الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات في القصة القصيرة (8)

طالب عباس الظاهر

2012 / 5 / 1
الادب والفن



(8)

القصة القصيرة نمط سردي مفتوح، وفي انفتاحه تكمن صعوبة الإحاطة بدلالاته المعرفية، جراء فتحه لنوافذ التأويل، وأبواب الإستقراء، في ملاحقة التصورات الإبداعية للقاص، ومحاولة الإيغال بعيداً مع أطروحاته الذهنية .. سواء في بعدها الرمزي أم الصريح، وترك الأبواب مشرعة على شتى الاحتمالات الممكنة.. والمألوف أن يتلقى الآخر المنتج الإبداعي حسب انعكاسه في ذائقته الفنية، لا كما هو في الواقع، فيتحول إلى مبدع آخر للقصة، وإلى منتج ثان لذات النص.. وفي أحيان يكون فيها المتلقي أكثر عمقاً حتى من الكاتب نفسه.
ففن القصة يكسر حصار الممكن والمعقول والمقبول من التصورات الذهنية، بالاختراق لحاجز فوضى الواقعي، صوب انتظام المتخيل .. الذي لا يصيب بمخياله صميم الواقع فحسب، بل يتعداه فيستكشف ضبابية الآتي، ويستشرف أحياناً أفق مدياته الرحبة، ويسيح في مداه اللا منتهاه، لأن النص القصصي يحمل في طياته مشروعيه التجريبي لمختلف الطرائق، ما دام إن ليس هنالك ما يمكن الاستناد عليه من ثوابت السرد وكيفيته، لكن شريطة أن لا يكون ذلك على حساب الركائز الأساسية لفنها الجميل، كما في الكثير من النماذج القصصية، بالاستغراق بالرمزية أو التحليل النفسي أو الفنتازيات، وما إلى ذلك، ولكي نحفظها من عبث المتجاوزين، وغفلة المتنطعين.
أو قد تدمر القصة الرؤيا الواقعية للحياة، وتثور على المألوف أحياناً في بنيتها الحكائية، ولكن لمصلحة بناء ذاتي جديد يؤسس لمنحى كاتبها الأصيل.. وبالعكس فان الاستجابة المتعجلة؛ يعني انحرافها مع عنف الموجات السائدة من التهويمات والتجريد، بالتقليد الأعمى، أو التأثر السلبي بما تنقله ألينا بعض الترجمات من القصص، والضعيف منه بالخصوص بالاستسهال، مما سيولد حينئذ موتها المعنوي، فتغدو مجرد هياكل جوفاء، فاقدة الروح والمعنى، سرعان ما تلفها غبرة الإهمال، وتقرضها أرضة الزمن بالنسيان، وربما عاشت منذ ولادتها محنطة في متاحف الكتب .. داخل معارض الصفحات، محنطة في توابيت السطور، فتفرّ من منظرها ورائحتها كلما اقتحمتها النفوس الظامئة بفضول الاستطلاع، وهي التائقة أبداً لكوثر الخلود، والجائعة لخبز المعرفة للتزود من إكسير الحكمة.
فذاك بالحقيقة برزخ فاصل ما بين خلود الإبداع، وفناء الهذيانات السردية الجوفاء، والخط العازل ما بين ولادة الفن، واحتضار التزييف، بل وسيكون حداً ما بين ربيع متجدد، وخريف دائم.
فبعض القصص مثل بعض الأزاهير الطارئة، يوجدها الفجر، ويمحقها الأصيل، وكأنها تأتي الحياة لكي تموت، وسواها يموت لكي يحيا، فلم تحلم بالسمو إلى مرتبة القصة القصيرة بأصالتها المعهودة، لتضيف أي شيء للحياة والإنسان والوجود، حروف وكلمات وسطور تعانق شغاف القلب، وسكنها حدقات العيون، فتنساب في مجرى الزمن، وفي ضمير الحقيقة الكلية، لأنها تحكي معاناة العصر بصدق للأجيال ـ عصر ولادتها ـ وتعكس وجه الحياة المغيبة عن الرؤية العادية، عبر تدفقها الحيوي كما العبير، من صميم إنسانية الإنسان، وكعين ماء زلال متدفقة من صدر الأرض الصامت منذ الأزل والى الأبد.
فبقدر تعلق الأمر بالقاص المبدع ذاته، فهو يتحمل مسؤولية حسن العكس والتوصيل، إلا إن مسؤولية الآخر في استلهام قيم النص الجمالية أكبر، بقراءة واعية تفوق مستوى استقراء الكاتب نفسه أحياناً.
فالقصة قد تحقق شاعريتها، إلا إنها لن تكون سوى بصمة مبدعها المتفردة، فالذي يهرق مداد قلمه ـ زيت روحه ـ على أعتاب العابر، والساذج والدنيء من الرغبات، وربما المتطرف من الهواجس والهموم غير المفهومة أحياناً، فأنه لا يضمن له الاستمرار، إلا بمقدار بقائه بالحياة في أفضل الفرضيات، أو قبل ذلك، فتكون كتاباته عسيرة الهضم والتمثل في الذائقة الجمعية، وثقيلة الوقع في مجموعها على جمهور المتلقين من القراء والمهتمين والدارسين، بيد إنها ستظل خفيفة جداً، بل ومتلاشية الوزن والقيمة في حسابات الزمن، فتركن في إحدى زوايا الإهمال، مشكلة مع ما يشاكلها من نتاجات الأدب الهابط، عبئاً مضافاً على ما يثقل صدر الأرض من أطنان الكتب.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح