الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بل أهل الشام من أدرى بشعابها 2-2

عادل أسعد

2012 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لا يهم ان كانت زلة لسان أم زلة اعتراف بالخطأ من السيدة أشتون ربيبة السياسة الانكليزية المحنكة عندما ختمت سيل تصريحاتها السياسية عن سوريا باذعانها أن شعاب بلاد الشام شديدة التعقيد ، بل هي الأعقد في العالم . فالممثلة السامية للمفوضية الاوروبية كانت الرائدة بتصريحها ذاك في التنبيه لخطورة الأرض السورية و في الدعوة للنأي بالنفس عن الخوض المباشرفيها . صحيح أن آشتون قد تكلمت بلسان السياسة الانكليزية صاحبة الدهاء و الحنكة الأعرق في شعاب الشرق و لها الباع الطويل في دهاليزه إلا أن هذا السبق في الرؤية السياسية لثنيايا أراض الغير دوناً عن باقي ساسة الغرب يسجل لابنة بريطانيا التي أقرت بأن" مفوضيتها" قد بدأت تعي ما هو أبعد و أعمق من الاحصائيات الروتينية التي صنعت للغرب سطوته و" فوضته" على عباد الشرق .
اوروبا قبل اقرار آشتون غير اوروبا التي بعده يشذ عنها مفوضية ساركوزي التي تحب أن تحلق بعيداً بأحلام نابليون الغابرة أكثر من السير على أرض ديغول المعبدة ، فشعاب بلاد الشام قد قالت كلمتها قبل آشتون بزمن و مازالت تتوعد و لكن المعاندين كثر، و الغير مبالين كثر، و المجازفون و المستهترون أكثر و أكثر!!! و لكن قلة من أعطت اذنيها لصراخ سوريا لتسمع أنها لن تستطيع أن تسرح في أراض أشد غموضاً من صحارى ليبيا بألف مرة و لا يمكن الاحاطة بها بخريطة و بوصلة أهل مكة ، و أهل الشام قد أثبتوا أنهم منسجمين مع وعورة شعابهم برفض غالبيتهم الانخراط في حروب وكالات على أرضهم و بأصرارهم على التمسك بالعقد كي لا ينفرط ، فأسمعوا من يصغي أن دروبهم أوعر من أن تجتازها مركبات الناتو و العم سام حتى لو فرشوها برمال بلاد الحجاز كلها .
يملك السوريون أعين راصدة قوية و ذاكرة أقوى ، و هم يعرفون أنه كلما كثر العنف على السطح دل ذلك على تنوع الحكايات التي وراءه و على غزارة ارتباطاته و عمق أصوله و تزداد بالمقابل قراءتهم دقة و عناية ، فما لشعابهم من حفر و مطبات لن تمر عليهم مرور الكرام و فيلم سحل جثة الجندي السوري في يبرود الذي كان قد عرضه التلفزيون السوري يروي ما هو أكثر من عملية سفك دماء و يرتبط بما هو أعمق من التمثيل بالجثث .
يرى ابن الشام في الفيلم "بعد الصدمة" من ضمن ما يراه أنه هناك سيارة أخرى قد شاركت في عملية السحل و كان عليها مهمة التصوير مما يعني ان العملية قد تمت بموكب و ليس بسيارة مفردة فيها بعض القتلة و المهربين مما يدل على التنظيم العصاباتي المدروس للجناة . و يرينا الفيلم أيضاً أن سيارات الموت لم تعمل على أن تنهي مهمتها بسرعة و من ثم تتوارى و تختفي مما يدل على الثقة الكبيرة التي للقتلة في البيئة الحاضنة لهم ، تلك البيئة التي تجرأت مرة الراهبة أغنيس على التطرق لها من ديرها المجاور ليبرود و التي استحقت على تطاولها ذاك على الثورة "المعصومة" أن تسحل وراء أقلام الربيع السوري . أما توقيت الجريمة فيظهر أن أبطال السحل قد تقصدوا الظهور في وضح النهار و في الشوارع العريضة العامة مما يدل على تحديهم لقوات الأمن و الجيش السوري اللذين غابوا عن المشهد و انكفأوا عن الشوارع الساخنة تحت ضغط اتفاقية المراقبين الدوليين!!
مع استمرار الولوج في الشعاب تسبر العيون أصولاً أعمق و مقاربات أخطر لحدث السحل ، فالجناة قد توقفوا في الفيلم في حي "معين" ليصرخ أحدهم مهدداً العموم و ليس أشخاصاً محددين بالأسم بأن كل متواطئ مع النظام السوري سيلقى نفس مصير الجندي المسحول!!! و لم يتقاعسوا أهل الشام عن تلقف الرسالة و قراءة ما وراءها ، فالمضمون شديد الوضوح و الكتابة و إن كانت صياغتها صحراوية لكنها مكتوبة بلغة محلية ، فبفعل تعميم التهديد يكون العقاب قد تجاوز المختلفين بالأراء ليطال المختلفين بالعواطف أيضاً ، و مع اضافة شتائم التكفير التي سمعناها بالفيلم و التي كانت موجهة للقتيل لتصيب الجوار يأخذنا التفكير إلى ما كان قد عرف بتنظيم القاعدة في العراق الذي استخدم نفس الاسلوب و نفس الخطوات في زمن وصل القتل فيه إلى مصاف الفضيلة عندما كان للعراق السبق في الغوص بوحول الربيع . و قد اشتهروا ؤلاءك القتلة وقتها بتهديدهم و بترهيبهم للجوار عن طريق التنكيل بجثة لرجل موالي للجيش أو لقوى الأمن في الأماكن العامة ، و قد شكلوا لاحقاً ما عرف ببيوت الرعب الخمسة الشهيرة في العراق .
أخطأوا أبناء الربيع السوري و من يحيطهم من دوائر اقليمية و عالمية جميعاً (وباعترافهم) في قراءة الواقع السوري و في تقديرعناصر القوة على أرض الشام ، فأهل الغرب قد بالغوا في اعتمادهم على الأرقام و الوصفات الجاهزة ، و حسب الحلقة الأولى من "خبايا باب عمر" قد وصل الأمربالغرب لدرجة تبنيه لمراسل بالكاد قد تجاوز دراسته الابتدائية لينظروا من خلال عينيه على الشعاب السورية !!! و أهل مكة قد أخطأوا عندما أسقطوا وصفتهم الوحيدة المنبسطة على مسالك بلاد الشام الشديدة التعرج . لكن اللوم لا يقع على الغرب و هو الذي ثمل من انتصارات سهلة و غير مكلفة حققها له الربيع العربي فأسقط الحالة السورية مخطئاً على نفس ورق الحسابات الليبية و اليمنية ، بل كل العتب يقع على أبناء الشام ممن قرأوا شعاب مكة بدلاً من اعتمادهم العقل و الروية في دراسة أرضهم و جوارهم ، هذه القراءة التي ترى في صاحبها مقاتل خلف يستطيع بسيفه و خيله تحقيق ما عجزت السياسة و العلم عن بلوغه و قد تمنطق بحكايات الأحباط و القهرالتي ولدت من رحم هزيمة السلف في الثمانينات و من ويلاتها . لكن هؤلاء المقاتلين الجهاديين قد حملوا اشكالية معهم تكمن في اصرارهم على قراءة ذواتهم فقط و على التغني بقدراتهم القتالية المباركة ، و على تبرير هزائمهم بخيانات الدول و بخذلان الأنظمة لهم فاحتقروا المقاتل المقابل و اجتروا تصور عنه يظهره على أنه مرتزق مهلهل سوف يولي الأدبار إلى "ضيعته" عند أول اختبار قتالي حقيقي له ويترك قادته لمصيرهم . و هكذا بات ابن الربيع لا يشكك أبداً بمعادلات القرن المنصرم و التي ترى أن النظام الحالي في سوريا يعتمد في بقاءه "فقط" على ابقاء حاجز الخوف قائماً!! فجاءتنا مشاهد السحل في الشوارع بعد مشاهد التمثيل بالجثث في الساحات العامة في محاولة من المسلحين لخلق خوفاً جديداً بالجملة لمقاتلي النظام السوري و لمواليه و للصامتين يكون أقوى من الولاء للسلطات و أكبر من هيبة الأمن السوري . لكن ما قد فاتهم هو أن ما يصيب مع الشعاب الأمريكية و الغربية عموماً قد يفضي إلى نتائج معاكسة مع شعاب سوريا ، و ما قدر يٌُِِرهب هناك قد يُغضب هنا فالجميع ليسوا بسواسية في رؤيتهم للحياة و في طبيعة حساسيتهم للقتل و من ثم للتنكيل ، و شعاب بلاد الشام تضم مما تضمه وجداناً يفتح التنكيل فيه جروحاً غائرة و الهزيمة بالنسبة له هي "ذلة" و القادم من الأيام قد يكون أكثر حمرةً من ذي قبل ، فمن لم يحرك ساكناً بعد رؤيته لزميله و هو يسحل قد لا يكون بالضرورة مشلولاً من الخوف بل مشغولاً بعد عدته لدك بيوت الرعب من أساساتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو