الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت عالٍ مرهبٌ ما أروعك

مجدي مهني أمين

2012 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم هو الاحتفال بذكرى الأربعين لرحيل قداسة البابا شنودة، أخذتنا الأحداث منذ رحيله، يغيب ويحضر أمام عيني هذا الكاريكاتير المبدع "سايبنا في الظروف دي ورايح على فين؟" (أنظر الرابط الأول)، ولا زلت أجد نفسي مستغرقا في هذا المقطع- من قصيدة البابا ، "قلبي الخفاق"(أنظر الرابط الثاني) - الذي يقول فيه: أنت عالٍ مرهبٌ ما أروعك. لعل ما ربطني بالقصيدة كلها، هي حالة البحث التي راح إليها البابا؛ حالة الاختلاء والذهاب للصحراء بعيدا عن الناس، حالة نرغب جميعا فيها عندما نكون في حالة بحث، قد ندخل من حجرة إلى حجرة، كي نصفو لذاتنا فيما نبحث. كانت المهمة يسيرة على البابا: ذهب للصحراء واختلى وبدأ الحوار:

- قد تركت الكون في ضوضائه..واعتزلت الكل كي أبقى معك.

ويبحر في وصف تحرره من هذا الكون، كي في الصمت يلمس ويقترب من الله، من كان البابا يبحث عنه، وينتهي صراع البحث برؤيته لما يبحث عنه ويصف ما رأي:

- يا أليف القلب ما أحلاك بل .. أنت عالٍ مرهب ما أروعك.

لو لم يكتب قداسة البابا هذه القصيدة ، أو لو كُتبت ولم تُلحن بهذا اللحن الذي ترجم روح القصيدة لما كان لنا أن ندري بلحظة صوفية ولقاء روحي بين البابا والخالق، كان سيحتفظ لنفسه بلحظة الونس والدفء والإطمئنان والإمتلاء والشبع، ولعل قداسته قد عاش العديد من اللحظات في هذا التلاقي دون أن يترجمه لقصيدة، هكذا كل الباحثين في الروح، يعيشون ويمتلئون ويصلّون من أجل سلام العالم دون أن ندري. ندري فقط عندما نراهم فيشع منهم نور وسلام وكفى. هم كجذور النبات التي تحيا في أعماق الأرض في سكينة، و نحن نرى الثمار. ولكن الجذور في صمتها وسكينتها وعملها الدءوب راسخة قوية رسوخ الصخر، حتى أن قوتنا نحن تكمن في جذورنا في تاريخنا في إيماننا، وكلها صامتة ولكن موحية وداعمة. ومن يبحر في الصمت، يبحر نحو القوة؛ قوة الدعم والرعاية، كتلك القوة التي يستمدها الناس من أمهاتهم مهما كن واهنات ورقيقات.

استغرقني هذا الصمت في ذكرى الأربعين، صمت من كان في الصمت ومن خلال الإيمان يبحث عمن يحب، وعندما يجد من يحب يعلن فرحه به:

- يا أليف القلب ما أحلاك بل .. أنت عالٍ مرهب ما أروعك

استغرقني الصمت، وقد تكون محاولة مني للخروج من الضجيج ، والتخويف ، وقمع الحريات، وتصفية الحسابات الحادث باسم الدين، لا يمكن بالطبع أن أقصر الفضيلة على أحد، ولا على متبعي دين دون آخر، في كل الدنيا أتقياء، وفي كل الدنيا سعداء، ومتفانين وباحثين عن الحقيقة ، والفضيلة، والحق والخير والجمال ، لذا فعندما نجد نموذجا حيا، فإننا نتشبث به ونُغْرِق فيه، ربما احتماء، أو محاولة للفهم، فهناك اختيارات قام بها بشر مجتهدون كي يمتلئوا بالحقيقة، ويفرحوا بها، وينشروها بينا ، ويمنحونا قسطا مما تعلموه، كي تتقدم حياتنا خطوة أو خطوات ، كي ترتقي ولا تتحجر، تنبسط ولا تنكمش، كي نعيشها لا نفرضها جبرا على أحد.. كي تكون حياة فرح وسط أتقياء وليس بؤسا بين جبابرة.

لا أرى فرقا كبيرا بين ما رأه البابا في قصيدته وبين ما رأه أرشميدس عندما كان الأخير مستغرقا مع ذاته في البحث عن طريقة يكتشف بها مدى نقاء عملة ذهبية، وعندما اكتشف أرشميدس الحل صاح فرحا: وجدتها وجدتها، كلاهما كان مستغرقا جدا، أحدهما في أعماق الروح، والآخر في أعماق العقل، الأول يبحث في الماهية، والثاني في إحدى حقائق الكون، وكلاهما فرح بما وصل إليه، وكلاهما كان يعلم أنه لم يصل بعد إلى كل شئ، كلاهما يدرك أن الحقيقة تتخطاهما؛ فلا يملك إلا أن يطرح ما وصل إليه، لا يفرضه، لأن الحقيقة لا يملكها أحد.

نيح الله نفس البابا، ورحم كل ما حاولوا أن يجعلوا أكثر اتساعا بما قدموه لنا من نماذج لحياة فاضلة ، أو علم لم نكن نعرفه، أو فن أبهج قلوبنا وأنار عقولنا، فنور العقول كان سبيلهم وسبيلنا، وموضوع ثورتنا التي لن نتنازل عنها، مهما كان الثمن.

الروابط:
الرابط الأول: كاريكاتير مرتضى
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=369762713046375&set=a.346932345329412.76782.213062235383091&type=1
الرابط الأول: قلبي الخفاق
http://www.youtube.com/watch?v=T3lJVwGJdbY








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح