الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظهيرة خريف البطريرك

فاروق سلوم

2012 / 5 / 4
الادب والفن


اواجه نفسي كثيرا بتلك الساعات الفجة التي كنت اظن فيها ان الجنود الأمريكان الذين يفتشون بيتي المرة تلو المرة في بغداد ، قد قرأوا كافكا و جون شتاين ب وفرجينيا وولف .. وغابرييل ماركيز قبل ان يحتلوا العراق .
الحقيقة انا بفضل الدوغماتية وثقافة النمط السياسي المناهض للأمبريالية من المهد الى اللحد ، مثل رجل ساذج سياسيا ، وعسكريا ، واقرب الى انسان رومانسي حالم ،هارب من الواقع المر منذ الطفولة ، اذ اعتقدت ذلك ، حيث يعتني الأمبرياليون بصورتهم كما يحاول دهاقنة الأيديولوجيا التي اعمت بصائرنا ان يكسروا تلك الصوة . وقد اثبتت الظروف خطل اعتقادي ذاك حين بدت السياسة في بلادي بعد احتلال العراق 2003 انها مجرد حانوت يتبضع منه السوقة واشباه المتعلمين والقتلة واللصوص والعائدين الى البلاد بصفة متبضّع او سائح لاغير .
و حين سألني آ مر المجموعة التي تفتش بيتي ، برتبة عميد ، مرة ، وهو مشغول مع جنده في التدقيق في الغرف والكتب وارفف الثلاجة وتقليب قناني البيرة : من اين تعلمت هذه اللغة الأنكليزية ، فأجيبه في جامعاتنا الأشتراكية ايها الكولونيل..
لنتعلم ادب وفن وتاريخ الراسماليه ..
ضحك نافخا من انفه هواء الخوف .. ساحبا جنده دون كلمة اعتذار ..
كنت لااخاف على شيء من كتبي وقد عبثوا بها ، سوى تلك النسخة الداكنة الغلاف من خريف البطريرك ، فقد صاحبتها ورافقتني كل ظهيرة ساخنة في بيتي ببغداد ، بعد عاصفة الصحراء .. وصرت اقرأ منها بعناية وبطيء ، مقطعا او صفحة كل ظهيرة محاولا بكل وسيلة ان لاتنفد قراءتها لفرط سحريتها وسوريالية النحت في لغتها وتفجراتها .. وانعطافاتها .
كما ان احالتها الى واقع البلاد كانت تقارب الذهول ..
وكان الجنرال الحاكم في بلادنا بعد عاصفة الصحراء يزداد عزلة وفردانية وتجاهلا لكل حقيقة مستمتعا بقدرته على خلط سياقات الزمن والأحداث ليعيش نشوته النرجسية في قصره ، فقاعته :
( كان يأمر أن تؤخر ساعة الحائط ،
عليها أن لاتعلن منتصف النهار في منتصف النهار حتى تبدو الحياة أطول وتؤخر الساعة بدون لحظة تردد بدون توقف عدا ساعة الموت ،كان من الصعب التسليم بان ذلك الشيخ الذي لايمكن إصلاحه هو بقية إنسان ،كانت سلطته من القوة بحيث سأل ذات يوم كم الساعة ألان ، - الساعة التي تريدها سيدي الجنرال أجابوه)
*
الحق ان الوعي في بلادنا سيحتاج الى وقت طويل ، لتكشف الدراسات ان خطاب الحاضر الديني او الطائفي وقد استغرق 9 سنوات حتى الساعة منذ الأحتلال الأمريكي ، ماهو الاّ تبديد لعقود من الوعي المضاف الى العقل العراقي الذي كان من الممكن ان يتوجه الى تحليل الشخصيه العراقية وقوتها الباطنية التي ساعدتها على البقاء تحت سلطة الحزب الواحد والفرد الواحد ال من خلال الحكمة والأحتيال على التحدي السياسي والفردي للسلطة كل بمنهجية خاصة : القراءة او العزلة او الرياضة و الشراب .. الحبوب المهدئة .. الصلاة .. التدين او الأنتماء الى قوة الطائفة خشية تبدد الهوية وكان الجنرال في الحياة و في الرواية واحالاتها معزولا وبعيدا منشغلا بالتفاصيل التي تشغله عن الجوهري :
( ينعزل ليقرر مصير الوطن ويوقع كل أنواع القوانين والمراسيم بصما بإبهامه لأنه لايجيد القراءة ولا الكتابة ** ولكن بعد أن تركوه وحيدا مرة أخرى مع وطنه وسلطته كف عن التبرم بالقوانين المكتوبة التي ليست سوى سخافات وشرع في الحكم شخصيا بصوت حاد في كل آن ومكان ،كاشفا عن هوس بالجزئيات وعن حرص لايتصور لدى رجل في عمره ..
*
ان تفجرات الرواية سحر خاص سردا وكتابة .. ابتكارا للغة جنونية احيانا ومايزال في رراسي صورة زوجته حين ارااد التخلص منها ، وداهمتها وهي خارجة من احد الأسواق العامة مجموعة كبيرة من الكلاب لتلتهمها بحيث لم يتبق منها غير يدها التي حاولت طلب النجدة بها اول لحظة الهم وهي تنتقل بين افواه الكلاب وقضماتهم الموجعة ... انني كنت وانا اقرأ الرواية بهدوء بأزاء 125 سنة من تعاقب 14 جنرالا يختصرون في قصر واحد كل صورة باطل حتى تطل الأبقار من ذلك القصر على صورة الوطن .. وحين استعيد العبارة التالية :
( أدركنا أن من المستحيل علينا التعرف إليه حتى وان لم تكن العقبان قد نقرت وجهه ،ذلك إن احد منا لم يسبق له أن رآه قط ،رغم إن صورته الجانبية كانت مرسومة على وجه العملة وقفاها وعلى طوابع البريد والمنحوتات الحجرية ،كنا نعلم بأنها لم تكن سوى نسخ منسوخة لرسوم سابقة مشوهة في زمن النجم المذنب عندما كان آباؤنا يعرفون من يكون لأنهم استمعوا لروايات ابائهم.)
اعرف تماما اليوم ان الدكتاتوريات قد نحتت طريقها في حجارة الوعي المتراكم لأجيال وارثة مجموعة رليفات بقيت ثابة لسلطة الذكورة والأبوة ولرجل الدين والفردية القاتلة .. من اين سيأتي الوعي ومتى لنكتب حقائقنا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز