الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتظارات اللاجيء..

فاروق سلوم

2012 / 4 / 29
الادب والفن


نولد بعري انتظاراتنا هناك ، ونحن لاجئون في بيوت اهلينا الرطبة في ذلك الشرق البعيد .
نمشي طوال حياتنا بحذر بليد ، عند ظلال الحيطان المطلّة على التراب وعلى رمل الصحارى الموحشة .
خائفون بأنتظارالرضا المستحيل او العقاب الجائر او الرجم او التكفير او الحرمان .
لاجئون نحن تحت سلطة العائلة والدين والمجتمع وتحت سلطة السياسة القاتلة .. وذواتنا المغرّبة عن اجسادنا تنتظر خلاصها ؛
فتيان يانعون وفتيات يانعات بأشرطتهن الشرقية الملونة وجدائلهن المظفورة .
الكل ينتظر لحظة ما على شكل زيجة عائلية او دراسة جامعية او عمل ، وقد تكون الأقدار قاسية الى الحد الذي نكفر فيه بتلك القدرية التي قادتنا الى عشير خطأ او حقل دراسة خطأ او فرصة عمل خطأ تمثل العبودية الشرقية لرب العمل وانتظاراتها المستحيلة فلا هو يفنى ولا توجد فرصة بديلة .. وكلما كبرنا كانت تتسع دائرة انتظاراتنا الشرقية ..
فتخرج من الأرضي المُعذّ ِب الى الميتافيزيقي العلوي بوعيده ووعده ؛ صراط ونار وجنة وغيد وولدان مخلدون على سُرُر ٍ متقابلين .. لكننا برغم طيبتنا ونقاء سيرتنا وسريرتنا فأن الله سيضعنا في حالة اختبار طويل على لائحة اللجوء اليه والأنتظار قرب بوّابتي النار او الجنة .
*
ولكننا نواصل دأبنا الشرقي الكدود ، و كلما ضاقت السلطة انتظرنا لحظة الخروج وحيدين او .. بيد مهرّب محترف قاس ٍ وصار اوعن طريق صديق مستغل او بجهد مجنون ومغامرنادر حين نمضي راجلين او متخفين دون خرائط نقطع الفيافي والقفار ونعبر الجبال القاسية مثل حيوانات البراري بأنتظار لحظة الوصول الى ماكز تجمع انتظار قطعان اللاجئين .
وحين نصل الى الأرض الغريبة نتخفّى في الليل منتظرين خائفين وحذرين حيث نمضي في الفجر الى دوائر الهجرة واللجوء.. ندخل بحذر ونتعم اول درس للغة المكائن حين نقطع رقما للدور والأنتظار .. وننتظر .. ننتظر ..
*
يمر من امامنا مهاجرون محترفون وقتلة.. وتجار رقيق ابيض.. وتجارالأطفال المولودين للتو ، وتجار الكحول والتبغ والماريجوانا والكوكائين .. يأخذون مكان الأولوية فتزيد انتظاراتنا قلقا وشعورا بالغبن .. لأن هؤلاء المزيفون والقتلة والتجار يحصلون بسبب تفننهم في سرد قصص اسباب لجوئهم على احسن فرص اللجوء بسبب اكاذيبهم المخلوطة بروائح التبغ والثوم والفودكا بعد ليل من التدبّر والتآمر .. فيزداد زمن انتظاراتنا احساسا بالغبن وان عدالة العالم وهم ٌ كاذب . فتأخذ انتظارتنا حزنا خاصا جراء امتزاج الخيبة بالعجب من سذاجة موظفي دوائر الهجرة وغبائهم ، نحن الصادقون مع انفسنا الذين تحملنا جور الأخ والصديق وحملنا اقل مالدينا وحلمنا بأقل مايمكن لنحترف انتظار اللجوء.. الصادق..
وبين لحظة انتظار واخرى يطل علينا ، مسؤول طيب وصارم وباطني بسبب المياه الكثيرة التي مرت تحت الجسور.. يصيح اسماءنا لنمضي صحبة مسؤولين يعبؤوننا في حافلات طويلة.. لنمضي الى معسكرات اللجوء المكتضة بالأكاذيب والأدعاءات والقصص والدعايات ونحن ننتظر المقابلة الأولى .. يأكلنا قلق تناقض الروايات في دواخلنا ويقتلنا دأب الأختصارحين تحين مقابلتنا لكي لايضجر المسؤول ويلغي انتظارنا بألقائنا على الحدود .. ننتظر الى درجة الأصابة بالأسهال المعوي والفكري والهذيان والقلق .. ونحن ننتظر
بعد المقابلة الأولى .. يشفى الأسهال الفكري والمعوي حين نصبح رقما وهوية .. ويعطوننا رقما للأنتظار فننتظر ان تتحسن الظروف ننتظر ان نتصل بأخواتنا الباكيات
واخوتنا الكدودين الجادين
ننتظر فرصة رسائل حبيباتنا الكتومات هناك تحت الحجاب والشادور والقناع و ننتظر ان نقول كلمة حب عطشى..
ولأننا ننتظر ينبغي ان نتعلم فن تمرير الوقت ..
فيكتشف اللاجيء لتمرير زمن انتظاراته طرقا للمشي لاتمل وغابات لاتنتهي وبحيرات مدورة كبحر بعيد ومشاوير ينصرف فيها الأنتظار الى لحظة اطمئنان واهمة ..
ولكن هيهات فطبيعة الأنتظار المرضية تتحول من اضطرار الى عادة .. الى عارض جيني ينتقل الى الزوجة والأطفال وةالشجر والهواء والبكاء والنبيذ والكلام ..
ينتظر اللاجيء طويلا ان يحبه الرب مرة الوحيدة حين يحصل على الأقامة ويعطوه.. اربعة ارقام باذخة وسحرية.. يصير رقما مقيما ً ..
وهذه الأرقام ستمنح الأنتظار صفة جديدة : الأنتظار المطمئن ..
حيث يبدأ اللاجيء يرى خط الأفق..ودورة الزمن والفصول ويبدأ بيقراءة ِ قطع الدلاله على الطرق .. ويرى التعليمات والأرقام الكثيرة الكثيرة والآلات الكثيرة .. لأن لااحد متفرغ للرد عليك دائما و ينبغي ان تكتشف انت الطريق وان تتعلم كيف تصغي الى المكائن الناطقة في الهاتف التي تجيب على اسئلتك وتمنحك المواعيد وتنظّم لقاءاتك ..... منتظرا ومنتظرا ومنتظر ان يطل عليك مصادفة صوت بشري ليقول تفضل نحن في خدمتك وهذا قد لايحصل الا مرة واحدة في العام ..
وحين يُمنح اللاجي رقمه كمواطن اجنبي في دولة اللجوء
فأنه سيبتهج ويحتفل ويشرب كأس بهجته لبعض الوقت .. لكنه سيظل منتظرا اللحظة السرية الماكرة التي تدمجه في هذا الشعب الجديد و تمنحهُ الأحساس بتشابه اللون والعرق والثقافة.. و.. لكن ذلك انتظار لاينتهي ...
*
يحمل اللاجيء تلك الجنسية الأجنبية الفاخرة ولكن انتظاره لاينتهي عند هذه اللحظة ..
لأنه سيظل ينتظر وطنه واهله ومجتمعه ودينه وقوميته وشرقة التي ولد لاجئا فيها وعندها
ليلغون عنه تلك الصفة ويمنحوه صفة مواطن ..و لكنبكل اسف فأن انتظاره سيطول ..
لأن لااحد يعرف من هو المسؤول عن تلك الأجراءات في الشرق الجائر ؛ سوى الله !!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه