الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية الديكتاتورية في العراق..

فاتن نور

2012 / 4 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل بدأ ساسة العراق من قاع الانهيار وبقوا فيه؟
نطرح هذا السؤال تماهيا مع مقولة فولتير: "لا يوجد في الحياة رجل فاشل، ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقي فيه."

يكشف المشهد العراقي عن مرحلة سياسية وسيطة يمر بها منذ انهيار نظام الحكم عام 2003 والذي انهارت معه كل البنى التحتية. فخروج الدولة العراقية من الديكتاتورية الأحادية المطلقة المتمثلة في الحزب الواحد، والحاكم الأوحد الذي يصار الى مبابعته جماهيريا كلما اقتضت حاجة النظام الى مبايعة صورية، يشي بأن النهج الديموقراطي تم تكريسه من قبل النخب السياسية في العراق لإنتاج نهج ديكتاتوري جديد على أنقاض نهج عتيق، فهذا الأخير لا يتيح التعددية الحزبية، وحق الأحزاب السياسية في منافسة الحزب الحاكم على السلطة، ومزاولة الحكم الديكتاتوري بالتداول السلمي عبر صناديق الاقتراع التي تكفل للحزب الفائز أو الكتلة غطاء ديموقراطيا للتسلط الديكتاتوري، كما يتيحه النهج الجديد. هذه المرحلة الوسيطة أنتجت نظام "التعددية الديكتاتورية" كبديل عن نظام الديكتاتورية الأحادية قبل الإحتلال، وكضرورة حتمية من ضرورات التحول الديموقراطي، أو تحول الوعي السياسي من الجشع السلطوي وثقافة الحكم الشمولي، الى الجشع الوطني بوعي ديموقراطي لا يصيبنه هزال.
سنقف على ثغرة مفصلية من ثغرات الدستور العراقي الجديد الذي سن عام 2005 بما يؤسس (افتراضا) للنهج الديموقراطي ومقتضياته المزمع تطبيقها، كي تنفض الدولة العراقية أغبرتها الديكتاتورية بكل تداعياتها، وتنتفض من محنها المتراكمة لتبدأ عهدا جديدا من الصراع الوطني – الوطني، وبوعي سياسي ناضج لبناء دولة مدنية حديثة، لا تفتك بها الثقافات الرجعية، ولا تتقوقع في ثقافة مركزية وسياسة ثيوقراطية عفا عليها الزمن، ولا ينخرها التهافت على فن الاستلاب والاستحواذ من أوسع مسارحه.

الثغرة المفصلية هي عدم تحديد عدد ولايات رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء بدورتين انتخابيتين أو خلافه، ولا ندري كيف وجدت هذه الثغرة لها مكانا في الدستور، والتي لا يبرر وجودها السهو والغفلة، فاللجنة (أو اللجان) المُعدّة لسن الدستور كانت قد وقفت في المادة (77) على تحديد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين أمدها ثماني سنوات، وهذا تذكير ذاتيّ لأعضاء اللجنة بأن ثمة مدة أكثر أهمية لسيرورة التحول "الديموقراطي" لابد أن يصار الى تحديدها بالمقابل، وأن لا تترك مفتوحة بلا حدود.
رغم أهمية تلافي هذه الثغرة بتعديل دستوري قبل موعد الانتخابات القادمة عام 2014، لكن بقاءها لا يمثل أي خطورة على العملية السياسية اذا كانت النخب بتياراتها وكتلها وائتلافاتها على قدر لا بأس به من الحس الوطني والوعي الديموقراطي المنشود ترسيخه، وإلاّ سيصار الى استثمارها أو استغلالها لاحتكار السلطة كاستحقاق دستوري وعبر الترشيح المفتوح لدورة ثالثة ورابعة وهلم جرا.

الإتكاء على الثغرات الدستورية، وتسخيرها للتشبث بمنصب رئيس الحكومة كوظيفة دائمية لفرد، أو مدها لأطول زمن ممكن، سيجسد بكل وضوح سلطوية العقل السياسي في العراق وجشعه للمكوث مرتعا في الواجهات القيادية، وسيعكس مدى تصدع أو انهيار البنى الوطنية لأحزاب المعارضة التي ناهضت النظام الديكتاتوري لحقبة طويلة قبل الإحتلال، فقد أربكت نزاعاتها المسلحة على السلطة ومناصبها الريادية بعد زواله، وخلافاتها السياسية والعقائدية والتحاصصية، وممارساتها الديكتاتورية وولاءاتها الخارجية وخلافه، أربكت الشارع العراقي وهمشته ومازالت ليومنا هذا.
والتعددية الديكتاتورية، بتقديرنا، أكثر خطورة من نظيرتها الأحادية، فالأخيرة تحفز القوى السياسية المناهضة لها على النضال الطويل من أجل بلوغ السلطة أو المشاركة البناءة، أما الأولى فتحفزها على الانخراط في التعددية كونها تؤمن فرصة الوصول الى السلطة عبر " الطريق السريعة " كل أربع سنوات، مثلما تؤمن حصانة شعبية للحزب الفائز أو الكتلة المتآلفة، لممارسة الحكم الديكتاتوري المُشبِع لشهوة الملك والجاه، بصفته استحقاقا انتخابيا يمثل إرادة الشعب وسيادته.

تعثر الطريق السريعة بثغرة دستورية، سيقلل فرصة الآخر في انتزاع منصب رئيس الحكومة لممارسة الحكم الديكتاتوري بدماء جديدة، ولأن هذا يتقاطع مع نهج التعددية الديكتاتورية الظاهر للعيان في الواقع العراقي بعباءة ديموقراطية لا تستر عورة، وقفت بعض القوى السياسية ضد ولاية ثالثة لرئيس الوزراء الحالي مطالبة بتعديل دستوري لتسليك الطريق السريعة، واستعادة هيبة هذه المرحلة الوسيطة التي سيحصد الشعب العراقي من ورائها متوالية سياسية من الديكتاتوريات المركزية المُنتخبة، أضافة الى دويلات ديكتاتورية تمثل محافظاته أو أقاليمه.
قد تطول أو تقصر هذه المرحلة الوسيطة تبعا لسرعة تبلور مناخات وطنية وعقائدية نظيفة في الداخل العراقي، تتيح بناء ثقافة سوسيولوجية متحركة نحو التغيير الإجتماعي، وتبلور وعيا سياسيا متقدما على وعي النظم التقليدية، يؤهل المجتمع العراقي ونخبه السياسية الاضطلاع بالمفهوم الديموقرطي وتطبيقاته العملية في مناخ صحيّ معافى، لا يجرد المفهوم من قيمته الحضارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه