الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يخرب بيوتهم!

إكرام يوسف

2012 / 5 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


رغم المرارة ومشاعر الحزن والألم لاستمرار سفك دماء مصرة بأيد مصرية، إلا أنني لا أستطيع ادعاء متابعة تفصيلية دقيقة لأحداث الأسبوع الماضي في ميدان العباسية. كان جل ما أستطعته، الدعاء المتواصل إلى الله أن يحمي بلدنا ويحفظ أولادها ـ الثوار ـ وينتقم أشد انتقام من كل من امتدت يده أو لسانه بالسوء على عشاق مصر الأحرار، وكل من سولت نفسه إصدار أمر بذلك! .حيث أمضيت أيام الأسبوع إما تحت تأثير مخدر، أو في محاولات للإفاقة منه، أوخاضعة للمسكنات؛ إثر جراحة لاستئصال أحد أجهزة التجويف البطني، حذا حذو حزب الأغلبية، فطغى واستكبر وآثر "المغالبة" بدلا من "المشاركة" مع الأجهزة الأخرى. وتضخم إلى حد بالغ الفجاجة ، متجاهلا وجود أجهزة أكثر أهمية ونفعا منه، يهدد تمدده بتعطيلها. فلم يجد الأطباء بدا من التخلص من رحم باغ اتقاء لشره، بعدما تأكد ألا فائدة من محاولات ردعه أو حثه على التخفيف من غطرسته واحترام وجود آخرين معه على الساحة!
وشاء كرم الله أن يعمل زوجي لدى مؤسسة كبرى تتيح تأمينا صحيا رفيع المستوى لأسر العاملين. فلم يشغلنا سوى الاختيار بين مستشفيات استثمارية فاخرة، لم يكن دخلي و دخل زوجي المستوران ـ نسبيا ـ يسمحان بالتفكير فيها لولا التأمين. وكان المركز الطبي العالمي بين الخيارات المتاحة (فكرت في الذهاب إليه للاطمئنان على أحوال صاحب لنا، يقولون أنه مقيم هناك، ولا يوجد ما يؤكد أو ينفي ذلك ، على أن يزورني جميع أصدقائي من ميدان التحرير للاطمئنان عليه وعلي! لكنني آثرت السلامة ـ سلامتي وسلامة أصدقائي ـ فلا خوف أبدا على سلامة صاحبنا). واستقر الاختيار على مستشفى فاخر يقال أنه صرح طبي في مصر، من بين ملاكه رمز بارز من رموز النظام الساقط!
وذهبت إلى المستشفى، يتنازعني إحساس بحمد الله على أن أتاح لي فرصة العلاج المتميز، وإحساس آخر بالحرج والذنب لأنني أحصل على فرصة لا يجرؤ على أن يحلم بها من هم أكثر احتياجا مني لعلاج متميز؛ لا يحصل عليه سوى كبار الأثرياء أو العرب القادرين على الدفع (سمعت أيضا أن المستشفى يوفر إقامة فندقية عالية المستوى لمرافقي المريض القادمين من الخارج).
وبمجرد وصولي في الثالثة عصرا، دخلت وقريبة لي مكتب المسئول عن دخول المرضى واثقتين مماسبق ترتيبه من تحديد موعد إحراء العملية، والإقامة ليلة قبلها للتجهيز بالنسبة لمريضة بالسكر. وطلب منا الموظف البقاء ساعة بالاستراحة حتى ينادي علينا. وبعد ساعتين، ذهبت مرافقتي للاستفسار فوجدته قد غادر المستشفى إلى منزله. ووجدنا بدلا منه آخر، يتسم بقدر هائل من البرود، قال ببساطة أنه لم يتيسر تدبير غرفة خاصة بمرافق ـ وفقا للاتفاق ـ نتيجة الازدحام. ولا يوجد حل سوى مبيت المريضة في غرفة مزوجة مع مريضة أخرى على أن تعود المرافقة في اليوم التالي عندما يتيسر إيجاد غرفة خالية! وعرفت أن هناك مرضى يضطرون للمبيت على مقاعد استراحة المستشفى حتى يتيسر تدبير حجرات لهم صباح اليوم التالي!
وفجأة، انكشف القناع عن وجهي الآخر الذي لم أكن أعرفه! وجه سمج، صارم، لا يخلو من شراسة، فقلت له بحزم "لن أجري عمليات في هذه المستشفى.لكنني سآخذ على عاتقي كشف زيف الاسم الفخم حتى لاتستمروا في خداع الناس". طلب مني ببرود الانتظار حتى السابعة قبل أن أتخذ قراري، فصممت على البقاء بمكتبه، وشاهدت أكثر من أربع حالات يدخل كل منها شاكيا من المماطلة في تدبير غرفة: شاب ثلاثيني شامي اللهجة يشكو من أنهم حددوا موعدا منذ ثلاثة أيام لإدخال طفله ذي الخمس سنوات المحتاج لعلاج كيماوي، ويأتي كل يوم بابنه ويعود به خائب الأمل. قلت له "أنت لاتتسول منهم، خذ ابنك واذهب إلى مستشفى آخر أكثر احتراما"، ثم دخل سوداني يشكو نفس الشكوى، وآخر مصري معه حالة طوارئ نتيجة حادث، ثم مصري آخر. وكنت أنصح كل منهم نفس النصيحة، هذا مشروع استثماري يحمل أكثر سمات الاستثمار وحشية، يعتمد على فخامة الموقع، ومهارة الدعاية والإعلانات، ولا يلق بالا سوى للربح السريع الفاحش، ولا يهمه من المرضى إلا جيوبهم، أما حالاتهم المرضية والإنسانية فآخر ما ينظر إليه.
أخيرًا، جاءت سيدة مصرية يبدو أنها ذات وضع نافذ، وقالت بحزم أنها ترفض الحجرة التي قرروا نقل مريضها إليها، وطلبت بقاءه في العناية المركزة ليلة أخرى لحين تدبير حجرة لائقة. انصاع الموظف لأمرها بسرعة، وقرر منحي غرفتها، متعهدا أن يستغرق الأمر "سواد الليل" فقط حتى تخلو حجرة في الغد، أنقل إليها بعد إجراء الجراحة، وهو الوعد الذي لم يتحقق أبد!
وسأتجاوز سريعا عن تجاهل مشاعر مرافقي مريضة أمضت في حجرة العمليات أكثر من خمس ساعات من دون طمأنتهم عما يجري وعن أسباب التأخير؛ لأؤكد أن جميع من تعاملت معهم من أطباء في مختلف التخصصات والممرضات (المصريات) كانوا قمة في الكفاءة والذوق والتعامل الإنساني الراقي، ولكن طمع ملاك المستشفى وإدارتها سوف يسيء إلى هذه الكفاءات بمرور الوقت. ومما يثير الاستياء، طاقم تمريض معظمه من الأسيويين بلا أي داع سوى "المنظرة الفاضية" لجذب الأشقاء العرب. فجميعهم لا يجيد العربية ولا الإنجليزية، ويصعب التفاهم معهم بأي من اللغتين، لكن"الوضع" يعجب بعض من يمتلكون المال اللازم ويشعرهم بالتميز. فلم أشعر أبدا بفظاعة سحب عينة دم أو "ضرب" ـ بمعنى الكلمة ـ حقنة في الوريد، أوتركيب "الكانيولا" إلا على يد هؤلاء الأجنبيات (الكانيولا تقحم مرة واحد في وريد وتظل في يد المريض منذ ماقبل الجراحة حتى لحظة خروجه من المستشفى تحسبا للحاجة إلى توصيل علاج أو غذاء إلى الدم في أي لحظة). ومازال كفاي وذراعاي يحملان تشوهات إثر محاولات شرسة للتوصل إلى وريد. ناهيك عن تركيب الكانيولا وسحبها خمس مرات طوال خمسة أيام. في حين أن الممرضات المصريات القلائل كن أكثر لماحية ومهارة وإنسانية.
ولا شك أن تعيين طاقم تمريض من شباب مصر الذي يئن من البطالة، بنفس أجر الأجانب، مع توفير مصاريف إقامتهم وتذاكر السفر بالطيران في الأجازات لبلدانهم، أو إنفاق هذه المبالغ على دورات تدريبية للمصريين، كان سيخفف حدة البطالة، مع توفير تمريض كفء ومدرب، قادر على التواصل بسهولة مع المريض المصري والعربي، والأجنبي إن لزم الأمر، إذا خلصت النية، وتخلص القطاع العلاجي الاستثماري من الإدارات النهمة إلى تحقيق الربح السريع بأي شكل.
خرجت من المستشفى، وأنا أحمد الله على نجاح الجراحة، وأتطلع إلى اليوم الذي تغطي فيه مظلة التأمين الصحي جميع المصريين. ويحصل المرضى على حق الصحة والعلاج المتميز بصرف النظر عن قدراتهم المادية. ومازلت أدعو الله ـ متشبثة بما يقال عن أن دعوات المرضى مستجابة ـ بأن ينتقم الله من كل من يفتري على الناس، ويخرب بيوت كل من جمعوا ثروات هائلة بلا حق مستغلا آلام المرضى وأحلامهم بالشفاء. ومادام باب الاستجابة للدعاء مفتوحا، فلينتقم الله من كل من امتدت يده لتؤذي بريئا في جسده أو حريته أو رزقه أو عياله، وكل من ساعد على ذلك أو أمر بذلك.. آمين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا