الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباحثات عن الحرية : إيناس الدغيدى وعمل إبداعى بكل المقاييس

كريم عامر

2005 / 1 / 27
الادب والفن


أتيح لى مؤخرا مشاهدة أخر الأعمال السينمائية للمخرجة المصرية المعروفة إيناس الدغيدى وهو فيلم " الباحثات عن الحرية " ، وذالك بعد طرحة فى دور العرض السينمائى مع بداية عيد الأضحى المبارك ، وكانت الشائعات التى تلوكها الألسنة بشكل مرضى وأخذت فى النيل من هذا العمل ومن مخرجتة - وأغلبها لاأ ساس لة من الصحة - قد إنتشرت بين الجمهور وحتى قبل عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قبل حوالى شهر ، وأخذ البعض يطالب أجهزة الرقابة بعدم إجازة عرض هذا الفيلم ، بل وأخذ البعض يتهم المخرجة بتقديمها مشاهد إباحية ضمن أحداث الفيلم لاعلاقة لها بمحتوى الموضوع إلى آخر هذة الاتهامات التى كانت تكال بشكل غريب إلى الفيلم ومخرجتة نظرا لتاريخها السينمائى المعروف بالجرأة وعدم وضع أى إعتبار للخطوط الحمراء وعادات ومألوفات وتقاليد العرب .
وبعد هذة الموجه من الإنتقادات شديدة اللهجة ، فجر الفيلم مفاجأة من العيار الثقيل بحصول مخرجتة على جائزة أحسن فيلم لموسم 2004 فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الأمر الذى ساهم فى الحد من جدوى الشائعات التى أثاؤها البعض حول الفيلم .
فى البدايه تصطحبنا المخرجة فى جولة مع إحدى بطلات فيلمها - التى تعمل صحفية - فى شوارع باريس 1989، تسير هذة الصحفية ( نيكول بردويل ) حاملة كاميرتها متصفحة وجوة العابرات فيها باحثة عن الملامح العربية المهاجرة الى تلك البلاد التى إنبهر بها قبل أكثر من مائة وخمسين عاما الشيخ الأزهرى المعمم رفاعة رافع الطهطاوى ودفعه فضوله الشديد إلى معرفة الكثير عن أحوال هذه البلاد وأهلها وعاداتهم وثقافتهم وأساليب حياتهم مدونا ذالك كله فى كتابه الذى زاعت شهرته فيما بعد " تخليص الإبريز فى تلخيص باريز " فاتحا بذالك صفحة جديدة من الحوار بين العرب والغرب .
تستوقف أمل - وهو إسم هذه الصحفيه - عددا من الوجوه النسائيه الشابه التى توحى ملامحها بالإنتماء الى الوطن العربى ، طارحة عليهن أسئلة تستفهم من خلالها عن الأسباب التى دفعت بكل منهن الى الهجرة الى هذه البلاد .
تتعدد الإجابات التى تحمل كل منها فى طياتها أسبابا متعدده جعلت كل منهن يفضلن العيش فى فرنسا على البقاء فى بلادهن وإن اتفقن جميعا على سبب واحد يبرر لهن العيش مغتربات فى دولة تحفظ للإنسان حقوقه كاملة وتصون له حريته دون أن يجرؤ أحد أن يمسها بسوء طالما أنها لاتتعارض مع حرية الآخر ، الأمر الذى إفتقدنه فى بلادهن ورحن يبحثن عنه فى تلك البلاد .
تختار لنا المخرجة من ضمن هذه الوجوه الكثيره التى قابلتها بطلتها وجهين آخرين إضافة الى تلك الصحفيه كى تبرز لنا من خلال أسلوب حياتهن مفهومها عن الحريه وكيفية البحث عنها والتمتع بها فى هذه البلاد الحره .
ثلاثة وجوه شابه ، يجمعهن البحث عن الحريه الشىء الذى افتقدنه قبل أن تطؤ أقدامهن هذه البلاد ، وتجمعهم أيضا صداقتهن الحميمه التى تجمع بين كل منهن كنوع من التضامن الإجتماعى الذى يميز النساء فى سائر المجتمعات الإنسانيه .
فالوجه الأول الذى تقدمه إيناس الدغيدى لنا فى فيلمها هو شخصية عايده ( داليا البحيرى ) ، فنانه تشكيليه شابه ، دفعها نجاحها فى بلدها مصر وحصولها على العديد من الجوائز عن أعمالها الفنيه الى التفكير فى السفر الى الخارج حيث فرص النجاح الكثيره المتاحه أمامها هناك ، والإهتمام الكبير الذى توليه الدوائر الثقافيه الفرنسيه للمبدعين الشباب وتشجيعهم على المضى قدما فى إبداعاتهم الفنيه ، ولكن إصطدام رغبتها فى السفر الى الخارج برغبة زوجها فى ابقائها بمصر دفعها الى التضحية به وإرغامها على ترك إبنها الصغير " تامر " وعدم السماح لها بزيارته .
تلتقى عايده فى باريس بالصحفيه اللبنانيه أمل ( نيكول بردويل ) والتى تقوم بتعريفها الى صديقتها المغربية سعاد ( سناء موزيان ) ، سرعان ماتتوطد أواصر الصداقه بين الثلاثى المكون لأبطال الفيلم لتساهم هذه العلاقة فى تفعيل الدور النسائى فى الأحداث الخاصه بكل منهن على حده .
تعمل أمل فى إحدى الصحف العربية التى تصدر فى باريس ، وقد هلجرت أمل الي فرنسا هربا من جحيم الحرب الأهليه الذى يجتاح بلدها لبنان - فى ذالك الوقت - وهربا من الجحيم الذى عاشته عقب إختطاف الشاب اللبنانى الذى أحبته على يد الميليشيات المسلحة هناك .
تقوم أمل بتحرير الصفحة الفنية بالصحيفة ويشاركها فى العمل زميلها المصرى كمال ( هشام سليم ) وزميل سودانى يدعى عبد الله .
يقوم بتمويل الصحيفة بشاره أبو زعتر أحد زعماء الحرب اللبنانيين والمعروف بإنحرافه الجنسى وملفاته القذره ، ويطلب منها رئيس التحرير مقابلة هذا الزعيم وتتردد أمل فى البداية بين القبول والرفض بعدما علمت من كمال الهدف الذى يرمى اليه رئيس التحرير من مقابلتها لبشاره .
تتوطد العلاقة بين أمل وكمال وتتحول الى نوع من الحب المتبادل بينهما وإن كدر صفو هذه العلاقة - أحيانا - ذكريات حبيبها اللبنانى الذى لم تعد تعلم عنه شيئا بعد إختطافه الحرب ، إلا أنها سلمت بعد ذالك بمقتله وتمسكت بحبها لزميلها كمال .
يستقر رأى أمل - بعد إلحاح رئيس التحرير - على مقابلة بشاره إيمانا منها بقدرتها على مواجهة الرجل وعدم قدرته على الإيقاع بها ، وبالفعل تذهب اليه أمل وتقابله وتتضح لها صورا من الخسة والحقارة الصفتان الملازمتان لهذا الرجل الذى حول الصحيفة بأمواله الى بوق دعاية له من جهة ، كما حولها الى ماخور يستجلب منه متعته الخاصة من جهة أخرى .
عندما تعود أمل مكن من المقابله ، وعند مرورها بالسياره على برج إيفل تنهار قواها عندما تشاهد جثة زميلها السودانى عبدالله ملقاة أسفل البرج بعد إنتحاره من فوقه إحتجاجا على تصرفات رئيس التحرير الذى تحول إلى قواد يلبى الرغبات الدنيئة لممول الصحيفه .
تؤثر هذه الحادثة على نفسية أمل وتجعلها ترفض مقابلة بشاره وتزداد عندا وتعنتا إصرارا على موقفها برفضها الرد على مكالماته الهاتفيه مما جعله ينتقم منها بأن إستدرجها إلى مكان مظلم وإغتصبها بمساعدة آخرين قبيل أن يطلق الرصاص على قدمها .
أما الوجه الثالث الذى تقدمه لنا المخرجة فهو شخصية سعاد الفتاة المغربية التى لم تتلق قدرا كافيا من التعليم وأجبرتها ظروفها على الهجرة الى باريس والحياة فى شوارعها كبائعة للهوى قبيل أن تتلقفها يد أحد أصحاب المحلات التجاريه الذى ينتمى الى احدى دول الشمال الإفريقى ( على حسب مايتضح من لهجته ) ويجعلها تعمل عنده ثم يضمها الى أملاكه الخاصه بالحد الزائد من حريتها وإستغلالها جنسيا فى متعته الناقصه وهو الكهل العنين .
تتعرف سعاد على عايده عن طريق صديقتها امل وتتوطد أواصر الصداقه بينهما عندما أعجبت عايده ببعض ملامحها التى رأت أنها تصلح للوحه فنيه ، وإستأذنتها أن تقوم برسم لوحات لها إلا أن الفتاه تحتج بأن صاحب العمل لايسمح لها بالذهاب لمدة طويله ، فتذهب عايدة اليه وتنجح فى إقناعه بالأمر مما يجعلها تخلو بسعاد عدة ساعات يوميا تتمكن فيها من رسم بعض اللوحات لها ومعرفة المذيد عنها .
تنشأ قصة حب بين سعاد وروجيه - الشاب الفرنسى الذى يعمل فى المحل المقابل - إلا أن لقاءاتهما تصير شبه مستحيلة لأن صاحب العمل كان ينهرها كلما شاهدها تقف معه مما جعلها وبناءا على نصيحة صديقتيها أن تطالب الرجل بإعطائها حقوقها وقامت بالضغط عليه حتى وافق أن يحرر لها شيكا بمبلغ مالى لا بأس به .
ويقيم لها الرجل حفلا تدعو اليها صديقاتها وتظهر موهبتها الغنائيه فى الحفل عندما تغنى إحدى أشهر أغانى الراحلة أسمهان ( ليالى الأنس فى فيينا ) مما دفع أحد المنتجين الفنيين الذى كان متواجدا أثناء الحفل إلى أن يهمس لها فى أذنها عن استعداده لاكتشافها فنيا إن أرادت ، وسرعان ماينتهى شهر العسل بين سعاد وصاحب العمل بعدما قام بسرقة الشيك منها وطردها من شقته بصورة مهينه .
تلجأ الفتاة إلى المنتج المصرى الذى وعدها باكتشاف موهبتها وجعلها أميرة الغناء فى باريس وتنجح سعاد فى عملها الجديد ، إلا أنها تفاجىء بأن المنتج يستغلها جنسيا بتقديمها الى الأثرياء العرب فترفض هذا الوضع مما يدفع المنتج الى محاولة إغتصابها قبل أن تهرب من بين يديه .

تتفاعل الأحداث وتربط المصير المشترك للثلاثى الباحث عن الحريه فى بلاد سمعوا عنها الكثير من إحترام لحرية الإنسان وصون لحقوقه الأمر الذى افتقدوه فى بلادهم وذهبوا للبحث عنه فيما وراء البحار .
تتعرف عايده على مهندس مصرى يقيم فى باريس يدعى عمر ( أحمد عز الدين ) ، وتتطور العلاقة بينهما من إعجاب منه بإحدى لوحاتها إلى دعوتها على العشاء الى حب جارف ربطها به وجعلها تفكر - بحكم انتماءه الى مصر - فى بلدها وفلذة كبدها الذى خلفته هنالك مع مطلقها .
تفكر عايده فى العودة الى مصر وتخبر عمر بذالك فيحاول عمر أن يثنيها عن عزمها إلا أنها تعده بالعودة سريعا بعد حصولها على طفلها .
تعود عايده الى مصر وتلتقى طفلها " تامر " الذى تعرف عليها سريعا وتعلق بها كثيرا الأمر الذى ساهم فى الضغط على والده وجعله يستسلم لها تاركا الطفل يذهب معها .
وتلجأ سعاد فى اللحظة الأخيره الى حبيبها روجيه وتنتهى قصتها أو بمعنى أدق تبدأ الصفحة الجديدة من حياتها بمفاجأة ساره عندما تكتشف أن حبيبها من أصل جزائرى وأن والدته مسلمة جزائريه ، وينتهى دورهما بقراءتهما سويا لسورة الفاتحه تمهيدا لبدء حياتهما الجديدة معا .
أما أمل فتفاجىء بسفر كمال الى لبنان بعد استبعاد رئيس التحرير له من عمله دون أن تعلم السبب المباشر عن إختياره للبنان بالذات ويعدها قبل سفره بأ يكون معها عندما تريده .
وعندما تشفى من الرصاصة التى أطلقت عليها تقرر الإنتقام من بشاره وتذهب اليه بعدما أظهرت خضوعها له مبيتة النيه على التخلص منه ، وفى غمرة ممارسته للجنس معها تخرج مطواة من حقيبتها تضع بها حدا فاصلا لحياته ، ثم تخرج من حجرته شبه متماسكة وهى تخبر الحراس بأن زعيمهم نائم ويرغب فى أن لايوقظه أحد ، ثم تطلب من سائق السيارة أن يوصلها الى مطار شارل ديجول .
تعود أمل الى لبنان وتلتقى هناك بكمال ، وتذهب الى الكنيسة برفقته دون أن تعلم شيئا عن المفاجأة التى أعدها لها هناك وهى السبب الذى جعله يعود الى لبنان حيث قدم لها حبيبها الغائب الذى افتقدته فى غمار الحرب الأهليه .
تقف أمل حائرة بين كمال وبين حبيبها الذى إلتقته بعد غياب وتنهى المخرجة فيلمها على هذا المشهد التى تظهر فيه بطلتها حائرة بين حبيبيها تاركة لها حرية المفاضلة والاختيار فيما بينهم .
ركزت المخرجة على أهداف رئيسية أرادت أن توصلها الى الأذهان عن طريق أحداث الفيلم ، فهى ترى أن الحرية لا تتقيد ببعد جغرافى معين وانما يجب أن تكون نابعة من داخل الشخص الذى يبحث عنها .
وتقدم المخرجة توضيحا عمليا لإحدى وجهات نظرها عن العلاقة بين أسلوب ممارسة الجنس وأسلوب الحياة الذى يعيشه الشخص ، فهى تظهر أمل التى تعرضت لأنواع كثيرة من العنف خلال حياتها عنيفة مع شركائها أثناء ممارستها للجنس معهم ، بينما الفنانة عايده هادئة الطباع تظهرها تمارس الجنس بصوره هادئه تعبر عن طبعها الهادىء وحياتها المستقره ، فأسلوب ممارسة الجنس يعد مرآة لحياة كل شخص يمكن من خلاله معرفة أسلوب حياته وكيفية تفاعله مع الآخرين وقد تكون معبرة عما يجول فى خواطره وأعماقه دون أن يصرح هو بذالك ، فالجنس - فعلا - هو لغة يمكن التفاهم بها بين الشريكين عندما يعجز كل منهما عن الإفصاح عما فى داخله تجاه الآخر .
أما بالنسبة لمشاهد الجنس التى وردت ضمن أحداث الفيلم فإن الاعتراض عليها لمجرد انها مشاهد جنسيه يعد نوعا من وضع العراقيل أمام الأسلوب الذى يتبعه المخرج فى التعبير عن الرسالة التى يريد أن يوصلها من خلال الفيلم ، ومشاهد الجنس فى الفيلم لم تضعها المخرجة عبثا أو لجذب أكبر عدد من الجمهور الى شباك التذاكر - كما يدعى البعض - وإنما هى موظفة ضمن أحداث الفيلم وتخدم السياق الذى تقدمه لنا المخرجة فى الفيلم وإذا تم حذف هذه المشاهد من الفيلم فإنه سيصبح بلا معنى مفهوم لربطه بين الأحداث الرئيسيه فى الفيلم .
وتقدم لنا المخرجة صورة مؤسفة للأسلوب الذى يتعامل به العرب مع المكان الذى هاجروا اليه ، فهم لم يكتفوا بنقل أنفسهم الى هناك وإنما نقلوا معهم بعض أمراضهم المعدية التى جائوا بها معهم من المشرق العربى ، ويتضح هذا جليا فى المتاعب التى تعرضت لها كل فتاة من هؤلاء ، فجميع هذه المتاعب كان السبب الرئيسى فيها بعض أبناء جلدتهم من العرب ، بينما على العكس من ذالك تماما نجد الفرنسيين يمدون لهم يد العون ويساعدونهم على الترقى فى سلم الإبداع ويهنئونهم على نجاحاتهم التى حققوها هناك .
فالفيلم تجربة فريدة من نوعها بل هو مغامرة ناجحة خاضتها مخرجته فى جو خانق من افلا التردى الفكرى التى تسيطر على الساحه الفنيه حاليا ( اللمبى وعوكل وزكى شان وخلافه ...) ، وهو كذالك يعد كسرا للتابوهات العتيقه التى تقبع فى داخلها السينما العربيه التى يحرم عليها الاقتراب من الثلاثى المحرم الدين والسياسة والجنس ، فايناس فى فيلمها هذا إستطاعت تجاوز جميع الخطوط الحمراء ضاربة بمقص الرقيب وسلطة الحاكم وتقاليد العرب عرض الحائط .
ختاما : أهدى كل تحياتى الى الفنانة الكبيرة والمبدعة العظيمه إيناس الدغيدى متمنيا لها دوام التوفيق والاستمرار فى مشوارها الابداعى وأن نرى أعمالها دائما تتصدر قائمة الأعمال السينمائية معبرة بواقعية وصدق عما يجول فى خواطرنا وما تسرح فيه أخيلتنا كما عهدناها دائما .
عبدالكريم نبيل سليمان
الاسكندريه فى : 26/1/2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-