الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب( الدستور) بين الإنقاذ و .. الوهمّ!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2012 / 4 / 29
حقوق الانسان


ولا تزال حيرتي قائمةً رغم محاولاتي المتكررة أنْ أُصَدِّق الدكتور البرادعي، فمريدوه يُعبقرون كلَّ قراراته، وخصومُه يُقللون من شأنــِـه.
يسافر إذا سخــَــنَ المشهدُ المصري، وينسحب من سباق الرئاسة إذا اقترب من النجاح، ويطلب ملايين التوقيعات، ويُهادن المخلوع، ويرفض الحديثَ عن جرائمِه البشعة.
ينتظر حتى يصل سباقُ الرئاسة العبثي إلى العدِّ التنازلي، يؤسس حزباً ينضم إليه قادة فكر وسياسة وإعلام، علاء الأسواني وجميلة إسماعيل وأحمد فؤاد نجم، ويعرض أفكاراً جيدة في إصلاح الدولة لكنه يتجنب عرض الفصل الختامي لحُكم الفلول.
هل الدكتور البرادعي يريد ملايين من الأتباع يفرح بهم أم ملايين من الثوار يجمع أحلامَهم لأربع أو خمس سنوات حتى يتمكن الحزب من الحُكم؟
الشعب في حالة يأس وقنوط وغضب، والدكتور البرادعي لم يدخل بعد معركة القصر مع السلطة القائمة كما لم يفعل مع مبارك، وقوته في محبة الناس له، لكنه يتحرك كأنه واقف في مكانه، ولم يستوعب بعد أن كل دقيقة تمر على شعبنا وعنقه في قبضة المخلوع والفلول والمجلس العسكري ومجلس الشعب وهوس الأحزاب المتخلفة وقوى التشدد الديني والعجز العلماني والفوضى الليبرالية تضاعف من أوجاع الشعب، وتزيد من كوارث مصر.
حتى لو انضم عشرون مليونا إلى الحزب الجديد، فسيصبح جزءاً من نظام باطل، يحكمه رئيسٌ دمية لم يأت بعد، تحركه أصابع المشير، وتتكدس أمام البرادعي أحلام لا نهائية لشعب ثار وسُرقتْ ثورته.
لو أراد الدكتور البرادعي أن ينقذ مصر فأوسع الأبواب أمامه مفتوحة على مصراعيها، لكنه يبحث عن شرعيةٍ مِنْ لا شرعية سارقي الثورة، ويتنافس مع وصوليين ومتشددين ومحتالين فضلا عن اثنين من أهم رجال السفاح مبارك.
المرة الرابعة التي يقوم شعبنا بوضع أحلامه على طبق من ذهب وتسليمها للدكتور البرادعي، وخشيتي أن يلتف حوله الملايين ثم يغادرهم فجأة لأي سبب من الأسباب.
لم يستوعب الدكتور البرادعي أن الثورة تُطهّر كل القاذورات التي ترسبت في قاع المجتمع، والتي تراكمت فوق سطحه، فالانتخابات بنظام المعاقين ذهنيا، وساعد مبارك الأيمن ما يزال يحكم، وكل لصوص الوطن يمسكون مفاصل الدولة، ونظام القضاء فاشل وضعيف وهشّ، فيحكم، ثم يتراجع، ثم يقبل النقض والاستئناف، ثم يبريء المجرم ويحكم على البريء.
في لحظات الغرق يتمسك الغريق بأي أمل حتى لو كان الأمل غريقاً مثله، ويكبر الوهم، فالساحة المصرية مكتظة بالأقزام الطامعين في دخول القصر الجمهوري، والدكتور محمد البرادعي قامة سامقة، وقيمة علمية كبيرة، ودمث الخُلق، وهاديء كالبحر الميت، وعبقري في تحويل أحلام الناس إلى تقسيط مريح على سنوات طويلة تصبح الثورة بعدها في طيّ النسيان.
وعودة البرادعي مع سقوط معظم رموز القوى السياسية والدينية على الساحة يجعله الوحيد القادر على انتشال أبناء مصر، لكنه لا يتحدى، ولا يُحوّل الثورة إلى عمل جدّي ينتزع السلطة قبل فوات الأوان.
لست متفائلا بهذا الرجل العالــِــم والأكاديمي والمحترم والمصلح لأنه بكل بساطة لم يقرأ أحلام ميدان التحرير بالنهج الثوري، إنما جعلها مثل الحكيم الذي يسير متأملا، ثم يقف للراحة بعد كل خطوتين، وينام بعد كل ثلاث خطوات، ويسافر في الخطوة الخامسة، ليعود من جديد.
حزب ( الدستور ) فكرة رائعة لو قام بها الدكتور البرادعي عقب خلع الطاغية مبارك، وقبل الانتخابات السقيمة وتحويل مجلس الشعب إلى مجلس فقهي، وتفتيت الأمة بين شتىّ التوجهات، وإعطاء الشرعية للمجلس العسكري وللمحكمة السخيفة وللصمت على أموالنا المهربة إلى الخارج، ولو فعلها بنفس أفكاره الاصلاحية الرائعة لكانت مصر قد خرجت من عنق الزجاجة.
في البداية كان الحلم، ودغدغ البرادعي مشاعر الناس وهو يُحدّثهم عن خطابه الأول من العشوائيات في حال نجاحه، وأحبطهم وهو يقترب بحذر شديد من أحد أعتى وأعفن وأكلب طغاة العصر فرفض الصِدْام معه، ووصفه بأوصاف رقيقة حتى خلت أنه سيرفعه فوق الأعناق.
أريد أن أحلم مع أبناء شعبنا بحزب ( الدستور )، لكنني لا أُلـْدَغ من جحر سبع مرات، ثم إذا صبر الناس عدة سنوات حتى يصل ( الدستور ) إلى الحُكم، فجهازي العصبي لا يتحمل عدة أيام هادئة وقناصة العيون ينامون في أحضان أحلامهم السعيدة، وقتلة شبابنا يضعون أصابعهم في أعيننا مع إنبلاج كل فجر جديد، ورجال مبارك يبصقون في وجوهنا بترشحهم المقيت، والإعلام المصري يعود إلى نقطة الصفر، والمشير يحتقر المصريين ولسان حاله يقول: حاسبوني لو كان فيكم رجل واحد، فكلنا رجال مبارك رئيساً أو مخلوعا أو ..ميتاً.
كان المفترض أن أخدع قرائي الآن وأبلغهم سعادتي بتأسيس حزب يجمع شمل المصريين، لكنني لا أرى كلَّ المرَشحين ولا حتى البرادعي ولا مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو المجلس الاستشاري أو المحكمة الهزلية أو النائب العام أو الجنزوري ، إنما أرى فقط ثورة 25 يناير، والأحذية تُرفع في 11 فبراير، ومصر كلها تنتفض مع أبنائها، وأرواح الشهداء تــُـحَذّرني من الثقة بالكبار، وعدة آلاف من شباب مصر الأطهار يزور النومُ عيونَنا وهم في أقبية تحت الأرض.
كلما كتبت عن الدكتور البرادعي عدت إلى نفس الاستنتاج السابق، فهو عالــِـم ومثقف ومتابع ومُصلح وأمين، لكن روح الثورة هربت منه، وشجاعة اقتحام حشود الأوغاد الذين يُعيدون إنتاج مبارك لم تعد تحركه إلى الأمام.
الدكتور البرادعي سيختلف إن عاجلا أو آجلا مع مؤيديه ومساعديه ومريديه، لكن الشعب غير مستعد بالمرة لتوجيه تساؤلات أو طرح شكوك فاليائسون يصنعون الوهم، ثم يعيدون تصديره لأنفسهم.
ما تمنيت أكثر من أن أكون مخطئاً في تحليلاتي، وأن يُصلح البرادعي الكسور التي حدثت في الجسد المصري منذ نجاح الثورة، لكن عقلي يؤكد لي أن وكيل مؤسسي حزب ( الدستور ) سيترك الجَمْعَ فجأة بعد يوم أو شهر أو سنة أو أكثر عندما يقترب من الوصول إلى القصر إلا إذا جاء له أتباعه بالقصر ووضعوه أمامه وأجبروه على تســَـلم السُلطة.
أريد أن أبارك، لكن قلبي وعقلي يطلبان مني تأجيل التهنئة إلى وقت لاحق.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 29 ابريل 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البرادعي
alexparis59 ( 2012 / 4 / 30 - 08:13 )
البرادعي شخصية مثقفة شيك أنيقة ، فلا يمكنه أن يرتدي الجينز والكوتشي وينام على الأرض في التحرير ويأكل في طبق فول واحد مع ميكانيكي ثائر أو يشرب من القلة بعد أكلة مشّ مع بائع متجول ثم يجفف فمه بظهر يده، وهذه هي طريقة الشعب المصري في الحياة بسيطة، عفوية، دافئة، أي أنه لايعرف أن يعيش إلا بالشوكة والسكينة وسط ناس يعيشون بغمس اللقمة في طبق ملوخية فول نابت واحد للجميع
وهو لن يأكل إلا إذا تم وضعه في مطعم شيك ويقدم له الطعام نادل نظيف في أوعية من الصيني الفاخر، هو يحب مصر ولكن لا يعرف التعامل إلا مع الطبقة المثقفة ولا يعرف لغة الحوار بين فلاحتين تغسلان ملابس الأسرة على شط الترعة ولا بين بائعي سمك في الحلقة ولا بين اثنين من جامعي الروبابيكيا، وسواء شئنا أم أبينا -نحن الجامعيين- فنحن لا نمثل الشعب المصري المعتدل الوسطي كما لا يمثله في البرلمان مجموعة من التجار والمنتفعين المتأسلمين باستثناء عدد محدود ممن يمثلون الشعب بحق وبإخلاص، والخلاصة أن البرادعي يصلح رئيسا لمصر بعد المرور على كل المراحل حتى عبور الأزمة وتخطي الصراعات فهو أشيك كثيرا مما نحتاج ولن نصلح له إلا بعد الاستحمام والحلاقة


2 - صناعة الفرعون
محمد عبد المجيد ( 2012 / 4 / 30 - 08:55 )
صناعة الفرعون
في مصر يرفض المصريون أن يكون زعيمهم شخصاً عادياً، يأكل الطعام، ويذهب إلى الحمام، وينحبس بوله، ويصيبه إسهال أو إمساك أو أرق!
في مصر عندما يعشق المصريون رجلا منهم، زعيما أو مرشحا للرئاسة أو رئيس حزب أو ابن الزعيم أو مرشدا روحيا، يضيفون إليه مع صباح كل يوم صفات سوبر مانية، ويسدون الثغرات، ويخفون نقاط الضعف، ويبررون أخطاءه، ويفترضون الحــِـكمة من فمه حتى لو تحدث عن سعر الجرجير أو أنواع البطيخ أو رائحة الدوكو!
كتبت عدة مقالات قبل وبعد الثورة عن الدكتور البرادعي منها مقال ( تشكيل حكومة البرادعي ضرورة وطنية )، وتحدثت كثيرا عن ايجابيات الرجل، وقليلا جداً عن سلبياته، وطرحت عدة علامات استفهام طبيعية، فالسياسي لا ينزل عليه الوحي بكلمات سامية، والحزبي ليست لديه رسالة مقدسة، ومع ذلك فقد اعتبر أتباع البرادعي أن كل مديحي إياه لا يساوي جناح بعوضة مقابل بعض الاشارات السلبية.
إذا ترشح قالوا عبقري، وإذا انسحب أشادوا بانسحابه في الوقت المناسب. إذا ترك الثورة وغادر إلى الخارج قالوا بأنه يتسلم جوائز عالمية، وإذا تأخر في تأسيس حزب بعد أن أنفض المولد زعموا أنها أم العبقرية.
إذا وقف قالوا با


3 - تكملة تعليق صناعة الفرعون
محمد عبد المجيد ( 2012 / 4 / 30 - 09:22 )
إذا وقف قالوا بانه يتأمل، وإذا مشى قالوا بأنه في الطريق إلى قيادة الثورة.
أليس هذا عين ما يفعله اتباع حازم أبو اسماعيل وخيرت الشاطر ومحمد مرسي وعمرو موسى وسليم العوا والمشير والمخلوع وحمدين صباحي؟
أليس هذا ما يفعله مريدو الشيخ محمد حسان والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبد المنعم الشحات وعمرو خالد؟
أليس هذا ما يفعله المهووسون بتامر حسني ونانسي عجرم وهيفاء وروبي؟
أليس هذا نفس ما يقوم به عشاق كرة القدم حتى لو كان نجمهم المفضل لا يستطيع أن يفك كلمة واحدة من حروفها الركيكة، لكن قدميه وفانلته صنعوا هوية جديدة لا تحتاج لأكثر من عاشق أو .. عابد؟
صناعة الفرعون نجيدها تماما، فإذا لم نعبده أو نحنطه فعلينا أن نحيطه بهالة من القداسة لا يحتاج بعدها لرسالة سماوية.
عشاق الدكتور البرادعي خارجون من حالة يأس تسبب بها المرشحون الآخرون، والساحة خالية، والزعيم الحقيقي لم يظهر بعد، وهم لا يسمحون لك بأنسنة زعيمهم الجديد، فالرجل يفكر، ويتأمل، ويخطط، ويحفظ في جيبه أحلام المصريين، ولا يكترث للزمن، فاليوم كالعام، والعام كالعقد، والعقد كالدهر كله.
احترس فعاشقو البرادعي ليسوا فقط محبين له، لكنهم بوديجاردز!


4 - الفرعون
alexparis59 ( 2012 / 4 / 30 - 11:56 )
ورغم كل ذلك أحبوا عبد الناصر مع أنهم قالوا عن ثلاثي أضواء العرش في مصر
-واحد أكلنا المش، وواحد علمنا الغش، وواحد لا بيهش ولا بينش- ومع أنه في كل خطبه قال بالاشتراكية وبأن أبناءه يدرسون في مدارس حكومية وبأنه ابن مواطن بسيط
ورغم زوار الفجر والاعتقالات وحكايات صلاح نصر وفناناته، عشقوه وألّهوه ولم يكن وقتها فرعون ولكنه كان ضابط من عامة الشعب يجيد الكلام وشحن الناس بالحماسة وهو ما يفتقده البرادعي فلا يمكن أن يصبح قائد ثورة ولكن رئيس جمهورية متحضرة

اخر الافلام

.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-


.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م




.. جلسة مفتوحة في مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في غزة وإيج


.. أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وفرض إجراءات أمنية إثر اع




.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023