الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الثورة المصرية

حسن خليل

2012 / 5 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تواجه ثورات الربيع العربي عموما و الثورة المصرية خصوصا مأزقا علي المستوي الفكري – السياسي و العملي و التنظيمي. و أنا لا أتحدث هنا عن قضايا الدستور و الرئيس و ما أشبه و أنما عن جوهر هذه الثورة و مآلها و القوي الاجتماعية الفاعلة فيها

مأزق شكل الحكم

قامت الثورة المصرية ضد نظام رأسمالي متخلف تابع يتخذ من الاستبداد الشامل شكلا لحكمه. و من الناحية الأساسية لم تطرح الثورة – و أعني بهذا القوي السياسية المشاركة فيها – إلا تجاوز شكل الحكم الاستبدادي لشكل حكم تعددي. و رغم أنه لو حدث و أنتقل شكل الحكم في مصر لهذه الصورة جدلا فسيكون هذا تقدما مهما. إلا أن السؤال هو هل يمكن أقامة نظاما تعدديا سواء برلمانيا أو رئاسيا في مصر مع الاحتفاظ بنفس النظام السياسي الاجتماعي الرأسمالي التابع؟

النظام البرلماني في أوروبا لم ينشأ مجرد أن قوانين وضعت و دساتير كتبت تتيح تعدد الأحزاب و تداول السلطة و الفصل بين السلطات. بل نشأ هذا النظام لتوفر أساس مادي له. يتمثل هذا الأساس المادي في مستوي عال من التشغيل و مستوي عال من التراكم الرأسمالي -بما في ذلك نهب المستعمرات - يسمح بأن تكون كتله ضخمة من السكان -وخاصة الطبقة الوسطي- قانعة بهذا النظام. كما يتمثل هذا الأساس المادي بتطوير أيديولوجية رأسمالية -و غالبا قومية- تشكل مضمون الوعي العام لهذه الكتلة و تخفي حقيقة أن هذا النظام التمثيلي الديمقراطي هو ديكتاتورية طبقية لصالح الطبقة الرأسمالية. و بدون توفر هذين العنصرين يصبح بناء شكل حكم تعددي أمرا مستحيلا.بل أن هذا الشكل في الحكم ينقلب إلي ديكتاتورية سافرة في الأزمات الكبري -الحروب مثلا و الكوارث الاقتصادية- ففي مثل تلك اللحظات يسحب السكان تأييدهم لهذا الشكل و تظهر حقيقته كديكتاتورية رأسمالية و يصبح بقاؤه مستحيلا. النظام البرلماني لا ينهي الصراع الطبقي لكنه يحاول وضع أطر لهذا الصراع بما يخدم مصالح الرأسمالية. و حينما يشتد الصراع الطبقي يتخلى البرلمان عن دوره للديكتاتورية الصريحة.
و الأزمة المالية العالمية بدأت تكشف طبيعة هذا النظام البرلماني لشعوب شمال المتوسط.فإذا بها تكتشف أن أنظمه حكمها التي تدعي الحكم باسم الشعب أنما تعمل -خصوصا في اللحظات الحاسمة- لصالح طغمة مالية صناعية مهيمنة معززة بترابط وثيق مع نظائرها في البلدان الأخري

و علي مستوي أخر طرحت قوي الثورة ما تسميه "العدالة الاجتماعية" و هي كناية عن أعادة توزيع الثروة ولو جزئيا لصالح أوسع قطاعات الشعب. و لا يمكن النظر لإعادة توزيع الثروة بمعزل عن مستواها و عن الطبقات المشاركة في إنتاجها. فالطبقة الأكثر عددا في مصر الآن -و التي لعبت دورا رئيسيا في الثورة- هي طبقة المهمشين -أو أشباه البروليتاريا - الذين يقعون بشكل شبه كامل خارج عملية الإنتاج و هم بالتالي لحد بعيد خارج أي أعادة توزيع للثروة إلا بشكل هامشي. فمثلا أبرز شعارات العدالة الاجتماعية وهو الحد الأدنى للأجور لا ينطبق عليهم لأن ليس لهم أجور أساسا. فالرأسمالية المصرية بأجنحتها المختلفة لم تتدهور و تتحول للتبعية إلا لعجزها المزمن عن أقامة تنمية كفيله باستيعاب جموع السكان. و هزيمة 67 العسكرية لم تأتي إلا لمزيد من تعميق أزمة الرأسمالية المصرية. و مع هذا التدهور و مع توقف التنمية تضخمت في مصر بشكل سرطاني تلك الطبقة المهمشة . أذن فإعادة توزيع الدخل يجب أن تنطوي علي أمرين أولهما أنتزاع علي الأقل جزء من الفائض الضخم الذي يوجه للطبقة الرأسمالية ذاتها و ثانيهما أستئناف التنمية الصناعية و الزراعية الضرورية لأمداد السكان بحاجتهم و استيعاب المهمشين.
فبناء نظام برلماني مرهون ببناء قاعدة صناعية زراعية ناهضه تسمح باستيعاب القوي العاملة في المجتمع و توفير حد أدنى من المعيشة لها يضمن تأييد قطاع واسع منها لهذا الشكل من الحكم. كما أنه مرهون بتخليق أيديولوجية مهيمنه وظيفتها أن تقدم شكل الحكم البرلماني ضمن الرأسمالية باعتباره الخيار الأفضل للسكان.و قد كان هذا بالضبط ما قامت به الرأسمالية المصرية في فترة بزوغها الأول مع ثورة 1919 . حقيقة لم تنجح الرأسمالية المصرية إلا جزئيا جدا في بناء تلك القاعدة الصناعية الزراعية لكنها اعتمدت أيضا علي قيادتها للصراع ضد الاحتلال الانجليزي لإرساء شكل حكمها التعددي التوفيقي. لكن مع أنكشاف حدود صراع الرأسمالية المصرية مع الاستعمار و مع الإخفاق المستمر في تطوير قوي الإنتاج تراجع شكل الحكم البرلماني البرجوازي الخجول في مصر لأشكال مختلفة من النظم الاستبدادية. حدث هذا قبل ثورة 52 و بالتأكيد بعدها. و مع تراجع هذا الشكل في الحكم تراجعت الأيديولوجية الليبرالية القومية الذي دعمته لصالح أيديولوجيات غيبية دينية تعادي شكل الحكم التعددي عداء جذريا. و في فترة الناصرية العارضة استطاعت الرأسمالية المصرية تطوير قوي الإنتاج جزئيا و بناء أيديولوجية قومية جامعة -هي أيضا معادية للتعددية -لكن شكل حكمها رغم ذلك كان أستبداديا و شخصيا لأبعد حد. أي أن توفر الأساس المادي لشكل الحكم التعددي لا يعني أوتوماتيكيا الانتقال أليه. فبينما من المحتم أن تكون هناك أغلبية مؤيده للنظام التعددي و مستوي معين من تطور قوي الإنتاج لظهور هذا النظام ليس من الضروري أن ينشأ لمجرد توافر الأساس المادي لوجوده. بل يجب أن يقود إليه الصراع الطبقي أيضا.
وحديثا ظهر النظام النيابي علي أنقاض نظم أستبدادية أما في مجتمعات متقدمة أصلا مثلا أسبانيا بعد فرانكو أو دول الكتلة الشرقية أو مجتمعات بها حركات شعبية قوية و مستوي متقدم من التصنيع مثلا جنوب أفريفيا تشيلي الخ. بينما في مصر كشفت الانتخابات الأخيرة عن أن الثورة لم تأتي للبرلمان إلا بقوي معادية للبرلمانية و التعددية و كل ما يرتبط بها بل تعتبرها حراما و كفرا فهل يمكن أقامة شكل حكم برلماني بقوي معادية للبرلمانية؟
.و مع الفشل في تطوير قوي الإنتاج تراجعت أيديولوجية الناصرية أيضا و عجزت الرأسمالية المصرية عن أن تقدم أيديولوجية مهيمنة تصوغ حكمها خاصة في العقود الماضية فاستعارت الإيديولوجية الدينية الرجعية و كرستها و هذا هو أساس صعود تنظيم الإخوان و التنظيمات السلفية. فهي كلها مدعومة من السلطة التي ليس لها ما تقدمه لأوسع الجماهير.فنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تعكس ما عملت الرأسمالية علي تكريسه طوال العقود السابقة عبر الإعلام و التعليم.

مأزق الثورة المصرية أذن هو أنها تحاول تغيير شكل الحكم الاستبدادي بشكل أخر تعددي ضمن النمط الرأسمالي التابع بينما هذا النمط لم يلجا لشكل الحكم الاستبدادي إلا لعجزه المزمن عن توفير تطوير كافي لقوي الإنتاج و بالتالي بناء أساس مادي لنظام تعددي.الثورة المصرية تحاول أن تجبر الرأسمالية علي أتخاذ شكلا للحكم لم تتخلي عنه هي نفسها إلا كنتيجة لعدم قدرتها علي توفير متطلباته. بالتعبير الشائع الثورة المصرية تحاول عمل من "الفسيخ شربات”.

مأزق القوي الاجتماعية المشاركة في الثورة

لم تخترع الثورة المصرية مأزق تعارض شكل الحكم المطلوب ثوريا مع انحطاط النظام الرأسمالي التابع بل عرت ما هو قائم في عمق المجتمع قبل قيامها بسنوات بعيدة. بل أن الثورة كانت الطريق الوحيد الممكن لوضع هذا التناقض الحاد واضحا جليا أمام المجتمع بكل فئاته و طبقاته.لكن هذا ليس المأزق و التناقض الوحيد للثورة المصرية. ثمة تناقض أخر طبقي يدعم هذا التناقض في التوجه.
يتركب المجتمع الرأسمالي من طبقتين رئيسيتين. الطبقة الرأسمالية و الطبقة العاملة. و هما رئيسيتين بما أن لكل منهما منظورا للمجتمع يخالف الطبقة الأخري و يعارضها جذريا. و قد كانت الطبقة الرأسمالية – في السلطة و خارجها – هي دائما حامل البرنامج الثوري الاجتماعي منذ ثورة 19 حتي هزيمة 67. و أقول هنا "البرنامج الثوري" بما أنه برنامجا للتغيير و ليس للدلالة علي مدي جذريته.و لم يستطع المجتمع المصري تقديم قيادة ثورية جديدة تعارض بحسم برنامج الرأسمالية الثوري و تفضح حدوده و افقه الضيق. ربما نجحت القوي اليسارية المرتبطة بالطبقات الشعبية في الأربعينات في أن تشكل المعارضة اليسارية لهذا البرنامج و لكنها لم تصل لمستوي تحديه و طرح برنامجا ثوريا جذريا حقيقيا يتجاوز الأفق الرأسمالي. و في السبعينات ظهرت أيضا معارضة يسارية ثورية ربما كان لها حتي طابعا رجعيا بمعني سعيها لعودة الرأسمالية لسابق عهدها-الناصري- و لسابق عدائها للاستعمار و لسابق تبنيها لبرنامجها الخاص التنموي. و الثورة المصرية اليوم أيضا لم تتبني برنامجا ثوريا يقطع مع برنامج الرأسمالية. بل أنها بحكم القوي الطبقية المشاركة في صناعة الثورة ما زالت تدور فلك البرنامج الرأسمالي. فلا يمكن معارضة برنامج تلك الطبقة الرئيسية الرأسمالية في المجتمع إلا عبر الطبقة الرئيسية الأخري أي الطبقة العاملة. الثورة المصرية تحاول أسقاط النظام من داخله تحاول أسقاط النظام و الحفاظ عليه في ذات الوقت.
و علي عكس ما يدعي بعض كتاب اليسار لم تلعب الطبقة العاملة دورا مميزا في الثورة بما أنها طبقة. بل أن بعد أكثر من سنة علي الثورة ما زالت الطبقة العاملة لأسباب يمكن فهمها بعيدة عن حلبة الصراع السياسي بل حتي عن التضامن فيما بينها كطبقة.
فالمأزق الطبقي للثورة المصرية يتجلى في أن الطبقة التي يمكنها أن تحمل برنامجا ثوريا يصف القوي الثورية في مختلف طبقات المجتمع و يقدم حلا لمعضلة تعارض شكل الحكم مع التطور الرأسمالي ما زالت خارج الصراع.

مأزق جهاز الدولة

لم ترث الرأسمالية جهاز الدولة للمجتمعات السابقة عليها بل أعادت بناؤه ليقدم المتطلبات الخاص بمجتمعها هي. فمن التعليم العام للجيش النظامي و من الدساتير الحديثة لمختلف أشكال تحقق المجتمع المدني كان بناء جهاز الدولة مرتبط بتطور الرأسمالية. و هذا الجهاز تضخم جدا مع الرأسمالية. لكن في مصر و خاصة منذ أنقلاب يوليو 52 أصبح جهاز الدولة ليس فقط أداة للعنف الطبقي تجثم فوق صدر المجتمع و تدعي الحياد بين الطبقات بل المولد الفعلي للطبقة البيروقراطية الحاكمة. أصبح جهاز الدولة ليس فوق المجتمع بل بديلا عنه. و أصبح البيروقراطي الأكبر القابع فوق الهرم متحدثا باسم المجتمع كله. و مع انحطاط النظام الناصري و في عهد السادات و مبارك لم يفقد الجهاز العتيد أهميته علي العكس تضخم أكثر و اصبح مرة أخري الأداة الرئيسية لتوليد الطبقة الطفيلية المالكة الحاكمة عبر كل أشكال الفساد القانونية و غير القانونية . جهاز الدولة المصري يقوم ببيع الخبز و تعليم الأبناء و تقرير مناهج الدراسة و أنشأ الأحزاب السياسية و حبس و تعذيب المعارضين و كل نشاط و أي نشاط مجتمعي. و فوق ذلك هو القاعدة الراسخة للطبقة البيروقراطية و الطفيلية الحاكمة.
بالطبع كانت الثورة من خارج جهاز الدولة و ضده و حاربته أمام الأقسام و في المظاهرات و بنت سريعا و مؤقتا أجهزة بديلة جنينية عملت بشكل رائع من مستشفيات الميدان إلي لجان الدفاع عن الثورة و اللجان الشعبية و طردت بعض من رموز النظام السابق من عدد من المواقع الخ.
علي الصعيد العملي أدركت القوي الثورية أنها بحاجة لجهاز جديد مختلف و معارض للجهاز القائم. لكن علي صعيد الحركة السياسية ما زالت القوي الثورية تضع ثقتها في الجهاز الذي حاربته ربما بشرط -تطهيره- من رموز النظام الذي سقط و لم يسقط. و لكن الثورة لم تصل لمستوي المطالبة بتفكيك هذا الجهاز برمته. فمثلا تطالب القوي الثورية بتطهير الداخلية الأداة الرئيسية لمواجهتها و مركز القمع و الأجرام لكنها لم تصل لمستوي طرح بديل ثوري للداخلية لتكون شيئا مختلفا عن الجهاز المركزي المرعب القائم. لم تصل لمستوي تحدي هذا النمط من أجهزة الأمن علي الرغم من أنها ابتدعت في لحظة ما جهاز أمنها الخاص غير المركزي-اللجان الشعبية- لم تصل لمستوي أستبدال الداخلية باللجان الشعبية.و هذا ينسحب علي قطاعات عديدة الإعلام و القطاع العام و أدارة الأملاك العامة الخ .
فالثورة لم تدرك بشكل جلي ضرورة مواجهه جهاز الدولة السرطاني القائم كضرورة لا غني عنها لتحقيق أهدافها. و رغم أن الثورة نفسها و حيل الثورة المضادة عرقلت لحد كبير عمل جهاز الدولة هذا بدء من هزيمة قوات الأمن لاقتحام مقرات المباحث لتفشي عدم الانضباط -ما يعرف بفقدان هيبة الدولة- إلا أن الثورة لم تصل لمستوي الرفض الكامل لهذا الجهاز الذي هو أساس الاستبداد و أساس نهب فائض القيمة المجتمعي. بل أحيانا كثيرة تطالب قوي ثورية باستعادة هيبة الدولة -خصوصا في مواجهة التردي الأمني المروع-. و تحطيم جهاز الدولة بحد ذاته ليس ضمانا لظهور جهازا أكثر شعبية. ففي ليبيا مثلا تحطم هذا الجهاز لكن يعاد بناؤه علي نفس الأسس و كذلك أيران في ثورتها و العراق بفعل الاحتلال.مأزق الثورة فيما يتعلق بجهاز الدولة هو أنها تعتبره محايدا و ليس أداة عنف طبقي بل و أداه نهب الفائض الاجتماعي و أعادة أنتاج النظام. و لا يكفي هنا هدم الجهاز القائم بل يجب بناء جهازا موازيا شعبيا بديلا

مأزق صراع أجنحة النظام

يوضح مسار الثورة المصرية لما نجحت سريعا بسهولة نسبية في أسفاط المخلوع. ما أن اندلعت الثورة و أتضح مستوي الإجماع الشعبي علي مسانداتها حتي سارعت عديد من القوي من قلب الرأسمالية لمساندة الثورة. و علي وجه الخصوص قام الجيش بانقلابه الصامت ضد رئيسه و قامت القوي الأكثر رجعية في الرأسمالية المصرية الإخوان و السلفيين أيضا بمساندة الثورة. وأصبح الأجماع الشعبي يمتد لداخل صفوف الطبقة الحاكمة و المالكة. و قد أدي هذا إلي طمس الطبيعة الطبقية للقوي المشاركة في الثورة. فظهر شعار الجيش و الشعب أيد واحدة عقب الثورة مباشرة و أثنائها. حتي كشف سلوك المجلس العسكري عن عدائه المستميت للثورة و للثوار. و ظهر شعار "جميعا يد واحدة" ليعني قوي الإسلام السياسي الرجعية مع القوي الديمقراطية. و هو محض طمس للطبيعة الرجعية و المعادية للثورة لتلك القوي. ثم حينما أتضح أن الرجعية الدينية تتحالف مع العسكر ظهر شعار "خيانة الثورة" من جانب تلك القوي الرجعية رغم أنها لم تقم إلا بما يعبر عن مصالحها الطبقية المعروفة منذ سنوات بعيدة. فاليمين الديني متسق مع نفسه في تحالفه مع العسكر و مع مصالحه الطبقية و لا محل لاتهامه بالخيانة هنا. لكن ما كان مكتوما و مخبئا عن أعين الثوار أصبح واضحا و معلنا و سافرا. و الآن فأن الصراع الدائر بين أجنحة الطبقة الرأسمالية يشوش الرؤية الثورية و يطمس حقائق الصراع بين من يملكون و بين من لا يملكون.و لأن القوي الثورية تدور في فلك البرنامج الرأسمالي فهي لا تستطيع أن تدرك العلاقات التي تربط الإخوان و السلفيين بالعسكر و بالرجعيات العربية. فتصبح كل من هذه القوي مجرده من بعدها الطبقي و سابحة في الفضاء الاجتماعي بلا رابط و يصبح علي قوي الثورة أن تصدم مرة بعد الأخري في السلوك السياسي لهذه القوي لانها لا تدرك أنها أنما أجنحة من نفس النظام

كيف يمكن للثورة أن تتجاوز مأزقها؟

أن جوهر كل هذه الصور لمأزق الثورة هو حقيقة أن القوي الثورية لا تملك مشروعا مناهضا لمشروع النظام الذي تحاول أسقاطه. بل هي لا تتبني حتي فهما متقدما له. فحينما نتحدث عن تغيير شكل الحكم كهدف للثورة فحديثنا مجازي لحد بعيد فالأغلبية الساحقة لقوي الثورة لا يعنيها إلا تغيير أشخاص الحكم و لا تلقي بالا للطبيعة الديكتاتورية الشخصية للنظام الرئاسي المصري. و علي كل حال فأن تبني القوي الثورية لمشروع ثوري يتجاوز النظام سياسيا و أقتصاديا و أجتماعيا هو حجر الزاوية لتجاوز مأزق الثورة. و لكن مثل هذا المشروع ليس بيانا يكتب لكن قوي طبقية فاعلة تتبني مثل هذا المشروع و تحوله عبر هذا التبني إلى قوة مادية في الواقع. و هذه القوي الطبقية التي يمكنها تبني مثل هذا المشروع هي جماهير العمال و الفلاحين و المهمشين التي ما زالت بعيدة عن حلبة الثورة السياسية رغم أنها نهضت بالعبء الرئيسي في تحقيقها.فإذا كان الخروج من مأزق الثورة مرتبطا بمشروع ثوري بينما نضج هذا المشروع مرتبط بدور واسع للطبقات المنتجة و المهمشة لا تطلع به حاليا في سياسية الثورة أنتظارا لمشروع يخصها. يصبح لا يمكن حل مثل هذا التناقض دون وجود طرف ثوري فاعل و متميز و مصمم علي الارتباط بالشعب و علي طرح مشروعه الثوري عليه. أي أنه دون بناء حزب ثوري ليس فقط منحازا للفقراء لكنه في نفس الوقت يملك رؤية ثورية.
ينبني علي هذا أولوية أعادة أصطفاف القوي الثورية علي أرضية طبقية واضحة بما فيها أعادة صياغة البرنامج السياسي الاجتماعي للثورة كي يستوعب طموحات أوسع الشعب و خصوصا الطبقة المهمشة التي لا تجد لها مكانا حتي الآن في أدبيات الثورة إلا فيما ندر. و بناء مشروع ثوري لا بد أن يتجاوز الرأسمالية التابعة المتخلفة أو علي الأقل يفتح الباب أمام تجاوزها.بدون مثل هذا التجاوز سيكون لدي الرأسمالية الوقت و الفرصة لإعادة بناء نظامها المتهالك و من المؤكد أنه سيكون علي صورة أكثر قمعا و وحشية.

لما إذن لا تتبني الثورة المصرية الاشتراكية و تقطع بشكل كامل مع النظام الرأسمالي و تتحول من تبديل شكل الحكم إلي تبديل المحتوي الطبقي للحكم؟ أن الدعوة للاشتراكية تقدم حلا نموذجيا لمأزق الثورة المصرية. غير أن هذا الحل يعوزه أسس مادية في الواقع كي يتحقق. و أول هذه الأسس هو أن تكون الطبقة العاملة موحدة حول النضال من أجل الاشتراكية و أن يكون هناك مفهوم نظري عن الاشتراكية ما بعد أنهيار الاتحاد السوفييتي.و كلا الأمرين غير متحققين في الواقع. فلا الطبقة العاملة في مصر موحدة . كما لا يوجد مفهوم حول الاشتراكية بعد أنهيار الاتحاد السوفييتي متمثلا في حزب سياسي ثوري. أذن فهل يمكن تجاوز الرأسمالية دون الوصول للاشتراكية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها