الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من طائر النعام

آکو کرکوکي

2012 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كغيري، ومثلي الكثيرين طبعاً، فلقد كنت من المؤمنين بالإشاعة الرائجة عن طائر النعام، أعني الإشاعة القائلة بإن النعامة، عندما ينتابها الخوف، فإنها تدفن رأسها في الأرض، ظناً منها بإن هذا الفعل، سيحميها من الأخطار، تاركة جسمها الكبير (وبكل غباء) في العراء، مُعرّضةً لكل شئ.

بقيت في هذا الظلال المبين، الى أن أخذ غوغل بيدي ، وأخرجني من الظلمات الى النور، ليرشدني الى المعلومة التي أكدتها البحوث أيضاً: بإن النعامة عندما تحس بالخطر، فإنها تدفن رأسها في الأرض، كيما تستشف مصدر الخطر، بتحسس الذبابات، حيث تنتقل الأصوات، في الأوساط الصلبة، بسرعة أكبر من الهواء، وذلك كي تختار لاحقاً، وبكل دهاء، الوجهة الصحيحة، للفرار.

وكعادة أي معلومة جديدة، فبقدر ما تجيب على الأسئلة المطروحة لديك، فإنها تثير وتنتج أسئلة أخرى، والسؤال الذي أثارني، هو:
لماذا راجت تلك الإشاعة إذن؟ هل للتصرفات المشبوهة للنعامة، من دور؟

أقول ربما، ولكن لو لم يكن هكذا سلوك مألوفاً لدينا، أو وجد موقعاً في عقلنا الباطن من قبل، لما كنا آمنا به، وبتلك السهولة.

وبالتأكيد فإن سلوك الذي يدفن رأسه في الرمال، كيما يهرب من الحقيقة، ويغض الطرف عنها، هو سلوكٌ إنسانيٌ صرف. سلوكٌ يمر علينا يومياً العديد من المرات، وخاصة عندما نتابع الأحداث السياسية في العراق.

منذ اليوم الذي فتحت عينيّ على الدنيا، وجهاز الراديو الملاصق لأُذني والدي، وبيانات الأخبار في التلفزيون، وصفحات الجرائد، ولاحقاً الفضائيات، والأنترنيت، يتصدرها الأخبار عن الأزمات السياسية، والحروب الأهلية، والخارجية، التي تضرب كالزلازل العراق.

وبعد تأربخٌ، ليس بقصير، من تفاعلاتي، وإنفعالاتي الآنية، واللحظية معها، وبعد أن تسنى لي الأطلاع على جزءٍ من التأريخ السياسي السابق لهذا البلد المأزوم. بدءت تتبلور عندي أسئلة أخرى ومن نوعية مختلفة.

أسئلة تبحث عن أسباب إطراد، وتكرار الأزمات، والحروب، لنفسها في العراق؟

فهناك تأريخ، من حروب الحكومات المتعاقبة مع كوردستان، وتهميش الشيعة، الى الأنقلابات الدموية المتسلسلة ، وتدخلات الجيش في السياسة، الى صراع القوميين والشيوعيين، الى الحقبة البعثية، ثم الحقبة الصدامية المظلمة، فحقبة مابعد صدام، من الفوضى، والأرهاب، والفساد، الممتدة لحد اليوم. إضافةً للحروب الخارجية، والهجرات المليونية، الداخلية، والخارجية، والوضع المتأزم، مع الجيران وتدخلاتهم وألخ.

وسؤال آخر يطرح نفسه قائلاً: لماذا يُعتبر العيش في الحدود الدنيا من الرغد، والحرية، والأمان، والأستقرار في العراق، يعتبر ضرباً من الخيال؟

بالرغم من التنوع الثقافي، وأموال النفط الطائلة، وخبرة حوالى تسعين سنة من الإدارة، والحكم. وبكل مايحلو للقوميين العراقيين من التفاخر به، من تأربخ (حضاري)، ضاربٌ لجذورهِ في غياهيب التأريخ والزمن.

حول الإجابة عن تلك الأسئلة التأملية، الباحثة، عن جذور المشاكل، ستجد بالتأكيد الكثيرين، ممن سيدفنون رؤسهم في الرمال، متهربين منها، بتفسيرات آنية أو بإنفعالات لحظية مع الحدث. وفي أفضل الأحوال سيفسرون تلك الظاهرة، عن طريق تصور مؤامرة عظيمة، على العراق وشعبه العظيم، مؤامرة قسمهم وفق محاصصة طائفية، مقيتة وملعونة، ولربما صهيونية، ومجوسية، وأمريكية، بعد أن كانوا لحمة واحدة. وهناك من يؤمن إنها قدرٌ أعمى، مكتوبٌ عليهم، لا مفر منه!

في المقابل، فهناك جماعة ثانية بحثت، عن تفسيرات أكثر علمية وعقلانية، تحدثوا فيها عن إختلالات بنيوية، إقتصادية، وسياسية، وإنقسامات إجتماعية حادة، تعصف بهذه الدولة اللادولة، وذاك الشعب او الشعوب اللا أمة. وجزموا بإنها هي المسؤولة بشكلٍ مباشر، عن تلك الأزمات وحالة اللا أستقرار المستمرة. وعن الكارثة الإجتماعية، والسياسية، والإقتصادية، التي تعيشها، وإن أي حل، يجب أن يبدء من هذه النقطة.

فالدولة نشأ بقرار فوقي، ولم يكن هناك شعبٌ موحد، ليحكمه، بل مجرد جزر ثقافية متباعدة، وأقتصادها النفطي، وفر لها الاموال الكافية، لشراء المعدات العسكرية، وبناء الأجهزة الأمنية، دفعتها واهمةً، لكيما تعتقد، بإن القوة العسكرية، والحديد والنار، يمكنها أن تردم الفجوات السحيقة، بين الدولة، والجماعات التي تحكمها، وبين الجماعات نفسها. وهذا الأمر، تكرر منذ إنقلاب بكر صدقي، الى سلسلة أنقلابات الخمسينيات، والستينيات، الى صدام، وفي طريقه لتكرار نفسهِ، مع المالكي.

الجزر الثقافية المتباعدة، أقصد الكوردية، والشيعية، والسنية، والتركمانية، والخ، وبفعل تلك السياسات، وعوامل تأريخية، وتدخلات خارجية، أبتعدت أكثر فاكثر عن بعضها، من إن تفترب الى إنتماءٍ وطني موحد. وحلم الديمقراطية الوردي، تحطم على صخرة الواقع، الذي لايوفر له البنية الثقافية، والإقتصادية، والإجتماعية اللازمة للنجاح، هذا ناهيك عن عامل الزمن، والممارسة العملية.

رؤية الجماعة الثانية، هي الأقرب الى تصرف ودهاء النعامة، حيث إنها تسمو على الوسط السياسي، العام والسائد، الذي يُقدس الدولة، والوطن، ولا يركض وراء خزعبلات السياسية، لتغمس برأسها في وسطٍ، أكثر تجريداً وحرية، أقصد به وسط، يمر فيه ذبذبات الحقيقية، بسهولة أكبر، ويمكنهم من خلالها، أن يستشفوا وجهة خطوتهم المقبلة، وبالتأكيد هو الوسط العقلاني، والعلمي.

اليوم، وقد مرَ أكثر من تسعة سنين على سقوط صدام، وبغض النظر، عن رجاحة رؤى الجماعة الأولى أو الثانية، فإن هناك واقعٌ لايمكننا من أن ندفن رأسنا في الرمال، هاربين منهُ، أو نبقى غافلين عنه
.
هذا الواقع الذي يقول لنا، ويعد حوالي سبع إنتخابات: إن أي إنتخابات أخرى ستنتج مرة أخرى تكتلات سياسية سنية، وشيعية، وكردية في البرلمان، وتعود التوافقات والأزمات فيما بينها لاحقاً.

ويقول الواقع أيضاً: إن سحب الثقة عن الجعفري وتسليمه للمالكي، أو سحبه من المالكي، وتسليمه للجعفري، سوف لن يحل الأزمة بين كوردستان و المركز، فهي قديمة قدم العراق نفسه. ولن تحل أزمة العراقية مع دولة القانون، فهي أزمة لا تقف على حدود العراق، بل تتعداها لتصل الى طهران، والرياض، وأنقره، والدوحة.

ويقول الواقع: إن إتفاقية أربيل ولد ميتاً، بنقاطه اللادستورية، وخطوطه العامة، غير الواضحة، ومطالبته بتقليل سلطة رئيس الوزراء، أو بالأحرى تقليل سلطة الشيعة.

ويقول الواقع أيضاً: بإن أوهام القوة والدكتاتورية الناشئة، لن تؤدي الى أفضل، مما أدى به دكتاتورية صدام، ومن سبقوه، فغيرك ياسيدي الكريم كان أشطر، ولكنه وقع.

في يوم ما، وبشكلٍ أو آخر، كتب فيه دستورٌ، حاول جمع هذه الجزر المتباعدة، على ماهو حد أدنى فقط. ولكنه يبدو، إن لا أحد يروق لهُ، أن يطبقه بشكله الكامل. فأنفرط عقد، هذا العقد الإجتماعي، كم إنفرط عقد هذه الدولة المُفككة.

يقول روسو في العقد الإجتماعي:
في كل وقتٍ، فرقٌ عظيم بين إخضاع جمعٍ وإدارةِ مجتمعٍ، وإذا ما أستبعد أناسٌ متفرقون من قبل واحدٍ بالتتابع، لم أرَ هنالك غير سيد وعبيد، لا شعباً ورئيساً، وذلك كما لو كنت أرى تكتلاً، لا شركةً، فلا يوجد هنالك نفعٌ عامٌ ولا هيئة سياسية.
أنتهى الإقتباس.

وحال العراقيين بإنقسماتهم الحالية، والسابقة، أقرب للـ (جمع) الخاضع ، وليس للمجتمع الموحد، وأقرب الى التكتل البشري، الذي لا يجمعهم شراكة حقيقة، لذلك فشلوا في هيئاتهم السياسية، أقصد في دولتهم، ولم يحققوا أي نفع عام لهم، بل أنتجوا النكبات والأزمات المستمرة.

نسيت أن أقول: إن النعامة عندما تواجه الخطر الحقيقي، فإنها تضرب بإرجلها الأرض، صارخة في وجه أعدائها بصوتٍ يشبه صوت الزئير.
فهل من درس تريد أن تعلمنا أياه؟
أعني في أن نعترض على الواقع المأساوي المر، فيجعلنا نضرب بإرجلنا الأرض ايضاً صارخين:

نحن نريد من الدولة أن تحقق نفع عام، لا أن تتحول لصنمِ لا يضر أو ينفع، وتفرض طقوس الوثنية والخضوع علينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكراً للعزيز کرکوکي
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 5 / 6 - 03:23 )
شكراً للعزيز کرکوکي للكشف عن مأساة هذا الحيوان الوديع

هذا الواقع الذي يقول لنا، ويعد حوالي سبع إنتخابات: إن أي إنتخابات أخرى ستنتج مرة أخرى تكتلات سياسية سنية، وشيعية، وكردية في البرلمان، وتعود التوافقات والأزمات فيما بينها لاحقاً.

نعم ..وهذا الذي سوف يحصل.. و ربما يستخدم أمراء الطوائف هذه المرة سيوفهم و خناجرهم

تحياتي


2 - العزيز كركوكي
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 5 / 6 - 06:09 )
شكرا ومن خلالك ابداء بما انتهى به العزيز جاسم لأقول
نعم سيستلون السيوف المقبوضه بايات وفتاوى وضرورة الدماء للبقاء على تلك الاصطفافات لأنهم يتصورون ان الدماء لا محاله جاريه فاما دمائهم او دماء غيرهم وهنا الطامه التي ستعوق الجميع والبلد معهم


3 - النعامة
امين يونس ( 2012 / 5 / 6 - 09:28 )
عزيزي آكو
مقالٌ عميق وممتع ..نعم ، علينا التعلم فعلاً من النعامة
مودتي مع خالص الود


4 - الى الأحبة
آكو كركوكي ( 2012 / 5 / 6 - 09:48 )
الى الأحبة والأساتذة الكرام
جاسم الزيرجاوي،عبد الرضا جاسم وأمين يونس
شكرا أيضا لمروركم
أوافق الأخوة جاسم وعبد الرضا
إن الحرب الأهلية وللأسف يقف على الأبواب
حيث يرقص شخوص السياسة عندنا بتناغمِ كبير مع أيقاع الصراع الأقليمي السني الشيعي الدائر الآن
والأصطفافات والإستقطابات باتت أكثر من واضحة
ولكم إحترامي


5 - ديناصورات
Almousawi A. S ( 2012 / 5 / 6 - 10:16 )
مشاكل العصر الفت دولا مختلفة وحكومات اتحدت اهدافها لغيات ولو مرحلية
ان ما نحتاجة اليوم هو الخروج من المخلفات الامريكية ومعايشة شعوب العالم في مواجة التحديات العصرية

http://www.youtube.com/watch?v=wxYCzYXdRUQ&feature=related

تحية للقارئ


6 - شكراً للفيديو
آكو كركوكي ( 2012 / 5 / 6 - 20:52 )
السيد موسوي شكراً لشريط الفيديو كان ممتعا بالفعل

اخر الافلام

.. لغز الاختفاء كريستينا المحير.. الحل بعد 4 سنوات ???? مع ليمو


.. مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها




.. إيران تلوح بـ”النووي” رسميا لأول مرة | #ملف_اليوم


.. البرهان يتفقد الخطوط الأمامية ويؤكد استمرار القتال




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: لا يمكن إخضاع دولة إسرائيل | #رادار