الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع القطاع العام .. ضد الخصخصة واللصلصة

بدر الدين شنن

2005 / 1 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يشكل الموقف من القطاع العام محوراً أساسياً من محاور الرؤى والبرامج السياسية المتداولة في الظروف الراهنة ، ضمن محددات التغيير الديمقراطي ، بالنسبة للمعارضة ، وضمن محددات مايسمى " التحديث والتطوير " بالنسبة للحكم . وتتقاطع هذه الرؤى باعتبار القطاع العام موضوعاً لاغنى عن إعادة النظر فيه . وعند هذه ال "إعادة نظر " تفترق وتتلاقى الحلول مترددة بين تصفية المعامل الخاسرة والحفاظ على الرابح منها ، وبين تصفية القطاع العام برمته . وقد جاء هذا الموقف من القطاع العام ليس على خلفية الشعور بالمسؤولية تجاه الحالة التي يعاني منها ، بسبب الممارسات الإجرامية التي عومل بها ، من ا ستهتار ونهب وا ستغلال وإفساد، وليس نتيجة العجز من إيجاد حلول تحافظ عليه ، بل جاء على خلفية خيارات " اجتماعية - سياسية " ترفض وجود القطاع العام ذاته في جسم الإقتصاد ، عززه طرح سياسي بعيد عن المصداقية والنزاهة ، مفاده أن القطاع العام من مفرزات وآليات الاستبداد ، وأنه يتناقض مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان ، ويتنافى مع الطبيعة الإنسانية المبنية على المنافسة وحوافز الربح التي تفتح المجال وحدها للإبداع والتقدم الإنساني ، وسرعت به ووضعته على المستوى الأول من الأولويات متطلبات اتفاقية الشراكة السورية الأوربية والتجارة الدولية الحرة واقتصاد السوق .. ومواكبة مسارات العولمة

يقابل هذا الموقف ، موقف شعبي وعمالي بالدرجة الأولى ، حريص على بقاء القطاع العام والعمل على إنقاذه وتطويره ، على خلفية أنه قاعدة " اجتماعية - سياسية " وأنه يمثل أحد أهم المكتسبات إجتماعياً ووطنياً

ومن قراءة جملة الرؤى والبرامج لتحقيق خصخصة العام .. أي تصفيته .. سواء بطريقة متدرجة ، با سم التأجير ، أو الرهن ، أو التشريك ، أو البيع بالمزاد العلني ، تبرز حقيقة أن هذا الموقف ، عدا عن أنه قائم على خلفية "ا جتماعية - سياسية " ، قد جاء مجرداً من تاريخية ومن حيثيات وجود القطاع العام ، ومن إرتباطه العضوي بآليات دور الدولة " الطرفي " في عالم مقسم صناعياً إلى مركز وأطراف ، بعملية التنمية ، ومن شروط القسمة الدولية الإمبريالية الإحتكارية المفروضة عالمياً ، في عمليات التنمية والتحديث والتوزيع على دول الأطراف ، ومنها بطبيعة الحال سوريا ، ومن علاقته بالجانب الإنساني والمصيري للغالبية الساحقة للمجتمع ، ومن تأثيره السلبي بالمطلق على مستقبل البلاد على الصعد كافة

ومن العودة إلى ظروف نشوء القطاع العام يتبين أنه لم ينشأ تعسفياً ضد أو على حساب الرأسمال الوطني ، ولم ينشأ اعتباطاً بقفزة مزاجية في فراغ ، وإنما جاء إنقاذاً للرأ سمال الوطني " للمال العام " ، وتلبية موضوعية لحاجات وطنية ومصالح اجتماعية عليا . وقد بدأ ظهوره مع ظهور السيادة الوطنية عندما تبين للحكم الوطني ، الذي جاء بعد الاستقلال عام 1946 ، أن الاستعمار ظل يمارس دوره في البلاد عبر عدد من المؤسسات ، أهمها البنك المركزي ، الذي يتولى مهمة إصدار العملة السورية ، ومؤسسات السكك الحديدية والحافلات " الترام " والكهرباء والمياه ، ولهذا لم تجد الحكومة السورية بداً من وضع يدها على هذه المرتكزات الإقتصادية الحيوية ، فأصدرت قرارت تأميمها وتمليكها للدولة السورية . ويعتبر امتلاك الحكومة السورية لبنك الإصدار للعملة السورية فعل سيادي وطني بامتياز
في تموز 1960 كان الوضع الإقتصادي يشهد تدهوراً ملموساً ناتجاً عن عملية نصب منظمة كان يمارسها كبار الصناعيين ، تمهيداً لنقل ثرواتهم إلى خارج البلاد . فقد توافد هؤلاء على المصارف السورية الحكومية للإقتراض منها ، وتمكنوا من تهريب ما جمعوه وما اقترضوه من تلك المصارف من أموال إلى الخارج ، وقد بلغ مجموع الرأسمال المهرب ( 800 ) مليون ليرة سورية ، كانت الليرة تعادل الدولار تقريباً ، وكانت الميزانية السورية " الإقليم الشمالي زمن الوحدة مع مصر ( 250 مليون ليرة سورية) وكان من الأهمية بمكان وضع حد لهذه اللصوصية ، فكانت قرارات تموز 1960 التي أصدرتها الدولة بتأميم عدد من المؤسسات الصناعية . وقد بلغ مجموع قيم المعامل المؤممة ( 260 ) مليون ليرة سورية ، في حين كان عليها ديون للدولة قيمتها ( 160 ) مليون ليرة سورية . أي أن قيمة ما تم تأميمه فعلياً80 مليون ليرة سورية فقط
وقد تم توسيع القطاع العام لاحقاً بواسطة الدولة ، إذ قامت الدولة في منتصف الستينات بتأميم خط أنابيب نفط العراق ( التابلاين ) المار عبر الأراضي السورية ، وأنشأت بمساعدة الإتحاد السوفييتي ودول ا شتراكية أخرى عدداً من المشاريع والمؤسسات الصناعية والمرفقية ، في مقدمتها سد الفرات والسكك الديدية وا ستثمار البترول وطنياً ومعمل السماد الآزوتي ومعمل القضبان الحديدية وعدد من منشآت الكهرباء والمياه والخدمات

وتحول القطاع العام مع الزمن ، إلى إطار يضم قوة عمالة تبلغ أكثر من مليون عامل ، وإلى قاعدة اقتصادية هامة في البنية الإقتصادية على مستوى عامة . وإذا كان هناك نواقصاً وأخطاء في إنشاء وإدارة القطاع العام ، فإن ذلك يعود إلى النقص في الكوادر المؤمنة بهذا القطاع الإقتصادي الهام وإلى غياب الديمقراطية والشفافية في أداء مؤسسات وآليات الدولة وفي تفشي الاستبداد الشمولي في المجتمع ، الأمر الذي أفضى إلى الفساد وسوء الإدارة فيه ، وإلى توفر فرص نهبه وا ستحلابه ، من قبل طبقة أهل الحكم ، الذين تولوا شؤونه وسخروه ، مثلما سخروا القطاعات الأخرى ، لمصالحهم وثرائهم ، بدلاً من توظيف دوره إيجابياً في تحقيق برامج التنمية ، والاستناد إليه في عملية نهوض الإقتصاد ، كما أنه يعود إلى النقص في معرفة قوانين التطور الإجتماعي وفي الثقافة الإقتصادية العالية المستوى ، وهذا ما أدى إلى التسرع بإطلاق التسميات والأوصاف " الاشتراكية " على هذه الإجراءات ، التي لم تتجاوز تعزيز ملكية الدولة ، وتحقيق تحول إيجابي في دورها في بلد متواضع القدرات والتطور ، ضمن ظروف عالمية بالغة الإحتكار والظلم ، التي فرضت على بلدان الأطراف الإرتهان الأبدي لهيمنتها وسيطرتها ، وحرمتها من القدرة على المنافسة والمجابهة ، باحتكار التكنولوجيا والرأسمال ، وبالقوة المسلحة

إن ما يعانيه القطاع العام في سورية الآن ، ليس التضخم في حجم العمالة فيه ، ولافي تخلفه التكنولوجي نتيجة الإهمال الإداري والإحتكار الدولي ، ولافي هيكليته الإدارية ، التي ينبغي أخذها كلها بعين الإعتبار جدياً ، كل هذه الأمور ، إن وجدت بقليل أو كثير في مؤسسات القطاع العام لها طرقاً وآليات لمعالجتها ، بل إن ما يعاني منه هو اللصلصة " من اللصوصية " التي اغتنت وأثرت منه وعلى حسابه ، وهي تريد الآن أن تقوم بالتخلص منه حتى لايشكل في اي وقت لاحق معيقاً لمصالحها .. ولوضع الإقتصاد السوري برمته تحت سيطرتها ، في محاولة منها انتزاع دور في مناخات الشراكة السورية الأوربية ، واقتصاد السوق ، واتفاقات التجارة الدولية الحرة ، التي تشترط إلغاءات إقتصادية في البلاد وأولها إلغاء القطاع العام

وتأسيساً على ذلك ، فإن البحث عن حلول لصعوبات القطاع العام ، ينبغي ألاّ يسير وفق رياح الخصخصة ، أي الإلغاء ، سواء الإلغاء السريع التعسفي الدمر للقدرة الإقتصادية للبلاد ولمصير ملايين العائلات المربطة حياتهم المعيشية به ، أو الإلغاء المتدرج الأقل ألماً لكنه يفضي إلى نفس النتائج السيئة ، بل وفق رياح إنقاذه من اللصلصة ومخاطر الخصخصة ، ومحاسبة المسؤولين عن إضعافه ونهبه ، ودعمه بالأكفاء ، وفتح سبل النهوض والتوسع أمامه ، إذ هو الجدار القادر وحده على ا سناد الإقتصاد الوطني وتوفير فر ص التنمية على كل الصعد . وتتحمل كافة القوى السياسية السورية على اختلاف مواقعها المسؤولية الأخلاقية والوطنية في حماية القطاع العام وتعزيزه ، وفي مقدمتها القوى العمالية والنقابية ، التي عليها أن تنزل إلى الشارع إن اقتضت الحالة دفاعاً عن القطاع العام

وبمعنى موجز في غاية البساطة ، إن لم يكن القطاع العام موجوداً الآن ، فإنه ، أمام توحش الرأسمالية العالمية وهيمنتها على العالم ، واحتكار سبل التقدم والتطور أمام الشعوب الضعيفة ، ينبغي أن نعمل على أن يوجد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”


.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و