الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوت غاضب من القاع

حامد حمودي عباس

2012 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عند كل مفصل من مفاصل التاريخ المهمة ، توقفت شعوب العالم لتستعيد قواها على المناورة وخلق الجديد ، واضعة نصب العين وفي كامل الاعتبار ، أن تنتج تجاربها المميزة فهما يمنحها القدرة على البناء والتجدد ومقاومة دواعي الانكسار .. فكان لها أن تنتقل من ماضيها لتصنع حاضرا يزخر بالمجد والتقدم والازدهار في جميع ميادين الحياة .. الا نحن .. ونحن هذه لا تتوقف عند حدود على خارطة الوطن العربي دون غيرها من حدود .. فتجاربنا كلها ، المرة منها والحلوة ، ( مع شكي بان هناك مذاق حلو في ما مررنا به عبر تاريخنا الملون بلون الدم ) ، مرت جميعها لتسجلها بقية الامم مستفيدة من حالات التردي الظاهرة فيها لكي تتسلح أمام الآتي ، في حين سجلناها نحن حاملين في ايدينا وعقولنا سيوف الاحتراب ، مهيئين مسبقا كل وسائل التخاطب الفج ، ومرتدين جميع اصناف أردية النفاق الثقافي والاجتماعي ، حتى ملت منا اجهزة التلفاز ومنصات الخطابة وصفحات الجرائد ، وازدحم فضاء عالمنا المنكمش باصوات نشاز ، لا تخجل من ترديد ذات النغمات ، وركوب موجة صراع مصطنع ضحك العالم منه ، بل واستخدمه كذريعة جاهزة لاحتلال بلداننا ، والاستهتار بمقدرات شعوبنا ، وامتطاء ظهور حكامنا الدنيئة نفوسهم حتى الثمالة .
نحن ، وعبر العديد من الاجيال المنقرضة والحاضره ، أصبحنا شهود عيان على سلسلة من الانقلابات الدموية قادها العسكر على الدوام ، عندما تستمريء شهواتهم رفع أكفهم لتحية الجماهير المغفلة من فوق منصات الحكم .. ولا زال الاحياء منا ، صغارا وكبارا ، لا يتحرجون في وصف ملاحم الموت كل من موقعه ودوره في أسوء مسرحية انسانية عرضت ولا زالت تعرض فصولها على خشبة الحياة .. ولم يعد أي مجال للاحساس بالفخر ، حتى ولو بحدوده الدنيا ، عندما نوصف كشعوب تأكل ولا تنتج .. فصرنا خير سوق للسيء من الغذاء والدواء ، وخير حقول لتجارب جهابذة رأس المال الغربي والشرقي معا ، نؤدي لهم أمانات رزقهم ، ونتعرى أمامهم بكل اخلاص كي ينمو ريع تعبهم ، نحرق الفاسد من بضائعهم في بطوننا وبيوتنا طائعين غير مرغمين .
خلال فترة قريبه ، اكتشفت السلطات المحلية في احدى المحافظات العراقيه ، بأن قطع غيار للسيارات اليابانية معروضة للبيع في الاسواق العراقية وهي ملوثة باشعاعات نووية عالية .. وظهر بان تلك القطع قد تلوثت بفعل تضرر المفاعل النووي الياباني جراء ظاهرة التسونامي الاخيرة .. فمن ياترى المسؤول عن حياة من ساقه حظه العاثر لاقتناء الخطر القاتل هذا ؟ .. وما هي تبعات هذا الاكتشاف ؟ .. لا شيء طبعا !! .
انها صورة قد تبدو شديدة الوقع على من يحبسون في دواخلهم حقيقة ما هم فيه من حال ، فراحوا يكتبون ويتفلسفون في السياسة والاقتصاد وكل شيء ، ويرفعون عقيرة كبريائهم المضحك ، حتى سولت لهم انفسهم ان يتخذوا موقع الحكم في فرز الكتاب بين فريقين ، ادنى وأوطأ ، ويتهموا من يحكي بصيغ جديدة ، واصفا ما هي عليه مصائبنا السرمدية بأنه يائس وغير مثقف وواطيء المعرفة وينتمي الى الصفوف الخلفية من علية المنافقين .
مئات المؤتمرات ، ومثلها ندوات البحث الاكاديمي المتخصصه ، والمئات من محافل الدراسات العلمية والادبية لا يكتمل زمن انعقادها في اروقة ما يسمى لدينا من جامعات ومعاهد ، حتى تموت وهي في المهد ، بعد ان يغادرها المكلفون بادارتها ممن يتمتعون بحضوة منحتها اياهم مجتمعات الغرب .. ويبقى المساكين من الاساتذة والمتخصصين ( المحليين ) أسرى لنواميس الوطن المقدسة ، ضائعين وسط لجة بحور من الفاقة والاحتقار والحاجة لسد الرمق .. انها جريمة كبرى تلك التي يرتكبها ( كبار ) مثقفينا ، والذين تعمر بنتائج عقولهم كبريات الصحف العربية والمواقع الالكترونية ، وتصر منابر الوعظ السياسي والاقتصدي وعلى كل المستويات بنشر افكارهم النيرة ، حيث ننشغل جميعا بابداء آيات الثناء لرفعة تعابيرهم ورقي لغتهم حينما يكتبون ويتحدثون .. وحينما تظهر ( دراساتهم ) مشفوعة بالصور الشخصية وهي تحمل بريق الشهرة ، لا تضاهيها اجمل صور المشاهير في الدنيا .. جريمة كبرى يرتكبها هؤلاء ، عندما يتغافلون عن حقيقية مرة واحده ، وهي انهم ينعقون في أودية عوالمهم الخاصة ، لا يسمعهم من تشغله طوابير كسب العيش ، ولا يحترمهم سلطان ظالم ، ولا تخشاهم حكومة جائره .. وهم مهما وصفتهم مراكز العروض الفكرية الوهمية بالمفكرين والمحللين والنابهة عقولهم ، فهم ليسوا بأكثر من طالبي الشهرة الكاذبة ، والتي ستموت مع دخولهم توابيت النهاية المحتومه .
سوف لن يظهر فينا مجددا نجيب محفوظ ، ولن يستنسخ جواهري اخر ، ولن يخلق زويل أو ام كلثوم ، ولن تظهر عندنا فرقة الرحابنه ، ولن تتجدد ظاهرة جواد سليم ، ولن تأتي فرصة معاصرة الجزائري كاتب ياسين .. انه الضمور بكل معانيه ، ذلك الذي نعيشه هذه الايام ، حيث لم يعد فينا ومعنا من سلطان لغير رهبان الشعوذة ومستحضري أرواح الأسياد .
أبواب أوطاننا مفتوحة على مصاريعها للوافدين من خانة البطالة في دول جنوب شرقي آسيا ، بعد ان عزفت رساميل اثريائنا من استخدام عمالتنا الوطنية لكونها لا تجيد غير الفهلوة والتملص من المسؤولية . . دولنا الان ، والحمد لله ، تحتل المواقع المتأخرة في قوائم التطور ، واسماؤها ظاهرة في اماكن بارزة من بين البلدان المتخلفة في العالم .. فنحن متخلفون في التعليم والصحة ومراعاة شروط البيئه .. زراعتنا لا تكفينا ، وصناعتنا لا وجود لها البته ، وعلاقتنا بالمكننة والتعامل مع الآلة رديئة جدا حتى ظهرت لدينا اضخم مقابر للسيارات والمعدات العاطله والمخربه ، ولدينا اعلى احصائيات لضحايا حوادث المرور ، ونحن في مقدمة الشعوب المستهينة بخزين المياه ، ولا شأن لنا أبدا بغير محافل العبادة واحياء الذكر وزيارة القبور ..
ماذا بعد ؟؟ .. اننا أبرع شعوب الدنيا في اختلاق أعذار للفشل ، واكثرها قدرة على الاختلاس وسرقة الاموال العامه .. ولدينا أكبر عدد من الوزراء والسفراء والقضاة المزورين ومخترقي عهود احترام نصوص القانون .. لدينا اكبر مساحات التصحر في العالم ، ولا تجرؤ أبسط قبائل الاحراش في مفاخرتنا عنما يتعلق الأمر بطمر آبار المياه الجوفية ، وحبس مجاري الانهار الطبيعية وبعثرة اكوام القمامة عند مداخل المدن .. نحن أشجع ما على الارض في محاربة التعري على السواحل والاستحمام علنا في بحارنا الممتدة طويلا بلا فائدة ، غير تصدير نفطنا الى غيرنا من الشعوب .. نحن لا نحسن غير العراك كمثقفين وسياسيين وحكام ومواطنين عاديين ، نغمض عيوننا عن كل شيء الا حب النكاح واستعراض أفخاذ سبايانا والنوم على جنبات الدعارة .. هكذا نحن .. وليس من مبارز تكفيني قدرته على النكران والاستنكار كي يردني عن الاعتقاد بما اقوله ، لكوني انطق من القاع ، ومن بين زحمة المعوزين ، ذوي الحق في الثورة وسرقة الرغيف من أفواه المستغلين .
فهل يحق بعد هذا كله ، أن تنتفخ عروق ( المتميزين ) بامتهان الثقافة العربية ، ممن يكتبون وهم منشغلين بانتظار موعد اقلاع طائراتهم ، أن يفخروا وينتفش ريشهم ، ويتعالون على غيرهم من خلق الله ؟ .
لا اعتقد بذلك ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2012 / 5 / 9 - 18:17 )
اعطيتك 100 من 100 وماذا تريد ان أقول لك ؟
لم اجد تشخيصاً غير حقيقي في مقالك - لم اجد ثغرة لك في عرضك لحالنا الذي لا يحسدنا عليه ألد الأعداء ..
يا تُرى ما هو السبب أو بالأحرى هل هناك سبب واحد ؟ ألم ترى معي بأن هناك عوامل عديدة تظافرت من اجل ان نكون في ذيل الترتيب وأول هذه العوامل هي - نحن - لا نلوم غيرنا - يجب أن نلوم أنفسنا - الحاكم والنخب هي الفساد وهي السبب صاحبهم كهنة المعبد المقدس من اجل التواصل والاستمرار هم ينتفخون والشعوب ,, التكملة عليك
شكراً للأستاذ حامد


2 - الصوت الصادق و الملتاع
علاء الصفار ( 2012 / 5 / 9 - 19:23 )
السيد حامد عباس المحترم
ان وصفك للماساة هو تعبير عن الاسى و المرارة من زمر الدكتاتوريات العسكرية الخائنة للشعب عبر زمن التآمر و العمالة و الحروب الوهمية المخادعة و ضجيج اقلامها المأجورة على مدى اكثر من 50 عام حيث جمل المثقف السياسة المرتبطة بالغرب و الامبريالية الامريكية في حين كانت تنمو السلطة الطفيلية القومجية المسخ وهي تعبث بالانسان والقيم و الاخلاق قبل البترول. لنصحى على واقع من التلف و الانهيار بعد سلسلة من المؤامرات الانقلابية البائسة. انقلاب, مرة انكليز واخر انقلاب امريكي الى ان صار غزو امريكي و قصف غربي من التاتو و اخذ اسم التحرير و لا نعرف هل هو تحرير من الدكتاتور العميل ام من المحتل الغربي! ع
وهكذا لنشهد المسرح الحالي بعد ان دمر الدكتاتور البلد و الانسان و الثروة و الطبيعة حيث الخراب الكبير بقيام احزاب السلفية و القاعدة و الدولة العميلة الوهابية ومع الغرب من اجل تحطيم الشعوب العربية و شبابها التواق للحرية في ضربة قاسية نحو التخلف و التردي والى دول تغطيها الماساة والقمامة والعالم الحر يضحك من مطيتة البرجوازية الطفيلية العربية الغبية, وشكرا للسيد الكاتب و للعرض الامين


3 - اليابان ترسل للعراق قطع غيار ملوثة نووياً.أسفي
الحكيم البابلي ( 2012 / 5 / 9 - 19:24 )
عزيزي الأخ حامد
مقالك صرخة الشرفاء والمتضررين من شعبنا العراقي ، وهي قلتَ : صرخة من القاع العراقي ومن بين زحمة المعوزين
سأحاول التركيز على نقطتين مهمتين في المقال ، الأولي قولك أن السلطة ، أي سلطة ، قد فرزت الكتاب إلى فريقين .. أدنى وأوطأ ، وأعرف إنك قصدتَ : أعلى وأوطأ ، وطبعاً هذا الفرز لا يحدث بين الكتاب فقط ، بل في كل مناحي الحياة الإجتماعية واليومية ، وهو خطأ قاتل لا يقع فيه غير الجهلة
أما عن قطع الغيار اليابانية الملوثة بإشعاعات نووية والمصدرة للعراق !! فصدقني هذه أكبر صفعة على وجوهنا ووجودنا كبشر ، هي بالضبط كذلك الذي دخل علينا بيتنا وبال في غرفة نومنا عيني عينك ، وهي وصمة عار وشنار على كل مسؤول عراقي يدعي الشرف والغيرة والرجولة ، تلك المسوخ البشعة التي لم يتبق للعراقي بسببهما أي إحترام بين دول العالم وحتى الجيدة منها كاليابان
هو خبر مؤلم وبشع ومدمر لكل عراقي لا زال يحمل ذرة غيرة لعراقيته ووطنه وشعبه ، وهو تحدي قذر لوجودنا كبشر وليس كصراصر ، ولا أعرف لماذا لم يتناول أحد من كتابنا هذا الخبر ويحاول التركيز عليه وعرضه للعالم !؟
أي دولة تحترم شعبها كانت ستقيم الدنيا ولا تقعدها
محبتي


4 - الاساتذه جميعا
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 5 / 9 - 20:03 )
تحياتي واحترامي لكم
كل شيء يصل العراق ملوث وفاقد الصلاحيه من قطع الغيار الى الادويه الى الاغذيه
والاخطر ما فيها الاغذيه والمشروبات الروحيه والغازيه
اتمنى على المختصيين ان يعلنوا عن نسبة خصوبة الشباب والشابات من خلال عدد الولادات بعد الزواج
انها كارثة ان عوامل العقم تقدم للشباب مع الاغذيه والادويه والمشروبات
العجيب كما قال احد الصيادله ان هناك تجار يتفقون مع مصانع الادويه العربيه او الاسيويه للتلاعب في مواصفاتها
انها كارثة يمكن استخلاص مؤشراتها من حساب عدد حالات الزواج و عدد الولادات الطبيعيه في وقتها وحالاتها
الشعب الى الفناء الشباب ينتضرون الموت في المقاهي وعلى الارصفه
واليوم اقول خلال السنوات القليله القادمه ستظهر الماساة وهي تناقص عدد السكان

اخر الافلام

.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: أسو


.. الجزيرة ترصد مبنى الشركة المتهمة بتصدير أجهزة البيجر التي ان




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش تداعيات اغتيال القيادي بحزب الله ال


.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #




.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست