الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتفاقية العجيبة

ساطع راجي

2012 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


قبل عام ونصف العام تقريبا وقع الفرقاء السياسيون اتفاقية أربيل التي أصبحت أساسا لتشكيل الحكومة العراقية والخروج من المأزق الذي واجهته العملية السياسية بعد الانتخابات النيابية في 2010، ومنذ ذلك الوقت سمعنا الكثير من الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء فيما يتعلق بالالتزام بتنفيذ الاتفاقية، وصارت القضايا تثار تباعا بينما بقيت الصيغة النهائية والكاملة للإتفاقية طي الكتمان، وفي مراحل خانقة من الصراع بين الفرقاء السياسيين ظهرت حالات تهديد بكشف نص الاتفاقية الى أن تداولت وسائل الاعلام مؤخرا نصا قيل انه نص اتفاقية اربيل دون أن تنفي أو تؤكد أي من الكتل السياسية مصداقية هذا النص.
كتمان نص الاتفاقية ثم الكشف المفاجئ عنه يدفع الى كثير من التساؤلات، فالنص المطروح ليس فيه أي أمر خطير أو مشين أو خارق للثوابت وحتى عما يقال بشأن تعارض بعض الفقرات مع الدستور فهي تعارضات ليست بالحجم الذي يدفع الى كتمانها كما انها في كل الاحوال لن تنفذ الا بعد تكييفها دستوريا، الامر الاخير المثير هو إن معظم النواب ومن مختلف الكتل لم يطلعوا على النص النهائي للاتفاقية رغم إنهم واصلوا الدفاع عن مواقف زعمائهم لما يقارب العام والنصف، ثم جاء الاعلان الباهت عن النص لنكتشف ان لا شيء مثير باستثناء الكم الهائل من الفقرات التي لم تنفذ، بل ان الاتفاقية بحكم مرور هذا الوقت على توقيعها وبعدد الفقرات التي لم تنفذ منها تعد بمثابة الميتة والفاقدة لكل معنى ويبدو إن الفرقاء لايهتمون كثيرا بعامل الزمن رغم ان هذه الاتفاقية هي بالاصل لتشكيل الحكومة التي ينبغي ان يكون عمرها أربعة أعوام، هل هناك شيء مخفي؟، هل هذا كل شيء فعلا؟، أم إن الفرقاء اتفقوا على تسريب النص المعلن لقطع الطرق على اي نص آخر، ولنا الحق بالتساؤل فيما إذا كان هناك نص آخر، أو إن الفرقاء إتفقوا على افتتاح فصل جديد في مهرجان التسلية الدائر منذ عام ونصف؟!.
كان اشهار نص الاتفاقية هو أكبر ضامن لتنفيذها فعلا لكن الفرقاء أصروا على عدم الاشهار وبذلك فرطوا بضمان التنفيذ ومن يشكو اليوم من عدم تنفيذ الاتفاقية يتحمل هو أكثر من غيره وزر هذه الفوضى السياسية التي تضرب البلاد منذ عدة أشهر، لكن مع ذلك يبقى الشك الاكبر في وجود نص آخر قائما وإلا لماذا تم التفريط بضامن الاشهار؟.
تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن عدم تنفيذ إتفاقية أربيل لايعفي أي طرف من مسؤولية عدم تنفيذها، فالجميع مشارك في مجلس الوزراء الذي تخرج منه مشاريع القوانين والجميع موجود في مجلس النواب الذي يصوت على تلك القوانين كما إن الحديث عن عدم دستورية بعض المطالب لايبرر الابقاء على التصرفات والقرارات المناقضة للدستور بما في ذلك إشغال المناصب العليا بالوكالة وبالتالي تجاوز السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية والرقابية وحقوقها الدستورية وهذا التجاوز ما كان ليستمر لولا تواطئ ورضى أعضاء السلطة التشريعية والرقابية، وهو تواطئ لايشمل النواب بقدر ما يشمل فعلا قادة الكتل الذين أبرموا الاتفاقية وقرروا كتمانها ثم تجاهلوا تنفيذها وأشعلوا بعد ذلك حرائق الجدال حولها بطريقة تشبه الجدال حول القضايا الغيبية التي يستشهد من أجلها اتباع العقائد دون أن يتمكنوا من اثباتها، ثم فاجئ القادة الجميع بالاعلان عن نص الاتفاقية وسط تجاهل شعبي وسياسي لخطوة الاعلان، حيث تجاوز الجميع هذه الاتفاقية/ الجثة والتي لم تكتمل ولادتها أصلا فالخطوة الاساس التي وقعت من اجلها الاتفاقية (أي تشكيل الحكومة) لم تكتمل بعد فما زالت الوزارات الامنية شاغرة وتدار بالوكالة ليزداد بذلك عدد المواقع التي تدار بغموض الوكالة.
أكثر ما يثير العجب هي الدعوات المتواصلة لتنفيذ إتفاقية أربيل بعد مرور كل هذا الوقت على إبرامها، والاصرار على التمسك بهذا الاساس المخترق وكأن الفرقاء أو بعضهم يتمنى مجرد خطوة إعلامية تقول ان الاطراف السياسية تجدد تمسكها بتنفيذ اتفاقية أربيل ليستمر بعد ذلك الحال على ماهو عليه من تخبط قضت فيه الدورة البرلمانية ومعها الحكومة نصف عمرها، وبقي المواطنون خلال ذلك الوقت كله بانتظار انهاء مشاكل الزعماء الشخصية اولا عسى ان يحين وقت الالتفات لمعالجة مشاكل المواطنين لكن هذا التمسك بالاتفاقية يعني ان المواطنين لن يجدوا أي اهتمام بمشاكلهم، فتجديد الثقة بالاتفاقية يعني إهدار مزيد من الوقت لتنفيذ بنودها انطلاقا من بداية السباق واعادة النظر بالاتفاقية وبالتالي تشكيل حكومة جديدة يعني إن الوقت لن يكون كافيا للقيام بأي شيء، هذا ما يمكن أن يفعله النص المعلن للاتفاقية العجيبة فما بالك اذا كان هناك نص غير معلن؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي