الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : مرينا في المنطاد

محمد بقوح

2012 / 5 / 10
الادب والفن


هي ذي مارينا.. حبة مخدر في كأس بيرّة مزبد..
إنه يكره أن ينظر إلى الوراء. هو ينفخ في (ميكته) ليلا، و في النهار الموالي، يجعل منها منطاده السحري. يحلق به بين مقاهي، و مراكب مارينا البحرية. عاود النفخ داخل الكيس البلاستيكي. يبدو الكيس، و كأنه ملتصق بفمه. ينتفخ حتى يصبح على شكل بالون، ثم يتقلص الانتفاخ تدريجيا، ليعود في النهاية، إلى وضعية الصفر.. وضعية الانكماش التام. يده الوسخة، و المشدودة إلى رأس الكيس، خبيرة في فتح الثقب و إغلاقه، حسب حاجته. هي يد عليا مدربة على القيام بذلك. و اليد الأخرى في الأسفل، تغازل بأصابع مضطربة، قاعدة الكيس المنتفخ. من فوق صخرة ملساء على شكل t كبير أسمنتي، ينظر سعد إلى زرقة البحر، في الأفق البعيد هناك، حيث يبدو له حد البحر، كما لو كان السلك الأكثر علوا للسياج، الذي يحيط بالأرض، هذه التي يعيش فيها الإنسان منذ الأزل.
( إذن، نحن نشبه الكائنات الموجودة في محمية ). يتذكر سعد محمية (ماسّة) للحيوانات النادرة. ماسّة، هي بلدته الأم، قبل أن تجيء به ظروف أمه الخاصة جدا، على إثر واقعة موت أبيه المفاجئ، بتلك الطريقة المؤلمة، التي لم يتقبلها سعد. لقد مات أبوه منتحرا. الشيء الذي دفعه إلى اختيار الهروب، إلى هذه المدينة، تاركا بيت أمه، التي تزوجت برجل آخر، كان معها في علاقة غير شرعية، قبل وفاة والده.

مدينة أغادير.. حيث يوجد الآن.. مدينة، رغم ما يقال عن سحر جمالها البين، إلا أن سعدا، غير راض بوجوده، و إقامته بين أزقتها نهارا و أنفاقها ليلا. إنه يشعر فيها بكونه غريب، و لا يهتم به أحد. الكل تخلى عنه هنا، فقط لأنه أصيب بهذه (البلية). فلماذا كرهوه لشيء لا يد له فيه؟ فهو لم يختر هذه الطريق عن طواعية. بل وجد نفسه متورطا فيها، صحبة أطفال و صبيان آخرين. تذكر مطاردات البوليس له، في الليالي الأولى، عبر أزقة المدينة الضيقة، قبل أن يتعلم من (الغول) زعيمهم، كيف يتخلص من سيارة الأمن، باللجوء إلى مغارات هوامش المدينة العتيقة. لكنه الآن هنا، بين صخور مرينا الجميلة، التي غالبا ما ينعتها بعروس البحر، أصبح أكثر نضجا في اختيار المكان، الذي يشعره بالأمن و الأمان، و بكونه إنسان. فهو يمارس فعلين، و متعتين في نفس الوقت. يتنفس هواء (ميكته) المفضلة، و التي بلي بها.. بمتعته المعهودة و القديمة، و هو موجود على صخور ضخمة، بجانب البحر الهادئ، و بالقرب من تخوم أرقى شارع في المدينة الجديدة. مارينا.. يا مارينا.. إنها قمة المتعة الراقية و المزدوجة، حسب تعبيره .
وجد نفسه اللحظة، يتأمل هذا السقوط الجميل الصعب، الذي حيّر العلماء، للشمس في البحر خارج سياج الأرض. أرضنا التي نعيش فيها. اليد اليمنى مشدودة إلى فمه، حيث تخنق أصابعه عنق (الميكة)، و اليد اليسرى دوما في أسفل اللعبة، تحرك قاعدة (الميكة)، صعودا و نزولا.. بطريقة آلية. لا يزال يتأمل أفقا بعيدا.. هذه المرة، لا حظ نوعا من التفاعل و التعانق، بين زرقة البحر، و احمرار قرص الشمس.. الشمس القوية، و الحمراء، هناك في الأفق.. الآن.. ها هي ذي تنزل ببطء، سلّم البحر الهائل. ( الأسماك ستكون في انتظارها. هذه هي الديمقراطية. نتناوب على استضافة نور الشمس. يوم عندنا.. و يوم عندها. أي عند الأسماك.. "هكذا فكر سعد".. لكن يا ترى، ماذا سيكون مصيرنا، لو بقيت الشمس عند الأسماك، هناك في التحت.. في عمق البحر.. و لم تصعد إلينا، كعادتها في الصباح الموالي.. كيف ستكون حياتنا ؟؟ ). ابتسم سعد، في هذه اللحظة. تدارك و فكر في أفكاره، ليجدها مجرد تخريفات.. أعاد (الميكة) المشنوقة بأصابعه، إلى فمه الصغير.
نفخ النفخة الأولى، ثم عمق نظره، في صورة (الميكة) المنتفخة أمامه. وجدها بالونا يشبه، إلى حد كبير، بالون هذا العالم العجيب، الذي يوجد فيه الإنسان و الحيوان و الطبيعة. فكر في أن جميع الكائنات الحية البرية، تعيش داخل بالون كبير، مملوء بالهواء و الغاز، كالهواء، الذي يتنفسه هو اللحظة، من (الميكة) الموجودة بين يديه. قال: ( نحن، بني البشر، نعيش داخل بالون، مملوء بالهواء، الذي هو الأكسيجين، كما لو كنا أسماكا. لكن الأسماك تعيش داخل بالون ثان، أزرق اللون، اسمه البحر.. لكنه بالون مملوء، ليس بالهواء، هذه المرة، و لكن بمادة سائلة، هي الماء. فنحن، بني البشر، لا نستطيع أن نعيش، خارج حدود هذه الدائرة الكبيرة.. سياج بالون الهواء العظيم. كما أن الأسماك بدورها، لا تستطيع أن تعيش، خارج دائرة سياج بالونها المائي، الذي لا حد له. إذن كلانا معتقل في سجن حقيقي.. سواء كان هواء أو ماء.. إنها الحقيقة المرة. و ندعي أننا أحرار، و نعيش بحرية.. ههه، لا حرية و لا زفت..).

في هذه اللحظة، رأى سعد رجلا قادما تجاهه، حاملا قصبة الصيد. لم يغير الصبي من وضعية جلسته. ظل كما كان. حياه الرجل تحية عادية. رد سعد على تحية الرجل، بتحية أجمل. لأنه، تمنى له صيدا موفقا. ابتعد الرجل شيئا فشيئا، حتى توارى عن أنظار سعد، خلف الصخور الضخمة.
هبت هبوب برد قارس، جعلت جسد سعد يرتعش. ملابسه كانت ملابس موسم صيف. يعجبه أن يتجول، بملابس خفيفة. أخرج القنينة من جيبه، ثم أفرغها بالكامل داخل فوهة (ميكته)، ثم أعاد (الميكة) الفارغة إلى جيبه.
نزل من فوق الصخرة الكبيرة. بدا له الجبل هناك.. جبل بولقنادل.. بأنواره الفياضة ، على شكل سفينة، تبحر على قدم المحيط. فكر :
( هي ذي سفينة نوح، التي أنقذت البعض، و قتلت البعض الآخر. رحم الله الذين ماتوا في الزلزال ). تابع طريقه على بساط رمال الشاطئ، متجها إلى تحت قناة لاكورنيش. هي قناة ضخمة للوادي. لكنه، هو يسميها، مع أصحابه، بلاكورنيش البيضاء، بحكم موقعها بالقرب من لاكورنيش الحقيقية. ( هي تسمية جميلة، اتفقنا عليها نحن صعاليك، هذه المدينة الغريبة الأطوار ). هذا ما قاله سعد، ذات يوم، لصياد سمك، حين سأله هذا الأخير أين يقيم.؟ و في نفس المكان الذي لفظه الآن. وصل إلى القناة الضخمة. وجدهم كلهم هناك، في زاوية الجسر المظلمة، إلا رقعة جلوسهم المضيئة بمصباح منير. كانوا يفترشون الأرض و الكارطون، و مكوّرين، يستمعون إلى موسيقى مغربية قديمة. أيوب، و موسى، و نوح، و كوثر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين