الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الومضة حتى الومضة قراءة في مجموعة حربيات للقاص مشتاق عبد الهادي

علي متعب جاسم

2012 / 5 / 3
الادب والفن


تبدو مجموعة "حربيات "لمشتاق عبد الهادي الصادرة عن دار الينابيع في سوريا 2011 حاملة نبرة السرد وتقنياته المتالفة بين القراء فهي نمط من الكتابة يشتغل ضمن رؤية تقارب في مفهومها الشعري "من حيث البنيةواللغة"الى السردي بالقدر نفسه .ومن هنا تحملنا هذه النصوص لمقاربتها اجناسيا اولا ثم تركيبيا ثانيا .
تحمل هذه النصوص عنوانا رئيسا "حربيات" يعلوه مباشرة عنوان يوجه القراءة ويشير الى النمط الكتابي الذي تتخذه النصوص "ومضات قصصية" وهو اذ ذاك يبادر الى الذهن مسترجعا الومضة الشعرية او ما تعارف عليه النقد الحديث بقصيدة الومضة وهو نمط من البناء الفني لقصيدة النثر يقوم على اسس بنائية تتخذ التكثيف الشديد للعبارة واللغة المقتصدة وفي اغلب الاحيان تقوم على المفارقة باتخاذ الضد او كسر التوقع او رصد اللامالوف .
وعلى الرغم من ان هذا النمط من البناء في قصيدة النثر اخذ مصطلحات اخرى غير الومضة وربما مفاهيم اتسعت قليلا عما ذكرنا كقصيدة الجملة او قصيدة الصورة او التوقيعة وربما غيرها مما لايعنينا كثيرا الخوض فيهاالا اننا وكما تدعونا هذه النصوص الى اصطلاح "القصة الومضة"التي تقف في تواز مع القصيدة الومضة وهو مؤشر مهم للكاتب تجاه تجريبيته في الكتابة ,وبالوقت ذاته فان مايعنينا في هذا المقال محاولة بيان مسافة التوازي التي تقف بها القصة الومضة عن القصيدة الومضة من جهة وبيان العلاقة التي تربطها بنائيا بالاقصوصة بوصف الاخيرة سردا له خصوصيته التي لاتبعده عن جنسه الام الذي تمخض عنه .
ففيما يخص الاولى نتلمس خط التوازي قائما بالدرجة الاساس في التعامل مع اللغة .ان في القصيدة الومضة تساميا في القول ياخذ بعده بالانزياح التركيبي او الدلالي كقول خزعل الماجدي
"انت زخة ضوء ....تركتها الشمس دون ان تدري "
هذه الجملة المقتضبة الى حد ما تقوم شعريتها اساسا على قوامين يتعاضد احدهما ليدفع الاخر بالاتجاه نفسه ,فزخة الضوء صورة مكتفية بذاته ولكن لاتحقق بعدها الجمالي من دون ان تدفع الجملة الاخرى متعاضدة معها مخلفة ايقاعا محسوسا ودفقة شعورية تتملك حس القارئ وتدهش ذهنه سريعا لايجاد نمط العلاقة القائمة بين الاثنين . وربما كان اللاتوقع هو العمود الفقري الذي يجمع كل قصائد الومضة فضلا عن اللغة الشعرية التي تنتظم عموديا وتتلاقى افقيا من خلال محوري الاختيار والتوزيع ,في حين ان القصة الومضة وان كانت تتلاقى مع الاولى في كونها دفقة شعورية واحدة الا انها تتوسل بناءها بلغة سردية تنتظم في اغلب الاحيان افقيا ولذلك تمتد الى اطول وتعنى برصد التفاصيل في بعض الاحيان بغية اكتمال الحدث او لنقل ايماض الحدث .
يقول في نص "حلم "
عندما صحا من النوم اخبر الجميع بانه قد مر الليلة الفائتة بكابوس مخيف حين حلم بانه يتمتع بكامل قواه العقلية ".

نلاحظ صيغة الاخبار عن الحدث اتخذت من اللغة المباشرة سبيلا ولكن هذه اللغة غير المقتصدة بذاتها عبرت اوتركت للقارئ الفسحة لاشغال المساحات الفكرية التي يستعيدها القارئ وفقا لتجاربه وحيوية قراءته .
القصة لم تفصل الحدث وانما اومضته ايماضا .
في نص "ظلام "
ليس ثمة بصيص ضوء في المنزل غير مشعل الحطب الذي تعد زوجته الطعام عليه وحين احس بانه يخالف "طقوس الظلام "ردم المشعل وفضل الموت جوعا وسط عتمة لذيذة "
هذا مثال اخر نلاحظ فيه طبيعة اللغة ,انسياب سردي واضح ومباشرة في التركيب ودلالة مطابقة تكاد تكون تامة فضلا عن الطول النسبي في الجمل ,الا ان هذه الجمل المتتابعة تومض بفكرة هي التي تستكمل الحدث وتستكمل بالتالي المشهد .
لايمكن ان نتغافل عن بنية المشهد الذي تنتهي به القصة الومضة فهي تشكل صورة ما يقربها الى القصيدة ولايمكن ايضا عدم الاشارة الى اسلوبية المفارقة التي تعتمدها كلا الجنسين لتحقيق الومضة المدهشة ,فاغلب نصوص عبد الهادي اعتمدتها سلوكا اسلوبيا ولانستغرب ذلك في تشهده الساحة الابداعية من انفتاح الاجناس على بعضها وتطعيم بعضها ببعض بغية انتاج نصوص تتلاءم وطبيعة ذائقة العصر مما يحفزنا الى القول ان ما من نمط ابداعي يظهر الا وفق نسق اجتماعي ومعرفي يستقر .
وحين نحاول رسم الحدود بين الاقصوصة وبين القصة الومضة فان فيها مما تشترك فيه اكثر ربما مما تختلف ذاك ان الحدث القائم على الفكرة المجردة والعرض الموجز المكثف للحدث فضلا عن الشخصية هي كل مشتركاتها الا ان الاقصوصة لا تنفرد بعالم يحتاج الى ملء الفراغات التي تحتويها القصة الومضة افضاء للتامل واستكمالا لبنية الحدث الذي يشترك في انتاجه القارئ مثل الكاتب على حد سواء .
في نص"صدأ"
بعد طول صمت وخمول حاول التكلم والنهوض فجاءه صوت صرير انبعث من مفاصل قدميه وفكيه فعاد لصمته وخموله بعد ان ادرك بان الصدا قد داهمه " وفي نص"شهادة "منحته احدى الجامعات اللندنية شهادة الماجستير في المسرح وارسلته الى وطنه حيث لم تكن بانتظاره خشبة او ستارة او ممثلون ..لم تكن بانتظاره غير عربة مكللة بعشرات الاحذية الرديئة وسط مسرح كبير من الفوضى ..اذ..لامخرج يننظم الادوار على خشبة السوق الرديئة" .
هذان النصان كما هي الباقيات ادانة للواقع ورفض لتجلياته المره على مستوى المضمون والافكار ,وما يلاحظ ان كل النصوص تعتمد تقنية اخراجية واحدة يقف الراوي في بزاوية لرسم المشهد من خلال شخصية لايبوح باسرارها سوى فعل واحد يؤطر الحدث . يتماهى الزمان بالمكان واحيانا يترك في فضاء غير محدد فالكاتب تتغلب عليه شجاعة الكتابة واعني بشجاعة الكتابة الا يحيط ابداعه الا بما ينتهي اليه ذلك الابداع من ايجاد الشكل المناسب له ,ذاك ان الابداع يخلق شكله التعبيري ومرمزاته وتقنياته من عمق تجربته ونوعها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساءك ورد
حيدر مزهر يعقوب ( 2012 / 5 / 3 - 19:38 )
تحليل رائع يا دكتور علي وإن أحتاج الى أن أقف معك كثيرا ...عند مواقع عدة من ورقتك النقدية هذه...ولكن أهم من ذلك ....هل بالإمكان أن نقول أن مشتاق قد أتى بمصطلح القصة الومضة؟...أم أن هذا البناء موجود أصلا ؟


2 - رد
مشتاق عبد الهادي ( 2012 / 5 / 3 - 21:00 )
استاذي وصديقي الدكتور علي متعب
انا شاكر لك كل هذا الجهد الذي اجده قراءة وافية لمجموعتي تقبل شكر واسفي على عدم اشتراكك في احتفالية المجموعة تقبل فيض من محبتي واحترامي

اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا