الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحديه الجزء 3

التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)

2005 / 1 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الكوبوي صانع التراجيديا العراقية

العراق الذي منه انبعثت الشرارة الأولى لحضارة الإنسان سواء في غابر الأزمان أم إبان الدولة الإسلامية... العراق الذي دبج الكتاب والعلماء تأليفا تهم بالحديث عن مفاخره وأمجاده ولياليه التي ما تنقضي، بالرغم من أن زمن شهرزاد أضحى في خبر كان... العراق الذي تغنت بمفاتنه قصائد الشعراء وشدت بمحاسنه سمفونيات المغنين... العراق الذي عقدت عليه الشعوب الإسلامية والعربية آمالا عريضة، لأنه الوحيد الذي استطاع رفع التحدي في وجه الطاغوت الأمريكي والصهيوني...

العراق الذي ... ها هو يسقط في شراك الكوبوي، الذي يستبد به شر استبداد ضاربا عرض الحائط كل المواثيق الدولية، ويسطو على خيراته النفطية والأثرية والبشرية، كما تنسج العنكبوت على غنيمتها، إلا أن للعنكبوت هدفا محدودا لا يتجاوز إسكات ألم الجوع وإطفاء حرقة الظمأ، أما قصد هيمنة الميغا-إمبريالية الأمريكية، كما يسميها د. المهدي المنجرة، فيتخطى كل المقاييس ويتعدى كل التصورات، ليتخذ أبعادا حضارية عامة تسعى إلى ضرب كل طفرة فكرية أو صناعية يقدم عليها أي عقل لا ينخرط في دائرة التفكير الأمريكي، وهذا ما يثبته، بشكل ما، وزير الدفاع الفرنسي السابق جان بيير شوفنمان وغيره، الذي يرى أنه " كلما أراد العرب استدراك تخلفهم، ولأسباب وجيهة أن يصنعوا وحدتهم، كانوا يجدون الغرب على طريقهم لكي يمنعهم من تحقيق أهدافهم." والغزو الذي يمارس اليوم بكل شراسة ووقاحة على بلاد الرافدين، خير شاهد على حيلولة الغرب المتأمرك وإنجاح المشروع التغييري، الذي تطمح إليه الشعوب العربية والإسلامية، فالكوبوي لم يأت إلى العراق وغيره من الدول، لاستئصال جذور الاستبداد واستبدالها ببذور الديموقراطية وحقوق الإنسان، وإنما جاء ليحمي مصالحه الاستراتيجية عسكرية كانت أم سياسية أم اقتصادية أم غير ذلك، فيضمن بذلك استمرارية أسطورة الكوبوي ليس عبر الشاشة التي تنقل لك الطبيعة الأمريكية بتضاريسها الوعرة وأدغالها الخطرة وحيواناتها الكاسحة، ولكن على أرض الواقع العراقي الملطخ بدماء المدنيين العزل من أطفال رضع وشيوخ ركع ونساء بسيطات لا يعين من السياسة حتى اسمها.

ويمضي الأمريكي في لعبته الخبيثة، لا يأبه بالإنسان أو الحيوان أو الطبيعة، ولا يعير اهتماما للمعاناة الجسيمة التي يبثها في حياة الأبرياء والمستضعفين، الذين لا ذنب لهم فيما يحدث إلا أنهم ولدوا مسلمين، على غير ملة الكوبوي، لذلك فهم على الدوام مرمى المسخ الأمريكي، الذي صار يفرغ كبته الجنسي المهين في سجن أبو غريب وغيره من الأماكن المسيجة بالتعتيم والتضليل والصمت المطبق، ويترجم سلوكه العدواني المزمن في بغداد والفلوجة والنجف وغيرها من المدن المجاهدة. لكن تبقى الفلوجة خير شاهد على مدى دناءة الكوبوي، الذي عمد إلى تدنيس ما هو مقدس، فاكتسح بتلك المدينة أحد المساجد، واقترف فيها ما لا يجرأ على اقترافه حتى الشيطان، بل وعمد إلى التنكيل بمن كان موجودا بداخله، فكان من بين الضحايا شيخ منهك، رأيته، بل ورآه العالم بأسره عبر عدسة الكاميرا، وهو وسط الجثث المتساقطة هنا وهناك، وعيناه تدمعان دما، وهو يحتضر بعد أن خرقت جسده الهزيل رصاصات الوغد الأمريكي الرجيم، رأيت فيه العراق برمته وهو يتداعى أمام عيون العالم.. ارتج كياني فشعرت بالحياة أمر من ماء البحر وأمر من العلقم؛ ما جدوى أن أعيش هنا في إحدى أنقى و أفخم عواصم الدنيا (أمستردم)، وأتنعم بآخر ما توصل إليه الإنسان من أكل ولباس ومواصلات وغير ذلك. ما جدوى ذلك وإخواني ينالون أذل وأبشع أنواع المعاناة والتعذيب، وحتى الموت لا يتنعمون به، ولا يموتون كباقي الناس، وإنما يموتون على طريقة الأمريكان والكوبوي، حيث يتحملون أقسى التعذيب، وبعد ذلك لا نعرف أين يلقى بجثثهم.

رغم أن الموت شيء طبيعي وحالة انتقالية ينتقل بها الإنسان من عالم إلى آخر، قدره الله علينا وبأسلوب منظم غاية في الكرامة والهيبة، فإن الإنسان شوه هذا المفهوم، حتى صار الموت يحمل دلالات القتل البشع لكل ما هو إنساني وطبيعي بل وما هو حميمي في الإنسان، الذي يصبح عدائيا رغم إنسانيته. إن صورة الشيخ الذي بكى أمام الكاميرا دما، هي من جهة صورة مختصرة للعراق الذي ينزف دما، وإن شئت فاعتبرها كذلك صورة مصغرة للعالم العربي و الإسلامي الذي تكالبت على قصعته الأمم، ودارت بدياره الدوائر، وعششت بحماه الويلات... ومن جهة أخرى صورة واضحة لشخصية وسلوك الكوبوي، الذي جاء للعراق قصد استكمال أمجاده، التي بدأها أجداده الأوروبيون، لكن غدا لناظره قريب، حيث سيجني الكوبوي ثمار البذور التي زرعها، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة!

ها هو الكوبوي إذن، يجثم على بلاد الرافدين، ليمتص دم شعبها البريء، ويمتص نفط أرضها المعطاء، بنفس الموت الذي أباد به الهنود الحمر، يبيد به العراقيين، وبنفس الجشع الذي استولى به على أراضي الهنود الحمر، يستولي على تراب العراق، ذات السيناريو يتكرر، ليعيد التاريخ نفسه بقوة، كأنك تشاهد فيلما هوليوديا، كل ما فيه جديد إلا البطل، المكان هو العراق، الزمان هو بداية الألفية الثالثة، الخصم الذي يواجهه البطل هو الشعب العراقي، الأسلحة هي الطائرات والصواريخ والدبابات... لا المسدس أو البندقية، المشاهدون ليسوا معدودين يقبعون في دور السينما، وإنما هم كثر يتابعون الحدث في كل حيز وآن. كل شيء ،إذن، جديد إلا الكوبوي، الذي أبى التنازل عن شخصيته النرجسية، رغم أنه يعتبر نفسه صانعا للحداثة والموضة والتغيير والعولمة، إلا أنه في أعماقه يظل مسكونا بهاجس التفوق والسمو والتفرد، لذلك نراه يحاول ترجمة ذلك إلى كل العالم وعبر كل الوسائل والأدوات من سياسة وإعلام وعسكر وغير ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا اعترف عمار لريم بحبه لها ????


.. مصر: طبيبات يكسرن تابو العلاج الجنسي! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. كندا: حرائق تحت الثلج! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مارين لوبان: بإمكاننا الفوز بهذه الانتخابات وإخراج فرنسا من




.. أكثر من 3 تريليونات دولار.. لماذا هذه الاستثمارات الضخمة في