الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستبد العاجز

سعد تركي

2012 / 5 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يسوّق بعضهم للدكتاتورية والتفرد بالسلطة تحت عنوان المستبد العادل، مستندين على أن الكون يسيّره إله فرد، وأن السفينة لا يمكن إدارة دفتها إلاّ بربّان واحد. رأس السلطة ـ بحسب هذا التصور ـ يشبه ربّ الأسرة الذي لا يمنعه حبّ أبنائه عقاب المسيء منهم. تشبيه يفترض الحاكم على صورة إله قدير مقتدر وعادل، أو نبي حكيم يُوحى إليه، أو إمام عصمته السماء عن الوقوع في أخطاء وزلاّت وذنوب البشر. إفتراض يزيده فساداً وبعداً عن حكم العقل الإدعاء بأن الديمقراطية، مع صلاحها لبعض الشعوب، ثبت عدم ملائمتها لأخرى بدليل الفوضى التي تعيشها شعوب عربية (تجرأت) على فتح رئتيها لنسائم الربيع.
ذهب أحد الفلاسفة إلى أن التاريخ إذ يتكرر فإنه سيكون سخرية وملهاة كبرى بعد أن كان في المرة الأولى مأساة عظيمة. والتفرد بالحكم، أو استبداد العادل، يثبت صواب ما ذهب إليه بثاقب بصيرته وحدّة فكره. الطغاة الأولون استعبدوا شعوب الأرض ونشروا الموت والدمار والخراب على مذبح مجد وشرف روما وسيادة ونقاء العرق الجرماني، فيما ساق طغاة العصر ومستبدوه العادلون شعوبهم إلى السجون والمعتقلات تحت شعار الحرية، والإنقسام والتناحر باسم الوحدة الوطنية والقومية، والجهل والمرض والجوع تحقيقاً للإشتراكية. الطغاة الأولون قطعوا النحور واستعبدوا وأذلوا الرقاب بتفويض من السماء، والمعاصرون أحالوا الأوطان إلى سجن كبير والمواطنين إلى أشباه بشر باسم الشعب!!
كان الاستبداد، في المرجعية العربية القديمة، يعني الحزم والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها من دون تردد، ولعل العبارة الشهيرة "إنما العاجز من لا يستبد" تؤكد هذا التفسير، مع افتراض أن المستبد عادل بالضرورة. أما حين يكون المستبد ظالماً غير عادل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو الطغيان بدليل قوله تعالى (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى). بعضنا مازال يحلم بمستبد عادل تكون إرادته فوق القوانين غير أنه يستعمل البطش والقوة في إحلال العدل. إن فكرة كهذه تشبه كثيراً ما يرّوج له بعضهم من وجود لص شريف أو بغيّ فاضلة، وهي ليست سوى أوهام ابتدعها متلاعبون بالألفاظ يحاولون تسويقها على شعب خرج من سجنه تواً ولم يألف بعد الطيران في فضاء الحرية.. تعابير فارغة من المعنى تتجاهل إن المستبد لا يمكن أن يكون عادلاً، بحسب حكم العقل وتجارب التاريخ، فالاستبداد كان دوماً ظلماً فاحشاً وخراباً ودماراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
سعيد عدنان ( 2012 / 5 / 14 - 07:08 )
شكرا لك مقال رائع في صميم الصواب


2 - استاذي الفاضل
سعد تركي ( 2012 / 5 / 14 - 07:43 )
الشكر كل الشكر لك، استاذي ومعلمي، فما أحسنه إنما تعلمته منكم.

اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام