الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الثورة والهوجة وركوب الموجة

فاروق عطية

2012 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مفروس أنا من إخمص قدمى حتى قمة رأسى, محبط أنا حتى النخاع وخائف على وطنى من الضياع, ومرعوب أنا مما يحدث ولا أجد له تفسيرا غير الجنون. أدعو أنا ربى أن يكون ما أشاهده وأراه بأم عينىّ ليس بحقيقى بل أضغاث أحلام.
حين اندلعت ثورة الياسمين 25 يناير هللت وفرحت وظننت أن ما عملنا له وجاهدنا من أجله ودبجنا له المئات من المقالات طوال السنين قد تحقق. وزاد الفرح والبهجة حين انزاح كابوس المخلوع وتنحيه عن السلطة. قلنا أنها ثورة حقيقية تضاف لثورة 1919 الشعبية التى فجرها الشعب بلا جيش ولا قوة غير الإرادة الشعبية الصادقة. ثورة قام بها شباب صادق سلمىّ لا يرغب إلا فى الحرية والعدالة والديموقراطية. ثورة حاربها ووقف ضدها السلفيون عملاء مباحث أمن دولة المخلوع من منطلق إيمانهم بأن لا خروج على سلطة الحاكم حتى لو كان فاسقا. ثورة توارى عنها الجماعة المحظورة جبنا وخوفا فامتنعوا عن المشاركة حتى تيقنوا من نجاحها فبادروا بالنزول. وبعد أن أيقن الجميع أنها ثورة حقيقية قد أتت أُكلها بادر من رفضها من السلفيين ومن تجنبها من الأخونجية إلى التواجد فى الميدان بكثافة بل وتسلقوا على أكتافها وكذبوا قائلين أنهم مفجريها, وظلوا يكذبون ويكذبون حتى صدّقوا أنفسهم بأنهم أصحابها, وتمادوا فى الكذب وتجاهل أصحاب الثورة الأصليين ونحّوهم عن المشهد واستأثروا بكل المكاسب.
نجح المتسلقون فى استقطاب المجلس العسكرى وعقدوا معه صفقات مشبوهة على إثرها تشكل منهم لجنة تعديل بعض مواد الدستور التى صاغوها بحنكة كى تحقق مآربهم التسلقية. وبالدعاية فى المساجد والزوايا داعين الناس أن يقولوا نعم لنصرة الإسلام ونبيه ونصرة بقاء المادة الثانية التى كانت غير معنية فى التعديلات, وقالوا للبسطاء أن نعم تدخلهم الجنة, ولا تدخلهم للنار وبئس القرار, ونجحوا فيما أسموها بغزوة الصناديق. وفى انتخابات البرلمان بمجلسيه استخدموا نفس الأساليب التسلقية مستخدمين الدين والمساجد رغم أنه مخالف للقانون, كما استخدموا الرشوة بالمال وزجاجات الزيت وأكياس السكر والأرز ليحصدوا أغلبية مزيفة. ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا كل السلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية والرياسة أيضا, وتهميش بل إقصاء كل من ساهم فى قيام الثورة, فتحولت الثورة على يديهم من ثورة إلى هوجة. هوجة يدعون فيها لمليونيات تهدد وتدمر وتحرق, حرائق تندلع فى كل مكان, مصانع تحرق ومزارع تدمر وطرق تقطع بلا سببب غير بث الفوضى والرعب بين الناس.
وما أثار حنقى وزاد فى إحباطى ما حدث عند فتح باب الترشيح للرياسة, مئات من الناس منهم المصوراتى والقرداتى, منهم الحرامى والمرابى, منهم الحاوى وصاحب البلاوى, منهم من لا مهنة له ومن لا يعرف الألف من كوز الذرة, كل سافل ومنحط يطمع أن يعتلى عرش نارمر وأحمس وخوفو ورمسيس وتحتمس وإخناتون والمعز لدين الله وصلاح الدين وقطز وشجرة الدر وفؤاد الأول وفاروق الأول وجمال عبد الناصر وأنور السادات, كأن العرش أصبح مسطبة يعتليها كل من هب ودب بلا ضابط أو رابط. ترشح من الأخوان مليونير كوّن ملايينه من دم الناس وهو أيضا ضالع فى الإجرام حتى النخاع محكوم عليه بالسجن وخرج لعلة المرض فى صفقة مريبة مع المجلس العسكرى وحين أشيع احتمال شطبه رشحوا مرسى كفردة استبن بجانبه. ورشح السلفيون كذوب ومدلس, أمه تحمل الجنسية الأمريكية وكل عائلته يعيشون ويتلقون العلم فى أمريكا ويحملون جنسيتها, وهو يكذب ويضلل وينفى. وجن جنون الجميع عندما تقدم عمر سليمان للمنصب, وسارع مشايخ البرطمان فى سن قانون معيب لمنعه من الترشيح, ولكن اللجنة العليا لانتخابات الرياسة فاجأت الجميع بشطب عشرة من المتقدمين على رأسهم عمر سليمان والشاطر وصلاح أبو اسماعيل لأسباب قانونية. هنا ثارت ثورة مشايخ التضليل وهاجوا وماجوا وهددو بحرق الحرث والنسل وأنهم سيحولون البلاد إلى مذابح, وتجمعوا شاطرون وحازمون وكاذبون ومضللون فى ألاف مؤلفة يحملون الأسلحة والذخائر مندفعين بلا روية إلى ميدان العباسية, متجمهرين حول وزارة الدفاع منددين بحكم العسكر محاولين اختراق حصنهم الحصين, فكانت المذبحة البشعة التى عشناها هذه الأيام السوداء
http://www.youtube.com/watch?v=C11u6-YKkAc
وما يحيرنى أن الذين يحشدون الحشود ضد وزارة الجنزورى هم أول من دعمها ودافع عنها وأدان رفض الثوار لها, والذين يعترضون اليوم على المادة (28)، هم واضعوها ومن جيّشّ الجيوش للتصويت لها واعتبروها نصرا لغزوة الصناديق, بل أنهم إتهموا من حذّر من خطورتها بالانقلاب على"الشرعية الدستورية"، والذين يتهمون اليوم"اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية" بانعدام المشروعية ونية التزوير, لم يقولوها وانتخابات مجلسى الشعب والشورى كانت تحت إشراف لجنة مماثلة تركت لهم الحبل على الغارب, وتغاضت عن مخالفات جسيمة لصالحهم. وهم الذين يستخدمون الميدان الآن سلاحا ضد المجلس العسكرى هم أنفسهم الذين تخلوا عن حرمة الميدان وأداروا ظهورهم له ولمن فيه وأدانوا شباب الثورة الذين تواجدوا به بل وتركوهم يُذبحون وتحالفوا مع العسكر على حساب الثورة معتبرين أن "المجلس العسكرى خط أحمر لا ينبغى المساس به", وبغرابة اليوم يتخطون كل الخطوط الحمراء بالسلاح والقذف والاتهام بالخيانة.
وبعد أن سالت الدماء وأعلن الجيش حظر التجول بمنطقة العباسية ومحيط وزارة الدفاع والطرق المؤدية إليها من الساعة الحادية عشر مساء الجمعة 4 مايو إلى الساعة السابعة صباح السبت 5 مايو, والقبض على 75 مسلح بالأسلحة الآلية من مسجد النور, وتفرق المتظاهرين بعد أن تخلى عنهم من حرضوهم وإعلانهم التبرؤ من أفعالهم, نتسائل فى رقبة من تعلق دماء من راحوا ضحايا هذه الهوجة المدبرة بإحكام؟ أرى أنها تعلق فى رقبة الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي لم يتقبل بصدر رحب استبعاده من الترشح للانتخابات الرئاسية وهو يعلم أنه كذوب, وحفز أنصاره علي الاعتصام رغم تأكده التام من أن ذهابهم إلي وزارة الدفاع سيكون محفوفا بالمخاطر. وأقبح ما في الصورة الراهنة ببلادنا أن الانتماء والتعصب لجماعة سياسية أو دينية أصبح مقدما علي الشعور الوطني, فالعضو فيها يتعصب ويتحيز لجماعته فقط, ولا يتصرف كمواطن غيور علي وطنه يحافظ على كرامته والدفاع عنه وقت الشدة. في رقبة الذين كانوا ينافقون الحاكم واليوم ينافقون المحكوم ويساوون بين الوطني والبلطجي, بين الثوار الذين ثاروا لبناء وطنا تسوده الحرية والعدالة وبين من نزل ليدمر الوطن ويخرب ممتلكاته وسرقة شعبه. في رقبة المزيفين الذين يرون في الشباب الذي لف حول وسطه زجاجات المولوتوف وأمسك سنجة وحشي جيوبه بالحجارة صورة المناضل من أجل بلده, أو ومن نصب لنفسه خيمة من الخيش في ميدان أو علي ناصية شارع وتاجر فى الممنوعات أو من تجمع في ميدان وعطل مصالح الملايين وقطع أرزاقهم إعتبره مواطنا ثائرا. في رقبة الذين اغمضوا عيونهم عن انتهاكات القانون بحرق الكنائس وقطع الآذان وتهجير الأسر من ديارهم دون محاسبة, وقطع الطرق وخطوط المواصلات لأتفه الأسباب, ومئات الاعتصامات والاحتجاجات التي اصابت الاقتصاد في مقتل ثم لاموا الحكومة واتهموها بالتقصير. في رفبة الذين كالوا الاتهامات لرجال الأمن وافقدوهم الثقة بالنفس, ثم يتهمونهم بعدم القيام بواجبهم كما يجب في الدفاع عن الشارع والتصدي للمجرمين. فى رقبة الذين أشعلوا نار العداوة بين الجيش والشعب حتى أصبحت الهتافات ضد الجيش قاسم مشترك فى أى مظاهرة وفى أى محافظة, كأنه جيش للأعداء وكأن أفراده مستوردون أو مرتزقة. في رقبة المجلس العسكري الذي عقد الصفقات المضروبة مع الجماعة وسمح بعودة الهاربين من القتلة المارقين الذين استقبلوا استقبال الفاتحين, وسمح بتكويت أحزاب دينية ضد القانون والدستور, وتصريحاتهم المتعاقبة بان الجيش لن يستخدم العنف ضد المصريين مما شجع البلطجية والمجرمين علي ارتكاب ما يحلو لهم دون خوف من ردع أو عقاب, وها هم اليوم يحصدون ما زرعت أيديهم.
وأخير أقول إن الموقف الثورى الحقيقى يتطلب الآن أقصى درجات الوعى واليقظة، ويحتم علينا عدم الانخداع بالشعارات البرّاقة، أو الانجرار خلف دعاوى" ثورية " زائفة، تقود البلاد إلى كارثة لا يعلم إلا الله مداها, والثورة الوليدة التى كانت سلمية بلا دماء إلى حافة الهاوية قد تصل إلى حرب أهلية لا نحبها أو نرضاها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلفيون وركوب الموجة
أحمد السلفى ( 2012 / 5 / 9 - 20:48 )
يقول الكاتب المحترم أن السلفيين عارضوا الثورة من منطلق أنهم مؤيدين للنظام وأن الخروج على الحاكم لا يجوز حتى لو كان فاسقا.حقيقة أن قناعتنا كسلفيين أن استقرار الأمة وعدم الدخول فى فوضى هو لمصلحة الأمة حتى لو كان الرئيس فاسقا, لأن حسابه سيكون عند الله شديدا. وبعد نجاح الثورة نحن لم نتسلق كما فعل الأخوان, فقط دخلنا الانتخابات وأيدتنا الجماهير لثقتها فينا. وأنت ترى اليوم مدى التدهور والفوضى التى تعيشها البلاد نتيجة للخروج على الحاكم. ألم يكن الوضع أفضل مع المخلوع مع اعترافنا أنه فاسق؟؟


2 - الرد على تعليق/ أحمد السلفى
فاروق عطية ( 2012 / 5 / 9 - 21:01 )
عزيزى أحمد. كفى مغالطة أنتم كنتم عملاء لمباحث أمن الدولة ولذلك كنتم مؤيدين لنظام المخلوع. وأنتم والأخوان سواء, أول من ركب الموجة بعد نجاحها. أما تأييد الجماهير لكم فهى مغالطة أخرى. الجماخير نعم أيدتكم لأنكم أدخلتم الدين كوسيلة لكسب الناس وترهيبهم بالنار إن لم يرشحوكم وثوابهم بالجنة إن فعلوا. ومن لم ينخدع بوعودكم الآخروية انحاز لكم بالمال وشنتطة المأكولات من رز وسكر ودقيق وزيت وأوراق مالية. فالشعب الجائع المطحون مستعد أن يبيع ضميره وصوته لقاء لقيمات ألقيتموها لهم. كفى مغالطة ويكفى ما فعله البلكيمى ممثلكم

اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة