الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام في خدمة رأس المال:برامج تلفزيون الواقع أبعد ما تكون عن الواقع!!

خليل حداد

2005 / 1 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


للاعلام في ظل الانظمة الرأسمالية، مهمة، عليه أن يؤديها على أكمل وجه، اسمها.... التخدير.
والاعلام كما يقول منظرو مدرسة فرانكفورت النيو- ماركسية، هو أداة في أيدي اصحاب رأس المال والسلطة في العالم، للتلاعب في عقول الناس، الى حد يصبح فيه مبتغى الناس، تحقيق حلمهم الذي يبنون اسسه على برامج الترفيه في التلفزيون والراديو.
وعلى الرغم من أن اصحاب الفكر النيو- ماركسي، من منظري مدرسة فرانكفورت، قد عاشوا وابدعوا نظريتهم هذه في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي، الا أننا نستطيع ملاحظة مدى دقة تحليلهم في عصرنا هذا الملئ بالمحطات التلفزيونية الفضائية التي نبتت في عهد الثورة المعلوماتية، كما تنبت الفطريات بعد الطقس الماطر.
أنا لست من دعاة ولا من أنصار نظرية المؤامرة، وانما أنا من دعاة التحليل العلمي المنطقي العقلاني، المبني على اعطاء الاجابات المحددة على اسئلة محددة، تدور في فضاء الفكر الانساني، ولهذا، فقد ارتأيت من الضرورة بمكان، المساهمة في نقاش لم يفتح بعد حول الاعلام المعولم، وما يميزه من تكاثر برامج تلفزيون الواقع، وما شابه، خاصة بعد أن نشر خبر في صحيفة "الاتحاد" الفلسطينية قبل أيام عن برنامج تلفزيوني واقعي، يتم الاعداد له، يقوم المشاركون فيه بمحاولة اقناع الجمهور بضرورة تبني مشاريعهم الاجتماعية، وللفائز حق اختيار تمويل المشروع الاجتماعي الذي يريد.
ما من شك أبدا، في أن النجاح في تمويل مشروع اجتماعي، يستفيد منه على سبيل المثال لا الحصر، أطفال في خطر، أو فقراء لا يجدون اللقمة في بيوتهم، هو عمل مبارك، لكن الهدف من وراء هذا البرنامج ليس تمويل هذا المشروع كما سأحاول أن أبين في السطور القادمة، حيث أن هذا البرنامج يقع ضمن حدود برامج تلفزيون الواقع الكثيرة، ومنها البدعة الشهيرة "ستار أكاديمي" وغيره، ولجميعها هدف واحد، ينقسم الى قسمين، ينتجان الى جانبهما هدفا جانبيا، يستفيد منه اصحاب رؤوس الأموال من ممولي البرنامج، وهو جني الارباح.
تدخل نظرية مدرسة فرانكفورت، في اطار ما يسمى بـ "التأثير الكبير لوسائل الاعلام"، حيث يختلف باحثو علم الاتصالات، وينقسمون الى قسمين اساسيين، حيث يؤكد قسم منهم أن للاعلام تأثير غير ملاحظ على جمهور مستهلكيه، وهؤلاء الباحثين هم بالاساس من المنظرين اللبراليين الذين يرون في الاعلام وسيلة ترفيه تشمل نقل المعلومات للجمهور، لا أكثر.
أما القسم الثاني، ويشكل باحثو مدرسة فرانكفورت النيو- ماركسية لبّه الأساسي، ويتفق معهم غالبية باحثي علم الاتصالات في العالم الغربي، أو في أوروبا في الأساس، فيرون أن الاعلام الرأسمالي هو اعلام مجند، يهدف الى تخدير الجماهير واعماء ابصارها، للمساهمة في الهائها عن مشاكلها الاساسية، وادخالها في عالم وهمي من الكمال والجمال، ترى فيه الجماهير ملاذها الأخير، أو لإيهام هذه الجماهير في أن هنالك من يحارب من أجلها معركتها العادلة، ويطلب منها بما معناه أن "اجلسي هادئة مطمئنة فنحن نحقق لك مطالبك"!
ونستطيع هنا أن نعطي مثالا ليس بالبعيد عن مهمة الاعلام في إيهام الجماهير بأنه "يضرب بسيفها" ويحارب معركتها، وهذا المثال هو التغطية الاعلامية "الواسعة" لتقرير الفقر الذي صدر قبل قرابة ثلاثة أشهر من قبل مؤسسة التأمين الوطني.
فقد كانت التغطية الاعلامية لهذا التقرير الذي دل على وجود قرابة مليون ونصف المليون إنسان فقير في البلاد، واسعة النطاق بلا شك، ولكنها قامت بتحديد اهدافها منذ البداية في تحديد النقاش الجماهيري حول حالة الفقر المستشرية في المجتمع الاسرائيلي، وحصر اسبابها في ما يسمى انعدام الاستثمارات الاجنبية وبالتالي فشل خطط النمو التي تبرمج لها وزارة المالية، وشخصنة الصراع الطبقي في البلاد، وتحويله الى صراع بين وزير المالية نتنياهو، ورئيس الهستدروت بيرتس، ونجحت في تحقيق هذا الهدف، حيث لم يسأل أحد السؤال الذي يجب طرحه بالفعل: "هل الفقر هو بسبب انعدام الاستثمارات بالفعل، أم أن السبب الحقيقي له هو سياسة رأسمالية متوحشة تنتهجها هذه الحكومة، وتحقق من خلالها الهدف الاساسي، وهو اغناء الاغنياء وافقار الفقراء؟"، و"هل بالفعل لا تملك الحكومة الاموال لخلق أماكن العمل والاستثمار في المشاريع الاجتماعية التي لا تدر الارباح، ولكنها تحقق المساواة، أم أن الحكومة تملك الأموال، ولكنها توجهها لتخفيف الضرائب عن الاغنياء، وللتسلح وللاستيطان، وما الى ذلك؟". الاعلام الاسرائيلي لم يسأل هذه الاسئلة الصعبة والحقيقية، وبالتالي نجح في تلخيص حالة الفقر بتقرير اعلامي يبث في النشرة الاخبارية المسائية، والصباحية، ونجح بذلك في ايهام جمهور الفقراء بان الاعلام سلاحهم، ولسان حاله يقول: "اجلسوا في بيوتكم (ان كنتم تملكونها)، وتناولوا وجبة العشاء من الخبز الجاف والماء، ونحن نحارب المعركة من أجلكم، ولربما نالكم نصيب مما يتبقى على موائد الاغنياء بعد أن ينهوا وجباتهم الدسمة!".
أما المهمة الثانية، وهي التخدير، وخلق الجنة الموعودة، لجماهير المسحوقين في العالم، فهي مهمة يصعب تحليلها، ولكني سأجتهد.
هذه المهمة التي يقوم بها الاعلام الرأسمالي المعولم بنجاح منقطع النظير، تشمل برامج تلفزيون الواقع التي تملأ فضاءنا وفضائياتنا ليل نهار، فبرنامج "ستار أكاديمي" على سبيل المثال، يأخذ مجموعة من الشباب والشابات، لا ذنب لهم الا طموحهم في أن يصبحوا نجوما، كما ذلك الشاب "الأمّور" الذي نجح في السنة الفائتة، ويخلق منهم دمى يحركها بخيوطه، ويجني من ورائها الفوائد والأرباح.
ويتحول اولئك الشبان والشابات في هذا البرنامج اشخاص يعميهم الحقد وتعمي النميمة بصيرتهم وبصرهم، ليتشاجروا ليلا ويتراضوا صباحا، ويشكلون الائتلافات ضد فلان وعلنتان، ليضمنوا استمرار مشوارهم الى الحلقة الأخيرة دون غيرهم، ويتحول المشاهدون الى مجموعة من الخاملين لا شيء ينتظرونه سوى الحلقة التالية، ولا حديث يدور بينهم سوى من سيكون "النوميني" في الحلقة القادمة، ومن سيخرج ومن سيبقى، وتنتهي المشاكل الحقيقية في العالم، فلا بطالة ولا فقر ولا حروب، ولا أطفال ينامون جياعا، وقسم منهم لا يصحوا في الصباح، فقد قتله الجوع، ولا... ولا... ولا...
ويصاب العالم بالشلل لعدة أشهر ريثما تنتهي حلقات البرنامج، وربما نصحو لواقعنا المرير، بشرط أن لا يبدأ برنامج جديد اسمه... لا أدري... ربما "سبورت اكاديمي" أو... أو...
وبين هذا البرنامج المعروض على هذه الفضائية، وذلك المعروض على الفضائية الأخرى، هنالك برنامج "لقاء الأحبة" لحل المشاكل الأسرية، على الهواء مباشرة بالطبع، والا فلا تكون له قيمة، وتضاف الملايين، وتكدس الميارات في حسابات اصحاب الفضائية والممولين والمنتجين والمخرجين والممثلين، الخ.. الخ.. الخ..
ونقلب المحطة لنجد المذيع الفلني يوزع الوف الدولارات أو الريالات أو الشواقل على الهواء مباشرة، فنضم التلفزيون في احضاننا، ونركز في الشاشة لمعرفة كيفية الفوز بالمبالغ المذكورة، علنا نكون من أصحاب الحظ السعيد في الحلقة القادمة أو التي تليها.
لا اود أن أفهم خطأ، فلا مقارنة بين برنامج يهدف الى تمويل مشروع اجتماعي لبناء ناد في حي الحليصة في حيفا أو حي المحطة في اللد، وبين برنامج على شاكلة "ستار أكاديمي"، فالهدف من الأول مبارك، ولكن المبدأ ذاته.
تفويض مشاركي برنامج بتحصيل ميزانية بناء ناد، يساهم في خصخصة الخدمات الاجتماعية، وهو ما تريده الطغمة الرأسمالية الحاكمة، ويفتح أمامها المجال لزيادة أرباحها بالمليارات من جراء عدم قيام الدولة بتنفيذ الواجب الذي يجب أن يكون ملقى على عاتقها، في الوقت الذي يتصارع فيه عدد من المتسابقين على ميزانية مقدارها نصف مليون شاقل، الأمر الذي يعطي مخططاتها المجرمة الشرعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا