الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليحرقونا جميعًا.. إن استطاعوا

محمد عاطف

2012 / 5 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أيام قليلة وينظر قاضي الاستئناف مسألة سجن 8 من شباب الثورة لمدة سنتين بتهم شغب واعتداء على الشرطة لفقتها أجهزة العادلي لهم، عقابًا على التضامن مع الأقباط ضد مرتكبي مذبحة كنيسة القديسين في مطلع عام الثورة 2011.
تم الحكم في هذه القضية يوم 29 مارس الماضي بالسجن سنتين لكلًا من النشطاء الثمانية، رغم توقع الجميع بحفظ تلك القضية التي أصبح لا محل لها بعد الثورة، وبعد أن قامت عدة أبواق إعلامية بتكريم عدد من الشباب المتهم فيها، إضافة إلى عدد من الأحزاب السياسية، والكنائس المصرية إيمانًا بدورهم. لكن القاضي رأي أن هؤلاء لا يمثلون شباب الثورة، بل يجب معاقبتهم حتى يصبحوا عبرة لغيرهم ممن يريدون المساس بسلمية الثورة المجيدة!
بدأت القصة مع الساعات الأولى لعام 2011 عندما انتحبت مصر بأكملها ألمًا على قتل أكثر من 26 مصريًا لم يقترفوا ذنبًا سوى وجودهم في كنيستهم يصلون إلى خالقنا جميعًا من أجل السلام والمحبة. أنفجرت عبوة ناسفة أمام دار عبادة لمواطنين كانوا يستقبلون عيدهم المجيد، وكل منهم لديه أحلامه وأمله في أن يأتي العام الجديد على الجميع بكل خير.
هرع أبناء القاهرة جميعًا لحي شبرا العتيق – ذي أغلبية السكان الأقباط- يعزونهم ويعلنون للأيد المجرمة أن المصريين جميعًا يرفضون الغدر والاعتداء على المصلين أيًا كانت عقيدتهم. وعلى مدى يومين انتشرت مظاهرات واحتجاجات أبناء مصر مسلمين ومسيحيين في كل الشوارع تندد بالقاتل، وتستجير بالعدالة.
نظم عدد من الحركات الشبابية وقفة احتجاجية أمام كنيسة مسرة للتضامن مع جراح بلد بأكمله، لتكون تلك الوقفة بمثابة درع بشري من أبناء الوطن الواحد دفاعًا عن حرية العقيدة ومناهضةً للتمييز الديني والطائفية. وكعادة أمن العادلي - الذي لم تكن له وظيفة سوى حماية النظام ورموزه، وليذهب أبناء مصر فيما عدا العصابة الحاكمة إلى الجحيم- تم التضييق على الوقفة الاحتجاجية التي لم يكن بها أكثر من 150 متظاهرًا بمئات من جنود الأمن المركزي والعمليات الخاصة، ومخبري وضباط أمن الدولة.
ثم بدأ التعامل العنيف مع المظاهرات التي عمت الحي العتيق، وعلى رأسها الوقفة الاحتجاجية أمام كنيسة مسرة التي كانت تهتف " عاملوا مريم زي فاطمة.. تبقى دي هي المواطنة" و " أمن الدولة علينا كبير.. كنتوا فين ساعة التفجير"، وانهال جنود الأمن المركزي على المحتجين - الذين كان بينهم نساء وأطفال ومسنين- بالعصي والهراوات، إلا أن الشباب تلقى الضربات بصمود شديد ونجحوا في تأمين الأطفال وكبار السن من ضربات الأمن الغليظة؛ حتى حلت ساعة انتهاء الوقفة التي حاول أمن العادلي ممارسة لعبته الأثيرة بها أيضًا، عن طريق التحريض على الفتنة الطائفية بإشاعة أن الوقفة بها مسلمين مندسين، فما كان من الأقباط المتواجدين بالوقفة إلا الدفاع عن إخوتهم المسلمين، والاستبسال في منع الأمن من القبض عليهم هاتفين " مش ماشيين مش ماشيين.. غير مع إخواتنا المسلمين". ولم تفلح محاولات الوقيعة، بل لم تفلح مساعدة أحد رجال الدين للأمن بإقناع الشباب المسيحيين بالتخلي عن إخوتهم تحت إقناع الأمن له أن النشطاء المسلمين أرادوا إستغلال غضب الأقباط من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وتحمل الشهيد مينا دانيال (رحمه الله) ثمن دفاعه عن أصدقائه ضربًا وإهانة حتى امتزعت ملابسه ليفاجأ من كانوا يضربونه بوشم السيد المسيح على ذراعه فيتسائلون " مسيحي وبتدافع عنهم" فيجيب مينا بشجاعته المعهودة: " مسلمين وأصحابي وأشرف منكم".
تم اصطحاب الأربعة نشطاء إلى قسم شرطة روض الفرج، لينضم إليهم بعد قليل أربعة شباب أخرين تم القبض عليهم من المظاهرات الأخرى بباقي شبرا ليلاقي الثمانية ليلة عصيبة في زنزانة لم تكفيهم جميعًا للجلوس بها، ثم صباح باكر يليها عبارة عن حفل تعذيب استمر طوال الطريق إلى سراي النيابة، والذي لم يتوقف حتى في زنزانة النيابة وتحت سمع وبصر القائم بالتحقيق، ومع منع المحامين من محاولة الاطمئنان على صحة موكليهم أو إعطائهم ماء وطعام بعدما يقرب من 14 ساعة مرت على الشباب الثمانية يعانون في زنزانة ضيقة وقذرة من الجوع والبرد والعطش.
بعد ذلك تم عرض الشباب الثمانية واحدًا تلو الأخر على وكيل النيابة، ثم تم عرضهم على الجنود الذين ادعوا تعرفهم على الشباب، في عرض لاقانوني يشوبه التواطؤ ومحاولة إلباس التهمة بالنشطاء الثمانية. وبسرعة خاطفة أمر وكيل النيابة بمثولهم أمام محاكمة عاجلة.
لكن لم تكن الصورة بمثل هذه القتامة، فأمام كل ذو سلطة بائع لضميره، هناك قاض عادل لا يرضى إلا أن يكون الحق هو السائد، ليأمر القاضي بإطلاق سراح النشطاء الثمانية على ذمة القضية.
نصح كثيرون الشباب الثمانية بعدم استئناف نشاطهم إلا بعد الاطمئنان على البراءة، إلا أن الثورة كانت على الأبواب وكان شباب مصر جميعًا على استعداد للموت في سبيل الحرية وليس فقط السجن. وقامت الثورة وتم نسيان القضية تمامًا بل وتم تكريم النشطاء الثمانية من عدة جهات على مواقفهم النضالية قبل الثورة.
لتظهر المفاجأة أن القضية لم تحفظ وتم ندب قاض جديد لها أمر بعد تأجيل جلستين بالسجن عامين وغرامة مائتي جنيه لكل منهم!
إن شباب الثورة يعانون تلك الأيام أكبر حملة تشوية وانتقام تقوم بها الثورة المضادة التي لازالت تعشش في كل المؤسسات، لكن الثورة أمل في الحرية والعدالة والكرامة لكل الفئات المضطهدة والمقهورة من عمال وفلاحين وبدو ونوبيين وأقباط، ولن يستطع أيًا من كان قتل الأمل أو سجنه. فليستسلم أذيال النظام للأمل أو ليحرقونا جميعًا.. إن استطاعوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو