الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راضية _ قصة قصيرة _ ومضات من ذاكرة متآكلة

فدوى طوفان

2012 / 5 / 6
الادب والفن


كانت أنفاسهَا تتصاعَدُ معَ حركَة يدَي الجدّة بعروقهُما البارزَة وهُماَ تُمسدَان علَى رقبتهَا بالملحِ الخشن الذي تُبللهُ بين الحين والآخر بريقِهَا
نثَرت بعضَ الرمَاد والملح على لوزتَيها الملتهبتَين وحضنتهَا و وهي تعقدُ علَى حُنجرتهَا خرقَة بعقدتيَن على كل جهَة
ثمّ لفّت علَى عُنقها فَتيلَ تعويذَة بيَضَاء ،لَم تَكُن راضيَة تَهتَم بالمعوذات التّي تُهمهمُهَا جدّتُها بقَدر اهتمَامها ب (الريال) الذي ستعطٍيهِ لهَا
كمَا تفعلُ عندَ انتهَاء كلّ زيارَة ، فهمَت الجدّة نظراَت حفيدتهَا فقالَت لها اليوم سأعطيك عشرة ريالاَت فغرَت فاهَا وهي تستغربُ لم ستنَالُ
هذه الثروة الصغيرَة من جدتهَا !!

فأكمَلت الجدّة حديثهَا ، لكن بشَرط أن تُساعديني في هذا وأشارَت بإصبعهَا إلى صَحن أبيض من (القصدير) مملوء بحبّات الحرمَل
أجابتهَا بالموافقَة فورًا (واخّا أَ أمّي لاَلاَّ) ظنّا منهَا أن المهمة سهلَة وأن جدّتها ربمَا تريد مُساعدتهَا في غسلِه
وما يكُون هذا الصحنُ الصّغير أمَام أكيَاس القَمح التّي تُجبرهَا أمها هي وأخواتهَا على غسلِه وتنقيّتِه !!

طَلبَت منهَا الجلُوس وهي تضَعُ الصحنَ أمامها وهي تتساءل مع نفسِهَا في فضُول ما نَوع المساعدة المطلوبَة منهَا
أجابتهَا الجدّة كأنها تعرف فيمَ تفكّرُ راضيَة ستعدينَ لي سبعَة وسبعينَ حبّة من الحرمَل وتضعينهَا على حده في هذه الخرق البيَضَاء
نظرَت إلى يمينهَا فوجدت عشرَات الخرَق البيضَاء تفاجئَت لكنهَا لم تستطع الرّفض هيبَة من جدّتها وطمعَا في العَشرِ ريالاَت ...
جدّتُها كانت تحبّ تحصين أحفادها الكثيرين بحجاباتها البيضاء الشّهيرَة التي تجمع فيها حبات الحرمل وقطعة صغيرة من الشبّ الأبيَض
أشياء بسيطَة تؤمنُ جدتُها بأنها تقي شر العين والحسَد وتحمِي الصغار من كل مَرض ...

جلست راضيَة مربعَة رجليهَا وهي تعدّ الحبّة تلوَ الأخرَى والجدّة تفتلُ سبحتَها وهي تقرأ سورةَ الإخلاص تكرَارا وتَتعّوذُ من إبليس الخنّاس ومَن شرّ عيُونٍ النّسَاء ...
غَابَت الشمس وهي تعدّ الحبّات حتّى أصابهَا التعَب وبدأت عيناها تفقدُ تركيزهَا وتغلطُ بالحسَاب
وـخيرا شعرت الجدّة بتعبهَا فقَامت إلى صندوقِ الخشَب المزخرَف بكتّانٍ أحمَر وقطَعَ معدنيّة وأخرجَت منهُ كيسَا
ثمّ أخرَجت من الكيس الصغير بضعَ ريالاَت صوتُ رنينهَا هو ماهوّن عليهَا بعض التّعَب ،أعطتهَا العَشر ريالاَت بينَ كفيهَا وهي تبتسِم
قبلت راضيَة كفّ جدتهَا وجهًا وظهرًا وهي تستَنشقُ عبيرَ الحنّاء الأحمر و بادلتهَا بابتسامَة أخرى كبيرَة
جدّتهُا هي الوحيدَة التي تترُكُ لهَا حريّة التصرّف و لا توصيهَا بأن لا تبذر ما أعطتهُ إياها كما يفعَل الاخرُون...

عادت الى البيت حزينَة ومشَت بخطوات كبيرة خوفاً من عودة أبيها قبلها ، كانَ الحُسين( مول الحَانُوت) قَد أقفَل دُكانهُ في هذا التوقيت
إذ يعود إلى أهله كمَا يفعَلُ عشيّة الجُمعة ليَعرض سلعتهُ في السّوق الأسبوعي يومَ السبت هنَاك..
أسرعَت الخُطى وهي تتحسّسُ العشر ريالات المبللّة بعرق يديهَا و تأسفَت على أنها لن تستطيع بنقُودهَا
شراء الحلوَى التي كانت تشتهيهَا طوال الاسبوع المَاضي وأن عليهَا الانتظَار بصبر حتى الجُمعة المقبلَّة
حيثُ فُسحتُها الوحيدة إلى الخرُوج وزيارَة جدّتها ،وصلت البيت ولحُسن حظها لم يكُن والدُها قد وصل بعد
قبلّت يدي أمها ووضعَت رأسهَا المرهَق على ركبتهَا وغَفت وهي تهمهم ربعَة وسبعين ... خمسَة وسبعين ... ستة وسبعين ...سبعة وسبعين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا