الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارضة ضائعة أم تدعي الضياع؟

محمد جمول

2012 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


" من حسن حظ المرء أن يكون خصمه أحمق"
الإمام علي بن أبي طالب
محمد جمول
هناك فارق كبير بين الغبي والمتغابي، وغالبا ما يكون التغابي شكلا من الدهاء أو الخبث. وفي الحديث عن المعارضة السورية، التي اختارت العنف والاستقواء بالخارج، بما هي عليه من التشتت والاختلاف، يمكن الحديث عن غباء غالبيتها وتغابي بعض منها. وهنا يمكن القول إن الطرفين كانا خلال الشهور الأربعة عشر الماضية يلعبان لعبة التذاكي تجاه بعضهما بعض، ولعبة التضليل تجاه مجموع الشعب السوري. ويمكن التدليل على ذلك بالوعود الكبيرة التي أغدقاها على الشعب خلال تلك الفترة ليتبين في كل أسبوع وفي كل شهر أن مجموع الأهداف التي تحققت على أيديهم كانت صفرا أو أقل بكثير إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم الدمار المعنوي والنفسي الذي أصاب سوريا أرضا وشعبا بسبب تبني هذه المعارضة لأهداف تفوق طاقاتها بكثير، وتدل على أنها كانت تتباهى بطول شعر الناتو وتركيا.
في مقالة بعنوان " معارضة ضائعة" لميشيل كيلو في صحيفة " الشرق الأوسط" يعترف ، وهو العارف بتكوينات المعارضة السورية وتكوين الشعب السوري، بأن هناك عملية مخاتلة أو "مخادعة" بين المعارضة الإسلامية وبقية أطياف المعارضة. ومن خلال كلامه نفهم أن كلا منهما يريد أن يوظف الآخر ليكون الواجهة التي تتلقى الصدمات. ونحن نعرف أن تبادل الأدوار بين الطرفين لم يكن قائما على الثقة ولا على وحدة الأهداف والمسار. فقد أراد الإسلاميون واجهة علمانية ديمقراطية حضارية تتكون من شخصيات سياسية وفكرية وأدبية تقدمهم إلى العالم بالصورة التي لا علاقة لهم بها، بعيدا عن صور القتل والدعوات إلى الانتقام الطائفي. وبالمقابل أراد هؤلاء الاستفادة من الإسلاميين وما يمثلونه من قوة على التحشيد والتعبئة ليظهروا وكأن أفكارهم ونضالاتهم السابقة لم تضع سدى وأن كل ما بشروا به من طهر الثورة ونبل أهدافها بدأ يتحقق على الأرض. وهكذا تحول بعض اليساريين والعلمانيين إلى أيقونات إعلامية تقضي السهرات متنقلة من وسيلة إعلامية إلى أخرى لتروج لمتظاهرين كانت الشعارات الطائفية والدعوات إلى القتل جزءا أساسيا من حراكهم ( والأمثلة كثيرة لم يكن آخرها ما عرضته إحدى القناوت الفرنسية عن دعوات عبد الباسط الساروت في إحدى مظاهرات حمص لإبادة طائفة بكاملها). ومن هنا يمكن الإشارة إلى شيء من التواطؤ الخبيث بين الطرفين: فقد سكت معظم القوى المنخرطة في هذا الحراك عن جرائم ارتكبت باسم الثورة ولا يمكن لأي عاقل أن يقبلها، ولم تصدر أية إدانة مع العلم أن بعض هؤلاء يعرفون أدق التفاصيل عن بعض هذه الجرائم. لقد تمت التغطية على كل ذلك من خلال الحديث عن ثورة شعب يريد حقوقا نبيلة ويخوض ثورة نقية نقاء أطهر الثورات الموصوفة في كتب التاريخ والسياسة. وبالمقابل لاحظنا أن وسائل الإعلام ذاتها أقصت كثيرا من المفكرين والسياسيين اليساريين بعد أول إطلالة إعلامية على شاشاتها حين أدركت أنهم لا يقبلون أن يكونوا جزءا من هذا التواطؤ على الشعب السوري وعلى الحقيقة مهما كان المستفيد أو المتضرر منها، وأنهم يرفضون تسمية عمليات تقطيع الجثث واختطاف الأبرياء وتدمير المستشفيات والمدارس عملا ثوريا يريد الحرية والديمقراطية.
الشهور الماضية من الأزمة السورية أضاعت سنوات من عمر الشعب السوري. والمسؤولية ليست على النظام وحده. يجب تحميل هذه المعارضة قسما أكبر من هذه المسؤولية. وقد سبق لي أن كتبت منذ شهور أن هذه المعارضة بلا رؤية. وهاهوذا ميشيل كيلو يقول إنها "معارضة ضائعة". وقبل أيام كتب الأديب الكبير رشاد أبو شاور في القدس العربي ما يشير إلى الحالة البائسة التي تسبب بها من استخف بدم الشعب السوري واستدعى القاعدة إلى سوريا. ومن خلال اللقاءات والأحاديث مع من كان حماسهم بلا حدود لهذه المعارضة، يتبين لي يوما بعد يوم وبأسرع مما كنت أعتقد أن هؤلاء المتحمسين بدأوا يفقدون الثقة بقياداتهم ويعترفون بصراحة أن هذه القيادات المقيمة في الخارج مع عائلاتها والتي تتقاضى العمولات والدعم المالي المفتوح، ساهمت في توريط الناس وتوجيه رسائل خاطئة إلى الداخل أدت إلى الإيغال في قتل السوري للسوري والاستخفاف بالرابطة الوطنية لصالح الولاء للخارج ممثلا بدول الغرب الاستعماري وحلفائها أو باستقبال إرهابيين من دول أخرى.
وباختصار يمكن القول إن كلمة الإمام علي بن أبي طالب " من حسن حظ المرء أن يكون خصمه أحمق" تنطبق على هذه المعارضة التي لم تتوقف على مدى عام وشهرين عن بث الأخبار الكاذبة والتوقعات التي تحولت إلى كوارث على رأسها ورأس الشعب السوري. ومع ذلك لم تتوقف لحظة لتقول لجمهورها: " عفوا لقد أخطأنا هنا أو تسرعنا في هذه المسألة أو تلك" سنة وشهران سقط النظام فيها مرات ومرات حسب وعودهم، وانشق الجيس السوري انشقاقات تكفي لتفتيت جيوش نصف العالم الأقوى، وارتكب الجيش العربي السوري من الجرائم ما يكفي لإبادة عدد يفوق عدد الشعب السوري. ومع ذلك بقي الشعب السوري متماسكا وظل جيشه قويا. لقد تم تصوير الجيش السوري وكأنه لا يعمل على شيء سوى اصطياد كل من يتحرك في أي شارع سوري، وقصف بيوت الآمنين وتدميرها وحرقها من دون أي سبب.
ألا يحق للشعب السوري أن يتساءل عن الجهة التي تقوده إليها هذه المعارضة التي لم تنجح في شيء قدر نجاحها في التوالد والتكاثر والانشقاقات وإنتاج معارضات لم يسمع بها السوري، وقد كان آخرها حكومة نوفل الدواليبي التي لم تضف جديدا ولم تقدم مفيدا سوى تكرار تأكيدها الحرص على أمن إسرائيل وإقامة أفضل العلاقات معها، وكأن الشعب السوري لا يهمه شيء سوى أمن إسرائيل وسلامتها، وكأن العالم كله تخلى عن إسرائيل ولم يبق لها معين سوى المعارضة السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة