الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزن .. الباص والأخرون

لحسن هبوز

2012 / 5 / 3
الادب والفن



الثامنة إلا ربع ساعة صباحا .. يفتح الباص فمه الملعون، يخرج أمواج من البشر، الكل يرقص على أنغام اليومي، بلا كلل ولا ملل... يصل باص أخر إلى الساحة بعد الأول بحوالي ربع ساعة، كعادة الأول يفتح الثاني فمه الملعون.. هذه المرة يخرج قطرات قليلة من البشر وليس أمواج، يفرغ الباص بطنه من البشر ثم ينصرف.
وبين الأول والثاني، تحكى قصص حزن الشارع والمارة، المعنى سوريالي بالرغم من ان اللوحة واقعية أكثر.. ولا معنى لي أنا الذي أصور مشهد المدينة وهي تستيقظ من خمولها وذنوبها هكذا.. تفتح عينيها مثل أول ليلة للعذراء بلا شرفها اللّعين...
قبل وصول الباص الأول، كانت المدينة وحيدة، حزينة مثلي، ترقب سرب اللّعنة الإلهيـــة بلا جنة ولا نار، لعنة تسقط فجأة من السماء، ولا وحي يترصدهــا .. وعلى الرصيف الأنبياء يكتفون بدروس المضاجعة على حساب الواقي الذكري المتقطّر منياً .
لحظـة تحرك الباص الأول.. جاشت الإنسانية الغبية وذابت في فضولها .. مقطع كلاسيكي حزين يبحث عن بضع وريقات بين ثنايا المدينة .. يبحث عن مدى إنسانيتهــا .. يبحث عن كل شيء. إلا الطريق المؤدي إلى ساحة اللعنة الإلهية.
وصل الباص كما حكيت في البداية .. الساحة العريضة تستقبل عربات الحزن بعجلتين مسجلتين بإسم الملل. طاكسي صغير فَحْمي اللّون يمرّ بسرعة امام أمواج المكتئبين، يشيرون بأيديهم ولا تتوقف.. حتمــاً لن تتوقف .. تبحث عن سائح أجنبي كله أمل. فسحقا لن تجده في ساحة المدينة.
أنثى فاتنة بملابس داخلية .. فجأة تصيح وسط أمواج الساحة.. تصرخ .. يترأى لها الفرح بين نهديها، وتـفتح أزرار صدرها.. تشرئب الأعناق والوجوه الحزينة إليها .. فضلا عن هذا شفتان قرمزيتان تتلفظان حمم ضحكة إرتجاجية.
ثور فاحل يسمونه شاب ببنطالون قصير مثير ... وحزين. ينام وسط الساحة مستلقيا. على ساقه زغب أصفر بلا سُمْرة شمس المدينة وبحرها الغريب. بين الفينة والأخرى يتحرك الثور.. عفواً يحبو من أثر إحساسه بإيقاع المدينة الرتيب. يغامر بكل أسباب سيل الشتائم البذيئة. من فرط عشق للكأبــة، قررّ التشبت ببنطالون الرعاة القصير. وبذلك قررّ أن يمضي في سبيله، بلا وجع الوجوه الحزينة.
سائق الباص يميل في إتجاه بحر المدينة، يتوقف هنيهة لكي يشعل سيجارته الحزينة .. ينفت الدخان الحزين في وجه المرآة الوسيم. بحركة سحرية يفتح الباب لاستقبال هواء البحر المختنق .. ينظر في اتجاه طابور الأمواج .. يمسح الزجاج المغبّش. مشهد الأمواج وهي تنتحر زبداً مؤقتا، صار واضحا وجميلا .. ينظر إلى المرآة .. يمسح وجه المرأة .. يشعل محرّك الباص معلنا الهروب من جديد. قبل التحرك يصيح وجه المرآة في وجهه .. "الأجسام أقرب ممّا تبدوا في المرآة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في