الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسكات

عائشة خليل

2012 / 5 / 7
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


سينثيا إينلوا أستاذة العلوم السياسية والكاتبة النسوية المعروفة من أشهر من كتب عن المرأة والحرب ولها إسهامات مشهودة في هذا المجال، كان أحدث كتبها (2010) عن تأثير الغزو الأمريكي للعراق على النساء هناك. تتحدث إينلوا بطلاقة، وبدون البطاقة المساندة التي يستخدمها المحاضرون لتنشيط الذاكرة، وقد رشحت عدة مرات كأفضل محاضرة بجامعة كلارك التي كانت تدرس بها. كما أن أسلوبها شيق حيث تشرك المستمعين معها في الحديث، وتدعوهم دومًا للتفكر فيما تطرحه من أفكار.
استمعت إلى محاضرة ألقتها على هامش منتدى عالم المرأة الذي عقد في أوتوا بكندا (يوليو 2011) وهي تتحدث عن "الإسكات" وكيف يستخدم كوسيلة من الأقوياء تجاه الأضعف، فأردت أن أشرككم في رؤيتي لما قالته عن هذا الموضوع الهام الذي نواجهه يوميًا في حياتنا بدون الانتباه إلى تكتيكات الهيمنة المحيطة به، ونظرًا لاهتمامي بالإساءة التي تقع على المرأة في العلاقات الزوجية (والتي يقسمها علماء الاجتماع إلى ثلاثة أنواع متداخلة هي الإساءة الجسدية، والنفسية، والجنسية) فإن مقالي هذا يرسم بعض معالم الإساءة النفسية التي تقع على المرأة باستخدام "الإسكات".
يقوم الأقوياء من خلالها بإسكات الأضعف بأساليب مختلفة بعضها جَلَيٌّ، وبعضها الآخر أكثر خفاء. فقد يُقال لنا "اصمتي"، أو "اسكتي"، أو "اخرسي." وأعتقد أن ذلك يقع كثيرًا بين المتزوجين، فقد تتعرض المرأة مرات ومرات لأقوال من هذا القبيل، قد تتخذ حتى لهجة التهديد الخفية من قبيل : "أنتِ مش ناوية تجيبها البر" أو "أنتِ مش ناوية تعدي اليوم على خير" كما يقال لنا بالعامية المصرية، عندما لا تكون لدينا نية للتنازل عن آرائنا. وهو تنويه بما يمكن أن يقدم عليه الرجل (من عنف بدني) إذا لم يفلح في إسكاتها بالتهديد اللفظي. وعادة ما يهادن المجتمع الرجل، فلو تطور الأمر بالفعل إلى عنف بدني، يكون السؤال دائمًا: ماذا فعلت المرأة لتثيره إلى هذا الحد؟ فالمجتمع البطريركي لا يرى عيبًا في تعنيف (ضرب) الرجل لزوجته ما دام مبررًا. وبالطبع: الرجل ليس مجنونًا ليفعل ذلك من تلقاء نفسه، فلابد وأنها استثارته إلى حد يبرر فعلته!! وهكذا تتهم الضحية في كل مرة، ويترك الجاني لأن فعله مبررٌ
يقوم الرجال كذلك بتهميش ما تقوله المرأة أو ما تطرحه من آراء بازدرائها والتصغير من شأنها (ومن شأن قائلتها) وقد تواجه النساء مثل تلك المواقف في المواقف العملية أو المنزلية. وقد يكون الازدراء والتصغير بتكرار ما طرحته المرأة من أفكار، ولكن بصوت ونبرة تنمان عن الاستهزاء. أو باستخدام زلة لسان صغيرة للتأكيد على سفه كل ما طرحته من أفكار.
ويستخدمون تكتيكا آخرًا هو تغيير دفة الحديث، وذلك حتى لا يخوضوا فيما لا يروق لهم من نقاش. كأن تطرح المرأة موضوع هامًا تراه حيويًا فتسمع ملاحظة عن موضوع آخر عادة ما يكون غير ذي صلة بالموضوع الذي طرحته. ويكون ذلك في المجال المنزلي، وفي مجال العمل نطلق على هذا اسم أكثر جدية وهو: رفع الموضوع من على جدول أعمال الاجتماع، كما تلقبه المحاضرة.
النكران هو أيضًا من الوسائل التي طرحتها إينلوا كوسيلة لإسكات أصواتنا. حيث يمتلك الرجال مهارة خاصة في نكران ما قاموا به من أفعال (أو ما لم يقوموا به) من أجل إسكات أصوات النساء المعارضة أو المستفهمة. فما أوقع من الإجابة بِـ "لم أفعل" على سؤال "لم فعلت هذا؟" لإسكات صوت المجروح الذي يبغي اعتذارا صادقًا عن الفعل الذي أُسيء إليه من خلاله؟ يسكت الرجال نساءهن بالنكران كثيرًا. ومع أن هذا تكتيك ناجح في إلجام المرأة، فإنه لا ينهي الموضوع (بداخلها على الأقل). وإذا أصرت المرأة على ما قد رأته أو عاينته، فإنها عادة ما تتهم من قِبَل الرجل بالمبالغة. ويصر الرجل على نكرانه، واتهامه المرأة بالمبالغة حتى "يسكتها" ولكن تكرار هذا التكتيك يؤدي إلى اهتزاز ثقة المرأة بنفسها. واستخدامه الذي يكون مصحوبًا بتكتيكات أخرى من "الإسكات" يؤدي بالمرأة إلى مشاكل نفسية عميقة، ومن هنا أطلق على هذا النوع من الإساءة: الإساءة النفسية.
كما ينسى الرجال حين يحلو لهم النسيان. فالنسيان وسيلة أخرى فعَّالة للتهرب من نصيبه من الأعمال المنزلية مثلا، فهو "ينسى" القيام بها بشكل متكرر مما يدعو المرأة إلى القيام بما كان يتعين عليه القيام به وهي "صامتة." وتدعونا كثرة النسيان المنتقاة (كنسيان أشياء محددة متعلقة بالمرأة فقط، بينما الذاكرة تعمل بكفاءة في نواح أخرى) إلى التأكد من أن لها دوافع خفية. هذا بالإضافة طبعًا إلى دافعها المباشر: الإسكات.
وتحدثت إيلنوا أيضًا عن ثلاثة وسائل أخرى للإسكات هي: تصنيف المستندات على أنها سرية، منع وصولنا إلى المعلومات، وسد ما قد يتسرب منها. وأعتقد - بما أنها متخصصة في أوضاع النساء في خضم الصراعات المسلحة - أنها تشير تحديدًا إلى ما تقوم به الآلة العسكرية في بلادها من حجب للمعلومات، أو ما قامت به من إسكات لصوت أسانج الذي سرب معلومات واتهمته باتهامات واهية. ولكنني أود أن ننظر إلى تلك الوسائل كتكتيكات ما زال الرجال يتخذونها ضد النساء في بلادنا. وعلى وجه الخصوص ما يقوم به الرجال من حجب لمعلومات عن قدراتهم المالية عن زوجاتهم. فهناك قاعدة ذهبية يتعلمها الأزواج منذ البداية، ويحرصون عليها: وهي سرية المعلومات، وخصوصًا المعلومات المالية. ففي حين تكون ماليات الزوجة هي الهم الشاغل للزوج الذي يتأكد بأنها عاجزة عن الاستقلال المالي عنه، فإن مالياته تكون حجبًا مستورًا عنها. وهم يدعون دائمًا بأن الزوجة تسعى إلى "قصقصة ريش" الزوج، أي أنها ستصرف كل ما ادخره من أموال، ولذا يعمل على حجب المعلومات عنها بكل وسيلة: إعدام المستندات، عدم إطلاعها عليها، عدم الحديث عما اكتسبه، أو الزيادات التي حصل عليها.. إلخ. ومن المثير للدهشة أن يتبع الرجل مثل هذه التكتيكات بعد أن عاش الزوجان سنوات الضَّنك معًا حيث كانت حرية المعلومات مكفولة للجميع، أي للزوجة. ولكن عندما تمر هذه الفترة الأولية، التي عادة ما يمر بها كل زوجين حديثي التخرج وفي مبتدأ زواجهما، فإن الحجب يصبح هو سيد الموقف.
يستخدم الأزواج مجموعة من تكتيكات "الإسكات" تلك من أجل هدف واحد: إخماد صوت الزوجات. فبعد أن تعرفت المرأة على حقوقها الإنسانية، واكتسبت المقدرة المالية على الاستقلال بحياتها، واستخدمت ما لديها من قدرات لتحيا حياة لائقة كريمة وجب إسكاتها بكل الطرق المتاحة. ومن أقدر على ذلك من زوج يسيء إليها نفسيًا ليل نهار ليسلبها أبسط حقوقها الإنسانية: حياة خالية من الإساءة والعنف. وللإساءة والعنف الأسريين نتائج وخيمة على حياة المرأة وأطفالها، تنبهت إليها الأمم وعملت على معالجة الناجيات منها، وعلى تدريب الرجال المعنفين ليتخلوا عن أنماط الإساءة والعنف، وعلى توعية المجتمع ليتكاتف ضد مثل تلك الأنماط فيستهجنها ويلفظها. كما عملت على الاحتفاء بالصوت، والتشهير بالصمت والإسكات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!


.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية




.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا


.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE




.. يارا لابيدوس: قصّة امرأة عبّرت الموسيقى عن حنينها وعن جذورها