الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمالية السرد العجائبي في - موتى يقلقون المدينة - للقاص السوري عمران عزّ الدين

محمد يوب

2012 / 5 / 6
الادب والفن


جمالية السرد العجائبي
في
" موتى يقلقون المدينة "
للقاص السوري عمران عزّ الدين

بقلم : محمد يوب *


"موتى يقلقون المدينة" قصص فانتاستيكية أبطالها موتى / أحياء يؤثثون فضاء القصص المشكلة للمجموعة القصصية بحركية ودينامية تجمع بين الواقع المرير، وواقع القصة المتخيل الذي يدخلها بأسلوبه الفرجوي لتتبع ما يجري في فضاء القصص من مغامرات ومن أحداث هيتشكوكية حاكها القاص عمران عزّ الدين بحرفية عالية.

والمجموعة القصصية لم تقل كلّ شيء ، لقد حكت مظهر الأحداث وخارجها وأضمرت أشياء كثيرة أخفاها القاص وترك للقارئ الفطن كوة لمعرفة هذا المضمر من خلال فائض المعنى الذي تخفيه الكلمات، إن اللفظة في المجموعة القصصية تبدو واضحة منذ الوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة تخفي عوالم متعددة ومختلفة عاشها القاص في الواقع ثمّ ترسخت في ذهنه وتمثلها ونقلها أدباً في هذه المجموعة القصصية وعلى القارئ تتبع هذا الواقع المضمر وهذه العوالم الخفية من خلال عملية القراءة و التأويل.

لأنه إذا كانت الكتابة القصصية إبداع فإن الفعل القرائي إبداع آخر باعتبارها فعلاً إيجابياً يثير قريحة المتلقي ويدفعه إلى مزيد من المشاركة الحيوية ومن القراءة والتأويل وفق الشروط النقدية والأدبية، إما شروطاً تخضع لعلاقة القارئ بالنص مباشرة حيث القارئ يتماهى وينسجم مع النص، أو يربط النص بظروفه التاريخية والاجتماعية و الحمولة الفكرية التي يتضمنها النص القصصي، وحينها يتقبل هذا العمل لأنه حقق أفق انتظار القارئ أو يرفض الجواب الذي يحمله النص القصصي.

فمن خلال قراءتنا للنصوص القصصية الثلاث عشرة نشعر بأن القاص السوري عمران عز الدين يريد خوض تجربة قصصية جديدة تدخل في إطار القصة العجائبية التي تكسر السرد الكرونولوجي وتبحث عميقاً في متخيل القارئ وترجه رجاً من أجل تقصي وتتبع أحداث القصة بطريقتها الفانتاستيكية التي تمزج بين ما هو واقعي وما هو غرائبي، باحتفاظها للخيط الناظم الذي يربط المجموعة القصصية بالسرد القصصي.

وتقديم الفاعل"موتى" على المركب الفعلي يقلقون" في العنوان"موتى يقلقون المدينة" كان القصد منه إثارة الانتباه إلى التيمة التي اشتغل عليها القاص، وهي تيمة الموت وهي مقصدية القاص، و الغاية التي يريد من القارئ التركيز عليها وتسليط الضوء عليها، وقد جاءت اللفظة بصيغة الجمع النكرة لكي تكون اللفظة شاملة وعامة تعني كلّ من قرأ وتتبع أحداث ومجريات هذه المجموعة القصصية ، الناس يعتقدون أن الميت هو الذي انتهى من هذه الحياة لكن الحقيقة أن الميت هو الذي لم يمت بعد، هو الذي سيموت ، أو محكوم عليه بحتمية الموت ، لأن كلّ إنسان لا محالة سيموت وسينتهي أجله.

إن المجموعة القصصية تتكون من شخصيتين في شخصية واحدة: شخصية تعيش الواقع وتحكي أحداثه ، وأخرى تعيش واقعاً متخيلاً هو الواقع الغرائبي العجائبي، وكلّ شخصية لها طريقتها في سرد الأحداث حسب الموقع الذي وضعها فيه السارد. إنها شخصية مركبة ومتعددة المهام ، تدخل القارئ من بوابة الواقع ، وتخرجه من بوابة الخيال القائم على صدمة القارئ الضمنيlecteur implicite وتحرك فيه المتخيل الجمعي و الجماعي المشترك، تحرك فيه القدرة على مدى تقبل الأحداث والشخصيات والأدوار المنوطة بها :
" من أنت إذن؟
أنا هو أنت، وأنت هو أنا ...أنا لست أنت، أنا أحب الحياة، لا أنكر أننا نتشابه...أنت أكثر جنونا، أما أنا فأكثر عقلا.." ص 67

أحداث فانتاستيكية من إبداع الذاكرة السردية، التي تعتمد على تقنية المسخ الكافكاوي metamorphose وهو تحول سلبي يتم من شكل إنساني إلى شكل حيواني، حيث البطل في القصة(ص17) يتحول إلى ثور ليجد نفسه في الأخير يغط في نوم عميق ويحلم بأحلام مريعة ،كانت ثمرتها هذا المتخيل القصصي :
" وعند الصباح سيستيقظ عبد الستار،ليتفاجأ بأنه انقلب إلى ثور صغير ،فتركبه الدهشة،ويبدأ بشد شعره،وقرص جسده،على أمل أن يكون ما يحدث له حلما سمجاً ".ص17 أو يتحول إلى إنسان مات فعلاً يصلي عليه المصلون صلاة الغائب.

فالموت في المجموعة القصصية ليس موتاً حقيقياً وإنما هو موت الإنسان المزيف كما هو الشأن عند هيدجر، ليترك المجال للضمير لكي يشتغل، ويحرك فيه القيم التي تداس وتحل محلها الصفات و الغرائز الحيوانية.
إن الإنسان الذي انعدمت عنده القيم و الأخلاق يكون كما الثور يدوس الممنوعات، يتحدى الرموز والعلامات الحمراء، يكسر كلّ الحواجز،لأنه فاقد لقدرة العقل التي تساعد على التفكر و التدبر.

الجميل أيضاً في المجموعة القصصية أنها اشتغلت على تيمة واحدة وهي تيمة الموت الفانتاستيكي الذي يوحد كلّ القصص، وكأننا نقرأ رواية حداثية توزعت أحداثها ، يشكل كلّ حدث فيها قصة مستقلة بذاتها ، وما يربطها هو طبيعة الموضوع الواحد الذي دارت حوله جميع القصص.

كما أن المجموعة القصصية كتبت بلغة حمالة أوجه، لأن اللغة هي عبارة عن مورفيمات فارغة يتركها القاص عن قصد من أجل أن يملأها القارئ بما يناسب من علامات، وهي طريقة في الترميز القصد منه تمرير مجموعة من الانتقادات للواقع السياسي والاجتماعي، وهكذا تصبح اللغة القصصية متعددة القراءات ، يقرؤها كلّ واحد بالطريقة التي يريد حسب قدراته المعرفية وعمقه الفكري والدلالي.
كما إن القصص اعتمدت أسلوب الفرجة المسرحية واللقطة السنمائية وخاصة عندما اعتمد فيها القاص تقنية الحوار بين الشخصيات ، وخاصة الحوار العلاماتي حيث الكتابة الدالة على المعنى كانت لها أهمية كبيرة في إيصال المعنى :
" - مجنون
- انصرف...قلت لك انصررررررررف
- مجنووووووووووووووون
- انصرررررررررررف
- مجوووووووووووووون " . ص 68
-
فالمقطع القصصي اعتمد على التشكيل البصري ، وتوزيع سواد الكتابة على بياض الصفحة ، وبين السواد والبياض هناك مضمرات القصة التي يشترك فيها القاص و القارئ، لقد كتبها بطريقة كاليغرافية حيث شكل الكتابة يدل على مضمون النص، مما يساعد على تأزيم المشهد وتوثره، ويدفع القارئ إلى ملئ الفراغات بما يناسب من دلالات ومشتركات ثقافية.

كما إن الجميل في المجموعة القصصية بشكلها العجائبي هو توريط القارئ وإدخاله في عالمها المتخيل وتصيبه بحيرة وارتباك أثناء عملية التلقي، حيث الأحداث تخترق عقله وتحدث فيه نوعاً من الصدمة القرائية التي تمزج الواقعي باللا واقعي و المنطقي باللا معقول.

وهكذا يصبح القارئ محاصراً بهذه التحولات التي تشتت ذهنه وتدفعه إلى مزيد من القراءة و المتابعة المركزة من أجل معرفة اللعبة القصصية التي تعكس الصراع الدائم والأبديّ بين الخير والشر من واقع الواقع إلى واقعها المتخيل في انتظار ما تحمله القصة العجائبية من مفاجآت.
..........................................

*ناقد من المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس