الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحوّل الديمقراطي ومشكلة الأقليّات

عبد الكريم بدرخان

2012 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



الديمقراطية هي الشكل السياسي للدولة الحديثة الناجم عن مضمون اجتماعي ديمقراطي، فعندما يمتلك شعبٌ ما ثقافةً ديمقراطية فسوف يظهر في سلوكه وممارسته على أنه شعبٌ قادرٌ على حكم نفسه بنفسه، ابتداءً من الأسرة كأصغر خلية اجتماعية وانتهاءً بالدولة التي ستظهر كواجهة لطبيعة العلاقات الديمقراطية القائمة في المجتمع.

- هل التحوّل الديمقراطي مشكلة؟
لن تكون هناك أي مشكلة في التحول الديمقراطي عندما تكون الديمقراطية نابعةً من صميم المجتمع، ونابعةً من سلوك الأفراد والجماعات والمؤسسات، لكن المشكلة تظهر عندما نطبّق الديمقراطية على مجتمعات غير ديمقراطية، وعلى دولٍ هي ليست بدول من حيث انتماء الأفراد لها أو من حيث انتمائها للأفراد، بل هي أشبه بسلطة بوليسية تسيطر عسكرياً على مجموعة من القبائل والطوائف بشكل لا يختلف كثيراً عن أي احتلال أجنبي، ولذلك عندما نأخذ الديمقراطية على أنها صندوق اقتراع فقط، فسوف نحصل على حكومة ديمقراطية فعلاً، لكنها تحكم مجتمعاً غير ديمقراطي، ومن هنا.. من حالة الفصام هذه.. تبدأ المشكلات.

- ما هي مشكلة الأقليّات؟
في الديمقراطية الحقيقية لا يوجد أقليّات طائفية/ إثنية ولا أكثرية طائفية/ إثنية، بل يوجد أقليات سياسية وأكثرية سياسية، ولكي تكون الأكثرية سياسية يجب أن تكون أكثرية أفقية لا عمودية، فالعمودي في المجتمع هو كل ما يتعلّق بالهوية سواء تجلّتْ بالدين أو الطائفة أو العرق أو القبيلة، أما الأفقي فهو يتجاوز التقسيمات الإلهية الراسخة ليتحوّل إلى تقسيمات عبر الأحزاب السياسية والنقابات الأهلية والمؤسسات المدنية، فالامتداد الأفقي هو المجتمع المدني.
تظهر مشكلة الأقليات عندما تتحوّل الأقليات الطائفية/ الإثنية إلى أحزاب سياسية، هذا التحول سوف يؤدي إلى شرخ المجتمع بشكل طولاني، وكذلك عندما تتحول الأكثرية الطائفية/ الإثنية إلى أكثرية سياسية، فإن التركيب السكّاني سوف يضمن لها البقاء في السلطة واحتكارها، وبمقابل استبداد الأكثرية بالسلطة سوف تطالب كل أقلية بحصص سياسية تتناسب مع نسبتها من التركيب السكاني، وهنا تتفاقم المشكلة أكثر وأكثر، لأن الطائفة/ الإثنية سوف تصبح السلّم الذي يصعد من خلاله الفرد إلى العمل السياسي، وهذا يؤدي إلى تكريس الطائفية/ الإثنوية في المجتمع، ويؤدي إلى حروب أهلية بشكل دوري.

- ما هي الأسباب البعيدة لمشكلة الأقليات؟
1- إن شعوب الشرق الأوسط بطبيعتها شعوب متديّنة، وهي تعطي مكانة اجتماعية مرموقة لرجال الدين، ولذلك يظهر الانتماء الديني فيها بشكلٍ جليّ، وبالرغم من أنّ التيارات اليسارية والقومية التي سادتْ في النصف الثاني من القرن العشرين قد ساهمت في تقليص الانتماءات الدينية، إلا أنها عادت وظهرت في التسعينيات، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وتبدد المشاريع القومية العربية.
2- إن النظام الاستبدادي القمعي يؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية، ويعزّز الانقسامات والصراعات الطائفية/ الإثنية، لأنه نظام يقضي على الحياة السياسية، وعلى منظمات المجتمع المدني، وعلى أي تجمعات لا تكون خاضعة له مباشرة، وفي ظلّ حالة الموات هذه التي تسود الدولة والمجتمع، سوف يعود الفرد إلى انتمائه الديني أو الطائفي أو العرقي أو القبلي ولن يستطيع الخروج منه.
3- عدم قدرة المؤسسات التربوية الحكومية أو الأهلية على خلق الفرد الذي يتجاوز في سلوكه وفي مواقفه الانتماءات الطائفية أو العرقية.
4- الخطاب القومي العربي الذي جاء من منطلق إيديولوجي لا من منطلق واقعي، وقسّم الشعب إلى نوعين: الأول هو العربي.. وهو حامل الرسالة الخالدة، والثاني هو غير العربي.. وهو الدخيل والعميل والمحبّ للتقسيم والانفصال، هذا الخطاب تبنّى سياسة إلغاء الآخر وصهره قسراً في بوتقة العروبة، ولم يعترف له بالاختلاف أو الخصوصية، مما أدى إلى نتائج عكسية، لأن البشر بطبيعتهم ينفرون مما يُفرض عليهم جبراً.

- ما هي الحلول المقترحة لمشكلة الأقليات؟
1- إبعاد الدين عن السياسة، فعندما تتحول الطائفة إلى حزب سياسي، فإنها سوف تسعى كأي حزب سياسي للحصول على مناصب ومكاسب سياسية، لكن المصيبة أنها قد تدّعي أن سلوكها السياسي يمثّل الإرادة الإلهية، وأن سلوك الطوائف الأخرى هو سلوك كافر بأقلّ تقدير، ولذلك فإن المشكلة الطائفية هي أخطر من المشكلة العرقية، بسبب دخول مفهومات الإيمان والتكفير فيها.
2- إقامة نظام ديمقراطي قائم على أساس المواطنة والمساواة والحرية، ولو ظهرت فيه مشكلة الأقليات في بدايته، إلا أن استمرار دولة القانون والمؤسسات والحريات سوف يكفل ذوبان الحواجز الطائفية/ الإثنية شيئاً فشيئاً.
3- بناء الفرد القادر على تجاوز انتمائه الطائفي/ الإثني، الفرد الذي يحدّد موقفه بحرية كاملة، دون أن يكون موقفه جزءاً من الموقف العام للطائفة أو الإثنية التي ينتمي إليها، لأننا لا يمكننا أن نتحرر من الاستبداد السياسي إذا لم نتحرر من الاستبداد الديني والعشائري.
4- النظر إلى الأقليات على أساس الشراكة التاريخية لا على أساس المواطنة فقط، فالتعدد الديني والعرقي ليس مشكلة بحدّ ذاته، بل المشكلة هي عدم قدرتنا على صياغة مجتمعات تقبل بالتعدد والاختلاف، أي عدم قدرتنا على قبول الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا