الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية لحماية الثورة و ليس لأ حتوائها

محمد بهلول

2012 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


- أثمرت الحركات الاحتجاجية في العالم العربي بوجه أنظمة الاستبداد تحقيق انجازات ملحوظة, سواء تلك التى استطاعت اسقاط رمز " أو بعض رموز" نظام الاستبداد السابق, أو تلك التى لا زالت سائرة بالاتجاه ذاته. أبرز هذه الانجازات اعادة تأكيد حقيقة أن الشعوب مهما وهنت مبادرتها و استكانت الى مصيرها, لا بد ان تتحرك و تنتفض بوجه الاستبداد سيما عندما يتحول هذا الاخير من فكرة سيطرة فئة سياسية و اجتماعية على آخرى الى آليات تحكم و تقونن هذة لبسيطرة و تمظهرها بشكل دستوري و واقعي.
ألحرية عدا عن كونها فطرة انسانية ذاتية تشكل مصدرا لكل القيم و المبادئ, الا انها في سياق التطور الاجتماعي تتحول من فكرة ذهنية ذاتية الى آلية جماعية لتأمين الاحتياجات الواعية "المصالح" لمجموعة من الناس. فالحتجاج بوجه الاستبداد و الاستغلال و طلب الحرية هو سمة موضمعية ناتجة عن التناقض الموضوعي بين فئتين من الناس واحدة حاكمة و اخرى محكومة (بمعزل عن حجم كل منهما). التناقض يتولد عمليا منذ الحظة الاولى لقيام النظام, اما التعبير الواضح عن هذا التناقض فيأخذ وقتا يطول او يقصر نتيجة سلسلة من العوامل و المؤثرات أبرزها الايدولوجيا المعتنقة من قبل النظام, القبضة الامنية, الثروة و السياسة الاقتصادية المتبعة, الدور الخارجي الخ...
الاحتجاج يبدأ عندما يتحول الناس من متلقي لاجراءات و سياسة النظام الاستبدادي الى الاستعداد لدفع ثمن الحريات, أما الثورة فتبدأ عندما يتحول الناس الى فاعلين في تقرير مصيرهم و ما يسرع تحول الحركات الاحتجاجية العفوية الى منظمة "أي ثورة" هو وجود الحامل لوعينة هذه الاحتجاجات و تبصير طريقها و انجاحها, أي بالمعنى العملي وضوح أهداف الثورة و عدم حصر أهدافها بتغيير رمز أو بضعة رموز النظام الاستبدادي القديم و معرفة البديل القادم و انسجامه مع القيم و المصالح الانسانية أي الحرية كفكرة و آليات و من جميع الاتجاهات الفكرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
ما من شك أن التاريخ الانساني لم يعرف و (لن يعرف) نظاما كاملا, بل ذلك على الارجح مجرد تجريدات ذهنية و يوتوبيات غير قابلة للتحقيق.
إن الرغبة الإنسانية في بلوغ مرة واحدة نظام الكمال هي إحدى عوائق تطوير المجتمع و احد ابرز انتكاسات النشاط الإنساني الجماعي,فإذ كانت اهداف السياسة هي تحقيق المصالح "الإحتياجات الواعية"فإن ادارتها هي مجال الممكن,أي تبدأ بالمتاح و تنتقل الى الأفضل.
ما من حركة سياسية ادعت علنا على الاقل انها كانت وراء الحركات الإحتجاجية الشعبية العارمة في البلدان العربية المختلفة, بل على العكس فإن معظم المراقبين سواء من جهات سياسية أو إعلامية يؤكدون على الطابع العفوي لهذه الحركات, الناتج موضوعيا عن التناقض الحاد بين السلطة الإستبدادية و سائر فئات الشعب, إن التنوع الإجتماعي للفئات المنتفضة و ان غلب عليها في البداية "جيل الشباب المهني" و تنوع الحوافز المؤدية للحركات الاحتجاجية هو دليل على عفويتها و ليس العكس كما يبدو للبعض, ان كل ذلك يدعو منطقيا القوى السياسية و الحزبية الى صياغة أهداف واضحة و محدودة و التدرج التصاعدي بها بحسب قدرة و استعدادية الفئات المنتفضة و استدراج فئات اجتماعية اخرى, ألا ان الرغبوية الفاقعة لدي العديد من السياسيين و الاعلاميين (و هم مؤثرون في اوساط الرأي العام ) باتوا يطالبون الحركة الشعبية بدل ان يخوضوا الغمار معها و يقودونها بما هو اكثر من طاقتها, لقد بات تعبير " الخريف العربي" يطلق جزافا على الحركات الاحتجاجية العارمة في العديد من الدول العربية و الوضوح المتزايد لمؤشرات تمددها و توسعها الجغرافي و البنيوي "تحولها البطيء لكن الواضح من حركات احتجاج الى ثورة" لمجرد ان الانجازات المحققة بطيئة أو غير متجانسة مع الأولويات لذوي النزعة الرغبوية و هم بالمناسبة من جميع الأطياف السياسية و الفكرية,
فهناك من يبخس هذه الحركات و يعتبرها مجرد اداة بيد الخارج لمحاربة ذلك النظام,و هناك من يغالي بهذه الحركات و يطالبها بتغيير جذري في البنية الطبقية و الاجتماعية الخ ...
إن ما جرى و يجري في العالم العربي لجدير بتعبير"الربيع العربي" ليس فقط الان الشعوب اثبتت استعدادها و قدرتها على الانخراط الجماعي في عملية التغيير ,بل و الاهم انها جاهزة لتصويب مسيرة هذا التغيير وفقا لقيمها و مصالها الجماعية,و هنا دور و امتحان القوة السياسية و الحزبية و فرزها ما بين الانخراط الكامل في الحركة الجماهرية للدفاع عن مصالحها و ما بين النزعه الاستخدامية للحركة الجماهرية للدفاع عن المصالح الفئوية الانانية للقوى السياسية و الحزبية.
ان معالجة التناقض بين النزعتين الرئيسيتين للقوى السياسية و الحزبية يفرض طرح السؤال الهام, هل هناك امكانية واقعية لايجاد نظام سياسي و اجتماعي و اقتصادي يقضي من جهة على كل امكانية لاعادة انتاج نظام تسلطي استبدادي اخر و يستجيب و لو بشكل جزئي و متدرج للمصالح الوطنية و الاجتماعية لعموم الشعب, و استطرادا هل يكفي ان نقول ان الديمقراطية هي الحل, و الإنتخابات كفيلة بحماية إنجازات الحركة الاحتجاجية, ام علينا إعادة صياغة تعريف جماعي للنظام الديمقراطية المنشود. صحيح ان جاهزية و استعداد الشعوب هي الحامي الحقيقي للربيع العربي, إلا أن هناك أخطار حقيقية جدية داخلية و خارجية تتربص لإجهاض هذا الربيع, و ليس من قبيل المبالغة أن السلاسة و السلمية التى تميزت بها الحركات الإجتماعية و سرعة انجازها لجزء هام من أهدافها في كل من تونس و مصر إنما يعود الى مفاجئة الخارج و عدم قدرته الى إختطاف اهداف الحركات الإحتجاجية و قولبتها وفق أجندتة في حين ان ما جرى في ليبيا و اليمن و الان في سوريا من دموية و اطالة انما يعود في جزء كبير من اسبابة الى اختطاف اهداف الحركات الاحتجاجية من قبل الخارج و تجييره لصالح الصراع على النفوذ سواء على الصعيد الدولي أو في إطار المحاور الإقليمية.
الأخطار على المستوى الداخلي يمكن ترجمتها باتجاهين, الاول إعادة إنتاج النظام الاستبدادي السابق من خلال ديكورات تجميلية, اي سلسة من الاصلاحات الموعودة و الضبابية "مما يصح القول فيها" اصلاحات تجهض الثورة و ليس ثورة تنتج اصلاحات, اما الاتجاه الثاني فيتمثل في سعي العديد من القوى الساسية سواء تلك التى تشابكت مع النظام الماضي أو التى كانت على الحياد او بعض الاحيان مناقصة له ان تستغل منسوب الديمقراطية المتاح حاليا لإقامة نظامها الفكري و السياسي الخاص بها, اي إستغلال الانتخابات و النافذة الديمقراطية المفتوحة حاليا لانتاج نظام استبدادي باشكال و وجوة اخرى, ليس المقصود حصرا الاحزاب الاسلامية و تحديدا الاخوان المسلمون وان بحكم نتائج الانتخابات هم في الواجهة حاليا, بل ان العديد من القوى بما في ذلك قوى علمانية لا تنظر الى المتغيرات سواء أتت من صناديق الاقتراع او تطورات داخلية او حتى تدخل خارجي الا وسيلة لانتاج او اعادة انتاج نظام استبدادي "النظام السوري على سبيل المثال لا الحصر".
ان استغلال فكرة الاغلبية و الاقلية سواء كانت حقيقية او مزورة, او فكرة الالغاء حتى و لو كانت تحت شعار فلول النظام القديم هي وجة من وجوه الاستبداد و لهذا نتساءل هل يمكن الركون الى السياسات و المواقف العلنية للقوى السياسية و الحزبية و التي تدعو جميعها الى القيم الديمقراطية "الانتخابات-تداول السلطة الخ..." لتشكل ضمانة لعدم بروز و سيادة انماط معينة من الاستبداد في النظام القادم, لا سيما ان الممارسة العملية لمعظم هذه القوى (من جميع الاطياف) تتناقض مع السياسة المعلنة و مجملها يدعو الى الغاء الاخر او تحجيم دوره في رسم الاستراتيجيات السياسية و الحقوقية المصيرية.
ان التناقض الواضح و الصارخ احيانا بين السياسات و المواقف المعلنة و الممارسات العملية يؤكد ان العديد من القوى الحزبية و السياسية لا تعتنق الافكار الديمقراطية باعتبارها قناعات و آليات لادارة مجتمع تنتفي فيه باضطراد المظاهر الاستبدادية السياسية و الحقوقية و الاقتصادية, بل باعتبارها فرصة لاظهار سيادة افكارها و مفاهيمها الفئوية الخاصة و ايجاد الاليات المناسبة لها.
ان ادعاء جميع القوى السياسية و الحزبية امتلاكها لمشاريع سياسية و اقتصادية متكاملة للنهوض بالبلد و المجتمع يدحضه التدقيق بما هو معلن اعلاميا, حيث ان الجميع لا يملك سوى عناوين عامة تتشابه لدرجة التطابق فيما بينها حتى انك تخال و انت تقراء ورقة لقوى اسلامية فاعلة انك امام برنامج حزب يساري عريق و العكس في معظم الحالات صحيح.
إن غياب البرامج الواقعية و الواضحة و المفصلة و التى تاخذ بعين الاعتبار الظروف الدقيقة للبلد, مستوى تطورها و اولويات حاجتها و تناسقها مع الخارج و استعداداته لتقبل المتغيرات و حجم ردوده سواء كانت ايجابية ام سلبية هو مدعاة قلق و ارباك للحركة الشعبية و ما يزيد من حالة القلق و الارباك هو الازدواجية الواضحة او المستترة احيانا في المواقف البرنامجية السياسية و الادارية لمعظم القوى السياسية و ممارساتها و الذي هو تعبير عن التناقض الخفي ما بين اولويات الشعب بمجموعه و اولويات القوى الحزبية و التي هي تعبير عن قوى طبقية اجتماعية و ان غلفت احيانا بمفاهيم طائفية او اثنية و بالمحصلة هي جزء من الشعب.
ان حل التناقض الموضوعي في المرحلة الراهنة بين اهداف القوى الحزبية"الوصول او المشاركة في السلطة" لتنفيذ برنامجها اي برنامج جزء من الشعب و اهداف الشعب اي تحقيق مصالحة لصالح الاخير هو المعيار الاساس لتحول ما يجري من حركات احتجاجية الى ثورة اي الانتقال من نظام جزئي الى اخر عام بالمعنى السياسي لا الاجتماعي.
بالمعنى السياسي إن المرحلة الراهنة تتطلب تذويب البرامج الحزبية الجزئية لصالح البرنامج العام المعبر عن المصالح الجماعية لعموم الشعب من خلال القواسم المشتركة الوافرة هو الضمانة الوحيدة لعدم إنتاج نظام استبدادي اخر او تجميل النظام البائد.
ان الأداء السياسي في المرحلة الراهنة هو العامل الجوهري لتحديد آفاقها المتأرجحة بين نظام الإستبداد السابق, اي تجديد طاقة التحالف السياسي الطبقي ذاته من خلال إستبدال الرموز و إجراء اصلاحات ديكورية لإمتصاص النقمة الشعبية و ايهامها بان تغييرا قد حصل, و إنتاج نظام جديد قوامه توسع الإئتلاف السياسي الإجتماعي ليشمل كل مكونات المجتمع الإجتماعية و تعابيرها السياسية و الحزبية. من البديهي أن مثل هذا النظام لا يمكن ان يرى النور بدون الوعي الجماعي لضرورة ذلك لان المرحلة لا تحتمل ببعديها الداخلي و الخارجي اجراء تغييرات جذرية حاسمة, اي استبدال ائتلاف سياسي اجتماعي باخر. ان القوى محكومة اضطرارا بالائتلاق و عليها تبعا لذلك اطلاق حوار لايجاد دستور جديد ياخذ بعين الاعتبار الواقع الخاص للبلد و يترجم بقوانين دستورية و اليات واضحة و محددة وفق النظام الجديد المعبر عن الائتلاف الاجتماعي الشامل لكل مكونات المجتمع. من الطبيعي ان حجر الزاوية في الدستور الجديد ايجاد النص القانوني و الاليات المناسبة لمنع احتكار الدولة و ليس السلطة من قبل الاغلبية, كحصر التعديلات الدستورية اللاحقة باغلبية ثلثي الشعب, لكبح جماح اي قوة سياسية او حزبية او مكون اجتماعي مهما بلغ من ثراء او نفوذ شعبي ( وهمي او حقيقي) من تطويع الدستور لفرض رؤيتة الخاصة على البلد و المجتمع بشكل شمولي, فيما حقة ينحصر في ادارة مؤسسات الدولة. ان الدستور المنشود في المرحلة الراهنة يجب ان يستند الى مفهوم الفصل التام بين الايدولوجيا (الدين او اي ايدولوجيا اخرى) و الدولة و على قاعدة العلاقة التكافئية بين الحقوق الفردية و الحقوق الجماعية و عدم طغيان او هيمنة إحداهما على الاخرى.
ما من شك ان المجتمعات العربية و القوى السياسية و الحزبية غير جاهزة بما فيه الكفاية سواء من ناحية القيم المفاهيمية او الاداء العملي للممارسة الديمقراطية لاسباب جلها موضوعي, سواء من حيث درجة التطور الاقتصادي المعبر عنه بطبقات اجتماعية واضحة لها معاييرها السياسية و تقاليدها الإجتماعية الخاصة إضافة الى الموروث الثقافي "الديني" بشكل خاص و طريقه إعتناقه التى وضعته في تعارض مع السياق الطبيعي للتطور الاجتماعية و تأثير ذلك على المفاهيم و القيم الجماعية لغالبية الناس و غيرها من الاسباب, الا ان ذلك لا ينف ان التهيئة لا بد منها من لحظة للولادة و الظرف الحالي هو الاكثر تناسبا, لانه نقطة تلاقي بين الحاجة و الهدف.
العلاقة الجدلية بين الدستور "قيم و مفاهيم و آليات" و الوعي الجماعي للناس هي التى تنتج مجتمع ديمقراطي حيث تنتفي مقولات "ديمقراطية بلا ديمقراطيين" او "ديمقراطيون بلا ديمقراطية" في ظل نظام و دستور ديمقراطي لا بد ان نحمي الثورة و نحقق نوعا من العدالة السياسية و نمنع الاساس المادي لقيام نظام إستبداد سياسي, اما في ظل المجتمع الديمقراطي فيمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30