الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الأزمة

ساطع راجي

2012 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


المشاكل السياسية الطافية على السطح في العراق هي مشاكل علاقات بين شخصيات وكتل واحزاب، وهي مشاكل تخاصم وتقاسم وخلافات على توزيع حصص وايفاء عهود تخص القوى والشخصيات السياسية أكثر مما تخص ادارة الدولة والعلاقة بين المكونات، ولأن هذه المشاكل شخصية فهي تدار غالبا بصورة شخصية وينمو تبعا لذلك مؤيدون شخصيون للزعماء يدافعون عنهم ضد "زعماء" خصوم، ونمت مع مرور الوقت حواشي شخصية تملأ الدنيا ضجيجا يوميا بمعارك اعلامية فارغة من اي مضمون عدا التقرب من الزعيم او التطفل على زعامته.
المشاكل الشخصية تحولت الى خطاب أزمة يوجهه الزعماء الى بعضهم البعض والى اتباعهم وهو خطاب نجح في ملء الفراغ الواسع الناجم عن غياب خطاب الاداء وغياب خطاب الاديولوجيا، فالزعماء تجاهلوا تماما كل ما طرحوه من وعود لناخبيهم ولأنهم لا يريدون الوقوف بموقف المدافع عن اداء غير موجود اصلا ولتسلية الجمهور واضاعة وقته بعيدا عن الملفات الحقيقية والتعهدات الانتخابية لجأ الزعماء الى هذا العراك والمصالحات الدورية، دوامة من التهييج والتهدئة، دوامة لابتلاع الزمن وتبديده دون تقديم منجزات حقيقية سواء في ارضاء طموحات المواطنين أو بناء الدولة، خاصة عندما تحين لحظة التساؤل عن المنجز في منتصف عمر الدورة البرلمانية حيث تكون هذه النقطة فاصلة في تقييم الاداء ومراقبة تنفيذ الوعود وهو ما تحاول القوى السياسية العراقية الهاء المواطنين عنه اليوم.
خطاب الأزمة ومهاتراته وحروبه اليومية يعوض عن غياب خطاب الاديولوجيا بعدما وجدت الاحزاب العراقية نفسها في ورطة الوجود السلطوي حيث الحسابات تخضع لظروف تختلف جذريا عن حسابات المعارضة وحماس الجدل العقائدي ووجدت الاحزاب نفسها أمام اختبار حقيقي لما كانت ترفعه من شعارات وتدافع عنه من افكار وصارت تعيش حيرة يومية في محاولة التملص من ذلك الارث الثقيل وهي لذلك تسعى جاهدة لاختلاق ازمات خطابية تشوش الجمهور وتبعد الاذهان عن الاسئلة الحقيقية التي تتعلق بتحقيق شعارات دينية وقومية ووطنية وطبقية أصبحت في مهب الريح أمام المكاسب الهائلة للسلطة وهي مكاسب يتطلب إدامتها عماء عقائدي يسمح بتجاهل الاسئلة المحيرة عن مصير "النضالات" و"مسيرات الجهاد" و"تضحيات الشهداء".
خطاب الازمة الذي يسيطر على المناخ السياسي في العراق هو خطاب مفتعل وغير حقيقي الا بمقدار ما ينتج من صخب يغطي على مفاسد وصولات فشل وانهيارات في الاداء السياسي، ولذلك يعجز خطاب الازمة عن انتاج مخارج وتصنيع اتفاقات سياسية حقيقية وعملية قابلة للتنفيذ والمتابعة ويمكن إخضاعها للمراقبة.
خطاب الازمة يصطنع مناخا يدفع بالمواطن الى تجاهل كل الاخطاء والفشل والفساد والذهاب دائما الى صندوق الاقتراع وهو تحت ضغط الذات الجريحة التي تعرضت لمواجهة غير عادلة من خصوم أبديين أشرار لا يمكن إصلاحهم ويرى المواطن تحت هذا الضغط إن أفضل ما يمكن أن يفعله هو التمسك بزعيمه مهما فعل هذا الزعيم فهو يعيش في حالة تطابق معه، حيث يرى المواطن في أزمة الزعيم أزمته الشخصية رغم إن الواقع يشير الى عبث الزعيم السياسي بأزمات ومشاكل أتباعه والغائها او تجاهلها لصالح أزمته الشخصية أو ما يتم تسويقه على إنه أزمة.
الخلاص من خطاب الازمة يكون في وضع فاصل حقيقي بين مشاكل الزعماء ومشاكل المواطنين بدرجة تدفع الزعماء الى تبني مشاكل المواطنين في العمل والخدمات والامن والاقتصاد وليس ذوبان المواطنين في نزاعات الزعماء على المال والسلطة والسلاح، وهو فاصل يبنى على تجاوز الخديعة اليومية التي يتم تسويقها عبر الدمج الى حد الذوبان بين شخصية الزعيم السياسي وشخصية الكيان الاجتماعي سواء كان مذهبا او قومية، حيث لايوجد شخص حتى لو كان زعيما يكون اختزالا لمكون اجتماعي، والمكون الذي يراهن على مستقبله بهذه الطريقة يكون قد إختار طريق الفشل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل