الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تنبع السياسة من صندوق الاقتراع أم من فوهة البندقية؟

جورج كتن

2005 / 1 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


حصر الكاتب ميشيل كيلو في مقاله لصحيفة "المستقبل" - 18-1-05- البدائل أمام المنطقة العربية بثلاث:
أولها: المقاومة، المجسدة في فلسطين والعراق حيث توطدت وفرضت نفسها كبديل صاعد يلقى تأييداً شعبيا.
ثانيها: بديل أميركا، الذي يعيد إنتاج الوضع العربي القائم أو يأتي بنظام استعماري جديد، وهو بديل متعثر.
ثالثها: الوضع العربي القائم المتعفن والمنهار الذي فات زمانه والمؤدي لكوارث.
نتفق مع الكاتب حول البديل الثالث المتراجع والذي لا مستقبل له، ولكن ليسمح لنا بالاختلاف معه حول توصيفه للبديلين الآخرين، وتذكيره ببديل رابع نسيه أو تناساه، هو بديل "التغيير الديمقراطي" المعتمد على قوى متعددة، وهو ما يمكن أن نلحظه إذا خلعنا نظاراتنا السوداء التي لا ترى إلا الشيطان الأكبر، وتخلصنا من الايديولوجيا ومفاهيم الحرب الباردة و"الثوابت" التي لم تعد تلائم العالم المتغير. البديل الديمقراطي يتقدم بنجاح ويلقى تأييداً متزايداً على حساب البديل الأول أي المقاومة، المسلحة خاصة، إذ أن المقاومة السياسية، أو المعارضة السلمية كما نفضل تسميتها، والتي يريد الكاتب أن يشملها في "المقاومة"، هي شيء مختلف يعود للبديل الديمقراطي الرابع الذي لا نضيفه من المخيلة ولكن بناءً على الوقائع:
1- فشل المقاومة المسلحة الأصولية الجهادية في الجزائر التي تحولت إلى عصابات إجرامية، وتوطد الحل الديمقراطي السلمي والتدريجي، وآخر خطواته الاتفاق بين الحكومة وتنسيقية العروش الأمازيغية على إنهاء الصراع بينهما، ومحاكمة المسؤولين عن أحداث العنف و القمع الذي وجه للأمازيغ، والاعتراف بلغتهم كلغة رسمية، والبدء بإعمار مناطقهم المهمشة.
2- اندحار البديل الجهادي المقاوم للجماعة الإسلامية المسلحة في مصر، وتقدم البديل الديمقراطي المتجسد في المعارضة الديمقراطية المصرية للنظام التي تنتقل الآن لخوض معركة تغيير الدستور بطرق سلمية من أجل انتخابات رئاسية تعددية وتنافسية، وإرساء عملية تداول السلطة حسب صناديق الاقتراع، بعد رفض التمديد والتوريث.
3- الفشل الذريع للبديل السلفي "المقاوم" الذي ادعى العمل لإخراج القوات الأجنبية من الجزيرة العربية، وصعود تيار إصلاحي ديمقراطي في أكثر البلدان الخليجية، التي اقتنعت بعض أنظمتها بإدخال إصلاحات سياسية، وخاصة الكويت والبحرين، وتلحقها قطر والسعودية وعُمان...
4- نجاح الانتخابات الفلسطينية الرئاسية كبديل ديمقراطي وسلمي، وتصويت الغالبية لبرنامج وقف عسكرة الانتفاضة الذي أضر بالمصلحة الوطنية، ولعودة للتفاوض والحلول السلمية للمسألة الفلسطينية، رغم دعوة الأقلية الفصائلية المتمسكة بالبديل المقاوم المسلح لمقاطعة الانتخابات، وترددها حالياً في إيقاف عملياتها المسلحة غير المجدية.
5- اتفاقي السلام والمصالحة بين الحكومة السودانية وكل من الحركة الشعبية الجنوبية وتجمع المعارضة الشمالية، حيث أوقفت الأطراف الثلاثة الصراع المسلح، واتفقت على توسيع الحريات الديمقراطية وإنهاء الانفراد بالسلطة، وتداولها حسب انتخابات حرة ومراقبة دولياً تجري بعد مرحلة انتقالية... وذلك بدعم وضغط من "الخارج"، أميركا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن والاتحاد الإفريقي...، البديل الثاني، كتجمع أممي متعدد الأطراف مهتم بالأمن والاستقرار العالمي، وليس كما قصره "الكاتب" على أميركا فقط. ويمكن للنموذج السوداني أن يتكرر في أماكن أخرى، كتضافر لثلاث بدائل - إذا أردنا استخدام تعبير "الكاتب"-، أي خليط من الأطراف الثلاثة: المعارضة والخارج والنظام.
6- في لبنان أيضاً تتضافر أطراف متعددة في العمل لانتخابات نيابية حرة في أيار القادم، حيث فضلت المعارضة اللبنانية البديل الديمقراطي السلمي ورفضت بديل العنف المسلح "المقاوم"، وتآلفت حول وثيقة حددت الهدف الرئيسي، إنهاء تحكم الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية بكل شيء في لبنان، وإعادة إحياء التقاليد الديمقراطية الفريدة للمجتمع اللبناني. بالإضافة لاهتمام دولي، وليس أميركي فقط، بدأ بقرار 1559 الذي طالب بعدم التمديد للرئيس الحالي وبمنع تدخل القوى الخارجية بالانتخابات الرئاسية، وسحب القوات غير اللبنانية وإلغاء الميليشيات المسلحة حسب اتفاق الطائف. ويمكن أن تصدر قرارات أخرى بتأمين إشراف دولي مستقل يضمن نزاهة الاستحقاق الانتخابي، وبالتالي فالبديل الديمقراطي والتدخل الاممي يعملان بشكل متوازٍ لتغيير ديمقراطي في لبنان لن تبقى تأثيراته بعيدة عن بقية دول المنطقة.
7- في العراق أيضاً لم يختر الشعب البديل الأول "المقاوم" حسب "الكاتب"، بل البديل الديمقراطي، أي المشاركة في العملية الانتخابية -30 كانون الثاني- الجارية تحت رقابة الأمم المتحدة وبإشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وباشتراك ما يزيد عن 7500 مرشح من 110 حزب موزعين على 70 قائمة، يتنافسون على 275 مقعد في الجمعية الوطنية التي ستضع الدستور الدائم، متزامنة مع انتخاب مجالس المحافظات وبرلمان إقليم كردستان.
من الواضح أن خيار أو بديل الأغلبية العراقية هو الانتخابات، التي يتوقع لها أن تكون الخطوة الأولى للمزيد من الحريات والأمن والسيادة الكاملة وتأمين الخدمات والبدء بإعمار البلاد وإصلاح الاقتصاد ومكافحة البطالة والفساد، وتحقيق الفيدرالية والحقوق الثقافية للقوميات، وعودة المهجرين والمهاجرين من الشتات...
بينما أقلية تدعو لمقاطعة الانتخابات وتعمل لإفشالها، خاصة ما يسمى "المقاومة"، وطرفاها الأساسيان:
- التنظيمات السلفية الأصولية التكفيرية، الممارسة للخطف والقتل وقطع الرؤوس وتفجير السيارات المفخخة، ضد كل الطوائف والديانات والقوميات ورعايا الدول بلا تفريق.
- أجهزة استخبارات النظام السابق، التي اعتادت إبادة وإرهاب الشعب أثناء فترة اغتصابها للسلطة خلال أربعة عقود، فهي المتضررة الآن من العملية الديمقراطية، وأعمالها المسلحة الإجرامية موجهة بالأساس للشعب العراقي.
الطرفان يحضران لمذابح تطال الناخبين والمرشحين والمشرفين على الانتخابات، فهما على سباق مع الزمن لنسف العملية الانتخابية التي تقطع الطريق على عودة النظام الدموي السابق، أو على إقامة خلافة إسلامية طالبانية ظلامية على رأسها "الزرقاوي"، الذي اعترف الناطق باسم هيئة علماء المسلمين بأنه كان موجوداً في الفلوجة وخرج منها قبل دخول القوات متعددة الجنسيات إليها.
تتذرع أقلية الأقلية بأن الانتخابات تجري "تحت الاحتلال"، وتتجاهل الانتخابات الفلسطينية الحرة والنزيهة رغم أنها تمت تحت الاحتلال، فالاحتلال في فلسطين والعراق، كما يبدو لكل من لا يريد أن يدفن رأسه في الرمال لكي لا يرى الحقائق، لم يحرك أجهزته الأمنية للتدخل في الترشيح أو برامج المرشحين، أو في خيارات الناخبين فيمن ينتخبون، أو في فرز الأصوات وإعلان النتائج، حسب ما هو معتاد في أنظمة شمولية عربية.
غالبية الشعب العراقي اختارت الانخراط في العملية الانتخابية، وستخوضها ضد الإرهاب بالدرجة الأولى بتأكيد حضورها للإدلاء بأصواتها، ففي آخر استطلاع رأي، أبدى 80% رغبتهم بالمشاركة رغم الحالة الأمنية. فتوطد الإرهاب، أي "بديل المقاومة" كما يسميه "الكاتب"، هو ما يعطي الذرائع لاستمرار تواجد القوات الأجنبية، وبالعكس فإن نجاح العملية الديمقراطية وتوطد الأمن والقضاء على الإرهاب سيمكن من إنهاء مهمتها في العراق، حسب قرار مجلس الأمن 1546 الصادر بالإجماع.
لا نظن أن الكاتب ميشيل كيلو يفضل للعراق خيار العنف المسلح للإرهابيين، فقد وصفهم في مقال هام له في موقع "كلنا شركاء" 6-9-04، بأنهم حملة البلطة "المدججين بالسلاح والأفكار المسمومة والنوايا الإجرامية... حولوا الإسلام لإيديولوجيا عنف وقطع رؤوس...ورسالة عصبوية ومتوترة كلمتها القتل لا الحوار...". ويوضح في نفس المقال أن "العراق تحول أكثر فأكثر إلى ساحة صراع بين قوتين: البوط الأميركي وبلطة طالبان/القاعدة... وأن الجهاد له هدف أوحد هو إخراجنا من العصر والعالم...".
خلال أربعة أشهر فقط انتقل الكاتب من توصيفه القريب من الواقع لما يجري في العراق، إلى: "نجاح المقاومة في العراق وتوطدها بسرعة مذهلة"، مما يدعو حقاً للعجب !! إذ أن معظم الوقائع في المنطقة العربية تشير إلى أن البديل "المقاوم" كعمل مسلح في تراجع مستمر، بينما البديل الديمقراطي -الرابع- يكسب كل يوم مواقع جديدة، فحركة المجتمعات العربية صاعدة باتجاه فتح الطريق أمام السياسة لتنبع من صناديق الاقتراع لا من فوهات البنادق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داتشيا داستر: سيارة دفع رباعي بسعر معقول | عالم السرعة


.. بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة • فرانس 24 /




.. الاتحاد الأوروبي: تعيين الإستونية كالاس المدافعة الشرسة عن أ


.. ما رأي أنصار بايدن وترامب بأداء المرشحين للرئاسيات في المناظ




.. سفير ووزير وسجادة حمراء.. افتتاح مطعم فاخر في #العراق يشعل م