الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيرة الروائية

سعد محمد رحيم

2012 / 4 / 29
الادب والفن


إن اصطلاح السيرة الروائية المنحوت من اصطلاحي الرواية والسيرة الذاتية تتكئ على ضمير المتكلم القائم بين الراوي المتخيَل والروائي الواقعي، حيث يغدو الاصطلاح الجديد زلقاً في تحديد دلالة وماهية هويته، ووظيفته. فمادة تجربة الروائي ما أن "تصبح موضوعاً للسرد حتى يُعاد إنتاجها طبقاً لشروط تختلف عن شروط تكوِّنها قبل أن تندرج في سياق التشكيل الفني". وهذا النوع إذ يُحيل الاعتراف الذي هو جوهر نوع السيرة الذاتية على منطقة الفن المتمثلة بالرواية ونطاقها اللامحدود فإنه يمارس نوعاً من التمويه ليحمي الروائي، بوجوده الواقعي، من المساءلة الاجتماعية والأخلاقية بمعاييرها التقليدية الصارمة وذلك بوساطة ما يسوِّغه ويشرعنه الفن الأدبي السردي، وتحديداً الرواية. فتنتقل الشخصية المحورية الراوية بين داخل النص وخارجه؛ هذه الحركة الماكرة والشيّقة تضع القارئ على تخوم التحدي والمتعة في الوقت نفسه. ويوفر للناقد ( غير البنيوي/ المهتم بالخلفية الاجتماعية ـ التاريخية للكاتب ) مجالاً واسعاً ومرناً للمناورة في تحليل الشخصية الروائية في ضوء تفاصيل حياة الروائي وتاريخه. وعموماً، وبحسب ما يذكر د.عبد الله إبراهيم فإن "أفق انتظار القارئ يحدد نوع التلقي، ففي نهاية الأمر، لا يمكن لأحد أن يخرق قناعات المتلقي، في أن الرواية عمل متخيل، والسيرة وثيقة لها بُعد واقعي، ذلك الأفق بما يرتِّبه من هواجس، يوجّه سير القراءة إلى هدف محدد في أثناء قراءة كل من الرواية والسيرة".
أتاح تداخل الأنواع الأدبية فرصة ولادة أنواع جديدة مهجّنة تنطوي على خصائص فنية مستمدة من الأنواع الأصلية، فضلاً عن خصائص مخلّقة تضفي هالة جمالية لافتة على النص المكتوب في أفق عمليات التهجين هذه. وقد لجأ الكاتب العربي إلى استثمار نوع السيرة الروائية، لا بدوافع فنية وأسلوبية فحسب، وإنما كمحاولة لمراوغة التابوات، وإخفاء صورة الذات/ ذات المؤلف/ وراء قناع الراوي المالك لمساحة حرية أوسع من مساحة الروائي بكثير. فالروائي الذي هو كائن اجتماعي تاريخي محكوم بشروط حياته وواقعه وبيئته الاجتماعية وقيمها ومواضعاتها وتقاليدها. واعترافه، من خلال نص السيرة، بارتكاب اختراقات للبناء الأخلاقي الصلد للمجتمع يضعه في موضع الاتهام والإدانة والنبذ، لذا فإن قناع الراوي في نصٍ يعرّف نفسه على أنه رواية يمنح الروائي شيئاً من الحصانة، والمصد في مواجهة من ينصبون من أنفسهم حراساً لذلك البناء. ودعوى الروائي في هذا المقام هو أنه يشتغل في منطقة التخييل، بعدّ الرواية عملاً سردياً خيالياً. فإذ تقتحم المخيلة معقل التاريخ، في خضم الكتابة السردية/ الروائية فإنها تُخضع النص المكتوب لنزوتها، وتسبغ عليه عنصر المرونة، وتغريه بالحرية والانزياح عن المألوف.. وهذا التواطؤ بين الراوي والروائي، أو بين المخيلة والواقع التاريخي، في إطار النص السردي يخفف من ثقل التاريخ، وينقذ الروائي من حراجة الاعتراف المباشر.. فالسيرة الروائية صوغ ماكر لحياة الروائي. وهنا تكون مرجعية الراوي هي ما خبره الروائي في الحياة الواقعية.
يرى د.إبراهيم أن الرواية العربية نشأت "في محضن التجارب الذاتية، سواء كانت تلك التجارب وقائع وأحداثاً أم سيراً وتاريخاً شخصياً أم تأملات ومواقف فكرية" فمنذ رواية ( زينب ) لمحمد حسنين هيكل تعاطى الروائيون العرب مع تواريخهم الشخصية بوصفها مرجعيات لأحداث رواياتهم. فعل طه حين ذلك في كتابه ( أديب ) وإبراهيم المازني في كتابه ( إبراهيم الكاتب ). وتوفيق الحكيم في كتابه ( عصفور من الشرق، ومحمود أحمد السيد في كتابه ( جلال خالد ) والأمثلة كثيرة بهذا الخصوص. وإذا كانت هناك مماثلة بدرجات متباينة بين شخصيات الروائيين وشخصيات الرواة في الأعمال التي شكلت الموروث الروائي العربي من بدايات القرن العشرين وحتى عقوده الأخيرة فإن الأمر لا يصل حد المطابقة التامة. والمثال الأكثر نصاعة بهذا الصدد هو شخصية كمال في ثلاثية نجيب محفوظ. فكمال هو صورة تنعكس عبرها رؤية محفوظ للعالم وطبيعة مواقفه وانتمائه الطبقي أكثر مما تعكس التفاصيل الدقيقة لحياته أو جوانب حقيقية منها. بالمقابل نجد روائياً عربياً آخر هو محمد شكري، وعلى نقيض الآخرين، سعى بجرأة إلى زج شخصيته الحقيقية في متن نصه الروائي كما في كتابيه؛ الخبز الحافي، والشطّار، وفيهما أعاد، بشكل صادم، ومن غير مواربة؛ "استكشاف جوانب من تكوّنه الجسدي والثقافي في مراحل الطفولة والصبا والشباب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال


.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب




.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان