الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا قالت لي رفيقة ( البرتو مورافيا )

نهاد عبد الستار رشيد

2012 / 5 / 3
الادب والفن


قبل انتصاف سبعينات القرن الماضي بقليل بدأت اتردد على المسرح التجريبي الجديد في روما ( دللا مادالينا ) الذي كان يدار من قبل النساء فقط , وهناك تعرفت على ( داتشا مارايني ) ، رفيقة الكاتب الأيطالي المشهور البرتو مورافيا ، وهي واحدة من أشهر كتاب وكاتبات ايطاليا في الفترة المعاصرة . انها ابنة الأميرة الصقلية توبا تزيا ألياتا دي سالاباروتا .
اعمالها التي تستفز الفكر ، تتركز على القضايا النسوية . اذ كانت وما تزال تطالب بقوة بالمساواة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والقانونية بين الجنسين ، فتناولت في اعمالها قضايا الأجهاض ، والعنف الجنسي ، والنشاط الجنسي الأنثوي ، والعلاقات القائمة بين الأب وابنته والأم وابنتها .
درست مارايني في بالرمو وفلورنسة وروما ، وبدأت عملها الأبداعي في كتابة المقالات الصحفية في المجلات الأدبية وقد شمل الرواية والشعر والمسرحيات والأعمال السينمائية والصحفية .
داتشا مارايني ( 1936 – الحاضر ) هي واحدة من أفضل الكاتبات الأيطاليات المعاصرات وأكثرهن غزارة في الأنتاج وحصولا على الجوائز . ولدت في ( فيسولة ) بالقرب من فلورنسة . عندما كانت طفلة انتقلت عائلتها الى اليابان في عام 1938 هربا من جحيم الفاشية الأيطالية . في اليابان تمّ اعتقال عائلتها أثناء الحرب في معسكر اعتقال ياباني خاص بالمعتقلين السياسيين من سنة 1943 حتى سنة 1946 لرفضها الأعتراف بالحكومة العسكرية ولمواقف ابويها المعادية للفاشية . بعد الحرب ، عادت العائلة الى ايطاليا وسكنت في صقليا مع عائلة امها في مدينة باريا في مقاطعة باليرمو ... بعد فترة ليست طويلة ، انفصل ابواها وانتقل ابوها الى روما حيث التحقت به داتشا مارايني بعد عدة سنوات ، عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها . درست البنت داتشا في باليرمو ، وفلورنسة وروما ، وبدأت عملها ككاتبة مقالات في المجلات الأدبية .
تزوجت لوتشيو بوزي ، وهو رسام من ميلانو ، لكنهما انفصلا بعد أربع سنوات . أصبحت بعد ذلك مرافقة البرتو مورافيا ، وعاشت معه من سنة 1962 حتى سنة 1983 .
في سنة 1966 قام كل من مارايني ، ومورافيا ، واينزو سيشليانو بتأسيس شركة ( دل بوركو سبينو ) للأعمال المسرحية التي قامت بانتاج المسرحيات الأيطالية الجديدة . وتضمن منهاجها عملها الخاص الموسوم ( العائلة الأعتيادية ) ، وعمل مورافيا المعنون ( المقابلة ) ، وعمل اينزو الذي يحمل عنوان ( فنجان ) ، بالأضافة لأعمال ( كارلو أميليوجادا ) ، و ( جوفردو ) ، و ( جوان رودولفوولكوك ) و ( توما بووني ) .
نشاطها الأنتاجي الهائل والأكثر رواجا وانتشارا في ألأسواق ، شمل الكتابة الأبداعية من رواية وشعر ومسرحيات وصحافة وعمل سينمائي , كما شمل العمل الدؤوب والفعال لتحقيق المساواة بين الجنسين على جميع الأصعدة . أعمالها النثرية التي حازت العديد منها على جوائز رفيعة المستوى ، تشمل الأدب القصصي وغير القصصي والقصص الخاصة بالسيرة الذاتية ، مثلا : ( عصر القلق ) 1963 ، و ( ذكريات لصة ) 1972 ، و ( امرأة في حرب ) 1975 ، و ( قطار الى هلسنكي ) 1981 ، و ( رسائل الى البحرية ) 1984 ، و ( ايسولينا ) 1985 . من أعمالها الحديثة ، ( العمر المديد لماريانا اوكريا ) 1990 ، و ( باريا ) 1993 التي تبرز فيها ملامح الحياة الصقلية وارتباطاتها الوثيقة فيها ، و ( أصوات ) 1994 ، وهي قصة بوليسية تتناول المساواة بين الجنسين ، و ( مهمة سرية على سطح المركب ) 1996 ، وهي تتناول الأجهاض والأمومة .
شاركت مارايني في تشكيل بضع مجموعات مسرحية ، وأسست مسرح مادالينا التجريبي النسوي في روما في سبعينات القرن العشرين ، وكتبت أكثر من ثلاثين مسرحية ، كما أنها أنتجت بضعة مجلدات شعرية خلال السنوات ( 1966 – 1991 ) ، فازت مارايني بالعديد من الجوائز ، منها على سبيل المثال ، جائزة ( الفورمنتور ) عن عملها ( عصر القلق ) 1963 ، وجائزة ( البرميو فرجينة ) عن عملها ( ايسولينا ) 1985 ، وجائزة ( البرميو كامبيللو ) و ( جائزة كتاب العام ) عن عملها ( العمر المديد لماريانا اوكريا ) 1990 ، وجائزة ( البرميو ستريجا ) عن عملها ( العتمة ) 1999 .
قائمة أعمالها الأبداعية شملت :
1 ) رواية ( العطلة ) 1962
2 ) رواية ( عصر القلق ) 1963
3 ) رواية ( ذكريات لصة ) 1972
4 ) مسرحية قصيرة بعنوان ( الشريرات ) 1973 ، وهو عمل مسرحي يتألف من مزيج من الحوار والرقص والغناء يهدف للسخرية من الأحداث الجارية والأزياء السائدة
5 ) ( بناتي ) مجموعة شعرية صدرت سنة 1974
6 ) ( زوجي ) 1974
7 ) ( امرأة في حرب ) 1975
8 ) مسرحية ( ماريا ستواردا ) 1975
9 ( هيا التهمني ) مجموعة شعرية صدرت سنة 1978
10 ( غريبة الأطوار ) 1978
11 ) ( ايسولينا ) 1985
12 ) ( العمر المديد لماريانا اوكريا ) 1990
13 ) ( تطواف في طريق الثعلب ) 1991 ، وقد فازت بجائزتين رفيعتي المستوى
14 ) ( فيرونيكا ، مومس وكاتبة ) 1991
15 ) ( باريا ) 1993
16 ) ( أصوات ) 1994
17 ) ( حلوة لنفسها ) 1997
18 ) ( لو احب كثيرا ) 1998
19 ) ( العتمة ) 1999 وهي مجموعة قصصية
20 ) ( مجموعة مسرحيات من 1966 حتى 2000 )
21 ) ( الحمامة ) 2004
في أول لقاء طويل لي مع الكاتبة الأيطالية الشهيرة داتشا مارايني كان في مسرح مادالينا التجريبي النسوي في روما ، ألفيتها في انتظاري وفق الموعد المحدد ، كانت امرأة في منتهى الجاذبية ، تفيض انوثة ورقة ، وبعد أن عرفتها بنفسي ، تذكرت مقالة لي عن المساواة بين الجنسين كنت قد نشرتها في وقت سابق في جريدة لونتا الأيطالية ، فقالت لي مستدركة :
آه ، سينيور رشيد ،أنت صاحب المقالة المتميزة في جريدة لونتا ؟
- نعم ، بالتأكيد .
- آه ، التقيت سابقا باحد الفنانين العراقيين المتميزين ، وهو يتحدث الأيطالية بطلاقة ايضا ، هل اللغة الأيطالية واسعة الأنتشار في العراق ؟
- انها تدرس في كلية اللغات ، ولكن من هو الفنان العراقي الذي التقيت به ؟
- انه على ما اتذكر سنيور هكمت .
- نعم بكل تأكيد انه صديقي النحاة العراقي المشهور محمد غني حكمت .
أمضينا وقتا طويلا نتحاور عن أعمالها الأدبية ، وكانت أجوبتها المحنكة تظهر لماذا تم أعتبار مارايني واحدة من الأصوات الأوربية المتميزة والرائعة .
وعدت مرة اخرى أسألها عن أحداث روايتها ( قطار الى بودابست ) التي تتعقب بحث صحفية ايطالية شابة اسمها ( امارا ) لرفيق طفولتها المفتقد ( ايمانويل ) ، فسألتها قائلا :
- هل بدأت بشخصية ايمانويل ؟
- نعم . انه شاب يهودي سمعت عنه في فلورنسة ، كان قد اختفى من المدينة سنة 1940 . حاولت أن أتخيل ما يمكن أن يحصل له . ذهبت الى معسكرات الأعتقال السياسي في بولندة ، ودرست بعض الوثائق والمستندات ، وقرأت عن التجارب الطبية التي اجريت على السجناء الذين تم اختيارهم خلال عامي ( 1943 ) و ( 1944 ) . ثم أعتقدت بانه ربما يكون ما يزال حيا يرزق ، لكنه أصبح شخصا آخر تماما .
- هل تعرفين كيف ستنتهي الرواية التي بدأتيها ؟
- عملت على هذه الرواية مدة خمس سنوات ، ولم أعرف نهايتها الا بعد انتهائها . لم أكن حتى متأكدة ما اذا كانت ( أمارا ) ستجد ايمانويل أم لا . بحث أمارا كان بحثي أنا . اما نهاية الرواية فكانت أمرا متروكا للشخصيات نفسها ، هي التي تقرر نهاية الرواية . شخصيات الرواية مهمة دائما . تعتقد في أول وهلة ، كمؤلف ، بأنك تمتلك نفوذا غير محدود عليها ، ولكن عندما تتعمق داخل الشخصيات تدرك تماما بانها ليست متحمسة كي تعمل لحسابك أو تطيع وتنفذ رغباتك , بل يتعين عليك متابعتها ، والسير في أثرها .
- أي شكل من أشكال الرعب واجهته أمارا ؟ وهل تقصدين وضع أحداث الكتابة في اطار تلك السنين ؟
- نعم ، لكن شخصيات الرواية هي التي اقتادتني الى بودابست عند اندلاع الثورة – لم أقم أنا باعدادها لها . يسألني العديد من الناس ان كنت ارغب في تقديم مقارنة بين نمطين من الدكتاتوريات الأستبدادية الشمولية ، النازية والسوفييتية ، الا أنني لم أقصد ذلك قط . تأتي مثل هذه المقارنة من الشخصيات وما يتعين علي ان افهمه منها .
- استمرت الأنتفاضة من 23 تشرين الأول / اكتوبر حتى العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر 1956 – هكذا ، لم تكن فترة طويلة ، وعلاوة على ذلك يجب أن تبدو متواصلة بالنسبة للمنخرطين فيها ، الذين لم يعرفوا كيف ستنتهي الأحداث . انهم لم يعرفوا فعلا . الشيء الأسوأ في الأمر بالنسبة للهنغاريين هو ان الأتحاد السوفييتي لم يقل في الحال ، " توقفوا والا سوف نجتاح البلاد . " بل على عكس ذلك تماما ، راح يشجعهم ، فظهرت حكومة جديدة برئاسة ( ايمري ناج ) ، وبدا وكأن كل شيء على وشك أن يتحسن .
- لكن بعد أن صرح ( ناج ) بأن على هنغاريا أن تخرج من ميثاق وارشو ، لم يكن بوسع الأتحاد السوفييتي الموافقة على برنامجه مطلقا ، أليس كذلك ؟
- تذكّر أنه في شباط / فبراير في نفس السنة ، في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي شجب نيكيتا خروشوف الأعمال الأجرامية لجوزيف ستالين . اعتقد الهنغاريون بأن الأتحاد السوفييتي كان في طريقه للتغيير فعلا . في اللحظة الأخيرة فقط – حتى أن خروشوف لم يكن واثقا لفترة قصيرة من الزمن – قرر الأتحاد السوفييتي اتخاذ سياسة القمع ، ملتمسين نصائح بعض القادة الشيوعيين الآخرين من أمثال : تيتو في يوغسلافيا ، وآسفة للقول ، بالميرو تولياتي ، رئيس الحزب الشيوعي الأيطالي .
- هل عدل تولياتي رأيه ؟
- نعم ، لقد فعل ذلك ، ولكن بعد مضي عدة سنوات . في تلك الأثناء ، على الرغم من ذلك ، أفضت الأحداث في هنغاريا الى انشقاق في حزبه ، اذ لم يكن بوسع العديد من أعضائه قبول موقف تولياتي ، واصيبوا بالرعب من الأعمال الوحشية التي ارتكبت ضد الشعب الهنغاري المطالب بالحرية والأصلاح .
- ادعى السوفييت في حينه بان العناصر الفاشية كانت وراء الثورة . ماذا استنتج الشعب الهنغاري من مثل هذه الأدعاءات ؟
- كان كل شخص في بودابست في تلك الأثناء واعيا تماما ومدركا بان الأتحاد السوفييتي ألقى ، كعادته ، بتهم زائفة على الثورة . كان الهنغاريون توّاقون للحرية – اذ كانت لديهم جريدة واحدة ، وهي كانت نسخة لا تختلف عن جريدة البرافدا ، ومحطة اذاعة واحدة ، وحزب واحد . كانوا يريدون مجتمعا تعدديا بدرجة أكبر ، ومزيدا من محطات الأذاعة ، ومزيدا من الأحزاب ... وبرغم ذلك فهم لم يريدوا أن يصبحوا بلدا رأسماليا .

كان حديثا مستفيضا بيننا ، سلخنا على هذا النحو ساعة او أكثر بقليل . كان الشفق يتوهج في الأفق عند مغادرتي المسرح . ومنذ ذلك الحين توثقت عرى الصداقة بيننا ، وتكررت اللقاءات في أماكن مختلفة ومواضيع متنوعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لجهدك
سيمون خوري ( 2012 / 5 / 4 - 08:08 )
الأخ نهاد عبد الستار رشيد تحية لك وشكراً لجهدك وإستضافتنا لزيارة هذه السيدة الرائعة ، مزيد من العطاء والتقدير لجهدك


2 - رد على تعليق الأستاذ سيمون خوري
نهاد عبد الستار رشيد ( 2012 / 5 / 4 - 18:14 )
الأستاذ العزيز سيمون خوري

تحية اكبار واعتزاز

يسعدني بل يشرفني مرورك الكريم في صفحتي وتعليقك الرائع الذي يدل علىمدى اهتمامك المتواصل بالحركة الثقافية العالمية ، وكم كان بودي التواصل معك في الأمور الثقافية وخاصة في مجال القصة القصيرة .
نهاد عبد الستار رشيد

اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??