الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغاء حالة الاستثناء العربي بين السوسيولوجيا والمجتمع المدني

جمال القرى

2012 / 4 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لم يعد هناك من شك، بأن صورة جديدة للعالم العربي السياسي والاجتماعي بدأت ترتسم واقعياً، بعد سقوط رأسي نظام تونس ومصر، بثورة شعبية، ومحاولة شعوب اخرى القيام بذلك.
فإذا كانت "حالة الاستثناء والمقاومة في الوطن العربي"، وهو عنوان كتاب صدر في نيسان 2010، عن مركز الوحدة العربية لباحثين سوسيولوجيين ، وحرّره "ساري حنفي"(1)، هي الحالة السائدة، فإن الثورات الحالية وبحسب " اوليفيه روا" (2)، تشكّل بداية إحداث تغيرات عميقة في مجتمعاتها، ويبشر بانتهاء زمن هذه الاستثناءات.
ان اعادة قراءة هذا الكتاب بعد الثورات، يختلف عن ما قبلها، وتهدف الى:
1-محاولة استقراء توصيف الباحثين السوسيولوجيين لواقع مجتمعاتهم وخصوصيتها، وواقع البنى الاجتماعية وحراكها.
2-رصد بزور الثورات (إن وجدت).
3-استنباط افكار تفيد في عملية تطوير البنى المؤثرة في انجاح الثورات وفي تطوير الواقع السياسي مستقبلاً.
سأتناول الافكار الرئيسية للمقدمة، وهي لساري حنفي، لما لها من أهمية في تحديد القوى المجتمعية، بعلاقاتها التحالفية والصدامية، وبسيرورة تطورها وحراكها، وبدورها في انجاح الثورات أو احباطها. وكذلك لقراءة "محسن بو عزيزي"(3) للمجتمع التونسي، ول"منى أباظة"(4) للمجتمع المصري، عشية الثورتين.
يكتب حنفي أن الحراك السياسي يتم عبر ثلاث مستويات للفعل السياسي: "حاكمية الدولة"، "الحكم"، و"حركات الاحتجاج اللامؤسساتية".
فالحاكمية هي استخدام الدولة آليات القوة، للإقصاء والمراقبة والسيطرة، ليس بقوة القانون، بل بتعليقه، وهذا ما يسمّى "حالة الاستثناء". أمّا الحكم فمرتبط بدور مؤسسّات المجتمع المدني، والتي تحتاجها الحاكمية من أجل استمرارها، فتعقد معها ما يسمّى ب"صفقة سلطوية"، يتخلّى بموجبها المواطنون عن بعض حقوقهم السياسية ، لقاء الأمان الاقتصادي. وترتبط هذه المؤسسّات وتُموّل من المنظمات الدولية، وتكتسب مواقع جديدة لها على حساب الأحزاب السياسية والنقابات، وتنشط بشكل بنّاء ومنظّم في أوساط النساء والشباب والناشطين في مجال الحقوق المدنية والانسانية وغيرها. وتحتّل دور الوسيط في حلّ الصراعات بين الدولة والمؤسسّات المتعدّدة الأطراف، بتبنّيها سياسة الاصلاح دون التدمير، وتفاوض من خلال خطابات محليّة ووطنية وعالمية، تبعاً لمراكز عمل نخبها، المحلية كتكنو-بيروقراط، أو المعولمة في الامم المتحدة والشبكات الدولية وغيرها. من الملاحظ أن ازدهار هذه المؤسسات ودورها الوسيط، والذي ينوِّع فعلاً فاعلي الحكم، لا يؤدّي بالضرورة الى دمقرطة المجتمع وتقويض أسس هيمنة فاعلي حاكمية الدولة.
أن تحدّي الوضع القائم، يأتي من فاعلين "غير ممؤسسين"، أي من المستوى الثالث للفعل السياسي، وهو "حركات الاحتجاج اللامؤسساتية"، الفاعلة خارج النطاق الرسمي للدولة وللمجتمع المدني. فهذه تشكّل ما يُعرّف ب"المجتمع السياسي"، ويتّخذ فعلها شكل المقاومة الصامتة، لتفادي ممارسات القوة ضدها. وتتأثر بإرادة زعماء ووُعّاظ طائفيين وعشائريين ودينيين، أكثر من تأثرها بأفراد النخب المحلية والمعولمة، وتستخدم وسائل الاتصال الحديثة، من مدوّنات ومواقع تشبيك اجتماعي بهدف التواصل. وأفرادها المختلفين، غالباً ما يكونون في قلب العولمة ومتأثرين بها، ويحملون مشاريع لتحديث المجتمع قد يتحالف مع الدولة والمجتمع المدني، وقد يختلف.

في الحالة التونسية
اعتبر "بوعزيزي"، ان من ظاهرة "اللامبالاة" الاجتماعية، أو الاستلاب، تتولّد إشكاليّات الشباب التونسي. فبعد دراسته السوسيولوجية الميدانية، وتحليلها، يستنتج أن الواحد منهم، هو فاعلٌ لا يفعل، لديه صعوبة التعييّن والتحديد، ينسحب الى الخلف كتواطؤ غير مقصود، ليمنع بذلك تشكيل بنى اجتماعية مضادّة تغيّر الواقع. وهو صامت، كصمت الصغير أمام الكبير، والعبد أمام السيّد، ليشكّل بذلك كتلة صامتة، بردت فيها الطاقة الاجتماعية، لا يكترث إزاء قيم المجتمع وقضاياه، يشتم أكثر القيم قداسة ( الله، الام والأب)، لا تهمّه الانتخابات، يسعى للمنفعة المادية المباشرة. تغريه اللذّة المنحرفة والسّادية، يراوغ ويشاكس، يمارس العنف ضد نفسه وضد المجتمع، ينفصل عن النسق العام الى حدّ الغيبوبة. ويعيش حالة فراغ دلالي، الّا ما يشاهده عبر وسائل التقنيّة الحديثة، والتي أفرغت الواقع من واقعيته، وقطّعت أوصال السيرورة التي كانت تُنتج حياة الناس. ليخلص اخيراً، الى أن "اللامبالاة"، هي تعبيرة اجتماعية مردّها ضيق الفضاء العام، الذي لم يتشكّل تاريخياً في الثقافة العربية.

في الحالة المصرية
تربط "أباظة" التغييرات التي طرأت على المجتمع المصري في السنوات الأحيرة، بنشوء حركات إحتجاج غير مسيسّة، تشكّل بنى اجتماعية جديدة، وثقافة مغايرة، تهدف الى تحقيق الديموقراطية والاصلاح الاقتصادي الاجتماعي، تلازماً مع اسقاط رأس النظام وحاشيته ورجال الشرطة.
وتعرض تطوّرها، من حيث اتساعها لتضّم الى جانب الموظفين والعمال والفلاحين، قطاعات مهنية تنتمي الى الطبقة المتوسطة، والحركات المناوئة للعولمة، وكتبة المدوّنات، وناشطي الانترنت، وتدرُّج مطالبها من الاقتصادية الى السياسية، نتيجة سياسة مبارك النيوليبيرالية، والتي أدّت الى خصخصة قطاعات اقتصادية مهمّة، وتسارع وتيرة التضخّم، وانتشار الفساد، وازدياد الفقر وتصعيد العنف والتعذيب ضد الناشطين والمعارضين، والى ما يسمى "نهاية السياسة"، حيث كانت الاحزاب التقليدية شبه غائبة عن التحركات.
وكان لوسائل الاتصال الحديثة، دوراً مركزياً في هذا التحوّل، إذ أبرزت نمطاً جديداً من الناشطية السياسية، وأدّى التفاعل والتنوع في المبادئ والقيم بين الشباب والنشطاء المدونين، عبر المعلومة والرسالة والصورة، الى تطوير أشكال جديدة للإحتجاج، كشكل من اشكال المقاومة المدنية. فنجح الفايسبوك بإيجاد أشكال جديدة من التشبيك وتدفق المعلومات، ونقل أدب المدوّنات تفاصيل الحياة اليومية بشكل ساحر، وقدّم تيترادو ( محطة اذاعية على الانترنت)، محاكاة هزلية للثقافة الشعبية التقليدية وللخطاب السياسي الرسمي.
وتختم بأن المشهد السياسي ينكشف عن ازدهار أشكال الفاعلية، نتيجة تنوّع وتعدّد أشكال ولغات التعبير عن الاحتجاج، عند الفاعلين الاجتماعيين المتحدثين بإسم الشغب والطامحين الى التغيير، والذين يقومون بنشاطهم ونقاشاتهم، اصواتاً بديلة عن الاحزاب، ولكن كلفة ذلك ستكون غالية.
حدث ، بعد فترة وجيزة من صدور هذه الدراسات، أن قامت حركات الاحتجاج في كل من تونس ومصر، باعتصامات ميدانية سلمية، بهدف اسقاط السلطة واصلاح النظام. ساهم انضمام مؤسسات المجتمع المدني إليها، بعد كفّها عن لعب دور الوسيط بينها وبين الدولة، الى ثورة مدنية سلمية، استطاعت بأدوات الاتصال الحديثة، كسر "حالة الاستثناء"، وتحقيقها اولى اهدافها ولا تزال تصارع لاستكمالها.
أتت ثورة تونس بداية، وتدحض استنتاجات "بوعزيزي" عن المجتمع التونسي بتكويناته وحراكه وقدراته،
إذ لم يحمّل النظام المستبد مسؤولية ظاهرة اللامبالاة عند الشباب، ولم ينتبه الى ان صمته لم يكن جموداً، بل كان مقاومة له، وأن انتهاكه للقدسيات كان تعبيراً عن رفض النظام الأبوي السائد. ولم يلتفت الى الحراك الاجتماعي والاحتجاجي الذي خاضه الفقراء والعاطلين عن العمل والنقابات العمالية والمهنية والطبقة الوسطى والنخب الداخلية، وتلك المنفية خارج الحدود في السنوات الأخيرة نتيجة فساد وعنف السلطة. ولم يستنتج أن تراكم الظلم والخنوع سينفجر يوماً بثورة مدنية، وسيكون لوسائل الاتصال الحديثة دوراً جدلياً بانجاحها، بعد أن ساهمت في خلق ثقافة مجتمعية جديدة، نواتها الحوار وقبول الآخر، بل على العكس فقد حمّلها مسؤولية افراغ الواقع من واقعيته.
أما الثورة المصرية، فقد أكدّت الصورة الموضوعية التي رسمتها "أباظة" عن المجتمع المصري، ولكأنها كانت امتداداً للاحتجاجات السابقة، ولكن بجماهير أكثر، قررت بإرادتها دفع الكلفة الغالية لتحقيقها.
أن استكمال الغاء "حالة الاستثناء" في العالم العربي، مرهون بطبيعة وعي البنى الاجتماعية الجديدة، صاحبة المصلحة في التغيير. فما لم يتحول هذا الوعي الطائفي والعشائري والقبلي، وعياً مدنياً، فإن أي محاولة احتجاج أو تغيير، ستشهد انقسام هذه البنى، وستُواجه بقمع السلطات الفاشية لها، ان لم يكن ابادتها، كما نشهد على ذلك في اكثر من دولة عربية.

(1)استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاميركية في بيروت
(2)استاذ في المعهد الجامعي الاوروبي في فلورنسا (قضايا النهار 17-2-2011)
(3)رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع
(4)رئيسة قسم علم الاجتماع والنفس في الجامعة الاميركية في القاهرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون