الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقاذ ثورة مصر من الضياع

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 5 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


واحدة من أحرج لحظات الثورة المصرية تلك التي تجري حاليًا.. فالثورة المضادة بكافة تلاوينها تتجمع الآن ضد قوى الثورة الحقيقية وتتآمر على المكاسب النسبية التي حققتها، بل إن قوى الثورة المضادة قد تتصادم أو تتفاوض تفاوضًا خشنًا فيما بينها في مواقف جزئية أو ظرفية من أجل توزيع الحصص أو فيما يتعلق بتحديد نوع الدكتاتورية المقبلة لإيقاف تيار الثورة.

وقد سبق أن قلت في مقال سابق إن مصر مهددة باختيار شاق وبائس بين دكتاتورية دينية ودكتاتورية عسكرية، وربما تكون هناك دكتاتورية مشتركة بين الاثنتين مع إشراك قوى "ليبرالية"، وبشرط تمتع كل مشروع من هذه المشروعات بمباركة خارجية، من الولايات المتحدة، ومن السعودية وإسرائيل في الدرجة الثانية.

لن نتوقف كثيرًا عند تشريح الأسباب وراء المأزق الحالي للثورة المصرية، فيمكن الرجوع إليها في العديد من مقالاتي السابقة على الحوار المتمدن. لكنني سأركز هنا على الأسباب الذاتية في جانب القوى الثورية.

أولها أنه على الرغم من أن تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية- الاقتصادية قد لعب الدور الحاسم في الإطاحة برموز السلطة يوم 11 فبراير.. فإن القيادات الثورية تركت هذه التحركات الطبقية دون تنسيق، بل إن النشطاء الثوريين في المجال النقابي انقسموا على أنفسهم بسبب الدوافع الذاتية للقيادات النقابية المذكورة، وكانت النتيجة المنطقية عدم القدرة على ربط النضال الطبقي- الاجتماعي بالنضال السياسي. وكان النجاح في تحقيق الرابطة من أهم شروط سد الثغرة التي تمر منها الآن قوى الثورة المضادة من القيادات العسكرية ومعظم تيارات الإسلام السياسي وبقايا النظام السياسي السابق في أجهزة السلطة المركزية والمحلية.

وثاني الأسباب أن معظم القيادات السياسية للتيارات الديمقراطية الثورية قد انجرفت وراء فكرة أن التحول الديمقراطي هو "الحلقة الرئيسية في تطور الثورة المصرية"، بمعنى أنها المجال الذي إن تحققت فيه مكاسب رئيسية ستتوالى بعده الإنجازات في كل المجالات. وهي فكرة قد تبدو معقولة في لحظة تاريخية ما، لكنها ليست هكذا على الدوام. فمن الواضح الآن أن إضفاء طابع النضال الطبقي/ المطالب الاجتماعية على النضال الديمقراطي/ السياسي كان كفيلاً إلى حد كبير بسد الطريق أمام الهوس الديني الذي يسيطر تقريبًا الآن- وإن بدرجات متذبذبة- على المجال السياسي. وذلك انطلاقًا من فرضية أراها سليمة تقوم على أن الأساس الطبقي/ الاجتماعي لخطاب معظم الزعامات والتنظيمات الإسلامية معادٍ بطبيعته للجماهير الشعبية العريضة.

كما أن فكرة "الديمقراطية هي الحلقة الرئيسية" قد تجاهلت واقع التردي المريع للثقافة السياسية في بلدنا، بعد عقود طويلة من الكبت والتجهيل وإقحام الدين على السياسة.. فضلاً عن أن عشرات الملايين من الفقراء والمهمشين لا يمكن أن يكتسبوا ثقافة سياسية ثورية بين عشية وضحاها، خاصة في ظل الحالة المعروفة للتيارات السياسية الثورية من عزلة وضعف وانقسام.

وثالث الأسباب ذلك التفكك الذي لحق بالحركات والجماعات الشبابية التي لعبت دورًا بارزًا وباهرًا في إقصاء رموز النظام السابق، وهو التفكك الذي نجم عن توزع قيادات الحركات على الأحزاب الجديدة الناشئة، والأمراض الذاتية لبعض القيادات تحت ضغط مغريات الاستيعاب وبفعل "النزق" الثوري.. فضلاً عن كونها حركات انتظمت وتطورت تحت برامج حركية لإسقاط النظام، ولم تستطع سريعًا التحول إلى حركات ذات برامج سياسية موحدة لتحقيق التحول الديمقراطي والعدل الاجتماعي والتنوير والمواطنة..

وقد أسهم بعض السياسيين في تغذية نزعة غير صحية عند بعض قيادات الشباب فحواها التركيز على ما تسمى "الفجوة الجيلية" وتصوير العمل الثوري على أنه "يبدأ من الصفر"، وإهمال والتسفيه لكل نضالات وتضحيات الأجيال السابقة بكل أخطائها وعثراتها وأوجه ضعفها.

والسبب الرابع يتعلق بحقيقة لم يدركها الشباب الثوري في توقيت مناسب، ألا وهي أن الثورة اندلعت أساسًا في القاهرة والمدن الكبرى، ولم تصل بنفس الدرجة إلى أعماق الريف المصري وحتى الأحياء الفقيرة في المدن.. كما لم يدركوا حجم النفوذ و"قوة العادة" اللذين مازالت قوى الثورة المضادة تستند عليهما في تلك المواقع..

وأيضًا لم تدرك قوى الثورة أن الإفراط في استخدام أساليب ثورية بعينها (مثل الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرق..) يمكن أن يدفع إلى مقدمة التحركات بعناصر مغامرة وانتهازية، وأيضًا ربما يفتح ثغرة يمر منها أنصار الدكتاتورية العسكرية أو الدكتاتورية الدينية لحبك المؤامرات وتشويه الثورة. كما أن ذلك الإفراط والاستهلاك الزائد لأساليب نضالية معينة يمكن أن يلحق الأذى المباشر بمصالح بعض الشرائح الاجتماعية من حرفيين وعمال مياومة وصغار تجار والكثير من فئات ما تسمى البرجوازية الصغيرة، وهم من قوى الثورة موضوعيًا، الأمر الذي قد يدفعهم إلى التشكك في جدوى التصعيد الثوري المتواصل، وربما الانحياز إلى قوى الثورة المضادة في لحظات حالكة السواد. خاصة إذا أضفنا إلى هذه الصور ذلك التسيب الأمني وانتشار الجريمة والبلطجة.

في ظل هذه الأوضاع اتخذ نضال قوى الثورة طابع الانجرار وراء الثنائيات.. فإما النضال الاجتماعي- الاقتصادي وإما السباق الانتخابي والبناء الحزبي.. وإما الميدان وإما البرلمان.. والأخطر كان الانقسام بين المصطفين إلى جانب العسكر، وبين المصطفين وراء هذا الاتجاه أو الزعيم الإسلامي أو ذاك..

ومما زاد من خطورة هذا الوضع غياب الحوار العقلاني- قبل الديمقراطي- بين قوى الثورة.. وإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر..) قد لعبت دورًا هائلاً في التعبئة لإسقاط نظام الحكم السابق، فقد أصبحت في بعض الأحيان تلعب دورًا سلبيًا من خلال الخطاب المنفلت في تبادل الاتهامات بين قوى الثورة، وفي الترويج لزعامات إصلاحية وعشوائية على السواء.

مشكلة الثورة المصرية الآن هي مشكلة البحث عن طريق ثالث.. وهي مشكلة عويصة في حالة أن تكون القوى الثورية منقسمة على نفسها، وكثير من جسم الحركة الثورية عبارة عن مئات الألوف من الشباب الذين دخلوا المجال السياسي "فجأة" والذين لا يملكون برنامجًا موحدًا للبناء، بل وحتى لا يملكون رؤية موحدة حول تحدي أعداء الثورة وكيفية استئصالهم.

ونظرًا لأن الأيام المقبلة تحمل سيناريوهات في غاية الخطورة، أخطرها على الإطلاق سيناريو الفوضى في خدمة دكتاتورية وربما فاشية زاحفة، يرى الكاتب أن هناك عددًا من المهام العاجلة التي يجب الشروع فيها على الفور:

(1) الاتفاق فورًا على مرشح واحد للقوى الثورية لمنصب رئيس الجمهورية، وفي هذه اللحظة أرى أن تعطى الأولوية للمرشح القادر على إحراز أكبر نتيجة للقوى الثورية، كما يجب الاتفاق من الآن على المرشح الذي يمكن التصويت له في حالة إجراء جولة انتخابية ثانية بين مرشحين لا ينتميان للثورة، بمعنى تكتيك "أهون الأضرار".

(2) أن تبادر القوى الثورية بوضع مشروع متكامل للدستور وطرحه على المجتمع حتى يكون أساس النقاش المجتمعي في المرحلة المقبلة.

(3) المبادرة فورًا إلى إيقاف مهزلة الانقسام بين النقابات المستقلة، وتعرية سماسرة العمل النقابي الذي سيعترضون هذا الطريق، مع تبني تكتيك واضح إزاء اتحاد العمال الرسمي.

(4) تشكيل قيادة ميدانية موحدة للقوى الثورية لتقرر متى وأين ومن أجل ماذا ومع من يتم القيام بفعاليات حركية كالاعتصامات والإضرابات والمسيرات..

(5) الإعلان فورًا عن قيادة جبهوية موحدة للقوى الديمقراطية الثورية (وخاصة اليسار الماركسي والناصري والحركات الشبابية الراديكالية..) لتكون بمثابة أساس يمكن البناء عليه لإنشاء جبهة ديمقراطية عريضة للقوى المدنية الديمقراطية (غير الموالية للجنرالات والشيوخ).. وربما كان من أوجب الخطوات هنا المبادرة فورًا بتوحيد الأحزاب الاشتراكية المتقاربة مع بعضها مع ضمان الديمقراطية الداخلية والالتزام الحزبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مع التحفطظ على العنوان
سمير الأمير ( 2012 / 5 / 27 - 23:43 )
المشكلة أن كل التوصيات تحتاج لقيادة موحدة تضم الأحزاب ذات التوجه التقدمى كالاشتراكى المصرى و التحالف والاشتراكيين الثوريين وبقدر ما بعض اعضاء حزب التجمع والتكوينات الشبابية المنتشرة فى المدن والتى مازالت تتحدث وتمارس عملها باسم الثورة مستمرة - كل ذلك إضافة إلى ائتلافات شباب الثورة و6 ابريل وكفاية والجمعية الوطنية للتغيير ولن يتثنى تشكيل تلك القيادة الى بمؤتمر موحد تتم الدعوة له فورا وتقدم تلك الورقة كأحد أطروحاته

اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل