الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الدستورية فى بريطانيا ف . لينين

سعيد العليمى

2012 / 5 / 8
الارشيف الماركسي



عند تناولنا الحوادث المثيرة عن ايرلندا , فى جريدة بوت برافدى عدد رقم 34 تحدثنا عن سياسة الليبراليين , الذين سمحوا لأنفسهم ان يخافوا من المحافظين .{1}

منذ أن كتبت هذه السطور , جرت أحداث جديدة حولت هذا النزاع الخصوصى ( بين الليبراليين والمحافظين ) حول مسألة الحكم الذاتى لايرلندا الى ازمة دستورية عامة فى بريطانيا .

حيث أن المحافظين قد هددوا باشعال " تمرد " بروتستانتى فى أولستر ضد الحكم الذاتى فى أيرلندا , فان الحكومة الليبرالية حركت قسما من قواتها حتى تفرض احترام ارادة البرلمان .
ولكن ماذا حدث ؟
تمرد جنرالات وضباط الجيش البريطانى !
لقد اعلنوا انهم لن يقاتلوا ضد اولستر البروتستانتية لأن هذا يناقض نزعتهم " الوطنية " وانهم سوف يستقيلوا .

لقد صدمت الحكومة الليبرالية تماما بتمرد ملاك الارض الذين يقفون على رأس الجيش . لقد اعتاد الليبراليون ان يعزوا انفسهم بالاوهام الدستورية وبجمل حول حكم القانون , ويغمضون عيونهم عن علاقات القوى الفعلية , عن الصراع الطبقى . وقد كانت علاقة القوى الفعلية هذه هى انه , نظرا لجبن البورجوازية , فان بضع مؤسسات وامتيازات ماقبل بورجوازية وقروسطية للأرستقراطية العقارية قد استبقيت فى بريطانيا .

من اجل قمع تمرد الضباط الارستقراطيين , كان على الحكومة الليبرالية ان تحتكم الى الشعب , الى الجماهير , الى البروليتاريا , ولكن هذا كان شيئا يخافه سادة البورجوازية الليبرالية "المستنيرين " اكثر من أى شئ آخر . لقد قدمت الحكومة بالفعل تنازلات للضباط المتمردين , وحثتهم على سحب استقالاتهم , واعطتهم ضمانات مكتوبة بأن القوات لن تستخدم ضد أولستر . وقد بذلت جهود ليخفوا عن الشعب الحقيقة المخزية بأنهم اعطوا مثل هذا الضمان المكتوب ( 21 مارس , التقويم الجديد ) وان القادة الليبراليين , اسكويث ومورلى واخرين , كذبوا باشد الطرق التى لاتصدق خزيا فى تصريحاتهم الرسمية . على اى حال ظهرت الحقيقة . اى حقيقة ان الوعود المكتوبة التى قدمت للضباط لم تنكر . ومن الواضح ان " الضغط" قد مورس من قبل الملك . ان استقالة وزير الحرب سيلى , وتولية منصبه الوزارى اسكويث "نفسه " , ثم اعادة انتخاب اسكويث , والمنشور الصادر للقوات حول احترام القانون – كل هذا لم يكن شيئا سوى نفاق رسمى صرف . وتظل الحقيقة وهى ان الليبراليين قد خضعوا لملاك الارض , الذين هزأوا من الدستور .

مشاهد عاصفة تلت ذلك فى البرلمان . كال المحافظون سخرية واحتقارا مستحقا لليبراليين , فى الوقت الذى احتج فيه رئيس الوزراء رامسى ماكدونالد , وهو واحد من اشد السياسيين الليبراليين – العمال اعتدالا , احتج باشد التعابير قوة ضد مسلك الرجعيين . وقد قال ان هؤلاء الناس كانوا مستعدين دائما للانفجار ضد المضربين , ولكن حين وصل الامر لاولستر رفضوا ان يقوموا بواجبهم لان قانون الحكم الذاتى الايرلندى قد اثر على مصالحهم وتحيزاتهم الطبقية . ( ملاك الارض فى ايرلندا انجليز , والحكم الذاتى لايرلندا , الذى سوف يعنى الحكم الذاتى للبورجوازية الايرلندية والفلاحين , يهدد وينتقص الى حد ما من الشهية النهمة للاقطاعيين النبلاء .) هؤلاء الناس , واصل رامسى ماكدونالد , فكروا فقط فى قتال العمال , ولكن حين تطلب الامر اجبار الاغنياء والملاك على احترام القانون , رفضوا القيام بواجبهم .

تمرد ملاك الارض هذا ضد البرلمان البريطانى , البرلمان "كلى القدرة" (مثلما ظن وقال الليبراليون البلهاء , وخاصة الليبراليين المتعلمين مئات المرات ) له دلالة عظيمة . 21 مارس (8 مارس, التقويم القديم ) سوف يكون علامة فارقة على عصر , اليوم الذى مزق فيه النبلاء ملاك الارض الدستور البريطانى والقانون البريطانى الى مزق وقصاصات واعطوا درسا ممتازا فى الصراع الطبقى .
ينجم هذا الدرس عن استحالة ثلم التطاحنات الطبقية بين البروليتاريا والبورجوازية البريطانية بواسطة سياسة الليبراليين الاصلاحية المنافقة المخادعة الفاترة . لن يضيع هذا الدرس وسط الحركة العمالية البريطانية , فسوف تنطلق الطبقة العاملة الان بسرعة لزعزعة ايمانها المبتذل بتلك القصاصة من الورق التى تسمى القانون والدستور البريطانى , الذى مزقته الارستقراطية البريطانية امام عيون كل الشعب .

لقد تصرف الارستقراطيون كانهم ثوريون من اليمين ومن ثم مزقوا كل المواثيق , مزقوا الخمار الذى منع الشعب من ان يرى الصراع الطبقى غير السار ولكن الواقعى بلاشك . لقد رأى الجميع ماالذى كانت البورجوازية والليبراليين يخفونه بنفاق ( انهم منافقون فى كل مكان , ولكن مامن مكان , ربما , يوجد فيه منافقون شديدوا البراعة مثلما فى بريطانيا ) . لقد رأى الجميع ان المؤامرة لفل ارادة البرلمان قد تم الاستعداد لها منذ وقت طويل . ويقع الحكم الطبقى الحقيقى ولايزال يقع خارج البرلمان . ان المؤسسات القروسطية المذكورة انفا , والتى لم تكن فعالة لوقت طويل ( او بدت بالاحرى غير فعالة ) سرعان مااشتغلت واثبتت انها اقوى من البرلمان . وليبراليوا بريطانيا البورجوازيون الصغار , بخطاباتهم عن الاصلاحات وجبروت البرلمان التى استهدف بها هدهدة العمال , قد اثبتت انهم رجال جوف , اغبياء , موجودون لخداع الشعب . لقد " اخرست " الارستقراطية بسرعة , هؤلاء الرجال الذين فى السلطة .

كم من الكتب قد كتب خاصة من قبل الليبراليين الالمان والروس , فى مدح القانون والسلام الاجتماعى فى بريطانيا ! يعرف الجميع ان المهمة التاريخية لليبراليين الالمان والروس هى ان يظهروا الاعجاب الذليل بما انتجه الصراع الطبقى فى بريطانيا وفرنسا , وان يعلنوا نتيجة هذا الصراع بوصفها "حقائق العلم" , علم يقف " فوق الطبقات ". وفى الواقع, على اى حال ,قد كان "القانون والسلام الاجتماعى" خلاصة السبات الذى عانته البروليتاريا البريطانية تقريبا فى الفترة بين السنوات 1850 – 1900فحسب .

لقد شارف احتكار بريطانيا على النهاية . واحتدمت المنافسة العالمية . وارتفعت تكاليف المعيشة . وسحقت اتحادات الراسماليين الكبار صغار ومتوسطى رجال الاعمال اناخت بكلكلها على العمال . لقد استيقظت البروليتاريا البريطانية مرة اخرى بعد نهاية القرن الثامن عشر ,بعد الحركة الشارتية لسنوات 1830 – 1840 .

وسوف تسم الازمة الدستورية فى 1914 مرحلة هامة اخرى فى تاريخ هذه اليقظة .

هوامش

{1}انظر ص ص148-51 من هذا المجلد .

المصدر : لينين , الاعمال الكاملة , المجلد 20 , ص ص 226-229 , دار التقدم ,1972 , موسكو . ( الانجليزية ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز اليسار.. سيناريوهات تشكيل الحكومة الفرنسية


.. حظوظ معسكر ماكرون في تشكيل الحكومة.. اختلاف اليسار يسهل المه




.. الآلاف من أنصار تحالف اليسار الفرنسي يرفعون العلم الفلسطيني


.. بعد فوز اليسار: ما سيناريوهات تشكيل حكومة مستقرة في فرنسا؟ |




.. فرنسا.. مواجهات بين الشرطة وأنصار اليسار أثناء احتفالهم بالت