا لمجتمع خارج من تحت ركام التعذيب والقهر والتشريد والقمع بأشكال عهده الرومان منذ أكثر من ألف عام.
لن أختلف مع كل من وصّف مرحلة صدام،لكن ماطُرح حول الأمن من حلول وتصوّرات بقي مفتقرا لآلية الممارسات القاعدية من وجهة نظر حقوقية،وذلك لمنع التعذيب وكل الممارسات القمعية الأخرى مع العقوبات المناسبة لمن يخل بهذه البنود من عناصر وضباط الأمن، وذلك بنص قانوني واضح وغير ضبابي يؤهل لهذا المنع في دوائر ومراكز الأمن المقترح تشكيلها لحماية المعتقل وإفساح المجال له للدفاع عن نفسه بالشكل الذي يراه مناسبا،وعدم طرحها بمعناها القانوني ليس أكثر من نافذة لاستنهاضها في اللحظة المناسبة للتشفي.
دين الدولة:رغم أن هذا التعبير يُستخدم كثيرا ويمارس في بلدان أخرى لكن عندما نتحدث عن بناء دولة حديثة ما لمقصود بـ (دين الدولة) هل المقصود من ذلك أنه إن كان أغلبية السكان من المسلمين يعني تطبيق الشريعة الإسلامية على مواطني الدولة من غير المسلمين أم لكل فئة دينية تشريعاتها التي يؤمن بها أتباعها؟أجد أن هذا التعبير بحد ذاته إشكالا في الدولة التقليدية ما بالك بالدولة الحديثة،ومجتمع منوع دينيا تطبق الشرائع على أصحابها ولاتُفرض فرضا على الآخرين،وتعبير(دين الدولة) لا أجده صحيحا لأنه يتضمن ظلما على الأديان الأخرى المتواجدة والعقد الاجتماعي هو تقاطعات الأديان الذي يخلق قانونا يخضع له مواطني الدولة المنوعة دينيا وليس طغيان أحدهما على الآخر.
الحرب الأهلية العراقية: للحرب الأهلية مقومات في حال توفرها يتم حدوثها ومن هذه المقومات: أ- الاحتقان الاجتماعي الفئوي المبني على غبن لفئة أو أكثر. ب- القطيعة بين الفئات المحتقنة دينية كانت أم سياسية. ج- الكانتونات التي تشكلها هذه الجماعات باستقلالية عن الإطار الوطني.
د- السلاح المتوفر لدى كل فئة على حده.
ها-جسر الإمداد من دول الجوار الداعم عقائديا وماليا وعسكريا.
هذه هي الشروط التي تحقق مقومات الاقتتال،ولو أردنا مناقشة ذلك لابد من العودة قليلا إلى الوراء لنرى إلى أي حد توفرت مثل هذه الشروط ليقع العراق ضحيّةً لها.
في البدء أقول:تفضّل صدّام على العراق كاملا دون استثناء لدين أو طائفة أو ملّة أو حزب بأن وحّدهم في القمع والظلم والإباده ،وربما اختلفت حدتها بين مكان وآخر وبين مجموعة وأخرى على ضوء التحديات التي كانت تواجهه من هنا أوهناك، فعدد ونوع المشردين يؤكّد أنّه لم يُفرّق بين أحد من مواطنيه ،وتلك فضيلة من فضائل القائد الملهم التي شكّلت احتقان ضد الحكومة وليس بين أبناء المجتمع العراقي،لكن التوجس الذي خلقه الخوف من البطش هو الذي أوصل البعض للتشكيك بتمايز (ما) مارسه صدّام، وهذا بالتأكيد غير صحيح لأن الوقائع والمعلومات تؤكّد توحُّد العراقيين في المعاناة التي صنعها النظام المنهار.
على هذه القاعدة تشكلت القوى الوطنية في الساحة العراقية أيام صدّام ودفعت أثمان غالية من خيرة شبابها، لكن الراصد الأمني كان أقوى دائما ما خلق تشكيك ببعضهم البعض، وهذا كله لم يتمكن من إحداث القطيعة بين فئات المجتمع بل بقي التلاصق قائما ومن مظاهره بظل القمع الجديد توحُّد الفلوجة والنجف، ولم تتكون الكانتونات المسلّحة وغير المسلّحة لعدم توفر أرضية تشكيلها، وإن بدت مظاهر مسلحة في مواضع معينة فذاك مرده إلى الفوضى التي حدثت إثر انهيار النظام وحساسية المواطن العراقي من الاحتلال وقواته،يُضاف إلى ذلك أن لامصلحة لدول الجوار بحكم التداخل السكاني الكمي والنوعي معها من حدوث حرب أهلية، لأن منعكسها سينتقل إلى هذه الدول، وأي شرارة من هذا القبيل ستشعل المنطقة بأكملها والجميع يُدركون ذلك ،ويدركون أن الطرف الوحيد المستفيد منها هو إسرائيل،وحدث أن تم اعتداءات على المساجد للشيعة والسنة وعلى الكنائس ،لم تحدث ردات فعل طائفية لإدراك الجميع أن وراء التفجيرات النوعية هذه قوى أجنبية فاعلة في الساحة العراقية التي أصبحت مستباحة بتغطية من القوات الأمريكية، وعلى ذلك فمقومات الحرب الأهلية غير متوفرة وبتقديري لن تكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال