الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباح أسمر

بديع الآلوسي

2012 / 5 / 1
الادب والفن


هذا النص للكاتب فرانك بافلوف

ترجمه عن الفرنسية : بديع الآلوسي

الأرجل ممددة في الشمش ، أنا و(شاغلي ) لم يشغلنا موضوع بعينه ، تبادلنا ما يجري في رؤسنا من أفكار عابرة ، من دون نعير اي إهتمام الى ما يقوله الأخرون.
لحظات ممتعة ، بينما كنا نرتشف القهوة ، كان الزمن ينساب .
عندها قال لي ، يتوجب عليه حقن كلبه وقتله . هذا الأمر ادهشني ، لكنا لم نطيل التلعيق على هذا الحدث .
في كل الأحوال، محزن ان يشيخ الكلب متألما ً ، انه عاش اكثر من خمس عشرة سنه ، من الضروري قبول فكرة انه سيموت اليوم أو في اي يوم آخر .
قال شاغلي : تفهم ، لم استطع ان امرره ككلب أسمر
ـ (( لا بغادوغ )) ** ليس كثير الألوان ، هل هو مصابا ً باي مرض ؟.
ـ ليس السؤال هنا ، لكنه لم يكن كلبا ً أسمر ، هذا كل ما في الأمر .
ـ اللعنة اذن ، كيف بالنسبة الى القطط ؟
ـ نعم .. الأمر مشابه .
بالنسبة الى القطط كنت على دراية ، الشهر الماضي تخلصت من القطة التي عندي . قطة بلا نسب عريق او سلالة اصيلة ، من اين لها بهذه الفكرة السيئة ، ان تلد قطة بيضاء ببقع سوداء .
حقا ً إن إكتضاظ بالقطط تحول الى حالة لا تحتمل ، وحسب ما يقوله العلماء التابعيون للدولة ، من الأفضل المحافظة على القطط السمراء ، السمراء فقط . كل تحاليل الإنتقاء تبرهن إنها اكثر ملائمة وتكيفا ً مع حياتنا الحضرية ، وإن تناسلها محدود ، وإنها دائما ًتأكل اقل بكثير . بقناعتي ، القطة ماهي إلا قطة ، وهكذا يتوجب معالجة المشكلة على هذه الشاكلة او تلك ، فليكن الإختيار لإزالة القطط غير السمراء .
رجال الامن في المدينة وزعوا مجانا ً كرات الزرنيخ ممزوج بالعجين ، إنها تقبض ارواح البزازين بأقل من دقيقتين .
وحين كنا نتحدث بكل هذا شعرت ان قلبي ينعصر ، بعدها نسينا الموضوع بسرعة .
الكلاب ، موضوعها يثير إنتباهي اكثر قليلا ً ، لا اعرف لماذا ، إحتمال لأنها اكبر حجما ً ، او بسبب إنها رفيقة الإنسان ، كما نقول دائما ً .على اي حال ، شاغلي جاء ليحدثني بصورة عفوية حول ما الذي سأفعله بقطتي ، وانه بلا شك على حق . كثير من الشفقة لا تفضي الى شيء كبير وذي اهمية ، وبالنسبة الى الكلاب ، صحيح من انه بلا شك إن السمراء هي أكثر مقاومة

لم يكن لنا الكثير مما نود قوله ، إفترقنا ، يسيطر علينا تصور غريب ، كما لو أننا لم نقل كل ما هو ضروري . حينها لم نكن براحة تامه .
بعد عدة ايام ، انا من أنبأت شاغلي إن الصحف اليومية للمدينة( المعارضة ) توقفت عن الصدور بما فيها جريدته التي يطالعها كل صباح .
بقى مندهشا ً فاغر الفم . وهو يتناول قهوته الممزوجة بالحليب .
ـ اعتقد ان مؤسسات الصحافة إنهارت بسبب الإضرابات التي اوقعتها بالإفلاس ،
اليس كذلك ؟
ـ لا ، لا ، ان كل ذلك يعود الى قضايا الكلاب .
ـ السمراء ؟.
نعم ، دائما ً ، ولا يمر يوم دون ان يهاجموا على صعيد البلاد كلها ، تمادوا الى حد انهم إتهموا وشككوا بالنتائج العلمية . ،مطالعين الصحف ولا يدرون ما يتوجب عليهم فعله ، حتى إن بعضهم باشر بإخفاء كلاب لابغادوغ !
ـ الصحفيون تمادوا باللعب بالنار .
ـ كما تقول ،إنتهى الامر بالجريدة ان تمنع .
ـ اللعنه .. وماذا عن سباق الخيل ؟.
ـ آه ياصديقي ، لم يعد امامنا سوى ان نأخذ المعلومات من الجريدة السمراء ، يقال إن تعليقاتها جيدة على الريسز والرياضة
لأن الأخرين تجاوزوا الحد ، اصبح من الضروري أن تبقى صحيفة في المدينة ، ليس بإستطاعتتنا ، رغم من ذلك نحن بحاجة ماسة الى المعلومات .
أخذت مرة اخرى في ذلك النهار القهوة مع شارلي ، لكنه اقلقني لأنه بدأ يطالع الأخبار السمراء ، إلا إن زبائن الحانة الذين من حولي يواصلون حياتهم كما مضى وكإن شيئا ًلم يحدث قلت : كان حتما ًقلقي في غير محله.

بعد ذلك جاء دور الكتب التي في المكتبة العامة ، نجد مرة إخرى قصة يشوبها بعض الغموض .
دور النشر التي تنتمي الى نفس الصحافة المحايدة الممولة والتابعة الى اخبار المدينة صاروا مطاردين من قبل القضاء ، وكتبهم تمنع من العرض في رفوف المكتبة العامة . صحيح انه إذا قرأنا جيدا ًماذا ينشرون من كتب نجدها تكثر من كلمة كلب او قطة ، وفي بعض الأحيان كلمة سمراء ، لكنهم لم يربطوا كل ذلك وعلى نحو دقيق بكلمة كلب اوقطة ، بالرغم من كل ذلك ، كان يتوجب عليهم معرفة هذا الأمر ،
قال شاغلي : يجب عدم المبالغة ، أنت تفهم ، الوطن لا تربح شيئا ً بقبولها الإلتفاف على القانون ، واللعب كالقط والفار . ، يجب اضافة أسمر الى الفأرة . قال ذلك وهو يتلفت حوله ، حذرا ً من ان يكون من احدا ً يتلصص على حديثنا .
للإحتياط ، تعودنا ان نضيف أسمر او سمراء بعد نهاية كل جملة او عبارة ، بدى حديثنا اول الأمر مضحكا ً ، على كل حال ، اللغة خلقت لينمو وليس اكثر غرابة من ان بدأنا نستعمل ونردد الأسمر بمناسبة او دون مناسبة ، وبهذا ، حصلنا في الاقل على راحة البال .
حتى إننا إنتهينا بكسب نقود سباق الخيل ، آه ، دون مبالغة ، ليس ربحا ً ذا قيمة تذكر ، على اي حال هو اول سباق أسمر . هذا ساعدنا على قبول سباق الخيل بحلته و نظامه الجديد .

في يوم مع شارلي ، اتذكر جيدا ً ، قلت له أن يمر الى بيتي لغرض رؤية نهائيات كأس الكؤوس ، سقطنا حينها بموجة من الضحك . إذ ليس فقط لأنه اتى مع كلب جديد ، جميل جدا ً ،أسمر من الذنب الى ارنبة الأنف ، بعينين سمراويتين .
قال لي : ترى ، في نهاية الأمر انه اكثر حنانا ً من الآخر ، وأنه يطيعني بإشارة بسيطة بالأصبع او العين ، هكذا ، اعتقد يجب ان لا احول الأمر الى مأساة بسبب كلب لابغادوغ اسود .
حال قوله هذه الجملة عجل كلبه الجديد بالاختفاء تحت الأريكه ، مذعورا ّ كالمجنون ، ولم يتوقف عن النباح ، وكأنه يريد ان يعلن انه لا يطيع سيده ولا اي شخص اخر .
وشاغلي فجأة ً افتهم الموقف .
ـ لا يعقل هذا ، انت ايضا ً غيرت قطتك؟
ـ طبعا ً ، سترى .
في هذه الأثناء ، قطتي الجديدة إندفعت مثل السهم لتتسلق وتلتجىء فوق الدولاب الكبير ، بزون له نظرات ووبر أسمر ، كم اضحكنا كل ذلك . انت تتكلم عن صدفة !
ـ انت تفهم ما يحدث ، أنا دائما ًعندي قطط ،اذن ... اليست جيملة ، هذه ؟ .
رد علي بالقول : انها قطة رائعة .
بعدها ، فتحنا التلفاز ، بينما كنا بزاوية العين نراقب حيواناتنا السمراء .
لم اعرف على وجه التحديد من فاز في المبارات ، لكني اعرف إننا قضينا وقتا ًطيبا ً وحميميا ً ، شعرنا حينها إننا في أمان ، وكأن كل ما فعلناه كان يسير ببساطة ، جعلتنا نشعر إننا اكثر طمأنينة ، وكأن الأشياء تسير بالأتجاه الصحيح مع الأمان الأسمر.
طبعا ً ، فكرت بالطفل الصغير الذي تقاطعت معه بالإتجاة المعاكس للشارع ، والذي كان يبكي كلبه الأبيض ، كلبه الذي مات عند قدميه ، لكن بعد كل ذلك ، إذا إصغى جيدا ً الى ما نقوله له ، بأن الكلاب ليست ممنوعة ، ما عليه سوى أن يبحث عن واحد ٍ بلون أسمر ، حتى لو كليب صغير ، سيجده بسهوله . مثلنا تماما ً ، سيشعر انه ضمن القانون وسينسى بسرعة كلبه القديم .


المدهش ، البارحة أيضا ً ، كنت اتصور اني في أمان على الرغم من كل ما يحدث ، لكن كدت ان اسقط في فخاخ رجال أمن المدينة .
هم يرتدون الأسمر ، لا يتسامحون مع احد ، لم يعرفوني ، وذلك لأنهم جديدون في الحي وما زالوا لم يعرفوا كل الوجوه .
ذهبت الى بيت شاغلي ، اليوم هو الأحد ،حينها و كالمعتاد نلعب القمار في بيته . كنت حاملا ًمعي فقط صندوق صغير من البيرة ، تصورت ، وكما هي العادة ،إننا سنقرع الورق ساعتين او ثلاث ، كل ذلك مع قضم المقبلات .
ما أن وصلت ، حتى إصطدمت بالمفاجأة ، الباب الخاص بشقته قد طار متحطما ً ، وإثنان من رجال الأمن انتصبوا على الدرج ، مبعدين الجيران الفضوليين .
تضاهرت بالذهاب الى الطابق التحتي ، ونزلت عبر المصعد الكهربائي ، كان الناس في الطابق الأسفل يتكلمون بصوت خفيض .
ـ لكن كلبه كان أسمر !، نحن متأكدون من ذلك .
ـ نعم ، لكن ما يقوله رجال الامن ، انه فيما سبق ، كان يملك اسود ، كلب اسود وليس أسمر .
ـ قبل ؟
ـ نعم ، قبل ، اصبح يعد مذنبا ً كل من كان يملك كلبا ً ليس أسمر ، ومعرفة هذا ليس بالأمر الصعب ، يكفي طلب المعلومات من قبل الجيران .
أسرعت الخطى ، تصبب عرقي حتى بلل قميصي ، إذن إمتلاك كلب غير أسمر يعد الان ذنبا ً يحاسب عليه القانون ، سأكون فريسة طازجة لرجال الامن . كل الناس في عمارتي يعرفون ، انه فيما مضى كان عندي قط اسود وابيض ، هذا ما لم يخطر على بالي .

هذا الصباح ، راديو السمر أكد الخير . شاغلي صار بشكل اكيد بين مجموعة الأشخاص الخمس مائة الذين تم إعتقالهم ، هذا لا يعني إذا ما إشترينا حيوان أسمر سنغيير عقليتنا ..قالوا :( إمتلاك كلب او قط غير ملائم يعد ذنبا ً ) حتى إن المذيع أضاف ( شبهة وخطر على الدولة الوطنية) .
وسجلت على نحو جديد بقية الحديث ، حتى إذا نحن لا نملك بصورة شخصية كلب او قط غير ملائم ، حتى لو امتلك احد ما من افراد العائلة ،على سبيل المثال اب او أخ ، حتى لو مرة واحدة في حياتهم ، سيكونون معرضين للمساءلة القانونية على نحو جدي .

لست اعرف اين قادوا شاغلي ؟ ،هم في هذا يتمادون في المبالغة ، وهذاهو الجنون بعينه ، وأنا من إعتقدت قبل حين من الوقت بالأمان و السلامة ، مع قطتي السمراء ،لكنهم إذا نبشوا في الملفات القديمة ، سوف لا ينتهون من توقيف وجر كل مالكي القطط والكلاب .

لم أنم تلك الليلة ، كان يجب ان احاذر من ألسمر الذين الزمونا بقانونهم الجديد حول الحيوانات . بعد كل ذلك ، قطتي هي لي ، ككلب شاغلي ، كان من الواجب علينا ان نقول لا ، بتحدٍ وإصرار اكبر ، لكن كيف قد مر ت الاحداث ، ان كل ذلك مر سريعا ً ، هنالك ما يتوجب فعله ، القلق يتزايد كل يوم ،الاخرون لم يحتجو ، فضلوا الحصول على قليل من راحة البال ..... آه لا ، لا .

، في الصباح الباكر جدا ً طرقوا الباب، هذا لم يحصل من قبل أبدا ً ، شعرت بالخوف ، النهار لم ينهض بعد ، الصباح بعده أسمرا ًفي الخارح .
ـ توقفوا عن الطرق بهذه القوة ، اني قادم .




*الأسمر ( هذا اللون في الذاكرة الأوربية يدلل على صعود الفاشية والنازية )

** لا بغادوغ : كلب كبير اسود لكنه وديع

فرانك بافلوف : كاتب فرنسي من اصل بلغاري ، في نهاية عام2002 قد بيع من الكتاب ما يقرب مليون ونصف نسخة ، حتى اصبح أكثر الكتب مبيعا ً في فرسا ذلك العام .*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى